مُسافِرون
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]مُسافرونَ وفينا الأرضُ تختنقُ
مُهَاجِرونَ وَكمْ ضاقَتْ بنا دُوَلٌ
ومُبعدونَ عن الأوطانِ تطردُنا
وعائدونَ وحبلُ الموْتِ منتظرٌ
وغاضبونَ بأيدينا ازْدَهى علمٌ
يرفُّ فوقَ ذُرى العلياءِ غرّتُهُ
والثائرونَ لعارٍٍ ليْسَ تغسِلُهُ
فنحملُ الوطنَ المَنكوبَ في دمِنا
وبي غبارُ حروبٍ خضْتُ أدْمنني
إنّي حنينُ نخيلٍ غادَرَتْ ظَمأً
دمي المحطّاتُ تحْيا فيه أزْمنتي
وتزْرعُ الخوْفَ في الأجفانِ أخليةٌ
وفي البلادِ غدَوْنا لا أمانَ لنا
فكلّما طفْتُ في البلدانِ أسألُها
وكلّما صُحْتُ بالشهداءِ مذ رَحلوا
جاؤوا وفيهم ينزّ الدّمُّ فرْطَِ هَوَىً
متى يعودونَ من دنيا براءتِهم
متى وسيْفٌ من الأوجاعِ يهْرِسُنا
على الحدودِ يمدُّ الضوءُ شرشَفَهُ
نحْنُ اكتشَفْنا بأنّا غربةٌ فتحَتْ
يا كربلاءَ اشْعلي بالنّارِِ حَشدَهُمُ
فما أرَدناكِ أنْ تبقيْ على عَطشٍ
تهيَّئي فالسَّما حُبْلى غمائِمُها
تفجّري نَجَفي واستقبلي دمَنا
الحاملونَ إلى التاريخِ رايتَهُ
نَذْراً سألقاكِ شلالاً يواكِبُنا
فعلِّمينا فنخلي ليْس تقمَعُهُ
وعلّميْنا جِرَاحي حَجْمُها مُدُناً
وأنتِ ذي قارُ والبرْديُّ يغْسِلني
كلُّ القوافي إلى عينيْكِ أغْزِِلُها
فعَانقينا نصوغُ الصبرَ ملحَمةً
ويا جَنوبَ دمي ميسانُ لا تَهِني
يا درّةَ الكوْنِ والأشهادُ شاخصةٌ
ومنكِ للآنَ للبارودِ لعْلعَةٌ
لو حرّةٌ صرَخَتْ في الهورِ وارْتجَفتْ
كركوكُ ، تكريتُ ما جَفّتْ مروءَتُنا
يا موْصِلَ الشَّرفِ العالي مصائرُنا
يا كلَّ أهْلي منَ الفيحاءِ أنْدُبُكم
أما سَمِعْتُمْ وهوْلُ الصوْتِ هزَّكُمُ
ألَمْ يُلامسْ بكمْ آذانَ نخوتِكم
يا طهْرَ أرضي فلا واللهِ يثلِمُنا
إنّي أراهِنُ أنْ تعْلو أكفَّهُمُ
لا لا تزُجُّوا تصاريحاً مُفرِّقةً
للطائفيّاتِ لا تُلْقُوا حِبالَكُمُ
هذا أوانُ الفِدا والبَذلِ فاعتصِمُوا
قد حانَ وعْدُ الرُّغاليينَ يا وطني
أمْشي مكابرةً والجمْرُ أسْحَقُهُ
أنَا القوافي أهدّيها أذا جَمَحَتْ
تأتي فُرَادى وأرهاطاً بعفَّتِها
فيها أرَتّقُ مَوْتوراً مَظالِمَنا
لا لنْ أبيعَ فمي لو ثرْثروا سَفهاً
عشْرٌ تعَدَّتْ وحتّى الآنَ ما هَدَأتْ
سِرْنا جراحاً فصادَفنا مواجَِعنا
وما انتبَهْنا رُؤى الأفراحِِ تهْجُرُنا
نحْنُ انتظرْنا لفجري نرْتجي أمَلاُوراحلونَ وفينا غَصّتِ الطُرُقُ
وفي رَحى حَسراتِ البُعدِ ننسَحِقُ
كلّ الدروبِ وتُدْمي خطوَنا الحُرَقُ
وبابُ سجْنٍ على الآلافِ مُنغلِقُ
به تُشَدّ الخُطى والغيظُ يَنْفلقُ
به الحسينُ زَهَا كالنورِِِ يَأتلقُ
إلا الدّماءُ زكيّاتٌ ستنْدفقُ
على جناحِ البُكا كي يُزهرَ القلقُ
وقعُ الرّصاصِ بأفقِ الروحِ ينْطلقُ
عن الشواطي وفيها يرْكضُ الغدَقُ
وراحلٌ والجهاتُ السّودُ تنْغلقُ
أمّا الفراشاتُ فوقَ الضوْءِ تحْترقُ
بهِ اكتشفْنا إليْنا صُودِرَتْ حَدَقُ
عنِ العراقِ غشاني الدّمعُ والأرقُ
عن الغيابِ متى قد يَطلعُ الفلقُ؟
مثل انزلاقِ الرّؤى في كوْنِهِمْ خَفقوا
ويطلعونَ شموساً كلّها أنقُ؟
نصْحوا ونقرأ ما قد يَحْملُ الوَرقُ؟
أرَى بلادي ولكنْ دوننا نَفََقُ
أبوابَ رحلتِها والروحُ تلْتصِقُ
وَحشّدي العزْمَ فالدُّنيا لمَنْ طرَقوا
مثلَ الحسيْنِ بأرْضِ الطفِّ يَحْترقُ
وأنّنا ضاقَ في طَوْفانِنا الأفُقُ
على صَهيْلِ الفِدا لو أُسْرجَتْ سَبقوا
والباذلونَ ولن تُلوَى لنا عُنُقُ
فسحْرُ بغدادَ منه الطهْرُ قد سَرقوا
حُمّى الصّراعات أو مُستكْلِبٌ نَزِِقُ
مِنَ الدّماء مَداها ليْسَ يَنْغلِقُ
بضحكةِ الفجرِ لو أفشى الدّنا المَلَقُ
حُلْماً يُوَشّى فأهْلي للوَغى انْطلقوا
تعْشو النجومَ وعَهْداً يَرْحلُ الغَسَقُ
يا هيْبَةَ اللهِ فيكم يُحْرقُ الرّنَقُ
للآنَ منكِ يفوحُ الهَالُ والعَبقُ
على الحدودِ به قد دانتِ الحُمُقُ
عَجْلى تهبُّ لها الأنبارُ تسْتبقُ
جدّي تَنَادى لبابِ الخُلْدِ مَنْ عَشِقوا
ديْسَتْ وفينا اعْتلى للدّسْتِ مَنْ مَرقوا
لأرْضِ زاخُو هنا حرّاتُنا شُنِقوا
صوْتُ الحرائرِ فيهمْ قد بَغى الأبِقُ؟
متى نثورُ وهذا السيفُ يُمْتشَقُ؟
باغٍ يجورُ ولا خوْفٌ ولا رَهَقُ
كفُّ النّشامى إذا للسّاحةِ اتَّفقوا
وقطّ واللهِ ما أسْلافُنا افترَقوا
قد رّثَّ هذا الذي منْهُ اكتوَتْ فِرَقُ
بحبْلِ ربِّكمُ والرّكبَ فالتحِقوا
ومَنْ لفارسَ دانوا أو لهُمْ نَهَقُوا
وبي احتراقاتُ مَنْ مَاتوا ومَنْ سُحِقوا
ويَجْمَحُ الحرْفُ منّي حينَ يَنْدلِقُ
فإنْ سَكَتُّ بثغري كلُّهمْ نَطقُوا
شاخَتْ وما شاخَ همٌّ بالمَلا فَتَقُوا
ولنْ أقولَ سوى ما يبْتَغي الخُلُقُ
مَجامرٌ أُضْرِمَتْ أهلي بها احْترقوا
بين الدروبِ يَقودُ الخَطوَ مُنزَلَقُ
مُطارَدونَ بنا البلدانُ ترْتزِقُ
عسى ببغدادَ خيْطُ الصبْحِ ينْطلقُ