وجع الحروف
محمد نادر فرج
ميرلاند - أمريكا
إني لأكتبُ منِ مِدادِ حُشاشَتي
ودَمُ الوريدِ أصوغُ منه بَياني
فإذا أَخُطُّ طَبعتُ فَيضَ مَشاعري
وإذا رَسَمْتُ، فمُهجَتي وحَناني
فأَقُدُّ مِنْ وَجَعِ الحُروفِ حَرائري
وأُحَمِّلُ الكَلماتِ فَيضَ مَعاني
فإذا قَصيدي مِنْ وَميضِ صَبابتي
وكأنَّها مَلَكتْ عليَّ جَناني
وكأنَّ روحي إذ أُدَوِّنُ أحرفي
طُبعَتْ على الصَّفحاتِ كيفَ أعاني
هذا المِدادُ ومنْ دُموعِ قَصائدي
هَوجٌ تَصعَّرَ في دَمي فَشَجاني
****
حتَّى متى سأظلَّ أكتم آهتي
والغَيظُ يَعصرُ أضلعي وكَياني
حتّى متى ودماؤنا مَطلولةٌ
ونَتيهُ بين رَغائبٍ وأماني
والبَغيُّ يَعصرُنا ويَقمعُ أهلَنا
ويَسومُنا بالعَسفِ والنّيرانِ
وأرى بَنيَّ وإخوتي ودماءَهم
مَسفوحةً تَجري بكلِّ مكانِ
ويَمورُ من لَهَبٍ لِهَيبَتها الثَّرى
وتَهيجُ في غَضَبٍ رُبا الأوطانِ
فالقتلُ ليس لِجُنحةٍ وجريرةٍ
لكنه حِقدٌ مَعَ الأزمانِ
حقدٌ تَوارثه وقبلَ فطامِهِ
رُوِّيهِ من صِغَرٍ معَ الألبان
ونَوازعُ الشَّرِّ المَقيتِ أصيلةٌ
بنُفوسِهم كعبادةِ الأوثانِ
همْ أُترعوا الإجرامَ حتى أصبَحْت
سِمَةً، ويَبتدرونَ بالشَّنآن
لم يشهدْ التاريخُ مثلَ صَنيعهم
وَحشيَّةً في خِسَّةٍ وهَوانِ
****
إني لأعجبُ أن أرى بينَ الوَرى
أمثال هذا الصِّنفَ في الأكوانِ
أتُراهم بَشَراً.؟ وهل في رَوعهم
شَيئا يوافق فِطرةَ الإنسان.؟
قد كان هولاكو على إجرامه
وقد اجتنى لَعَناتِ كلَّ لسانِ
وبأنَّهُ المَهووسُ في سَفكِ الدِّما
ومَضى يَبُثُّ الرُّعبَ في الميدانِ
ما كانَ يَقتُلُ في بني أوطانِهِ
من مثلِ هذا الفاجرِ الخَوَّانِ
يَتلذَّذونَ على الدُّموعِ وأولِعوا
بِمَشاهدِ التَّرويعِ والهَذَيان
لَسْنا سوى نَعَمٍ ويَبتدرونَها
قُربى لَدى الباغي بلا إحسانِ
ويُسَخِّرونَ من الشُّعوبِ لئامَها
والأدعياءَ رَبائبَ الشَّيطانِ
همْ يَسجدونَ لِمُجرمٍ ويَرونَه
ربّاً وليسَ لهم إلهٌ ثاني
بئسَ الإلهُ يَسُرُّه قتلُ الوَرى
وهُيامُهُ التَّنكيلُ بالإنسانِ
****
سُحقاً ويا لِفُجورِهم وغَباءِهم
أفلا يرونَ نِهايةَ الطُّغيانِ
أفلَم ْيَروا سَحْقَ العُروشِ وهَدمَها
ومَصيرَ مَنْ شَمَخوا على الأقرانِ
يُستَخرجونَ منَ المَهامِهِ والقَذا
ويُلَطَّخونَ بِخَيبةٍ وهَوانِ
ما كانَ ظُلماً أن يَذوقوا مثلما
قدْ ذَوَّقوا بَغياً من الأعوانِ
تُعساً لهمْ. أفلا يَرونَ مَصيرَهمْ
ومَآلَ ما اقترَفَتْ يداهُ الجاني
سَيُقتَّلونَ وتُستباحُ حُصونُهمْ
وتُدكُّ أعناقٌ لهمْ بِسِنانِ
****
قَهْرُ الشُّعوبِ جَريرةٌ مَمجوجَةٌ
وجَزاؤها سَخَطٌ من الرَّحْمنِ
فالله يَغضَبُ أن تُسامَ رَموزُهُ
أو تُستباحَ كَرامةُ الإنسانِ
وهو القَديرُ متى يَشاءُ هَلاكَهم
في أمرِ كُنْ، فيكون قَيْدَ ثوانِ
فإذا العُروشُ دَوارسٌ وإذا هُمُ
كالعَصفِ مأكولاً بكلِّ مَكانِ
لكنَّما التأخيرُ فيهِ فضيلةٌ
تُجلى ببالغِ حكِمةٍ وبيانِ
فإلهُنا الرُّحمنُ ناصِرُ جُندِنا
وهوَ المَلاذُ لِحَوزِةِ الإيمانِ
وإليهِ نَجأرُ بالدُّعاءِ وبالرَّجا
والبرِّ يَقبلُنا وبالإحسانِ
فَلَنا الإلهُ وليُّنا، ووَليُّهمْ
هذا الشَّقيُّ، فكيفَ يَستويانِ.؟