أنا حصادُ متاهات
أنا حصادُ متاهات
سامي القريني
الرِّيْحُ تَحْمِلُ مِنْ دَرْعَا إِلَى كَسَبِ
مَا كُنْتُ أُخْفِيْهِ مِنْ شِعْرِيْ وَمِنْ أَدَبِي
قَدْ كُنْتُ أَوْصَدْتُ بَابَ اللَّيْلِ مُتَّكِئاً
عَلَى نُعَاسِيْ، عَلَى مَا فِيَّ مِنْ تَعَبِ
جُفُوْنِيَ اقْتَرَفَتْ أَحْلامَهَا وَمَضَتْ
بِيْ نَحْوَ عَيْنَيْ فَتَاةٍ قِيْلَ مِنْ حَلَبِ
وَقِيْلَ مِنْ حِمْصَ .. أَغْمَتْنِيْ أُنُوْثَتُهَا
وَالكُحْلُ إِذْ كَانَ مَسْبِيّاً عَلَى الهُدُبِ
وَشَعْرُهَا كَانَ أُوْرْكِسْتْرَا، وَكُنْتُ أَنَا
لَحْناً يُلامِسُ سَهْواً شَالَهَا الذَّهَبِي
رَمَتْ حَقِيْبَتَهَا وَالقَلْبُ يَرْقَبُهَا
فَلَمْ أُبَالِ، فَكَحَّتْ قُلْتُ : وَاعَجَبِي !
غَمَزْتُ، فَاسْتَضْحَكَتْ يَالابْتِسَامَتِهَا
قَدْ أَيْقَظَتْ فِيَّ بُسْتَاناً مِنَ العِنَبِ
وَفَجْأَةً حِينَ لَمَّتْنِيْ ضَفَائِرُهَا
وَبَعْثَرَتْنِيْ مَعَ الأَمْطَارِ وَالسُّحُبِ
تَرَكْتُ قَلْبِيْ عَلَى أَغْصَانِ دَمْعَتِهَا
وَرُحْتُ أَبْحَثُ عَنْ بَيْتِيْ، وَوَجْهِ أَبِي
وَجَدْتُ صُوْرَتَهَا فِيْ مِعْطَفِيْ احْتَرَقَتْ
أَنَا الحَرِيْقُ وَنِيْرَانِيْ بِلا لَهَبِ !
لَكِنْ، وَإِنْ غَابَ عَنْ عَيْنَيَّ أَخْضَرُهَا
حُضُوْرُهَا فِيْ صَمِيْمِيْ قَطُّ لَمْ يَغِبِ
وَإِنَّهَا الرِّيْحُ، جَاءَتْ بِيْ وَجِئْتُ بِهَا
حَتَّى وَصَلْنَا إِلَى بَوَّابَةِ الشُّهُبِ
بِصِحَّةِ المَجْدِ كَأْسِيْ اليَوْمَ أَرْفَعُهَا
وَأَشْرَبُ الوَحْيَ مِنْ أَقْدَاحِ أَلْفِ نَبِي
يَا جِلَّقَ الشَّامِ كَيْفَ الآهُ أَحْبِسُهَا
إِنْ كُنْتُ أَمْشِيْ عَلَى سَاقَينِ مِنْ عَتَبِ !
عَتْبٌ عَلَى أُمَّةٍ مَا زِلْتُ أَذْكُرُهَا
كَانَتْ تُسَمَّى قَدِيماً أُمَّةَ العَرَبِ !
عَتْبٌ عَلَيْهَا فَكَمْ مَاتَتْ وَكَمْ هُزِمَتْ
عَتْبٌ عَلَى الشِّعْرِ، وَالتَّارِيْخِ، وَالكُتُبِ !
نَشْكُو مِنْ الجُوْعِ أَمْ نَشْكُو مِنَ السَّغَبِ
كُلُّ المَصَائِبِ أَدْمَتْنَا بِلا سَبَبِ !
أَطْفَالُنَا شُرِّدُوا فِيْ كُلِّ مُنْعَطَفٍ
وَسَيْفُ أُمَّتِنَا المَسْلُوْلُ مِنْ خَشَبِ !
فَهَلْ نُلامُ إِذَا مَا الشِّعْرُ أَجَّجَنَا
وَأَمْطَرَ الحَرْفُ شَلاّلاً مِنَ الغَضَبِ ؟
كَلاّ، فَإنَّا نَذَرْنَا أَنْ نَمُوْتَ عَلَى
رَمْلِ العُرُوْبَةِ، نُقْصِيْ كُلَّ مُغْتَصِبِ
عَنْ دَارِنَا، وَإِذَا مَا الرَّايَةُ ارْتَفَعَتْ
فَقُلْ بِكُلِّ افْتِخَارٍ : إِنَّنِيْ عَرَبِي
نَحْنُ الذِيْنَ زَرَعْنَا فِيْ التُّرَابِ دَماً
وَأَرْجُلاً -فِيْ سَبِيْلِ النَّصْرِ- لِلرُّكَبِ
دِمَشْقُ يَا مِهْرَجَانَ الذِّكْرَيَاتِ لَقَدْ
تَفَجَّرَ الشِّعْرُ حُزْناً، فَاعْذُرِيْ شَغَبِي
أَنَا حَصَادُ مَتَاهَاتٍ فَأَيْنَ أَنَا
أَنَا المُزَوَّرُ بِالمِيْلادِ وَالنَّسَبِ !
أَنَا المُضَاعُ بِأَرْضٍ لا تَدُوْرُ مَعِيْ
وَكُلُّ شَيْءٍ أَمَامِيْ شِبْهُ مُحْتَجِبِ
أَيْنَ الحَقِيْقَةُ دُلِّيْنِيْ عَلَى قَدَرِيْ
دِمَشْقُ، وَانْهَمِرِيْ فِيْ جَوْفِ مُكْتَئِبِ
دِمَشْقُ ضُمِّيْ فَتَىً قَدْ جَاءَ مُغْتَرِباً
فَإنَّنِيْ فِيْ بِلادِيْ جِدُّ مُغْتَرِبِ !