يا رسول السلام
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
يا رسول الله ينبض بالروح حياةً ورحمةً وجمالا
أنت أطلقته لينعم فيه الكون لطفاً ونعمة وظلالا
من جلال الوحي العظيم، من الوحي السماوي دعوة وابتهالا
من هداك السمْح الطَهُور يضم الحبّ والخيرَ روعةً وجلالا
* * * *
أنت روح السلام.. أيّ سلام لم يفض وحيه من الينبوعِ
من ربيع المشاعر البيض، في روح النبوّات، من جمالِ الربيعِ
من صفاء الأعماق في هدهدات الحبّ، من يقظة الضمير المريعِ
من نجاوى الروح التي تتلاقى في تسابيحها نجاوى الجموعِ
* * * *
أنت روح السلام أطلقت منه شرعة الحقّ منهجاً أريحيّا
بعض ما فيه أنه يرهف الحسّ ضميراً حيّاً وروحاً نديّا
أفُقه الرحب يحمل الرحمة الكبرى لأعدائه شُعوراً رضيّا
رحمة العدل حين يحتضن الحقّ، فقيراً في دربه وغنيّا
* * * *
موعد السّلم: أن تُشقّ على هدي الرسالات في الحياة الدّروب
وتمد الجسور عبر الضفاف الخضر، والبُحر هائج مرهوب
وتزكّي النفوس بالحقّ والحكمة تهدي وتهتدي وتطيب
...أنْ تناجيكَ كلّ اياته البيضاء تصْفو بطهرهنّ القلوب
* * * *
حربك السّلم... أي سلم يريدون.. أيزهو السلام للأقوياء
ليعيش الظلم المدمر في الأرض، بوحي الخلائق السمحاء
نحو فكرٍ يدعو إلى الصفح إمّا أثقل الظلم، كاهل الضعفاء
فتظلّ الحياة في لعبة القوّة تحكي حكاية البؤساء
* * * *
هو سلمُ الحياة... عينٌ على الليل، وعينٌ على امتداد النهارِ
ليس حلماً ما ترتجيه فإنّ الشوكَ يرعى طهارة الأزهارِ
وتعيشُ الالام في ملتقى اللذات تحميه من أذى الأكدارِ
وتعود الأرباحُ تحيا على درب الماسي في وهدةِ الأخطار
* * * *
وحيكَ: الرحمة التي تنبت القلب حناناً وتملأ الأرض بِرّا
وتهزّ الأعماق بالأريحيات العذارى تفوح كالزَهر عطرا
فهي في السلم دمعةٌ لليتامى تتلظّى، حزناً لتدفع ضُرّا
وهي في الحرب روعة العدل في الإنسان تستنزف المشاعر طُهرا
* * * *
خُلقٌ تومض الوداعة في عينيه كالفجر في عيون الشروقِ
قلبهُ الرَحْب.. في رحابته الدنيا، بما امتدّ من سماحٍ رفيقِ
حسبه: أنه يمد إلى كل يدٍ للسلام، كفّ الصديق
وينير القلوب، بالكَلِم الطيب، إن أظلَمَت نجاوى الطريقِ
* * * *
...وتمرّ السُّنونُ خَلْفَكَ في الصَّحْراءِ تَخْطُو عَلى حَكايَا العَبيرِ
في رَبيعِ الخُلْقِ الرَّضِيِّ الذي يَغْسِلُ بالحُبِّ هَمْهماتِ الصُّدورِ
وَيَرُشُّ الأرضَ الجَديبَةَ بالألْطافِ خِصْباً يَرِفُّ فَوْقَ الصُّخورِ
وتَعيشُ الدُّنيـا لِتَحلُمَ بالخُلْقِ الإلهيِّ.. مِنْ رَسـولٍ كبيـرِ
* * * *
وتمُرُّ السُّنونُ ـ بَعْدَكَ ـ والإسلامُ يخْطُو على هُداكَ الحَبيبِ
يتهادى تأرِيخُكَ الحُرُّ في عُمْقِ السَّرايا... وفي شِغافِ القُلوبِ
كل لُمْحٍ مِن سِيرَةِ الحَقِّ نَفْحُ العِطْرِ في خُطْوَةِ الرَّبيعِ الخَصيبِ
وشُعاعٌ يَهدي السَّبيلَ إلى كلِّ انْطِلاقٍ على امْتِدادِ المَغيـبِ
* * * *
وهُنا نَحنُ في خُطاكَ النَّدِيَّاتِ.. إلى دَعْوَةِ الشروقِ نُشِيـرُ
دَرْبُنا دَرْبُكَ الطّهُـورُ إلى الله.. وخُلْـقٌ مُنَضَّرٌ وشُعـورُ
وحَياةٌ كلُّ الهُدى، في هُداها السّمْحِ.. أنّى تلَفَّتَتْ فَهيَ نُورُ
وَغَدٌ واعِدٌ بِكُلِّ مَواعِيدِ الجِنانِ الخَضْراءِ.. حَيْـثُ يَسِيـرُ
* * * *
يا رَسولَ الخُلْقِ العَظِيمِ.. متى يَصْحُو السُّكارى مِن خمرَةِ الغافِلينا
هؤلاءِ الذينَ يَحْيَونَ للـذّاتِ خُشـوعاً ورَغْبَةً وحَنِينـا
هَمُّهُمْ: أنْ يَعِيشَ فِيهِم هُدى الله بَعيداً عنْ خُطْوَةِ العامِلينا
وَرؤاهُم: أن يدْخُلوا جَنَّة الله.. وإن أُغْلِقَتْ عن العالَمينا
* * * *
يا رَسولَ الخُلقِ العَظيمِ.. هُنا نَحْنُ الْتِفاتٌ إلى الذُّرى وانْفتـاحُ
أنتَ كُلُّ الذُّرَى التي تَحمِلُ الشَّمْس فَيَزْهُو في جانِحَيْها الصَّباحُ
وَهُنا نَحْنُ في السُّفوحِ بَقايا مِنْ فُلولٍ تَلْهُو بِها الأشبـاحُ
مِنْ ظلامِ العُصورِ حَيثُ استراحَ الجَهْلُ للحُكْمِ وَهْوَ ظلمٌ صُراحُ
* * * *
وَوَقَفْنا لَدَيْكَ نَخْشَعُ في المِحْرابِ نُصْغِـي لِروعَةِ التّسبيـحِ
حَيثُ تَنْسابُ كالنّدى نَفَحاتُ الذِّكْرِ في لَهفةِ الدُّعاءِ الجَريحِ
وكأنَّا نَحُسُّ بالدّمْعِ مَحْزوناً نَقِيّـاً مَـعَ ابْتهـالِ الـرُّوحِ
حيثُ تحيا الصَّلاةُ، في لحَظاتِ القُربِ، كالنور، في الذُّرى والسُّفوحِ
* * * *
ويقولون ـ والنجاوى نداءٌ يتلَظَّى في لَهْفَـةٍ وحَنِيـنِ
ودُعاءٌ يهفو إلَيْكَ.. يُناديكَ، بأعماقِ ثائِـرٍ وحزِيـنِ
إنّكَ مَيْتٌ.. وليس للمَيْتِ نَجْوى توقِظُ الحسَّ في الشُّعور الحَنونِ
إنّك مَيْتٌ.. هَل يَمْلِكُ الميْتُ حَوْلاً يَدفعُ الضَرَّ في ريـاح السنينِ
* * * *
ويَقولونَ: إنّكَ ميْتٌ.. ولكِنْ أنْتَ حَيٌّ في خاطِـرِ الأرْواحِ
أنتَ حَيٌّ عندَ الإلهِ، بِرَغْمِ الموتِ، حَيٌّ في كُلِّ دَرْبٍ وساحِ
وشَفيعٌ للمُذْنِبينَ على دَرْبِ الرِّسالاتِ في جُنونِ الرِّيـاحِ
تَسمَعُ الكِلْمَةَ التي تُورِقُ الخُضرَة فيها.. في مُلتَقى الأدواحِ
* * * *
أنتَ سِرُّ الرِّسالَةِ الطّهْرِ.. إنَّا قَدْ وَعيْناكَ دَعْوَةً ورِسـالهْ
وَجِهاداً حُرّاً يَشُدُّ على الدُّنْيا يَدَيْـهِ سَعـادَةً وعَـدالَهْ
وبَشِيراً تَعِيش كُلُّ جِنانِ الطُّهْرِ في وَحْيِهِ، وتَرْعى جَمالَهْ
ونَذيراً يَشْتَدُّ كُلُّ سعيرِ النّارِ في آيِـهِ لَظـىً وَجَـلالَهْ
* * * *
وتَنادى المُخلَّفونَ مِنَ التَّارِيخِ.. أنْ يَذكروكَ حُبّاً وَوَجْدا
أن يُغنّوا.. أنْ يستَعيدوا الأناشِيدَ التي تَلْتَقِي بذاتِكَ مجْدا
في انْسِيابٍ، مَعَ الشُّعورِ الذي هَزّت لَهُ النُّعْميات في الرُّوحِ مَهدا
ثمّ ماذا.. لا شيءَ إلاَّ بقايا حَسَراتٍ يَجْتَرُّها القلبُ فَرْدا
* * * *
أنتَ مَنْ أنتَ.. أنتَ إنسانُنا الأسمى.. هُدانا على الطريقِ الطويلِ
قَوْلُك الوَحْيُ.. دَرْبُك الشِّرعَةُ السَّمْحاءُ عَبْرَ التكبيرِ والتَّهليـلِ
ومَداكَ الإنسانُ في كُلِّ أُفقٍ يتملّى شُرُوقَـه كُلُّ جِيـلِ
أنتَ إنسانُنـا الـذي تَرفعُ القِمَّةُ تارِيخَهُ لِكُـلِّ دَليـلِ
* * * *
بَشَرٌ، أنتَ، كالنَبِّيينَ، لَمْ تُرهِقْ سَراياكَ بالضّبـابِ الثّقيـلِ
لَمْ تُسخِّرْ لْلمُلْكِ وَحيَ الرِّسالاتِ ليزهو لديْك مَجْدُ القبِيلِ
لَمْ تَقُلْ للسُّراةِ، إنَّك في الغَيْب وراءَ الأشباحِ، فوقَ العُقولِ
إنّما الغَيْبُ في حَياتِكَ وَحْيُ الله.. تحياهُ في هُدَى التنـزيلِ
* * * *
بَشَرٌ ـ أنتَ ـ كالنَّبِيِّينَ.. في طُهْرِ اليَنابيعِ.. في صَفاءِ الشُّـروقِ
عَصَمَتْ خَطْوَك الرِّسالةُ من كلِّ اهتزازٍ في لامِعاتِ البُروقِ
الأماني لَدَيْك لا تلتقي بالذّاتِ في نَـزْوَةِ المِـزاجِ الرَّقيـقِ
كُلُّ آفاقِها الرِّسالاتُ.. يَغْفُو الحُلْمُ فِيها في هَدْهَداتِ المَشُـوقِ
* * * *
أنتَ ـ في عِصْمَةِ الرِّسالَةِ ـ فِكْرٌ يَستثير الضُّحى، ويُحيي العُقولا
دَرْبُهُ الشَّمْسُ، لا يَمُرُّ بِهِ اللَّيلُ الذي يَحجُبُ الضِّياءَ الجَميلا
حَسْبُهُ : أنَّـهُ يُفَتِّـحُ لِلدُّنْيـا ولِلدِّيـنِ عالَـماً مَجْهـولا
لِتَعيشَ الحَياة ـ عَبْرَ صَفاءِ الحَقِّ ـ باسم الرَّسولِ ـ ظِلاًّ ظَليلا
* * * *
إنها عصمة النّبُوّات سِرٌّ يتخطّى الحياة.. يَهدي خُطاها
في انفتاحٍ ترتاح في طهره الدنيا، إذا هدْهَدَ الشّروق سُراها
حَسْبُها: أنها تسير لتُلقي عنده في الطريق كلّ عناها
وتمدّ العيون نحو الصّفاءِ السَّمحِ .. تمتصُّ وحيهُ مُقْلتاها
قصيدة لسماحة العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، بعنوان "يا رسول الله"، يناجي فيها جدّه الرسول الأعظم(ص) ويتأمل في دروب رسالته السمحاء وأجواء طهره النبويّ الذي يشرق في سماء الإسلام في امتداد الزمن. وهي من قصائد ديوان "يا ظلال الإسلام".