أسطورة فلسطين
العلامة المرجع السيد محمد حسين فضل الله
كان.. في الدرب.. يجرع الغصة السكرى تباعاً ويستثير الدخانا
وكأن الظلام رانت على دنياه... تطوى شعاعها الفتانا
والغيوم الدكناء.. والأفق الواجم.. طافا يبددان الأمانا
أي سر هنا؟ وراح يناجي النفس...هل مر بالطريق زمانا
صور راقصت رؤاه فجنت ذكريات له تثير الجنانا
* * * *
ها هنا كان لم يغير مرور الدهر.. هذا الثرى.. وهذا المكانا
كل شيء بحاله.. غير أن الطير لم يأت روضه الفينانا
لم يبدد سكونه نغم الحب وهمس يداعب الآذانا
والهوى:أين روعة الأمس..أين الحسن..هل غيب الفراق أحسانا
هل توارى ظل الغرام.. وجفّ النبع منه، ففارق الجريانا
* * * *
وهنا كانت يألف الحب محموماً على صدرها رقيقاً جبانا
مطمئناً كما ترقرق روح الفجر زهراً على الربى نديانا
وهنا: والهوى الملذ اعترافات ونجوى تزيده إعلانا
ودبيب يسير في رعشات الروح حلواً فيبعث الخفقانا
وانتفاضات قبلة خدر الحب شذاها فأسكر الأجفانا
* * * *
وربيع القلب المجنح يلقى الفن في أفقه المنى والأمانا
كان يستلهم الخيال ويفتن من الحسن هذه الأوزانا
ويثير الأطياف يبعثها الليل منى حرة تفيض حنانا
ويغني الأفق المرنح بالنور نشيد الشعاع حلواً مزانا
ثم يغفو في هدأة الكون في المرعى على العشب ناعماً نديانا
* * * *
وهنا كان يبصر اللهب الدامي، دماءً مسفوحة ودخانا
ويرى كيف تحمل الثورة الكبرى لواء لجهاد حراً مصانا
ونشيد الحرية العذب كم دوى وكم أجج الوغى نيرانا
والشباب الشباب كيف استثار الروح منه نداؤه فتفانى
يتهادى مع المنية سكرانا كما داعب الهوى سكرانا
ويغني للحرب حيث الدماء الحمر تكسو مجالها أرجوانا
والهتافات والعذارى وصوت عربي يزلزل الأكوانا
ونضال دوت به صيحة الحق.. لتفدي شبابنا الأوطانا
يتلظى ليوقد الشعلة الأولى فيردي بها العدو الجبانا
* * * *
هكذا...ثم رفرفت..راية النصر..وكان الفتح الحبيب تدانى
وإذا بالنداء يستصرخ الجيش رجوعاً فقد ربحنا الرهانا
إنها الآن هدنة يبعث الخير نداها لنستعيد قوانا
وإذا بالعدو يقتحم الغاب كأن لم يكن طريداً مهانا
وهنا أسدل الستار ولم يبق سوى مسرح تداعى كيانا
و(فلسطين) لم تعد غير أسطورة عهد مضى يثير أسانا