صوتٌ للهجرةِ مختلفٌ جدّا
خلف دلف الحديثي
ابن الفرات العراقي
[email protected]
ألقيت في الإحتفال الجماهيري الذي أقامه البيت الثقافي في حديثة بمناسبة الهجرة النبوية
سـرى مـع الليل فيه الكون يحتفلُ
مـهـاجرُ في مدى صحراءِ غربتِه
فـأشرق النور في الظلماء وابتهجت
أقـام فـي الـغـار حتى هزّه مَلكٌ
قـاموا وصار الردى منهم على قدمٍ
نـسْـجٌ تـدلّى حبيكاً بانَ إذْ وقفوا
هـاجـرت لـله لما ضاق واسعها
مـذ كان والناس في دنياه في عبثً
ومـنـذ أنْ قال كُنْ أرسى لدورتها
مـضـيتَ من رحمٍ تنمى إلى رحمِ
ومـنذ أن جئت وعْداً أُسرجَت هممٌ
فـقـلـتـها ملءَ فاه الدهر تمزجها
ومـنـذ أنْ كنت عند الغار مبتهلاً
لـم تـكترثْ وقريشٌ أُمطرت حنقاً
خـرجْـت تسعى ليغدو حرُّها بَرَدا
ضـاق الـسبيلُ وكان اللهُ ناصرَكم
تـسـابـقـتْ خيلُهم للريحِ تسبقُها
كـانـوا وأثـبتهم في النازلات يداً
فـالـمـارقـونَ على آلاءِ شرعتنا
وقـفـتَ وحدك فرطَ الهولِ تدرؤه
ومـنذ أن كان قطب الأرض منثلما
فـكـان صـوتُـك صوتاً كلّه عبرٌ
أصـداؤه مـلأت هـذي الـدنا ألقاً
والآخـرون بـلا ظـلٍّ ظـلالُـهم
ومـنـذ أنْ صرت خطّ الله دورتَه
للأرضِ قطبٌ وقطبُ الأرض مالؤها
الـطـالـعـين شموساً في غياهبها
حـدّ اشـتـعالِ نياط القلب عشقُهم
يـسّـابـقـونَ حفايا للوغى شُهباً
* * *
يـا سـيّـدَ الـرّسلِ يا نوراً يجلِّلنا
يـا كـلّ حـبّ شـربنا دفقَه ظمأ
لأجـلـك الـروح والأولاد ننذرها
إرْكـب لظى الموتِ خوّاضون لُجّته
هـذا مـدارُك فـاطلع من دياجرِها
مـاذا عـليك يقول الشعرُ يا رجلاً
يـا أيـهـا الثابت الأعلى أرومتُه
يـا مـا إلـيك أوَتْ خُمصاً بطونُهم
يـا مـا سـعيتَ لدفع الشرّ مقتدرا
يـا سـيّـدي أنتَ بل يا واقفاً جبلاً
لـلآن مـذ جئتَ والأقلامُ ما سكتتْ
ومـنـذ ألـفٍ بـنا مرّت مواكِبةً
وقـفـتُ حـيث أنا والهمّ يجلدني
وهـزّنـي أنْ رأيتُ الأمسَ منخذلاً
شـادوا تـخوماً وهمْ للمجدِ كم دأبوا
يـا سيّدي هل رأيتَ اليومَ من وطنٍ
قـل لـلـذين نضوا أثوابَ عزّتهم
كـيـفَ الـعـراقُ عزيزٌ كله أنَفٌ
كـمـا خـلـعتمْ بدعوى أنّها خِرقٌ
بـغدادُ هذي التي حبّا قد احتضنتْ
فـالـتـافـهـونَ عداءً مزّقوا بلداً
فـكـم أُعِـدّتْ لنشكو الظلمَ جامعةً
أدري ارتـجافاً عَرى حتّى مفاصلَهم
أهـلـي هُمُ الجرحُ محفورٌ بذاكرتي
تـنـاسَـلـوا من دمٍ حقداً فأورثهم
هـذا الـعراقُ نزيفُ لم يزلْ غدِقاً
إذْ كـانَ يـظـمأُ والأعرابُ مترعةٌ
يـامـا سقاهُمْ فراتاً عندما عطشوا
وراح يدفعُ ريحَ الموت مذ عصفَتْ
مُـدى ثـلاثـين ما انفكّت تطاعنُه
أقـولُ بـغـدادَ ما جاؤوا لنصرتِنا
هـو الـعـراقُ عـظيمُ في مهابتِه
مـا زالَ جرْحاً يُلاوي عسرَ محنتِه
قـدّوا القميصَ فشالَ الدهرُ من دُبرٍ
يـا أمّـة عَـقـمَتْ أرحامُ نسوتِها
يـا سـيِّـدَ الرّسْلِ عذراً فيّ قافيتيهـذا الـذي فيه كلّ الشعرِ يُرتجلُ
ولـيـس إلا رمـالُ الصبرِ ينتعلُ
بـه الفيافي وصاحَ الغار إذ وصلوا
فـمـدّ جسرَ العُلا فيه العِدى ذُهلوا
ومـن كـؤوس أمـان الله قد نهلوا
وقـد غـشاهم لمرأى لمحِه الخطلُ
والـشـرُّ عم المَلا واستفحلَِ الدجلُ
كـانَ الأمـيـنَ وكانَ الكلّ يعتزلُ
وشـالَ فـي عـمدٍ والكون يعتدلُ
ولـم تغبْ عنه في الأصلاب تنتقلُ
إلـى الشموسِ وصلّت بعدك الرسلُ
بـالـعـنفوانِ غَدَا في قولك الجَدلُ
تـقـيـم فـيها صلاة الله يا رجلُ
ما شاب عزمُك وهنٌ أو سرى الكللُ
فـقـلـتَ يا نار كوني حشدهم كُتلُ
ولا صـديـقُ ولا خـلٌّ لكم يصلُ
لـهـا جُـماحٌ بعزمِ اللات تتـّكلُ
حـتّـى إذا ما رأى الصدّيقَ ينخذلُ
حتى إلى أضعفِ الإيمانِ ما وصلوا
وقـد تـساوى لديكَ الموتُ والأملُ
كـنـت الحزام لمن أوهاهمُ الوجلُ
وصـوتُ غـيرك لا قالوا ولا فعلوا
ووحـدكَ الـظـلّ فـينا ظلّه ظُللُ
وجـذعكَ السيف فوق الغيم يتّصلُ
فـنـجانُ عمركَ مكتوبٌ به الأجلُ
الـواهبونَ رَداها _لو علت _ مقلُ
والـنـاذريـن دمـاً واللهِ ما بخلوا
هُـمـو الرجالُ وفيهم يصدحُ الأزلُ
ويـركـبون متونَ الريحِ لو حَملوا
* * *
لـهُ الـمـداراتُ دارٌ والـسّما نُزُلُ
الـشـوقُ جرحٌ بنارِ الوجدِ يشتعلُ
فـمُـرْ تـجـدْها إذا أومأتَ تنبذلُ
وسـوِّ أمـرَ الـذي في ردّة دخلوا
فـأنـت وحدك مَن تُحدى له الإبلُ
بـه جـميع رجالِ الأرض تُختزلُ؟
سـمقتَ قدراً وطابَ الأصلُ والنسَلُ
بـالـجذع هزّوا جياعاً فارتوَت مِللُ
تـهـبُّ فرْدا وقبلَ وصولهم تصِلُ
ودون هـامـتِـه قد يزحفُ الجبلُ
وكـلّ ثـغـرٍ بـحلوِ الشكرِ يبتهلُ
دنـيـا الفخارِ توشّي زهْوَها الشّعلُ
من روعةِ الذكرِ أشدو نابني الخجلُ
وأنّ عـزّا لـنـا مِـن لهوِنا خذلوا
شـوسُ الجدودِ وفينا عشْعشَ الكسلُ
حـتـى بـمَن طعنوا جنبيْه يأتملُ
أقـزامُ أمـريـكا إذا يوماً بنا سألوا
أهـلـوهُ لم يخلعوا ثوباً وما سفِلوا
وهـمْ بـصبرِهمُ عانَوا لِمَا احْتملوا
شـمسَ السماواتِ فيها قصّرتْ جُمَلُ
لـلـه ظـلّ بـماءِ الصبرِ يغتسلُ
مـن الـتـقـاريرِ فيها يَحتفي هُبلُ
فـصـابَـهم ويْحَهم من جبنِهم شللُ
يـذكّر النشءَ مَنْ منهم لها اعتجلوا
غـيـظـاً بكل مدارِ الأرضِ يقتتلُ
فـامسكْ جراحَك واسرعْ أيها البطلُ
تـعـبُّ مـن مائِه الصافي وتنتهلُ
مِـن تمرِه الحلوِ كم ذاقوا وكم أكلوا
كـي لا إلـى أرضِهم بالويلِ تنتقلُ
لـلآن فـرطَ اشتعالٍ ما بهم شعلوا
تـقـولُ أدري ولـكن بيتُهم دَخلوا
كـلُّ الـمـهبّاتِ في شطَّيهِ تنخذلُ
وفـيـهِ كـلّ شـيوخِ العارِ تنتحلُ
وبـانَ مـنّا الذي ما ضمَّتِ الحِيلُ
مـنْ أنْ يـجـيءَ لنا في مثلِه مثلُ
شـطّت فما زالَ فيك الكونُ ينشغلُ