مَذاقُ الْعُرَيْميِّ

د. محمد جمال صقر

[email protected]

لَمّا تَذَوَّقْتُ صَبْرَكَ ، وَقُمْتُ في مَقامِكَ ، شَرَدَ ذِهْني ، فَرَأَيْتُني فيما يَرى الشّارِدُ ، أَلْقى ما لَقيتَ ، وَيَتَلَدَّدُ عَلَيَّ أَهْلي أَلَمًا ، وَيَتَوَدَّدونَ عَبَثًا أَنْ أَبُثَّهُمْ بَعْضَ ما بي ؛ فَلا أَتَجاوَزُ هذِه الْكَلِماتِ :

أَحْضِروا لي مُحَمَّد عيد الْعُرَيْميّ !

فَيَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا : أَطَبيبٌ هذا ، أَمْ عَرّافٌ ؟

فَيَقولُ بَعْضٌ : لا بُدَّ أَنَّه طَبيبٌ شَرْقيٌّ أوتِيَ عِلْمَ الْبَدَلِ .

وَيَقولُ بَعْضٌ : لا بُدَّ أَنَّه عَرّافٌ جَنوبيٌّ أوتِيَ عِلْمَ الْحِيَلِ .

وَلا يَتَهَدّى أَيٌّ مِنْهُمْ إِلى مَقامِكَ الشَّريفِ ، الَّذي تَقِفُ فيهِ فِطْرَتُكَ السَّويَّةُ تَتْلو سُوَرَ الْفَهْمِ وَالْإِخْلاصِ وَالْعَمَلِ ، في مِحْرابِ التُّراثِ الْخالِدِ - حَتّى يُجيبَ الصَّمْتُ : " أَنا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْويلِه ؛ فَأَرْسِلون " :

يا راعِيَ الْبَحْرِ ،

وَيا مُنْتَهى دَوائِرِ الْبَرِّ ،

وَيا دَيْدَبانْ ،

كَما حَدَوْتَ الصَّخْرَ وَالْمَوْجَ ،

لَمْ تُعْيِ ،

وَأَفْضَيْتَ لِبَرِّ الْأَمانْ ،

وَرُدْتَ لِلْأَحْلامِ ما لَمْ يَجُلْ بِبالِها ،

قَبْلَ فَواتِ الْأَوانْ ،

تَغوصُ !

أَمْ تَرْكَبُ !

أَمْ تَغْتَوي !

أَفي " عَروسِ الْبَحْرِ " حِضْنُ الزَّمانْ !

حَتّامَ تَصْطادُ وَلا تَمْتَطي إِلّا سَفينَ الْكَرْبِ في الْمَعْمَعانْ !

وَما الَّذي لَمْ تَرْتَكِبْ ذَوْقَه في غَمَراتٍ غَدَراتٍ غَوانْ !

تَرْجِمْ :

أَرى وَجْهِيَ شَمْسًا بِلا عَزْمٍ ،

أَرى قَلْبِيَ لَيْلَ الْهِدانْ !

تَرْجِمْ :

أَفي الْوَجْهِ مِراحٌ ،

وَفي الْقَلْبِ جِراحٌ ،

وَيَعْيا اللِّسانْ !

خَلَعْتُ عَنْ قَلْبي ذُنوبَ الْوَرى ،

ثُمَّ تَقَنَّعْتُ قِناعَ الطِّعانْ !

وَجِئْتُ ؛

فَاقْبَلْنِيَ في أُمَّةٍ لَمْ تَبْتَذِلْ في العيِّ مَعْنى الْبَيانْ .

أَزْعَجَنا عَنْ أَهْلِنا أَنَّنا لَمْ نَأْتَلِفْ ،

وَاحْتَوَشَتْنا الْمَعانْ !