شيطان الشعر والزعيم
المعتصم بالله الشامي
أَكْتُبُ شعراً حتَّى أنسى
أنسى حُلُمِي بينَ حروفِ الشِّعر...
وأسرحُ في آفاقِ الهمِّ الأَقْسَى
همِّ الرَّكضِ وراءَ رغيفِ الخبزِ...
فألهو بالأشغالِ فأنسى
ذاتَ مساءٍ راودَني شيطانُ الشِّعرِ...
ووسوسَ لي بكلامٍ أثقلَ ذاكرتي...
وغزا رأسي منه صداعٌ
فكأنَّ الشيطانَ لِيُخْضِعَ رأسي...
يُعْمِلُ فيه الفأسَا
قال: كفاكَ خنوعاً...
وابحثْ عن ثَمَرٍ يكفيكَ الرَّمْسَا
يمنحك خلوداً أبدياً
في ذاكرة الأرض العطشى لحروفكَ...
من يومِ غزاها إنسٌ يقتلُ فيها الإنسا
فاكتبْ شعراً
شعراً لا يلتحفَ اليأسا
شعراً لا ينتعلُ الذلَّ...
ويعبدُ وجهَ الحاكمِ خَمْسَا
اكتُبْ شعراً يكوي الشَّمسَا
شعراً يُنْطِقُ قوماً خُرْسَا
شعراً يصهرُ قضبانَ السَّجانِ...
ويحدو الشعبَ الثائرَ...
ليسطِّرَ تاريخاً أحمرَ من دمه الطاهرِ لا يُنْسى
قلْ: إني قد ضِقْتُ بهذا الحاكِمِ نَفْسَا
قلْ: يا قومي هذا الحاكمُ...
رِجْسٌ من عملِ الشيطانِ الأكبرِ...
فاجتنبوا يا قومي الرِّجْسَا
هذا الحاكم كالنُّكتةِ في ثوبِ الطُّهْرِ الأبيضِ أَمْسَى
قلْ: لا أملكُ إلا أنْ أشتِمَهُ اليومَ بشعرٍ...
يجعلُ ليلى تكرهُ قَيْسَا
منذ عقودٍ يُبْحِرُ وطني
يبحثُ في الدنيا عن مَرْسَى
يبحث عن عينٍ زرقاءَ...
لِيَطْرُدَ من عينيهِ النَّحْسَا
فمتى كان الوحشُ الكاسرُ يَحْكُمُ إِنْسَا؟!
ومتى كانت أُسُدُ الصحوةِ ترضى الذائدَ عنها نِمْسَا؟!
خطبتُه إبرةُ تخديرٍ تُنْسِي سُوْرِيَّا والقُدْسَا
وعلى آذانِ الطَّبَالة من أبناء الشعب الحمقى...
تنزل لحناً أحلى جَرْسَا
فتحمستُ ورحتُ أُفرِّغُ ما أوحى الشيطانُ إليَّ...
وعن إبليسَ حفظتُ الدَّرْسَا
قطَّبْتُ جبيني...
وبدأتُ أمرِّغُ قلمي بالآلامِ وبالأحلام...
لتَنْزِفَ حِبْراً يُبْكي الطِّرْسا
منذُ اللحظةِ أكتبُ شعراً كيلا أنسى
شعراً كالنَّبْل المسنونِ...
يودِّعُ قبلَ الرَّمْيِ القوْسَا
قرأَ الحاكمُ شعري فاستهواهُ...
وأزمعَ تكريمي...
بل كلَّفَ من يَمْنَحُني الكأسَا
كأسَ الحنظلِ في محكمة القهر الغاشم...
حتَّى أنسى
حتى أنسى ما قد قلتُ...
وأنسى رأسي في مزبلة القرية...
يأكلُ منها صُبْحَاً وَمَسَا
حتى أنسى كلَّ بحور الشِّعْرِ...
وأنسى أنْ لِيَدِيَ أصابعَ خَمْسَا
حتى أنسى دمَ أجدادي
وعلى القبر أقيمُ العُرْسَا
وسألتُ القاضي: ما ذنبي؟!
فأجاب القاضي بحياءٍ:
يا ولدي تهمتُكَ فضيعةْ
وعقوبتُها خمسُ رصاصاتٍ جوعى
تخترقُ الرَّأسَا
ما ذنبي رحماك أجبني؟!
ذنبُك أنكَ مندسٌّ
تمتهنُ العفَّةَ والإيمانَ لِتَظْهَرَ قِسِّا
قلتُ: بلادي لن أنساها
وسأُمْضي عمري مندسَّاً تحت سماها
فوقَ ثراها
ما أجدرَ أنْ يمضي الشَّاعرُ...
تحت الوطنيةِ مُنْدَسَّا