البريد يصل غدا

د. محمد علي الرباوي

د. محمد علي الرباوي

[email protected]

( إلى روح الشاعر الطاهر دحاني )

خاتمة البريد:

كَرْمَةٌ سَقَطَتْ

وَالْغُصُونُ بِهَا الْمَاءُ وَالْوَرَقُ.

كَرْمَةٌ فِي الْفَلاَ

لَفَّهَا الثَّلْجُ لَفًّا .. وَ تَحْتَرِقُ

....................................   

نص البريد:

صَاحِبِي ..كَانَ يَمْلأُُُُُ قَهْوتَهُ.. بِالضَّحِكْ.

ضِحْكُهُ يُشْبِهُ الْحُزْنَ حِينَ يُخَبِّىءُ أَدْغَالَهُ

فِي تَضَارِيسِ جَوْفِيَ..

كَانَ إِذَا مَا بَكَيْتُ عَلَى غُرْبَتِي

بَيْنَ أَشْجَارِ هَذَا الْوَطَنْ

يَنْتَشِي..

أَلِهَذا اتَّفَقْنَا مَعاً

أَنْ نَظَلَّ صَدِيقَيْنِ فِي هَذِهِ الْغَابَةِ الْمُكْفَهِرَّهْ؟

               - 0 -

كانَ - أَيْ : صَاحِبِي لَمْ يَعُدْ حَاضِرَا_

يَقْطُرُ الفَرَحُ الْحُلْوُ مِنْ شِعْرِهِ أَسْوَدَ القَسَمَاتِ

إِذَا مَا انْتَشَى سَقَطَتْ مْنِ عُيُونِي أَنَا جَمَرَاتِي .

كَانَ يَحْلِفُ إِنْ ضَمَّنِي القَبْرُ ذَاتَ مَسَاءِ

أَنْ يَرُشَّ رِثَائِي

بِزُرْقَةِ هَذِي السَّمَاءِ

صَاحِبِي .. ضَمَّهُ القَبْرُ بَعْدِي  

وَمَا زِلْتُ أَرْقُبُ أَنْ يَنْشُرَ الْمُلْحَقُ الأَدَبِيُّ

قَصِيدَتَهُ… فِي رِثَائِي..

فَكَيْفَ أُدَبِّجُ مَرْثِيةً فِيهِ

بَيْنَا أَنَا مَا قَرَأْتُ الْبَرِيدَ الَّذِي

فِي غَدٍ مَا وَصَلْ

.................................

صَاحِبِي قَدْ رَحَلْ...

وَالِدِي.. قَبْلَهُ .. قَدْ رَحَلْ ...

بَعْدَهُ ..وَالِدِي.. قَدْ رَحَلْ...

مَنْ مِنَ الرَّاحِلَيْنِ أَيَا صَاحِبِي ارْتَاحَ حِينَ رَحَلْ؟

أَنْتَ ؟

هُوْ ؟

قَدْ تَسَاوَى الْمُخَاطَبُ

وَالْغَائِبُ الْمُفْرَدُ الْمُتَعَدِّدُ

فِي جَسَدِي الْهَشِّ

مَنْ قَدْ رَحَلْ ؟

هَلْ رَحَلْ ؟

هَلْ؟.. وَهَلْ؟..

....................................

يَقْرَأُ الطَّيْرُ لاَمِيَةَ الْمَلِكِ الضَّالِّ مُنْتَشِيَا

بَيْنَمَا أَنْتَشِي حِينَ أَقْرَأُ لاَمِيَةَ الشَّنْفَرَى.

بَيْنَ أَبْيَاتِهَا صَاحِبِي يَسْتَفِيق ُ

يُغَادِرُ بَحْرَ الطَّوِيلِ

يُعَلِّقُ صُورَتَهُ فِي الْجِدَار ِ

جِوَارَ مُعَلَّقَةٍ خَطَّهَا الْمَازِنِيُّ

وَرَتَّلَهَا الْعَابِدُ الْجَابِرِيُّ مَعَ الأَمَرَانِيِّ

وَهْوَ يُخَبِّىءُ فِي قَلْبِهِ أَرْبِعَاءَ الرَّمَاد

صَاحِبِي يَعْشَقُ الأَرْبِعَاءَ وَهَذَا الرَّمَاد

....................................

صَاحِبِي امْتَلأَتْ شَفَتَاهُ بِجَمْرِ الرَّمَاد

كَانَ يَسْعُلُ حِينَ أَنَا أَتَوَارَى بَعِيدَا

لاَ يُرِيدُ أَرَاهُ.. بَعِيدَا

كَانَ يُخْبِرُنِي بَعْدَ كُلِّ لِفَافَةِ تَبْغٍ رَخِيصْ

أَنَّهُ إِنْ سَقَطْ

سَوْفَ يَسْقُطُ مِثْلَ النَّدَى وَاقِفَا

حِينَ ضَمَّ السَّرِيرُ بَقِيَّةَ هَيْكَلِهِ

كَانَ يَسْقُطُ عَظْماً..

فَعَظْماً..

زَارَهُ شَاعِرٌ صَدْرُهُ مُزْهِرٌ بِرَيَاحِينِ هَذَا الأَلَمْ

قَالَ :يَا أَيُّهَذَا السَّرِيرُ الْمُغَطَّى بِجَمْرِ الشَّجَا

طَلَعَ الصُّبْحُ فانْهَضْ...

صَاحِبِي مَا نَهَضْ...

مَا نَهَضْ..

............................

صَاحِبِي قَدْ رَحَلْ

أَتُرَاهُ قَدِ ارْتَاحَ حِينَ رَحَلْ

....................................

كَاَن فِي جَوْفِهِ يَسْكُنُ التَّبْغُُ

فِي جَوْفِهِ يَتَسَكَّعُ هَمِّي

وَ يُورِقُ حُمْقِي

فَأَيُّ الصَّدِيقَيْنِ فِي الْقَبْرِ يَا صَاحِبِي ؟

أَيُّنَا ضَمَّهُ الْقَبْرُ؟

أَنْتَ ؟

أَنَا ؟

قَدْ تَسَاوَى الْمُخَاطَبُ وَالْمُتَكَلِّمُ

مَنْ يَا تُرَى قَدْ رَحَلْ ؟

...................................

صَاحِبِي مَا رَحَلْ

إِنَّهُ جَالِسٌ جَانِبِي

يَحْتَسِي قَهْوَتَهْ

أَتَكَلَّمُ . يَسْمَعُ.. لَكِنَّهُ لاَ يَرُدّْ

أَقْرَأُ الشِّعْرَ بَيْتاً فَبَيْتاً وَلَكِنَّهُ لاَ يَرُدّْ.

بَائِعُ التَّبْغِ مَرَّ بِنَا.. مَا وَقَفْ...

صَاحِبِي كَانَ يَمْشِي...

تَعَثَّرَ...

ثُمَّ سَقَطْ.

هَلْ نَهَضْ ؟

               - 0 -

صَاحِبِي ..حِينَمَا كَانَ يُصْغِي لِأَعْظُمِهِ فِي السَّرِير

لَمْ أَزُرْهُ .. كَمَا زَارَهُ عَنْدَلِيبُ الْمَسَاءِ الْمَرِير

لَمْ أَزُرْهُ.. بَعَثُّ أَنَا.. بِي..  إِلَيْهِ

فَقُلْتُ سَلاَمَا

وَلَكِنَّهُ لَمْ يَرُدَّ السَّلاَمَا

أَمِنْ شِدَّةِ الآهِ مَا رَدَّ ؟

قَالَ بِعَيْنَيْهِ مُبْتَسِماً

مِثْلَ عَادَتِِهِ فِي الْكَلاَمْ:

"هَلْ أَنَا وَاحِدَانِ هُنَا دَاخِلَ الْعَرَبَه؟"

قُلْتُ : أَنْتَ أَمَامِي أَرَاكَ

وَلَسْتَ هُنَا ،

أَيْنَ أَنْتَ؟

هُنَا أَمْ هُنَاكَ ؟

فَرَدَّ: أَنَا.. مَعَ مَنْ أَرْسَلَكْ

أُشَاِرُكُهُ قَهْوَتَهْ

أُشَارِكُهُ حُزْنَهُ الْحُلْوَ..

....................................

أَمْسَكْتُ رَاحَتَهُ بِيَدِي

مَانِعاً أَنْ يُؤَدِّيَ لِلنَّادِلِ الأَسْمَرِ الْوَجْهِ

أُجْرَتَهُ الْكَامِلَه

صَاحِبِي قَالَ لِي :

اِنْتَظِرْ..

ثُمَّ رَاحَ مَعَ الْقَافِلَهْ.

وَأَنَا فِي الطَّرِيقِ إِلَيَّ

عَلَى فَرَسِي الذَابِلَهْ

تَقْتَفِي أَثَرِي هَذِهِ الْقَافِلَهْ

هَذِهِ الْقَافِلَهْ

قَافِلَهْ

قَافِلَهْ...

مقدمة البريد:

هَـا أَنَـا الآنَ تَـشْرَبُنِـي قَهْوَتَان

هَلْ أَنَـا وَاحِدٌ؟ هَلْ أَنَا وَاحِـدَان؟