مغْرِبُنا وَطننا
[1]
د. محمد علي الرباوي
آتٍ مِنْ وَزَّانْ[2]
آتٍ...
آتٍ..
تُشْرِقُ عَيْنَاهُ صَلاَةً مُلْتَهِبَهْ
وَتُرَدِّدُ جَهْراً شَفَتَاهُ
آيَاتٍ مِنْ سُوَرٍ تَتَأَجَّجُ نَوْراً ثَجَّاجاً
فَتَرَجَّلْ يَا هَذَا الْمُتَكَبِّرُ
لَنْ تُمْسِكَ كَفَّاهُ رِكَابَ جَوَادِكْ
****
إِيهٍ أُمِّي. مَنْ يَذْكُرُ أَبْنَاءَكِ حَمُّو* وَالْهِيبَةَ* وَالْخَطَّابِي*. مَنْ يَذْكُرُ أَبْنَاءَكِ عَسُّو* وَالْحَجَّامِي* مَنْ يَذْكُرُ رَحُّو* وَالنَّكَّادِي*. قَذَفَتْهُمْ يَا أُمِّ مَوَائِدُ إِيكْسْ لِيبَانَ** بَعِيداً عَنْ ذَاكِرَةِ الأَطْيَارِ فَمَنْ يَذْكُرُ هَذَا اليَوْمَ شَقَائِقَ نُعْمَانٍ كَانَتْ بِغَلاَئِلِهَا تُلْقِي زِينَتَهَا البَيْضَاءَ عَلَى الأَطْلَسِ وَالرِّيفِ ﭐلشَّامِخِ..مَا زَالَتْ تِلْكَ الأَزْهَارُ تَفُوحُ بِعِطْرِ الْجَنَّةِ حَوْلَ ﭐخْنِفْرَةَ[3] وَالدَّارِ البَيْضَاءْ.
****
أَيُّهَا الطَّالِعُ مِنْ جَمْرِ الْخُزَامَى[4] قَطْرَةً حَمْرَاءَ تَخْضَرُّ بِهَا كُلُّ بَسَاتِينِ بِلاَدِي بُحْتَ بِالعِشْقِ وَلَيْلَى طِفْلَةٌ، نَـمَّ عَلَيْهَا نُورُهَا الْوَهَّاجُ، مَا إِنْ سَلَّمَتْ حَتَّى بَكَتْ عَيْنُكَ عِشْقاً وَالْتِهَاباً. بُحْتَ بِالسِّرِّ وَكَانَ السُّكْرُ يَسْرِي بَيْنَ أَدْغالِكَ لَيْلاً، آهِ يَا لَيْلَى مُرِي أَنْ أُقْتَلَ اللَّحْظَةََ، أَنْ أُدْفَنَ فِي صَدْرِكِ هَذَا. أَمَرَتْ بِالْقَتْلِ عَيْنَاهَا. حَمَلْتَ الْجُرْحَ لَمْ تَسْقُطْ عَلَى الصَّدْرِ، فَهَذَا مِهْرجَانُ الرَّمْلِ مِنْ مُرَّاكُشَ الزَّرْقَاءِ يُلْقِي نَخْلَكَ الشَّاسِعَ فِي يَمٍّ مِنَ الصَّلْصَالِ لَيْلاً يَأْمُرُ الرِّيحَ بِأَنْ تُلْقِيَ مَا فِي جَوْفِهَا مِن لَهَبٍ مُرٍّ عَلَى زَوْرَقِِكَ الطِّينِيِّ. هَا مُرَّاكُشٌ زِينَتُهَا تَشْرَبُهَا مَزْرَعَةُ البَاشَا، وَهَا لَيْلَى تَرُشُّ الْجَبَلَ البُنِّيَّ بِالْحُزْنِ. وَهَذَا العَامَ مَا حَيَّا الْحَيَا التَّوْبَادَ، مَنْ أَغْرَاكَ بِالْبَوْحِ وَهَذَا البَوْحُ كَمْ يُفْضِي إِلَى تِيهٍ جَمِيلْ
****
كَانَتْ بِالأَمْسِ قَبَائِلُ هَذَا الأَطْلَسِ وَالرِّيفِ تَبِيعُ القُوَّةَ وَالْبَطْشَ، هِيَ اليَوْمَ تَبِيعُ الشَّهْوةَ وَالْحُلْمَ، تَبِيعُ جَدَاوِلَهَا الدَّارُ ﭐلبَيْضَا لِصَهِيلِ قَبَائِلَ مِنْ نَجْدٍ لَمْ تُرْسِلْ نَجْدَتَهَا لِفِلَسْطِينَ هِيَ ﭐللَّحْظَةَ تَسْقِي الرَّمْلَةَ بِالنَّفْطِ فَتَخْضَرُّ حُقُولُ الرُّومِ يَخِرُّ النَّخْلُ حَزِيناً فَتُهَاجِرُ كُلُّ الأَطْيَارِ إِلَى الشَّمْسِ بَعِيدَا
.........................................................
أُمِّي مَا عَادَتْ مَكْنَاسَةُ تَبْكِي بُوفَكْرَانَ[5] العَاشِقَ إِذْ رَاحَ جَمِيلاً يَتَسَكَّعُ بَيْنَ شَوَارِعِ بَارِيسَ وَيَنْشُرُ أَطْيَاراً فِي غَابَاتِ ﭐلأَلْزاسِ وَعِنْدَ تَضَارِيسِ الرِّيحِ الصَّرْصَرِ مَا عَادَتْ مَكْنَاسَةُ تَبْكِي النَّهْرَ الظَّمْآنَ وَلاَ عَادَتْ تَشْكُو مَا يَسْكُنُهَا مِنْ لَهَبٍ ثَجَّاجٍ شَغَلَتْهَا أَعْيَادُ النَّيْرُوزِ وَأَعْيَادُ الْمَوْلِدِ آهٍ أُمِّي مَا عَادَتْ آيْتْ عَطَّا آيْتْ ءَافَلْمَانَ وَآيْتْ حَمُّو تَصْنَعُ مِنْ جَمْرِ الأَرْزِ رِمَاحاً لِلطَّعْنِ، وَلَكِنْ تَصْنَعُ أَعْوَاداً لِلزَّفْنِ[6] إِذَا هَبَّتْ أَعْيَادُ ﭐلْمَوْلِدِ أَوْ أَعْيَادُ النَّيْرُوزِ وَمَا أَكْثَرَ أَعْيَادَ بِلاَدِي آهٍ أُمِّي مَا أَكْثَرَ هَذِي الأَعْيَادَ وَمَا أَقْسَى هَذِي الأَعيَادْ!..
****
آتٍ مِنْ وَزَّانْ
آتٍ مِنْ وَزَّانَ
يَخَافُ عَلَيْنَا طُولَ الأَمَلِ اللَّاهِبِ
آتٍ مَعَ خَيْلِ الغَيْمِ
ضَعِيفاً فِي بَدَنِهْ
وَقَوِيًّا فِي أَمْرِ حَبِيبِهْ
****
خَرَجَتْ مِنْ ثَبَجِ البَحْرِ سِجِلْمَاسَّةُ[7] يَاقُوتاً أَزْرَقَ. قَالَتْ أَسْوَارُ سِجِلْمَاسَّةَ ذَاتَ شِتَاءٍ مَخْمُورٍ لِلشَّجَرَهْ[8]:
لَكِ أَنْ تَشْتَعِلِي اللَّحْظَةَ فِي هَذَا البَلَدِ الْمَحْمُولِ عَلَى أَجْنِحَةِ الظَّمَإِ القَتَّالِ وَأَنْ تُصْبِحَ أَغْصَانُكِ بَاباً مِنْ أَبْوابِي ﭐلْمَفْتُوحَةِ لِلآتِينَ مِنَ الصَّحْرَاءِ وَمِنْ أَقْصَى الدُّنْيَا. هِيَ فَاطِمَةٌ تَحْكِي عَنْ زَمَنٍ لاَ يَسْلَمُ فِيهِ الإِنْسَانُ إِذَا التَزَمَ الصَّمْتَ ﭐلشَّاسِعَ أَوْ قَالَ الشِّعْرَ الْوَاسِعَ يَا أَنْتَ قُلِ الْحَقَّ إِذَا أَنْتَ عَلِمْتَ الْحَقَّ وَمُتْ عِنْدَ تُخُومِ اليَمِّ الغَاضِبِ مَا بَعْدَ العَاجِلَةِ ﭐلفَتَّاكَةِ دَارٌ إِلاَّ النَّارُ أَوِ الْجَنَّةُ قُلْ لِلأَطْيارِ ﭐنْتَفِضِي هَذِي لَيْسَتْ أَغْصَاناً هِيَ أَغْوَالٌ تَفْتِكُ بِالْحُبِّ ﭐنْتَفِضِي وَمُرِي الْمِلْحَ ﭐلْهَائِجَ أَنْ يَبْلَعَ هَذِي الأَشْجارَ هِيَ الأَشْجارُ إِذَا دَخَلَتْ أَرْضاً قَذَفَتْ فِي أَفْئِدَةِ الطَّيْرِ الرُّعْبَ ﭐنْتَفِضِي وَﭐتَّشِحِي بِرِدَاءِ العِزِّ وَلاَ تُلْقِ عَلَى رِيشِكِ أَدْغَالَ الذُّلِّ الفَاتِنْ.
****
يا هَذَا القَادِمُ مِنْ وَزَّانْ
مَكَّةُ تُمْسِكُ عِنْدَ اللَّيْلِ
رِكَابَ جَوَادِ أَبِي سُفْيَانَ
فَمَنْ سَتُقَاتِلُ فِي مَكْنَاسَةَ
مَنْ سَتُقَاتِلُ يَا هَذَا الْقَادِمُ مِنْ وَزَّانْ
****
مَا لِلْمَسَاجِدِ لَمْ تَعُدْ مَلْأَى بِأَسْرَابِ الشَّبَابْ
ما لِلْمَآذِنِ لَمْ تَعُدْ كَالأَمْسِ تَخْتَرِقُ السَّحَابْ
مَنْ عَلَّمَ العُلَمَاءَ هَذَا العَامَ تَقْدِيسَ التُّرَابْ
مَنْ قَالَ لِلْمُفْتِي بِأَنْ يُفْتِي بِمَا تَهْوَى الذِّئَابْ
مَنْ قَالَ لِلأَحْبَابِ إِذْ بَاحُوا بِأَسْرَارِ الكِتَابْ
هَذِي الصَّلاَةُ سِيَاسَةٌ وَسِيَاسَةٌ هَذَا الْحِجَابْ
لَكِنْ إِذَا الْمَجْذُوبُ أَشْعَلَ رَقْصَةً بَيْنَ الشِّعَابْ
تَأْتِي لِتَنْثُرَ حَوْلَهُ الأَمْنَ العَسَاكِرُ وَالْكِلاَبْ
وَتَظَلُّ أَرْصَاداً تَحُومُ عَلَى الْمَسَاجِدِ فِي ﭐكْتِئَابْ
كَيْفَ الوُصُولُ إِلَى حِمَى أَحْبَابِ قَلْبِي وَالصِّحَابْ
كَيْفَ الدُّخولُ عَلَيْهِمُ مِنْ أَيِّ بَابٍ أَيِّ بَابْ
هَـذِي الْمَسَاجِدُ أَصْبَحَتْ مَلأَى وَلَيْسَ بِهَا الشَّبَابْ
****
بَلَدي..يَا بَلَدِي نَخَرَ السُّوسُ عِظَامَكْ
وَﭐمْتَطَى الْحُزْنُ خِيَامَكْ
..............................................
بَلَدِي
يَا بَلَدِي، رُوحِي فِدَاكْ
مَنْ يَدُسْ أَقْمَارَكَ اليَوْمَ يَنَلْ كُلَّ رِضَاكْ
مَنْ يُقَدِّمْ دَمَهُ يَلْقَ جَفَاكْ
هَا دَمِي الْمَفْتُولُ قُدَّامَكَ
فَـﭑصْنَعْ بِدَمِي فَجْرَكَ
وَﭐمْنَحْ جَسَدِي قَبْراً تُغَذِّيهِ رُبَاكْ
****
آتٍ مِنْ وَزَّانَ يُشَمِّرُ إِذْ خَنَعَ النَّاسُ
وَيَعْلُو إِذْ هَلَعَ النَّاسُ
وَيَصْبِرُ إِذْ جَزِعَ النَّاسُ
وَيَسْمُو..
يَسْمُو..
فتَرَجَّلْ يَا هَذَا الْمُتَكَبِّرُ
لَنْ تُمْسِكَ كَفَّاهُ رِكَابَ جَوَادِكَ
آتٍ...
آتٍ...
آتٍ...
وجدة: 1/4/1989.
[1] - أول الغيث
[2] - مدينة مغربية.
[3] - ﭐخنيفرة :عاصمة الأطلس.منها خرج القائد مُوحَا أُوحَمُّو الزياني. وهي من المدن المقدسة بالمغرب.
[4] - يُقال إنها مدينة الحسيمة، لكن للأستاذ عبد العزيز بن عبد الله في معلمة المدن والقبائل رأيا مخالفا.
* رجال المقاومة المغربية.
** إكس ليبان Aix- les-Bains مدينة فرنسية جرت بها مفاوضات مغربية /فرنسية من أجل استقلال المغرب.
[5]- فَكْرَانْ كلمة أمازيغية تعني السَّلاحِف. وبوفكران إحدى جماعات أحواز مكناس يمر بها نهريسمى نهر أبي فكران
[6] - زَفَنَ يَزْفِنُ زَفْناً : رَقَصَ
[7] - سِجِلْمَاسَة: عاصمة تافيلالتْ منها جاء العلويون الذين يحكمون المغرب، وهي اليوم أطلال بالقرب من الرشيدية.
[8]- راجع قصة الشجرة الخضراء بسجلماسة في كتاب المحاضرات لليوسي.