في الْخَوفِ يَغْتَسِلُ الْمَسَاء

في الْخَوفِ يَغْتَسِلُ الْمَسَاء!

صقر أبو عيدة

[email protected]

قَلَمٌ إِذَا وَضَعَ الْجَبِينَ عَلى مُصَلاّهُ ارْتخَى

تَتَخَطَّفُ العَثَرَاتُ لَونَ حُرُوفِهِ

وَالْخَوفُ رَقَّقَ حِبْرَهُ

أَلْقَاهُ مَحْمُوماً عَلى حُلْمِ الرَّخَا

تَتَعَجَّبُ الْوَرَقاتُ مِنْ كَلِمَاتِهِ

فَيَغُورُ في كَهْفِ الظُّنُونِ بَعَظْمِهِ

يَاشَمْعَةَ الْفُقَرَاءِ أَيْنَ فَتِيلُكُمْ؟

هَلاّ سَأَلْتُمْ وَرْدَنَا

لِمَ عِطْرُهُ يَخْشَى الْهَوَاءَ بِظِلِّكُمْ؟

لِمَ تَهْرُبُ الأَشْعَارُ مِنْ صُحُفِ الْبِلادِ وَتَخْتَفِي؟

وَتَبِيتُ فَوقَ مَراكِبِ الأَهْوَاءِ تَبْنِي حَتْفَهَا

تَجْرِي إِلى نُصُبٍ تَرَى الأَجْدَاثَ وَصْلاً لِلرُّقَى

فَتَحَدَّثَتْ أَقْلامُهُمْ شَبَقَا..

وَكَانَ حَدِيثَ نَفْسٍ يُفْتَرَى

فَتَرَقَّبُوا يَومَ السُّؤَالِ وَعِنْدَمَا تَحْتَاجُ عَينٌ لِلدُّمُوعْ

لِمَ زَرْعُنَا نَشَفَتْ مَكَاحِلُ عُرْسِهِ قَبْلَ السُّبُولْ؟

شَمْسُ النَّهَارِ تَجَهَّزَتْ لِلنَّومِ في بَحْرِ الأُفُولْ

لَمْ تَسْأَلُوا كَيفَ اللَّيَالي وَلَّدَتْ طِفْلاً يُنَادِي أُمَّةً

قَدْ عَبَّأَتْ آذَانَهَا قَمْحَ الرَّغِيفْ

وَتَقَوقَعَتْ في خِدْرِهَا تَشْكُو مَرَاجِلَ صَدْرِها

لِمَ تَرْمُسِينَ بِخِفْيَةٍ لُغَةَ الْوَجيِفْ؟

في الْخَوفِ نَلْبَسُ جُوعَنَا

فَالْجُنْدُ حَطُّوا نَعْلَهُمْ وَشْماً لِمَنْ رَسَمَ الطُّيُورْ

وَحَرَائِرُ الأَوطَانِ تَرْقُبُ مِنْ شَبابِيكِ الرَّجَا

رَفَّ النَّوَارِسِ وَالْبُحُورْ

فَتَقلَّبَتْ في النَّومِ تَحْلُمُ قَبْلَمَا يَأْتِي الْعَريفْ

هَدَّتْ قُصُوراً تَمْتَطِي عُنُقَ الْبِلادْ

يَا أُمَّةً نَامَتْ عَلى سَطْحِ الْبَسِيطَةِ وَاكْتَفَتْ

بِالثَّوبِ وَالْعَتَبِ الرَّهِيفْ

رَهَنَتْ تَضَارِيسَ الْجُدُودْ

مَنْ يَعْذُرُ الشُّطْآنَ حِينَ سُؤَالِها

أَينَ الْجُنُودُ الْحَالِمُونَ إِلى خُيُولٍ وَشَّحَتْ جَارَ الْحُدُودْ؟

في الْبَيتِ زُنْبُورٌ يَرَى الأَحْدَاقَ عُشَّ فِرَاخِهِ

فَيَهِيمُ حُلْمُ حُقُولِنَا قَبْلَ الشُّرُوقْ

شَبَّابَةُ الرَّاعِي تَمُوتُ بِجَفْنِها

فَنَرَى الضَّفَادِعَ تَحْتَفِي بِالرَّقْصِ جَهْرَاً وَالنَّقِيقْ

شَفَتَا الْمُغَنِّي تَذْرِفُ الأَلْحَانَ غَصْباً لِلضُّيُوفْ

يَرْثِي الْمَعَانِيَ وَالصُّدُورُ تَقَوَّرَتْ

مَالَتْ بِهِ طُرُقُ الْجَفَاءِ إِلى النِّفَاقْ

في الْخَوفِ يَغْتَسِلُ الْمَسَاءُ بِحَشْرَجَاتٍ منْ نَحِيبْ

وَالْوُدُّ في أَكْمَامِهِ يَشْكُو الصَّدِيقْ

فَيَفِرُّ مِنْ إِصْبَاحِهِ سَرْجُ الأَحِبَّةِ وَالطَّرِيقْ

وَنُصَمُّ يَومَ يَهِيجُ في أَسْمَاعِنَا لَحْنُ السِّلاحْ

فَنَرَى السَّنَابِلَ تَلْفِظُ الأَنْفَاسَ في حَنَكِ الرِّيَاحْ

في الْخَوفِ تَلْتَصِقُ الْخَوَاطِرُ في الْحُلُوقْ

وَالْعَينُ تَسْمَعُ رَنَّةَ الإغْفَاءِ تَضْرِبُ في الْجُفُونِ وَلا تَذُوقْ

وَسُجُودُنَا يَمْضِي عَلى خَيْلِ الشُّرُودِ مُلَغَّمَا

يَا أَيُّهَا الْوَطَنُ الْمُكَبَّلُ بِالرَّصَاصِ وَبِالدِّمَا

خَطُّوا لَنَا طُرُقَ الْعَبِيدِ عَلى رِقَاعٍ تُشْتَرَى

لا خَوفَ بَعدَ الْيَومِ يَحْبِسُ بَسْمَةً تَرْنُو لَها سَبَلاتُنَا

فَاصْدَعْ بِمَا أَمَرَ الْخِطَابُ مِنَ السَّمَا