قصيدة وراءها قصة 1
قصيدة وراءها قصة
(1)
أ.د/
جابر قميحةمن القصائد ما يرتبط بواقعة أو مناسبة تاريخية أو اجتماعية ، أو موقف خاص بالشاعر فيه ملامح درامية ، وهو ما أسميه "قصة القصيدة" . أو "القصة التي وراءها قصيدة" .
ونقدم شاعر القصيدة الهمزية المعلقة للشاعر الجاهلي "الحارث بن حلزة بن بكر بن وائل"، وهو أشهر شاعر في القبيلة على الإطلاق . وكان "أبرص" شائه الوجه.
قال أبو عبيدة : أجود شعراء القصيدة الطويلة ثلاثة : الحارث بن حلزة، وعمرو بن كلثوم، وطرفة بن العبد. وذكر الأصمعي أن الحارث قال قصيدته وهو يومئذ قد أتت عليه من السنين خمس وثلاثون ومائة سنة .
ووراء هذه القصيدة – وهي إحدى المعلقات كما ذكرنا آنفًا – قصة غريبة .
فما قصة هذه المطولة التي بلغت خمسة وثمانين بيتًا؟:
ينقل التاريخ لنا أن "عمرو بن هند" كان ملكًا جاهليًا جبارًا، وكان عظيم الهيبة ، واسع السلطان ، ووقعت حرب ضارية بين تغلب وبني بكر بن وائل قبيلة شاعرنا الحارث بن حلزة، وأكلت الحرب كثيرًا من رجال القبيلتين، حتى كرهوا الحرب فدعا بعضهم بعضًا إلى الصلح فتحاكموا إلى الملك عمرو بن هند .
وندبت تغلب شاعرها عمرو بن كلثوم لينطق عنها بقصيدته النونية المشهورة . ولم يكن في بكر أشهر من الحارث بن حلزة ليتحدث عنها خطيبًا أو شاعرًا ، ولكنه كره ذلك لأنه "أبرص" ، والبُرْص لا يتحدثون إلى الملوك إلا من رواء سبعة ستور، ثم يرش وراءه الماء إذا انصرف . واصطنع الحارث خطبة ليلقيها واحد من قومه بين يدي الملك ، ولكن عجز عن أن يجد من يتقن هذه المهمة ، فقام لينشد قصيدته هذه أمام الملك من خلف ستور سبعة، وكانت هند أم الملك تستمع إليه معجبة، وكلما سمع الملك عددًا من الأبيات أخذه الإعجاب ، فيأمر برفع ستار من الستر السبعة، فما انتهى الحارث من قصيدته حتى رفعت كل الستر، وصار مع الملك في مجلسه ، ثم أطعمه الملك من جفنته ، وأمر ألا ينضح الماء في أثره، وبلغ من شدة إعجاب الملك بالقصيدة أنه طلب من الحارث ألا ينشد قصيدته مرة أخرى إلا وهو مغتسل متطهر .
ومما يرتبط بهذه القصيدة من غرائب ما يروى من أن الحارث اندمج في كلمات قصيدته، وانفعل بها ، حتى ذهل عن نفسه، وكان ساعة إلقاءها يضع كفه على طرف سن سيفه فما انتهى من إنشاد قصيدته إلا وسن السيف قد نفذ في كفه دون أن يشعر .
هذه هي قصة القصيدة ، فلنعش القصيدة نفسها بعرض بعض أبياتها:
آذنـتـنـا بـبـينها بـعـد عـهد لها ببرقة شمَّا فـالـمحياة فالصفاح، فأعلى * * * وبـعـينيك أوقدت هند النا أوقدتها بين العقيق فشخصي وأتـانـا عـن الأراقم أنبا أن إخـوانـنـا الأراقم يغلو * * * أيـهـا الناطق المرقش عنا لا تـخـلنا على غرائك، إنا * * * أيـهـا الـشانئ المبلغ عنا إن عـمـرا لـنا لديه خلال | أسماءرب ثـاو يـمل منه ءفـأدنـى ديارها الخلصاءُ ذي فـتـاق، فعاذب فالوفاءُ * * * ر أصـيلاً، تلوي بها العلياء ن بـعـود كما يلوح الضياءُ ء وخـطب نعنى بها ونساء ن عـلـينا في قيلهم إحفاء * * * عـند عمرو وهل لذاك بقاءُ قـبل ما قد وشى بنا الأعداء * * * عند عمرو وهل لذاك انتهاء؟ غـيـر شك في كلهن البلاءُ | الثواءُ
وختامها :
وولدنا عمرو بن أم أناسٍ من قريب لما أتانا الحباء
مثلها يخرج النصيحة للقو م فلاتًا من دونها أفلاءُ