مِنْ أَينَ أَبدأ
مجدي يوسف
دير البلح - قطاع غزة - فلسطين
إليكم القصيدة التي كشفت النقاب عن المسرحية الكبرى الهزيلة التي سميت بمسابقة أمير الشعراء بأبو ظبي هذا العام والتي كانت من بين 150 قصيدة اختيرت من أكثر من 7000قصيدة وهي:
مِنْ أَينَ أَبدأ يا نزارُ عزَائي؟
في رثاء نزار قباني شاعر
العروبة الذي رثاها
من سنين
من أين أبدأ يا نزارُ عزائي
يا أمّة الأشعار ،والشعراءِ؟
يا قِبلةَ العشّاق صلّى صوبها
أهلُ الغرام على وجيب بكاءِ
كلٌّ له حِبّ أضاع وفاءه ،
والليلُ مِشنقةٌ على التّعساءِ
يا حارسَ الكلماتِ بين خُدورها
يا ساقياً غضّ الحروف إزائي
حتّى غدتْ صفصافةَ البؤساءِ
ولكم يُراقص صوتُها إصغائي
أسّستَ صرحاً للفنون بربوة
ٍ شمّاءَ شابه ركنُه إنشائي
ما البحتريّ بحاملٍ مفتاحَه
كلا ولا الطّائي تحت لواء
يا جامعاً كلّ المعاني في الهوى
مازال يُسحر بالقصيد سمائي
*
يا عاشقَ التاريخ في غرناطةٍ
وقرونِ مجدٍ سبعةٍ كسناء
نبّهتَ في الماضي عيونَ أميّةٍ
وحملتَ للدنيا سنا الحمراءِ
ما زال يُضنيك الحنينُ لطارق
والجيشُ شلالٌ على الجوزاء
قد جاء يزأرُ من عُباب الماءِ
يطوي الفضاءَ بخيله الغرّاء
فترجّلتْ تلك الهضابُ لوقعه
وتحشرجتْ بالدّمع عند لقاء
إني انتظرتُك طارقي بين الرّبا
أعيا فؤداي جهشةُ البُسَطاء
والليلُ قضبانٌ لكلّ مُحيّرٍ
والفجر عنوانٌ على الأشلاء
*
سيناءُ هل تنسى زماناً دامياً
صُلبتْ به والطيرُ في الأجواء
والقدسُ ملقاةٌ على عَتباتهم
لم يفتدوها ليلةَ الدّخلاء
قد مزّقوا منها بكارة مريمٍ
وتناوبوا الطّعنات كالأعداء
أنّى لهم أن يستعيدوا طُهْرها
وهمُ على الغبراء محضُ هباء ؟
لو أنهم يشرون نفساً حرّةً
صلّوا إليها ليلة الإسراء
وجدودُهم كم قبّلوا أقدامها
أثوابَها ما بينَ كل نداء
خانوا أماناتِ الجدود،وأطفؤوا
في تينك العينين وهْجَ فداء
*
بيروتُ ما عادتْ لنا غجريّةً
سمراءَ ماستْ في ربا الفيحاء
قد جاءها الشعراءُ عبّادُ الهوى
من كلّ وادٍ تحت كلّ سماء
يتسابقون إلى خطاها صبوةً
والعشق ممنوعٌ على التعساء
بيروتُ صارتْ هِرّةً أكلتْ بني
ها إنها سيفٌ على الضعفاء
بلقيسُ قد قُتلتْ ،وهل في قتلها
عَوْدُ البطولة من سنين ضياء ؟
*
يا سيّدي أتُرى دمشقُ أسيفةً
تبكي على ذاك الفتى بدماءِِ؟
الفلّ يعرف عشقَه والياسمي
نُ ولوعةُ الكُباد قبل الماء
ما أنصفتك دمشقُ يوم جعلتَها
فوق الثّرى في مفرَق الجوزاء
ورمتك في وضَح النهار بطعنة
نجلاءَ كانت في اليد السوداء
والرّوحُ منك حمامة خفّاقةٌ
وعيونها مشغولةٌ بوفاء
تتلو على الأزمان آيات الفدا
من سورة الإنسان والبؤساء
ويظلّ يعزف بالفضا مزمُارها
ما أعذبَ الأصداءَ في الأرجاء !
رحِم الفتى ربّ غفورٌ إنه
عاش الحياة برفقة الشهداء
*
لم تنسَ دِجلةَ والفرات على النّوى
أبداً ولا بغداد بعد تناء
أو وشوشاتِ النّخل عند حِجالها
أو نافحاتِ الطيب من إرخاءِ
وحضارةً كبرى تميس على الذرى
والريحُ تسترها بخير كساء
بغدادُ ما عادتْ نزارُ،كعهدها
تلك المليكةَ فوق عرش الماء
واستوطن الأعداء عند وِسادها
لم يتركوا حتّى مزيق رداء
مضَغوا السنابلَ من بهيّ ضفيرها
لكأنّها قَصَبٌ ودون لحاء
واستملكوا الأعنابَ من أثدائها
حتّى جرى العُنّابُ من أحشاءِ
من تاجها سرقوا شموس صباحها
وَنجَوم بهجتها بليل بهاء
والبدرَ مبتسماً على الأنحاء
والشعرَ ناياً في فم الشعراء
من صدرها سلبوا قلائدَ بابلٍ
آشورُ أين معالمُ القدماء ؟
ودمُ الحسين بكربلاءَ جريمة
عادتْ تفجّره عَصا الأجراء
بغداُد يا وجَع العصور السّومريّ
ةِ وارتعاشاتِ الربا الخضراء
بغدادُ أمستْ في الليالي نجمةً
لا البدرُ يرعى هاتفَ الأصداء
عمياءَ قد سُكبتْ زيوتُ سراجها
شلاّءَ قد سقطتْ من العلياء
*
ولّى نزارٌ في الصّباح كعابرٍ
وعلى الجبين طهارةُ الغرباء
جرحُ العروبة في حنايا روحه
كم بات مصلوباً على الأشياء
عُدْ يا نزارُ،لكي ترى ما قد جرى
هذي بلادي في دجى الأهواء
ستون عاماً تشتكي أكبالها
رضَع الغزاة حليبها بهناء
بات الظلام يجرّها من شعرها
والدربُ أخطرُ والجميعُ مُرائي
ستوّن عاماً والبطولةُ مركبٌ
والموجُ إعصارٌ على الأبناء
ستّون عاماً لم نحرّر رايةً
رُكزتْ على الأشلاء والأشلاء
عادتْ بنا الستونَ أكثرَ فرقةً
وغدا الشتاتُ بلحمنا كالداء
وتقطّع الجسدُ القويمُ على الخطا
نصفينِ هل يحيا بلا استشفاء ؟
ماذا أقول حبيبتي وأنا الذي
هدّ الأحبّةُ أضلعي ورجائي؟
القدسُ خلفَ ظهورنا مسروقةٌ
والعُرْبُ أقوامٌ من الغُفَلاء
ماذا نقول لمن تساوُوا في غَرا
م حبيبتي بالسّهد والأقذاء ؟
في كلّ دربٍ غربةٌ وحكايةٌ
والناسُ والآلاتُ في استغناء
هذي فلسطينٌ فلمّوا شملها
هيَ أمّكمْ من بعد طول تناء
هذا قصيدي فاقرؤوا من وجهه
صور الضّحايا قد قضَوا بوفاء
هذي حروفي، فامسحوا من خدّها
دمع الثّكالى في الرّبا السوداء
هذا فؤادي، فاعذروا أعتَابه
فالعاشقون قبيلةُ الرّحماء