إصرخ بوجه الخوف
ذا قدري
يحيى السَّماوي
( كانت ليلة مرعبة العواصف والمطر ، حملت مسافرين كثيرين على عدم مواصلة الرحلة من مدينة بالي الإندونيسية إلى أستراليا ... لكنه لم يأبه ، فواصل رحلته لا شجاعة منه ... ولكن ...)
هَتفتْ لكَ الشطآنُ والأفق ُ
فارْكبْ .. علامَ الخوفُ والقلقُ ؟
أتخافُ أمواجا ً وعاصِفة ً
يا مَنْ بحُزنِكَ يَغرَقُ الغرَقُ ؟
إركبْ . . فليس برادِع ٍ قدَرا ً
حِرْصٌ . . وليس بنافِع ٍ حَذق ُ(1)
هَبْكَ انتهيتَ صريعَ لجَّتِه ِ
أو جَفَّ بين عروقِك َ العَلقُ (2)
ما خسْرُهُ من بعد عاصِفة ٍ
نثرَتْ طفيءَ رمادِهِ الوَجَق ُ ؟ (3)
ألأهلُ ؟ باتوا بين مُلتحِف ٍ
رملا ً .. وماش ٍ دربُه ُ طبق ُ(4)
ألدارُ ؟ باتت رهْنَ مُغتصِب ٍ
نا طورُها : لصٌّ ومُرتزِقُ
أمّا التي تهوى فقد كفرَتْ
بهواك .. وارتابَتْ بما تثِق ًُ
لك َ من وجاق ِ سَمائها شرَرٌ
ولغيرك َ الأقمارُ والوَدَقُ (5)
شدَّ الشِراعَ ... فرُبَّ داجيَة ٍ
دكناءَ يغفو خلفها الألقُ
فارتِقْ بخيط ِ الصَّبر ِ أمنية ً
تصبو إلى أفيائها الحَدَق ُ
يا حاملا ً في جُرحِه ِ وطنا ً
أضناهُ سَوط ُالقهر ِ والحَمق ُ
إنْ كان غادَرَ مُقلة ً شفقٌ
فغدا ً سَيَلثمُ جَفنها الغَسَق ُ
في ليل ِ عُمركَ لم يزلْ قمَرٌ
طفلُ الضياء ِ وللضحى رَمَقُ
أتعِبْتَ يا مَنْ يُسْرُهُ تعَبٌ
مُضن ٍ وعطرُ جَبينِه ِالعرَقُ ؟
أهْرَقتَ نصفَ العمر ِ مُغترِبا ً
تطوي صَحائفَ يومِكَ الطرُقُ
جمْرُ العَناء ِ المُرِّ مُصْطبَحٌ
وحُثالة ُ الأحلام ِ مُغتبَق ُ
فاركب ولو أنَّ الطريقَ لظى ً
واصْبرْ ولو أنَّ الضَنى فِرَقُ
واصْرَخْ بوجه الدهر: ذا قدَري
أيُصارعُ الأقدارَ مُرتبقُ ؟ (6)
حَتمٌ عليكَ العيشُ وهو ردى ً
في الغربتين : الخلقُ والخلق ُ
طمَعَتْ بك الأحزانُ فأتسَرَتْ
منكَ الفؤادَ فلسْتَ تنعَتِق ُ
قسَت ِ الديارُ على فتى ً دَنف ٍ
مُتغرِّب ٍ .. وترَفقَ الوَرَق ُ
إركبْ فما أقسى الوقوفَ على
جُرْف ٍ وأنتَ المُبْحِرُ الطلِقُ
ماذا سَتخسَرُ وهيَ مَيِّتة ٌ
دُنياك َ منذ ُ تغرَّبَ العُشق ؟
أوحَشتَ قلبَكَ فهو مُعْتَكِف ٌ
خلفَ السطور يُريشهُ الرَّهَقُ
تسْتحْطِبُ الأحداقَ فهْيَ على
جَمْر ٍ يُشِلُّ جفونها الأرَقُ
أدْمَنتَ هذاالنزف َ من صِغر ٍ
واسْتفرَدَتكَ بلسْعِها الحُرَقُ
دعْ للشراع ِالأمرَ لو غضِبَتْ
سُودُ الرياح ِ وعَرْبَدَ الفرَقُ (7)
أمْ كان زعما ً كاذبا ً حلمٌ
في أنْ تموتَ وأنتَ مُنطلِق ُ ؟
هيهاتَ يأتي قبْلَ موعِدِه ِ
غسَق ٌ وبعدَ الموعد ِالشفقُ
ما لذة ُ الدنيا وقد ثكلتْ
في صِدقِها واسْتعْذِبَ المَلقُ ؟ (8)
واغتالَ روضَ العشق ِ من زمن ٍ
نزَقٌ فشَيَّعَ وردَهُ العَبَق ُ ؟
فاركبْ .. ولا تأبَهْ لفاجعة ٍ
فلقد تساوى الشوكُ والحَبَقُ (9)
حَتمُ الزهور ِ وإنْ تعَهَّدَها
عَذبُ النميرِ : اليَبْسُ والخلق ُ(10)
(1) الحذق : الفطنة ... الذكاء ..
(2) العلق : الدم
(3(3) الوجق : الموقد ... الوجاق ..
(4) الطبق : الشديد الضيق ..عكس المنبسط
(5) الودق : المطر
(6) المرتبق : المقيّد .. الأسير ..
(7) الفرَق : الخوف
(8) الملق : الرياء
(9) الحبق : نبت زهري ذكي الرائحة ، ومن أسمائه الريحان
(10) الخلق : البلى .. التلف