يا دولة الفرهود
يحيى السَّماوي
( قالت وسائل إعلامية عديدة إن أحد نواب برلماننا عُثِر في إحدى سيارات حمايته على مبلغ متواضع مقداره أربعة ملايين دولار وهو الذي لم تكن محفظة نقوده قبل بضع سنوات تعرف رائحة الدولار ... وثمة وسائل إعلامية أخرى نقلت عن أحد كبار مسؤولي شركة " زين " الكويتية لخدمات الموبايل أن شركته تدفع شهريا مبلغ عشرة ملايين دولار إلى أحد " كبار قادة " عراقنا الجديد كأجور حراسة لشركته الأمنية .. ونقلت صحيفة التلغراف الأسترالية عن وسائل إعلام أمريكية أن نحو سبعة عشر مليار دولار لا يُعرف مصيرها في عراقنا الجديد .. وثمة وسائل إعلام عراقية نقلت عن وزير المالية أنّ وزارته ضخت للدولة العراقية الجديدة مبلغ 280 مليار دولار خلال السنوات الأربع الماضية فقط ( ومازال الشعب يشتري المهفات لدرء الحر ، وما تزال آلاف العوائل تستعمل روث البقر أو سعف النخيل وقودا للطبخ في وطن يغفو على بحيرة نفط ) ... وعن مصادر إعلامية عراقية وأجنبية فإن رواتب ومخصصات الرئاسات الثلاث في عراقنا الجديد تبلغ سنويا مايزيد على ميزانية دولة " فيجي " أو " بوركينو فاسو " بينما الشعب العراقي أضحى من بين أكثر شعوب العالم فقرا .... وزير سابق متهم باختلاس مليار دولار حسب تصريحات حكومية عدة ولم نجد الدولة تبذل جهدا لاستحضاره عبر الإنتربول .. وثمة لصوص سرقوا عشرات ملايين الدولارات فانتهى الأمر بإغلاق ملفاتهم لأنهم من " حصة " هذا الحزب أو تلك الطائفة ... جريدة "اللوموند" الفرنسية نشرت قبل أسابيع خبراً تؤكد فيه أن سلطات مطار باريس الدولي ضبطت زوجة أحد المسؤولين العراقيين وبحوزتها مليون دولار كانت تحاول تهريبه إلى فرنسا ... بنايات في لندن ودبي ودول أخرى تسأل عنها فيُقال لك إن أصحابها عراقيون كانوا قبل سنوات قليلة لايملكون أكواخا طينية ويعيشون على معونة الضمان الإجتماعي في دول اللجوء قبل دخولهم مع " بريمر " ... في عراقنا الجديد هذا تُطلق النار على متظاهرين مسالمين ينادون بزيادة ساعات توزيع الطاقة الكهربائية بينما اللصوص طلقاء وربما يتمتع بعضهم بالحصانة الدبلوماسية !! ألا يعني ذلك أن مسمى " دولة الفرهود " هو الإسم الأكثر مواءمة لعراقنا الجديد ؟ )
أمسيتُ لا ليلى ولا سلمى
تُحيي السرورَ وتُوئِدُ الغَمّا
أمّا الدِّنان ُ فإن َّ خمرتَها
أمسَتْ تُزيدُ حشاشتي هَمّا
تسْتجْلِبُ الأحزانَ إنْ قُرِعَتْ
كاساتُها.. وتُنابِزُ المُظما
أمّا ندامى مِعْزفي فغدوا
خُرسَ الحَناجر ِ فانتهوا بُكْما
أطلِقْ سراحَ الجفن ِمن حُلم ٍ
ياناسِجا ً من صحوه ِ وهْما
أزَهَدْت َ باللذات ِ يا رجلا ً
لمْ يدّخِرْ لِلذاذة ٍ عَزما ؟
تسقي الرّمالَ سرابَ أمنية ٍ
وتصدُّ عنك َ النبع َ والغَيْما !
لا أنتَ ذا مال ٍ فتتبَعُهُ
خيل ٌولستَ بمُسْمِع ٍ صُمّا
مَنْ لِيْ بفانوس ٍ أنشُّ به ِ
ذئبَ الدُّجى والحَيْفَ والظُّلما ؟
وطني اليتيمُ فلا كفيلَ لهُ
أبَة ً يكونُ عليه ِ أو أُمّا !
سَبعٌ مضين وليس من أمَل ٍ
يُكسي عِظامَ جياعِه ِ لحْما !!
الطيرُ ضمآن ٌ ونخلتُهُ ..
أمّا الضِفافُ فإنها أظما !
تلك الجياعُ متى يقومُ بها
نابٌ يَنالُ مُجِيعَها قضْما ؟
هي دولة ُ" الفرهود ِ" حارسُها
لصٌّ .. وقاضي عَدْلِها مُغْمى !
وطنٌ يُكبَّلُ فيه ِ مُنتفِضٌ
عفُّ اليدينِ ولُصُّهُ يُحْمى !
ماكان ذا ريش ٍفكيف غدا
حُوتا ً تفيضُ لحومُهُ شَحْما ؟
حافي القُدورِ يَداهُ ماعرفتْ
غرْساً ولا سَعَتِ الخطى يوما !
أأبوهُ " قارونٌ " فأوْرَثه ُ
ياقوتَهُ والتِبْرَ والنُّعمى ؟
عَجَبا ً ! أيغدو كانِزا ً ذهَبا ً
مَنْ لا يُساوي وزنَهُ فحْما ؟
ومُتاجر ٍ خاسَتْ بضاعتُهُ
فرأى الجِنى في الدِّيْن ِ فاعْتَمّا
ورأى ب "حِزبِ التمرِ"بُغيَتهُ
في حاوياتِ "الدِّبسِ" فانْضَمّا !
ومُنافِقٍ نُكْر ٍ أفاقَ على
جاه ٍ فأضحى بُغْتة ً نجْما !
فمتى قصاصُكَ من أبالِسَة ٍ
أمِنوا العِقابَ فأدْمَنوا الجُرْما ؟
فاشْهرْ لظى غضبِ الحَليمِ وخُذْ
ضلعي لِرَمْيَة ِ قوسِه ِ سَهْما !
***
لا تعذلوا مُتأبِّدا ً هَمّا
فالليلُ أخرسُ والضُّحى أعْمى !
أشْركتُ حتى بتَّ يا وطني
ربّا ً.. وتلك خطيئتي العظمى !
نرمي .. ونجهلُ أنَّ رمْيَتنا
عارٌ لأنَّ عراقَنا المُرْمى !
أمّا ولاةُ الرافدين فقد
جعلوا العراق لِصَيْدِهِمْ طُعْما !
فُجِعَتْ بهم أيامُنا ... فرثتْ
" دارُ السلام ِ" الأمنَ والسِّلما
إنْ كانت ِ الذِئبان ُ حارسة ً
فالموتُ حَصْدُ قطيعِها حَتْما
عاصون .. بعضٌ تحتَ عِمَّتِه ِ
"لاتٌ" .. وبعضٌ ينفثُ السّمّا !
ماسِرُّها الأرحامُ؟ هل عقُمَتْ
بعد " الزعيم ِ" فلم تلِدْ شهْما ؟ (1)
فَرَّ الحَياءُ لِهَوْلِ صَدْمَتِه ِ
بالقانِطين استعذبوا الضَّيْما !
للأجنبيِّ الأمرُ في وطن ٍ
أضحى بسوق ِ نِخاسةٍ رَقْما !
مُسْتَنجِدا ً بالموتِ ينقذهُ
بات الثرى خوفا ً من الحُمّى !
أوَلم يكنْ خُبزا ً لذي سَغَب ٍ
وسيوفُهُ تَحْمي ولا تُحْمى ؟
كنْسا ً لكذّابينَ ما صدقوا
يوما ً.. ورُبَّ رزيئة ٍ نعمى !
(1) الزعيم : هو القائد العراقي الخالد الزعيم عبد الكريم قاسم والذي عقم الزمن من بعده فلم يلد وطنيا بمثل نزاهته ووطنيته وإخلاصه ونبذه للمحسوبية وقد لا يلد مثيلا له في الزمن المنظور .