حَينَ يَسْتَبْطِنُ مَجْنُونُ قُرْطُبَةَ الضَّمِير
حَينَ يَسْتَبْطِنُ مَجْنُونُ قُرْطُبَةَ الضَّمِير
سعيد ساجد الكرواني
تُطَوِّقُنِي بِالْبَخُورِ
قِبَابُ طُلَيْطِلَةٍ
فِي مَسَاءَاتِهَا الْعَاطِرَةْ
وَلاَ زِينَةٌ حَوْلَ جِيدِ الْأَمِيرَةِ
إِذْ قَدْ أَسَرَّتْ إِلَيْهَا
وَصِيفَتُهَا الْحَائِرَةْ
بَأَنَّ السُّرُورَ غَدَا
سِلْعَةً نَادِرَةْ
نَسِينَا تَحِيَّاتِ مَوْعِدِنَا
نَسِينَا السُّرُورْ
وَ طَعْمَ الْحُبُورْ
وَكُنَّا نَدُورْ
مَعَ الْأَنْجُمِ الزَّاهِرَةْ
وَظَلَّتْ أَمَانِيُّنَا دَائِرَةْ
وَظَلَّتْ تَدُورُ بِنَا الدَّائِرَةْ
يُقَوِّسُنَا الدَّهْرُ إِذْ يَتَرَامَى
وَيَرْشُقُنَا ثُمَّ يَرْمِي
بِأَضْلُعِنَا نَبْلَهُ
وَالسِّهَامَا
فَقَوْسٌ جَمِيلْ
وَ سَهْمٌ جَلِيلْ
وَهَذَا الْخَلِيلْ
يُحَلِّي الْمَسَافَاتِ مَا بَيْنَنَا
وَذَاكَ الْخَلِيلْ
يُخَلِّي الْمَفَازَاتِ مَا بَيْنَنَا
فَيَا أَيُّهَذَا الَّذِي حَظِيَتْ
بِالْوِصَالِ لَوَاعِجُهُ
مَعَهَا قَدْ تَكُونْ
وَقَدْ لاَ تَكُونْ
.........
فَإِمَّا نَكُونْ
وَإِمَّا فَلاَ
فَوِجْهَتُنَا فِي الْفَلاَةِ
تُوَحِّدُ إِيقَاعَ
مِشْيَتِهَا الْعَنْدَلاَتْ
فَكُلُّ الَّذِي هُوَ آتْ
يَحُومُ كَمِثْلِ الْفَرَاشَاتِ
مِنْ حَوْلِنَا
لِأَنَّ الْفَرَاشَاتِ فِي كُلِّ يَوْمْ
يُشَوِّقُهَا لِلرِّيَاضَةِ حَوْمْ
فَحِيناً تُغَازِلُ نَارِي
وَحِيناً تَلَمَّظُ بَيْنَ شِفَاهِكِ وَهْمْ
فَيَا أَيُّهَا النُّورُ خُذْنِي
لِفُرْسَانِ قُرْطُبَةٍ
لِمَرَاكِبِ سَبْتَةَ أَحْكِ الْحِكَايَةْ
فَلَيْسَ لِمَبْدَئِهَا مِنْ نِهَايَةْ
أَحَرْقٌ وَشَرْقْ؟
أَخَنْقٌ وَشَنْقْ؟
فَمَا عَادَ يُرْهِبُ أُفْقَ الْعَزِيمَةِ
رَعْدٌ وَبَرْقْ
.........
وَعَوْدٌ حَمِيدٌ إِلَى الْمَعْمَعَةْ
يُجَالِدُنَا الصَّبْرُ
إِمَّا نُجَالِدُ نَحْنُ مَعَهْ
طَرِيقٌ عَتِيدٌ وَيَنْسَابُ
عَبْرَ شَوَاطِئِ طَنْجَةَ نَجْمْ
يَبُلُّ الصَّدَى
يُعَاوِدُهُ مِنْ شَوَاطِئِ سَبْتَةَ
رَجْعُ الصَّدَى
وَقَدْ أَثْقَلَتْهُ الْقَوَادِمُ مُبْتَلَّةً
بِحُبَابَاتِ قَطْرِ النَّدَى
يَرُشُّ الْجَبِينْ
فَنَصْحُو لِكَيْمَا نُجَالِدَ نَحْنُ مَعَهْ
فَيَخْشَعَ سَمْعٌ إِلَى الْقَعْقَعَةْ
طَرِيقٌ عَتِيدٌ وَ يَمْشِي الصَّدَى
وَبَيْنَ الثُّغُورْ
نُرَاجِعُ أَنْفُسَنَا تَارَةً
ثُمَّ طَوْراً نُغِيرْ
نُعَفِّرُ بِالْمِسْكِ مَوْجَ الْبِحَارْ
وَنَبْنِي بِرَايَاتِنَا قَلْعَةً
لَنْ تُهَدِّدَ أَسْوَارَهَا الشَّامِخَاتِ
قَرَاصِنَةُ الْبَحْرِ أَوْ يَتَحَدَّى
خَنَادِقَهَا الْمُحْصَنَاتِ تَتَارْ
لَقَدْ لَقَّنَ الْعَزْمُ مِنَّا الدَّمَارْ
دُرُوساً
فَلَنْ يَتَنَاسَى مَحَاذِيرَهَا
وَلَوْ صَدِئَتْ فِي الْقِرَابِ السُّيُوفْ
تَقُولُ الْمَعَاجِمُ وَالْمُفْرَدَاتْ
تَقُولُ الْحُرُوفْ
أَلَيْسَتْ سُيُوفُ الْعَزَائِمِ
مُصْلَتَةً
عَلَى هَامِ مَا
يَزْعُمُونَ اغْتِيَالَ الْحَيَاةْ؟
.........
وَمِنْ بَعْدُ هَا دَمُّ هَاتِيكُمُ الْمِحْبَرَةْ
يَثُورُ
وَتَمْتَدُّ صَوْلاَتُهُ الْقُرْطُبِيَّاتُ
مَا بَيْنَنَا
وَبَيْنَ رَمِيمٍ
تُبَعْثِرُهُ الرِّيحُ فِي الْمَقْبَرَةْ
يَثُورُ
وَيَمْتَدُّ مَا بَيْنَنَا
وبَيْنْ الْعُبُورْ
.........
أَلاَ فَانْسُجِي الرِّيشَ بُرْداً
يُوَارِي الظَّلاَمْ
لَقَدْ أَسْفَرَ الْفَجْرُ
عَنْ مَوْعِدٍ لِلْغَرَامْ
وَهَذَا السُّفُورْ
يُلِحُّ عَلَيْكِ انْحَتِي
مِنْ قُيُودِ الدُّجُنَّةِ
رَسْماً يُضَمِّخُنَا بِرَحِيقِ الزُّهُورْ
وَيَغْرِسُ فِي رَحِمِ الصُّبْحِ طَلْحاً
وَيَسْقِي الْبُذُورْ
بِمَاءِ الْجُمَانِ تَشَرَّبَ بِالْعِطْرِ
ثُمَّ تَبَرْعَمَ عُنْقُودُهُ بِالْحُبُورْ
وَهَا قَدْ صَحَتْ غَدْوَةً فَالِحَةْ
أَمِيرَةُ حُبِّي
مَلِيكَةُ عِشْقِي
تَبُوحُ بِكُلِّ الْحُرُوفِ الَّتِي
كَانَ أَرْهَقَهَا السُّهْدُ
بَيْنَ الشَّجَى وَالشَّجَنْ
لِلُبِّكِ جَوْهَرَتِي
عَبْرَةٌ وَاشْتِيَاقْ
لِطَلْعَتِكِ الْبَدْرُ
يَهْجُرُ بُرْجَ الْمُحَاقْ
لَكِ النَّحْلُ يَمْلَأُ كُلَّ السِّلاَلْ
بِجَنْيِ الْعَسَلْ
وَفِي جَانِبِ الشُّرْفَةِ الطَّيْرُ
يُصْغِي لِنَجْوَى الْغَزَلْ
تُزَرْكِشُ مَنْطِقَهُ الْعَنْدَلاَتْ
فَيُزْهِرُ فِي الْقَلْبِ نَبْضُ الْحَيَاةْ
أَمِيرَةَ عِشْقِي
قَمِيصِي امْسَحِيهِ
عَلَى رَبَواتِ الْأَمَانْ