نجْوى... والبحْر
د. مصطفى المسعودي
أخذتْ بيْن يَديْها كأسَ الشاي الأخْضرْ
ألقتْ فِيهِ بلطفٍ قطعة سُكـّرْ
مَدّتْ عيْنيهَا نحْو الأفق السّاجي
غاصَتْ فِي بحْر خيَال لا أعْرفهُ
فبَدتْ وكما لوْكانتْ فِي كوْكب عصْر آخرْ..
ثمَّ ..ولمّا طالتْ غيْبتها
أحْسستُ كما لوْ أني وحْدي
فِي حَضرتِها ..
بادرتُ أسائِلها :
نجْوى ..نجْوى ..فيما.
بالكِ مُنشغلٌ ..؟
قالتْ: أترى البحْر هُناكْ..
حيْثُ تلاقى اللونُ الأزرقُ باللوْن الأخضَرْ..
أترى كيْف تراءَى السِّحرُ هناكْ ..؟
أترى روْعة ذاكَ المنظرْ..؟
قلتُ : أراهْ..
قالتْ:كمْ يُعجبني ..كمْ يَسْحرنِي
!!ذاكَ المَنظرْ..
لكِنْ وَاأسفاهْ ..
فغداً سَتهُبُّ رياحٌ عاتية فوْق حِماهْ
ثمّ وحِين نجئُ سَنلقاهْ..
قدْ وَلى وَتغيرْ .
قلتُ: ولكِنْ بعدئذٍ سيَعودُ البحْر سريعاً لأناهْ
سيَعودُ لنفس المنظرْ..
قالتْ : أترَى ..
أترى روْعة هذا البحْر السّاجي
أترى كيْف تلوحُ مساحتهُ صَافية
مِثلَ بريق الشمْس الوَهّاجِ..؟
قلتُ :أراهْ..
!!قالتْ : كمْ أعشقُ هذا المنظرْ..
لكنْ واأسفاهْ..
فغداً حين نعُود لهذا البحْر سنلقاهْ
مُشتعلا بالأمواجِ .
كلّ الأشياءِ بهذِي الدّنيا تتغيرْ ..
هذي الدّنيَا صَفحتها مِن ورق وزجَاج ِ
وفِي رمْشةِ عيْن تتكسرْ.
قلتُ: ولكنْ.. هذا اللوْنُ الواحدُ فِي هَذي الدنيَا
وأكيدٌ ــ نجْوى ــ أنّ بهذِي الدنيا لوْنٌ آخرْ...
قالتْ: أصفرْ .
قلتُ: وما معنى لوْن الوردْ ..؟
قالتْ: يَتغيرْ..
قلتُ: الأيّامْ ..؟
قالتْ: تتغيرْ..
قلتُ : كفى نجْوى ..أنتِ صبغتِ الدنيا بدثار أصفرْ
وحجبتِ اللون الأخضرْ
قالتْ: لا..لا تفهَمنِي خطأ ..
فأنا لا أكرهُ هذِي الدّنيا
لكِني لا أحْسَبُها أفقِي الأكبرْ ..
قلتُ: ومَا الأفق الأكبَرْ؟
سكتتْ نجْوى ..لكنْ.. لمّا..
قرأتْ فِي عيْني
جمْرَ سُؤالي
قالتْ: أفقِي الأكبرْ ..
نورٌ ..وضياءٌ..وضياءٌ..وضياءْ..
وبياضٌ فوق بياض الثلج وأكثرْ ..
وأنا بيْن ضِفافِ الورْد ربيعٌ وربيعْ
وجَمالٌ لا يتغيرْ ..
قلتُ : ركبتِ جناح الأحلامْ .
قالتْ : كلا..
فتحَتْ عينيها الدائفتينْ ..
قرأتْ: (إنا أعْطيْناكَ الكوْثرْ.)