شهيد من تركيا
شهيد من تركيا
أ.د/
جابر قميحة«تِكْنرَ طيفورْ» طالب تركى كان يتلقى العلم فى كلية اللغة العربية بالجامعة الإسلامية العالمية بإسلام آباد فى باكستان حيث كنت أعمل (معارا من كلية الألسن بجامعة عين شمس فى مصر). وكان تلميذى «تكنر» حسن السمت، مشرق الوجه، طويل الصمت. وكان كثير الانقطاع عن الدراسة، على الرغم من ذكائه الواضح.. وإقباله على القراءة والتحصيل، ولم يقدم لى سببًا واحدًا وجيهًا لانقطاعاته المتعددة.
وفى أواخر ديسمبر سنة 1987 تركت إسلام آباد لأداء العمرة وزيارة أبنائى فى القاهرة،وعدت إلى إسلام آباد بعد أسبوعين ليخبرنى الطلاب أن «تكنر طيفور» قد لقى ربه شهيدًا فى إحدى المعارك داخل أفغانستان.
واكتشفت أن انقطاعاته المتعددة عن محاضرات الجامعة ترجع إلى ذهابه لأداء واجب الجهاد فى عمق أفغانستان دون أن يعلن عن ذلك.
لقد حاول - رحمه الله - أن يجمع بين «الكتاب والمدفع» إلى أن نال «الشهادة الكبرى» التى صيغت بدمه الزكى، وكان اسمه الحركى «محمد طه». وقد ألقيت هذه القصيدة فى الاحتفال بذكراه فى مسكن الطلاب بإسلام آباد فى 11/3/1988.
...وقرأتُ صحيفةَ أحوالِهْ
الإسْمُ: تِكْنَرْ طَيفورُ
جنسيته : تركى وافد
والعمرُ: يقارب عشرينا
والعملُ: طالب علمٍ فى الجامعِة الإسلاميةْ
فى الفصل السابعِ
عاليةِ اللغةِ العربيةْ
والمسكنُ: بيتُ الطلاّبِ
*********
وأداعُبهُ..
وأنا أرصُدُ
فى كشف الطلاب الغائبَ والحاضِرْ
أ «تكنَرُ أنتَ»؟
أم أنّك - يا ولدى - تُدْعَى «تِنْكَرْ»؟
يبتسمُ...
ويقولُ بخجلٍ عذْريٍّ:
قُلها.. أستاذى..
قلْ أيَّ الإسمينِ تشاءْ
فأقول:
«لا تلكَ ولا هَذى...
أدعوكَ - وهذا أحسنُ - «طَيفورْ»
ولأصرفْ نظرى
عن «تنْكرْ» أو «تكْنُورْ»
**********
قد كانَ بسيطا.. وحيِّيًا
صافِى اللمحاتِ
نقيَّ السَّمْتْ
ويطيلُ الصمْتْ
ويعيشُ الصمْتْ
وكأنَّ نداءً عُلْويًا يحدُوهُ
يدنيه إليه..
يُناديه...
من خلف الغيْبْ
«لا تبعدْ عنَّا
وتقرَّبْ منَّا..
واتركْ هذِى الأرْضَ
لطين الأرضْ
عبّادِ الأرْضْ
وتزودْ لرحيلٍ عُلْويِّ المَسْرَى
قدسيِّ الومْضْ
عطريِّ الفَيْضْ
فالموعدُ حانْ..
والموعدُ هذى المرَةَ يا طيفورْ
جنةُ رضوانْ
وحواصلُ طير خُضْر
تسبحُ فى ظلِّ العرشْ
عرشِ الرحمنْ..»
**********
وأعودُ من القاهرِة لأسأَلْ
أسألَ طلابى...
أسألَ عنه
لاذوا بالصمْتْ
فقرأت النبأ الفاجعَ
فى قاموسِ الصمتْ
فبكيت.. وبكيت...
وبكيتُ بقلبٍ
زلزلُه جبروتُ الموتْ...
أمضيتْ؟
أمضيتَ سريعًا يا ولدى..؟
ورحلتَ غريبًا يا ولدى؟
أكذا يا «تكْنر» من غير وداعٍ ترحلْ؟
لم تحضرْ أمُّكَ يا ولدى...
مشهدَ رحلتِكَ الأبديهْ
تحملك الأيدى يا ولدى..
جسدًا فضيا..
وسريّا...
كفَّنَهُ الدمْ..
هل مازالتْ أمُّكَ - يا ولدى -
تتهجدُ فى جوفِ الليل وتدعو
«باركْ يا ربِّى ولدى تكنَرْ
وامنحهُ النعمةَ والصحةَ
ياذا الفضْلْ
واجعلهُ على قمة من ينجحُ
من طلاب الفصْلْ»
هل مازالت أمك - يا ولدى -
تحلمُ بالمستقبل مَجْدًا
للإبن الغائِب فى حبِّ العلْم؟
وتباهى الجيرانَ
بقلبٍ تُرقصهُ الفرحةُ والشوقْ؟
«ولديِ سيعودُ قريبا
وشهادتُه الكبرى فى اللغةِ العربيةِ
لغة القرآنْ
من باكستانْ
تجعلُهُ عند بناتِ الجيرانِ
فتى الأحلام...
ولا الفرسانْ
لكنّى لن أختارَ عروسًا لابنى «تكْنرْ»
إلا من كانتْ ذاتَ جمالٍ
يتفقُ بحقٍّ وشهادتَه الكبرى
فى اللغِة العربية
لغِة القرآنْ..»
**********
ومضيْتْ..
بشهادتِكَ الكبرى
يا طيفورُ.. مضيتْ..
وشهادتك الكبرى
- هذى المرةَ يا ولدى -
فى ميدان لا يعرفُ قلمًا
أو قرطاسْ
بل تُزْرى بشهاداتِ الناس
عباقرةِ الناسْ..
**********
وقرأتُ صحيفةَ أحوالِكْ
أعنى:وأعدتُ قراءتها..
الإسمُ: تِكنرْ طيفورْ
لا...
أستغفر ربى...
الإسمُ: نورٌ وزهورْ
والجنسيةُ: ربانيٌّ مسلمْ
والعمرُ: خلودٌ ممدودُ
والعملُ: شهيدٌ موعودُ
والمسكنُ: جنةُ رضوانْ
وحواصلُ طير خضْر
تسبحُ فى ظلِّ العرش
عرشِ الرحمنْ..