العشاق الشعراء
طالب همّاش
في ذيّاكَ الليلِ الأبيضِ
حين تدقُّ الساعةُ منتصفَ الليلِ
وتستيقظُ روحُ الأحلامْ
وتذوبُ نفوسُ العذريينَ سكارى
في إغفاءةِ عشقٍ زرقاءْ ..
في ذيّاكَ الليلِ الأبيضِ
حين تهفهفُ رائحةُ الشهوةِ عاطرةً
وتطيرُ عصافيرُ المشمشِ في الدنيا الزهراءْ
شخصَ العشّاقُ الشعراءْ ..
( قيسٌ ) وكثيّرُ وابن حزامْ ..
شخصوا من شبّاكِ الحزنِ المجروحِ
إلى القمرِ المشرقِ كالكأسِ
وغاصوا في غيبوبةِ إشراقٍ وغشيَّةِ سُكْرٍ وهيامْ
فرأوا في مرآةِ الغسقِ الورديِّ
ثلاثَ ( نوافيرٍ) تتعاشقُ في رقصةِ ماءْ ...
الأولى تتعالى كالداليةِ الخضراءِ إلى أوّلِ عنقودٍ
كي تشربَ سقياهُ ،
وتسبحَ في تهويمةِ أنسامْ .
والوسطى تتسلّقُ كالموجةِ غصنَ االمطرِ الذهبيِّ
وتهطلُ في شلاّلِ غناءْ .
والثالثةُ الشقراءُ
ترشُّ شروقَ الشمسِ بماءِ الزهرِ ،
وموسيقى الأعراسْ .
همسَ الأوّلُ : ليلى
وانسابَ كصوتِ صلاةٍ مهموسٍ في الأجراسْ !
صاحَ الثاني : عزّةَ !
وانحلَّ كعطرِ الشوقِ على ريحانةِ آسْ .
وبكى عروةُ : عفراءْ !
وكمنْ ينظرُ في مرآةِ النورِ رأى
قرصَ البدرِ الصافي
يغرورقُ بالدمعِ كعينِ الينبوع على بحرِ ظلامْ
فتشكّلَ تحت سقوطِ الدمعةِ كالكاسْ .
وبكى ( قيسٌ ) :
أسحاراً وأنا أتأمّلُ عند ضياءِ الفجرِ امرأةً
تغسلُ أكفاني البيضاءَ على نبعِ الصبحِ
وتصنعُ تابوتي من حطبِ الأيّامْ !
وتأمّلَ من نافذةِ الشجنِ الشفّافِ
جمالَ سماءِ الليلِ يجلُّ عن الوصفِ
فأغمضَ عينيهِ وراحَ يحلّقُ تحت خيالِ الكونِ العاشقِ
مبتعداً آلافَ الأميالْ !
ويغنّي في بيداءِ اللوعةِ مبتهجاً
يا ليلاءَ الليل العالي
ما بعدَ جمالِ سماواتِ العاشقِ في الليلِ جمالْ !
كانَ الكوكبُ صافٍ
والفجرُ يجهجهُ من جهةِ المشرقِ
أسرابَ حمامٍ تتكشّفُ عن أسرابِ حمامْ .
قالَ كثيّرُ :
يا دمعُ ترقرقْ في العينِ
ويا صعداءَ الروحِ ارتعشي يا صعداءْ !
ما بعدَ بكاءِ العاشقِ في العشقِ بكاءْ !
عزّةُ ماءُ الغيمِ على الروح العطشى ،
والقلبُ المذبوحُ بمنقارِ يمامْ !
وأنا أعماني العشقُ فلا أبصرُ في هذي الصحراءِ سوى
ظبيةَ صبحٍ تغسلها الشمسُ
بما ينسابُ من الدمعِ على بركِ الماءْ !
وأراني أركضُ حولَ البركةِ مثلَ غزالٍ ظمآنَ
ولا أجدُ الماءْ !
وتراءت عفراءُ لعروةَ سارحةً كالغيمةِ في دنيا ماءٍ بيضاءْ .
نادها بالإسم فلم تسمعْ
لوّحَ بالكفّينِ فلم تبصرْهُ
يذوبُ كقطرةِ خمرٍ في كأسِ مدامْ !
فالمرأةُ حينَ يسيلُ حليبُ الليلِ على عينيها
لا تبصرُ أو تسمعُ في الصمتِ المبهمِ إلا رؤيا هادئةً
وبلابلَ أحلامْ .
( قيسٌ ) وكثيّرُ وابن حزامْ ..
شربوا ماءَ الحزن بكأسِ الليلِ
وطاروا كثلاثِ قصائدَ عمياءَ إلى الشجر العالي
ليصيروا في أعشاشِ الوحشةِ أفراخَ حمام ْ .