رمضانُ يوصي
إبراهيم سمير أبو دلو
نـزلـتَ غـريـبـاً ، ثـمَّ ها أنتَ يـلِـجُّ بـصـدريْ غـيـرُ أمـرٍ مـروِّعٍ أُقـلِّـبُ وِجـدانـيْ مُـكـاشِـفَ غُـمَّـةٍ نَـقَـرْتَ ثـلاثـاً لا ثـلاثـيـنَ بـيـننا فَـفِـيْ أيِّ مـنـأى عـنـكَ تـنأى نفوسُنا لـعـلّـكَ يـا خـيـرَ الـمـطـالعِ باسِطٌ أرى عـيـنَـكَ ابـيضَّتْ مِن الحُزْنِ كاظِماً يـقـولُ و فـي كـفـيـهِ فـاضتْ مكارمٌ و لـكـنَّ رَجْـعِـيْ بـالـقـوادِمِ شـاكلٌ أنـا الـضَّيفُ وَ الضَّيفُ الكريمُ ، فهل تُرى و لَـوْ جِـئْـتُ شُـحَّـاً ذا غَناءٍ ، صَفَحْتهُ أطـوفُ نـهـارَ الـكـدْحِ أرقـبُ شَـمْسه وَ أَسْـري بـلـيـل الـعـاكـفينَ ، فكاسلٌ عـجـبـتُ لِـكُـثـرٍ يـنـشـدونَ تُقاهُمُ فـيـزعـمُ مَـن قَـد أمـسَكَ الفجرَ صومَه غـدوتُ غـريـبـاً مِـنْ غَـرابـةِ أهـلهِ فـيـا خُـسـرَ مـرغـومٍ و يـا فـوزَ قِلةٍ ســلامٌ ، لــعـلـي لا أعـودُ بـكـرَّةٍ | تغرُبُرُويـدَكَ ، إنـي مـنْ فِـعـالِـك أعجبُ فـتـعـثـرُ أوجـالٌ و يُـطبِقُ غَيْهبُ(1) فـمـا أَنَـاْ إلا فـي الأسـى أتـقـلبُ(2) عـددنـاكَ طـفـلاً شبَّ ، إذ هو أشيبُ(3) و مـن أيِّ شـيءٍ - بَـعْـدَ نَـأْيِكَ -تقرَبُ إلـيـنـا عَـنْ الـخَطْبِ استفزَّكَ تذهبُ(4) عـلامَ أسِـفْـتَ الـيـومَ جَهدَك تندُبُ ؟(5) رجـوتُ طِـلابـاً لـلـعـطـايـا فتوهبُ ثِـقـالَ الـمـطـايـا ، عـنكُم أتنكَّبُ(6) عـلـى نـفـسه بُخْلُ المَضيفِ يَتَبَّبُ !(7) وَ لـكـنَّـه شُـحٌّ و جَـهْـلٌ و مَترَبُ(8) كـأنـي أَعُـسُّ الـليلَ و الشمسُ غُيَّبُ(9) إذا مـا بـدا نـجـمٌ ، تثاءَبَ كوكَبُ (10) و قـد عـبَّـدوا - من قبلُ - عقلاً و غيَّبوا و يـأكـلُ مـن عِرْضِ الأنامِ و يشرَبُ(11) كـذاك الـهُـدى عَـنْ أهـلـه يـتـغرَّبُ و يا جُهدَ مَنْ قَدْ كانَ فيْ الناسِ يخطُبُ !(12) وَ عَـلَّ أُنـاسـاً لـن يعودوا فيُعتبوا(13) | !
التوضيحات :
(1)يلِجُّ ، لَجَّ ؛ تمادى و لازمَ أي الوَجْد . غيرُ أمرٍ : أكثرُ من أمرٍ . الغيهب ؛ الظلمةُ و شدُّتها .
(2)وِجداني ؛ ما أجدُ في نفسي ، فهو مصدر من الفعل ( وجدَ) .غُمة : ما لا يبين من شيء .
(3)نقرَ ، كناية عن سرعة المضي و قِلِّةِ اللبْث ، جاء في حديثِ رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه ( نهى عن نقرةِ الغراب ) و ذلك في السجود . لا ثلاثين : أي لا ثلاثينَ يوماً . عددناكَ ؛ يجوز معنى العدِّ و الإحصاء ، و معنى الحسبان و الاعتبار ، و الأولُ أولى عندي .
(4)قال تعالى : {وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً }الإسراء76
استفزاز المُقيم في أرضه ، إزعاجُه حتى يخرجَ منها .
(5)ابيضاض العين ، ذهابُ سوادُها فرطَ الحزن ، قال تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }يوسف84 . جهدَك : حدَّ وُسعِك و طاقتك . تندُبُ ، أصلُها عدُُّ محاسن الميِّت .
(6)القوادُمُ ؛ - هنا – جمعُ قادم أي آتٍ . شاكلٌ ؛ مُشابه .
تنكَّبَ عن الشيءِ : مالَ عنه .
(7)يتببُ : أصلها من الفعل ( تَبَّ ) أي خابَ و خسر .
(8)شُحاً ذا غَناءٍ ، أي شخصاً شحيحاً مُستغنٍ . و الوصفُ بالمصدرِ أشدّ أنواعه ، كقولِنا : رجلٌ عدْلٌ ، دمٌ كَذِبٌ . صفَحته ؛ أي ضربتُ عنه صفحاً . مَتربٌ : افتقار ، ترِب ترباً و مترباً و متربةً . قال تعالى : {أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ }البلد16
(9)أعُسُّ الليل : أطوفُ بالليل .
(10)كاسلٌ ، خبر لمبتدأ محذوف ، معروضٍ تقديرُه على غير احتمال ؛مثل ، ليلٌ كاسلٌ .
(11)صومَه ، مفعول به للفعل ( يزعمُ ) .
(12)مرغومٍ ؛ عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
يا جُهدَ مَن قد كان في الناسِ يخطبُ ، نداءُ حسرةٍ على مَن رغم أنفه ، و يكونُ كذلك نداءَ تعظيمٍ لِمن انتفعَ بدعوةِ الخطباء .
(13)الشطر الأول ؛ إنذارٌ بانمحاقِ العالَم و ذهاب رمضانَ و خيرِه ،و هذا أحدُ الأوجه . و الشطر الثاني ؛ إنذارٌ لِمَن عسى أن يقضيَ نحبَه قبل رمضانَ القادم . يُعتبوا ، أعتَبَ : أرضى بعد العتاب .
قال أبو ذؤيب الهذلي :
أمِنَ المَنونِ و ريبِها تتوجعُ .. و الدهرُ ليس بمُعتِبٍ مَن يجزَعُ !