في يوم حشر يجمعون جُماراً

د.جعفر الدندشي

في يوم حشرٍ يُجمَعون جُمارا

شعر : د. جعفر الكنج الدندشي

مابين قصيدة الحسن بن هانئ ( أبو نواس)، والتي مطلعها:

يا ربّ إن عَظُمت ذنوبي كثرةً      فلقد علمتُ بأنّ عفوكَ أعظمُ

وقصيدة عمر الخيام، التي يقول فيها:

إذا كنتَ تُجزي الذنب مني بمثله        فما الفرق مابيني وبينك ياربّ..

(ترجمة الصافي النجفي)

 وفي لحظةٍ مُطلقة الإلهام، سطّرت ريشتي ما يلي:

فـي الـصـدرِ تَكتَنزُ الهمومُ عَقارا
تـنـمـو عـلـى واحاتها iiأشجارا
خـطّـتْ  على الأسْنادِ: ذاتٌ iiملكُنا
مـاجت  بروحي الريحَ iiوالإعصارا
جـارَ الـزمانُ لهفوتي، لم iiأرتضي
إلاّ  بِـهَـجْـرٍ قـد لَـبِستُ iiإزارا
لـمّـا  تركتُ الشامَ في عهدِ iiالصِبا
والـنـفـسُ  فيها قد رَهَنْتُ iiحِذارا
عـهـدٌ  نـقضتُ بغُربتي يا iiوَيلَتي
بُـلـيَ الإزارُ فـمـا أجَدتُ iiخيارا
ذاكَ الـزمـانُ مضى ولكن iiضمّني
بـلَـهـيبِ روحي يحرِقُ iiالأعمارا
عُـدنـا نـحاكي فيهِ أرضاً iiأثخَنَتْ
مـمـا رمـتـنـا، غـربةً وفرارا
قـالـوا: قـضاءُ الله، يفعَلُ ما iiيشا
شـوقٌ  يُـثَـبـتُ شوقنا iiاستنكارا
هـذي  حـيـاتي، لم تزلْ iiأشواقها
فـي  بعضِ عمري تبتغي iiاستقرارا
تـقـضـي بـحـزمٍ أن تهلَّ بِليلنا
أو تـسـتَـبـدَّ إذا تـشـاءُ iiنهارا
وطـنـي تَـعَـذّر أن أردَّ iiبمركبي
طـاحَـتْ  بـنـا الأيامُ كي iiأختارَ
كـم كـنتُ لا أبغي سوى أن iiنلتقي
فـانـسَ لأنـسى، ما لحِقتُ iiقِطارا
إن  فـاتـنـي ذاكَ القطارُ iiوهابني
بُـعـدُ الـزمـانِ أضاعَ منّي iiالدارَ
دعني أعشْ عمري بوحي iiبصيرتي
حـارَ  الـفـؤاد بـفـكرِنا iiواحتارَ
يا طيف مَن سكَنَتْ بقلبي iiوارتضتْ
شـوقـاً يُـبـاري حُـبّها iiالأبرارا
يـا ذاتُ إلـهـامٍ، رمَـتنا iiوارتَمَتْ
مِـصـبـاحُ حُـبّـكِ قد أنارَ ديارا
يـا ذات أحـلامٍ يـطـيبُ iiجنونها
فـي  دربِ قـلـبٍ خـالفَ التيارا
الـحـمـدُ لـلـه الـذي قد خَصَّنا
مـن حُـبّـكـم شوقاً يضيقُ iiبحارا
والـحـمـدُ  لـلـهِ الذي من iiرِفقِهِ
هـامَ الـفـؤادُ مُـحـيّـراً مُحتارا
سـبـحـانـه أبـداً، قضى بخيارهِ
أن  نـرتـدي ثـوبَ الحنينِ سِتارا
حـتـى تـوالـتْ أشهرٌ iiوتلاعَبَتْ
ذاتُ الـزمـان، بـبـعـدنا iiأدوارا
جـئـنـا ديـار الـليل من iiأبوابها
شـفـعـاً نـقـوم الليلَ والأسحارا
أسـهـو،  تـمرُّ بيَ الليالي iiساهراً
صـحـبي خيالكِ، كم نطيبُ iiجِوارا
لا بُـدَّ مـن عـهـدٍ قـريبٍ iiمُبْعَدٍ
يَـقـضـي بِـجمْعِ الهائمينَ سُكارا
لا  بُـدَّ مـن يـومٍ سَيَصرَعُ iiشوقنا
والـشـوقُ يَـرشِحُ والعيونُ iiحَيارا
لا  بُـدَّ من أملٍ يُصاحِبُ جرحَ iiمَنْ
يـرضـى  تحَدّي الناسَ iiوالأعمارا
تِـلـكُـم حِـكـايةُ شاعِرٍ و iiصَبيّةٍ
زانَ  الـهـوى أحـلامَـنا iiقنطارا
أمـضـى الحنينُ على البعادِ iiوثائقاً
تـقـضـي  بـبُعدٍ جاوَزَ iiالأقطارا
مُـسـتَـقـتِـلانِ عـلى لِقاءٍ مُبْهَمٍ
فـي الـحـلمِ يطوي شوقنا iiأسرارا
تـقـضـي الليالي أن أسامِرَ iiقومها
مـن أنـجُـمٍ، كـم نـستلذُّ iiحِوارا
طـوراً تـعادي فكرَ روحٍ خاصَمَتْ
جـفـنـي،  طويلاً لا يَذوقُ iiقرارا
هـيَ غـايةٌ، أبغي َبمحضِ iiإرادتي
أنْ  أكـسـبَ الـلحظاتِ ليلَ نهارا
جـاءتْ  بـنا الدنيا لتَقصفَ iiعمرنا
لـن  تـسـتَـبـيح لعمرنا iiأكوارا
فـالأرضُ ضـاقت بالزمانِ iiوجهلهِ
مُـنـذُ  اسـتُـبيحتْ لابن آدمَ دارا
يـا  رحـلة الإنسان في جوفِ الدُنا
كـيف  اكتشَفتِ الدربَ iiوالأسرارا؟
هل عاشَ في أرجاءِ عمركِ غيرَ مَنْ
عبروا الطريقَ إلى المماتِ iiحَيارى؟
أنـا  لـسـتُ إلاّ مـن بَقيّتهم iiوإنْ
مـاج  الـشـذا في نشوَتي iiأشعارا
أرتـاحُ  لـلـقـلـمِ المُشَرّدِ iiحيثما
تـبـغـي الأغاني اللحنَ iiوالأوتارا
إنْ طـابَـتِ الـنـجوى بها iiألفيتها
تَـنـسـابُ فِـكـراً يَعبرُ الأقطارا
حـتـى  إذا مـا أُنـهِكَتْ iiبفرارها
عـادَتْ  تُـداعِـبُ أنـملي iiأفكارا
يـرتَـجُّ فـي إنـسانِ نفسي iiمُطْلَقاً
يـرجـو  الـتفاؤلَ صحبةً iiوجوارا
أبـغـيـهِ عـوناً في النفوسِ محَبّةً
لـكـن سـتـارَ البغضِ قام iiجدارا
يـا صـانـعَ الإنـسانِ من iiعَليائهِ
يـامَـن  خَـلَقتَ الخيرَ iiوالأشرارا
يـا مَـنْ تـركتَ المرءَ في iiنزواتهِ
حـرَّ الـخـيـارِ يـواجِه iiالأقدارا
أرنـو  إلـى عظَماتِ عطفِكَ راجياً
ريَّ الـرجـاءِ، رجـوتُكَ iiاستغفارا
أنـا  لـسـتُ أسما مَنْ تَعَبّدَ لا iiولا
بـل  ألـف لا، أنـا أتـبعُ iiالتيارا
لـكـنَّ  فـضـلَكَ كانَ مني iiمُطْلَقاً
فـيـضُ الـعطاءِ يَضمّني iiاستئثارا
لـمّـا  حفظتُ بذات نفسي iiجوهراً
أنْ لا إلـهَ سـواكَ، كـيفَ iiتبارى؟
هـل  تـكـفني تلكَ الذريعةُ iiمهرباً
فـي يـومِ ديـنِـكَ رايةً و شِعارا؟
خُـذنـي بهديكَ نحو مصباح iiالهُدى
نـورٌ عـلـى نـورٍ أذوبُ مـنارا
فـي أبـعـدِ الأبـعـادِ أقـرأ iiآيةً
أنـسـى  غبارَ الأرضِ iiوالأحجارا
أنـسـى  جنونَ الناسِ، أنسى iiغايةً
فـي  كـلِّ نـفـسٍ تبتغي iiالإكثارا
عِـلـمٌ  لـغـايـاتٍ،تَشَتتَ iiرشدُنا
فـإلـه  هـذا الـعلمِ صارَ iiنضارا
حـتـى  إذا مـا جاءَ وعدُكَ iiأيقنوا
فـي  يـومِ حـشرٍ يُجْمعونَ iiجُمارا(1)

                      

هامش:

(1)جمارا إعرابها نائب مفعول مطلق وهذا يعني: يجمعون جمعاً