رسالة من تدمر
خالد العبيدو / كفرنبل
رسالة أشواق بثها الشاعر السجين لأسرته من قلب سجن تدمر الرهيب، وقد التقيناه في كفرنبل أيام الثورة المباركة في أغسطس 2014، ويذكر أنه قضى 25 عاما معتقلا وكان ضمن آخر دفعة أفرج عنها عام 2004.
استشهد أحد أبناء الشاعر أبو عبده في الثورة المباركة وترك خمسا من الأولاد يرعاهم جدهم حفظه الله وتقبل منه.
يا ركب مهلا قد سريتَ مبكرا
عرّج بسيرك للديار مبشرا
الأهل فيها حرّة ٌ أشواقهم
يتلهفون لطارق أن يخبرا
فيها الصغار تساءلوا عن عودتي
فبكى الكبار من السؤال تأثرا
بشر بخير من رزقت حنانها
ما زلت حيا مبعدا ومهجرا
في غيهب السجن الرهيب مكبلا
أعتى السجون شراسة في تدمرا
قد ساءلت عني كثيرا إخوتي
فأتى الجواب بأنني تحت الثرى
فاسترجعت محزونة بمصابها
ترجو الإله بصبرها أن تؤجرا
يا ركب رفقا في سجين قد غدا
مما جرى في سجنه شبحا يرى
أهوال سجني مستحيلٌ وصفها
أما طريق ديارنا فميسرا
جاوز متون البيد ودّع رملها
وادخل حمى النعمان سهلا أخضرا
واجه مغيب الشمس واسر بأرضنا
فيها النسيم مدغدغاً ومعطرا
وربيعها فاق الفصول نضارة
وشتاؤها ألفت سحابا ممطرا
فيها المآذن للسماء تشامخت
صداحة يعلو النداء مكبرا
الله أكبر ما أحيلا رجعها
فقلوبنا همت بها لن تجبرا
فوق التلال وفي السفوح مضارب
بيت الأحبة قابع فوق الذرى
بجواره بيت لأمي ينحني
متوكئا هار هرما يرى
ووحيدة تحيى به مع حرة
عهدي بها بسمات ماض أغبرا
يصبو الفؤاد إلى ربوع أحبتي
كم مرة لديارنا ليلا سرى
فنقشتها وحروفها من مهجتي
في الغيمة البيضاء غصنا مزهرا
فأشار لي ركب الغيوم مودعا
حمل الرسالة واعتلا متحسرا
أماه إن طلع الصباح بقريتي
وجلا الضياء حجب الظلام ونوّرا
وتثاغت الأغنام حول خرافها
ومضى القطيع بيومه مستبشرا
وتحرك العصفور بين فراخه
أو واقفا بين الغصون مبكرا
ليرى صغاري في صبيحة عيدهم
بجوار أم كفكفت دمعا جرى
مري على داري وواسي أسرتي
قولي البطولة تقتضي أن نصبرا
أماه لا يحزنك الغصن قد بدا
فوق العريشة يابسا لم يزهرا
أماه لا تحزنك أشجاري التي
ربيتها وبغيبتي لن تثمرا
فلقد عزفت عن الحياة هنيئة
بجوار حكم باطني مزدرا
ولنصر ديني قد مضيت وأخوتي
رهبان ليل في الضحاة الشرى
ربي صغاري للبطولة والفدا
قوي لهم بصراحة عما جرى
كي يسلكوا درب الجهاد بواسلا
ويقوضوا نظام حكم منكرا
مستبدلا بخلافة يبنونها
راياتها خفاقة فوق الذرى
نهج الإله يسود في أرجائها
والحق يعلو بالرصاص مؤزرا