العقاد والأسوار المنهارة
أ.د/
جابر قميحةعباس محمود العقاد ( 28 6 1889 – 12 3 1964) صاحب العبقريات الإسلامية، والمؤلفات التى دافعت عن الإسلام وفضحت الصهيونية والصليبية، نرى أن من حقنا أن نرفض مقالاته التى هاجم فيها الإخوان المسلمين أواخر الأربعينيات.
ولكننا نعترف أنه عاش يحمل فى قوة وشدة على الطغيان والحكم المطلق والمذاهب الهدامة، ويدافع عن الدين وحرية الإنسان.. وكرامته. وقد قطع بأن المذاهب الهدامة - حتى وهى فى أوج انتصاراتها - تحمل فى طياتها بذور فنائها. وتنبأ بسقوطها ومصارع أربابها. ورأى فى حياته مصرع النازية وهتلر. ونهاية الفاشية وموسولينى. وها نحن أولاء - فى أيامنا هذه - نشهد سقوط البقية الباقية من هذه المذاهب ومصارع رعاتها ودعاتها والقائمين عليها. وكأن العقاد كان ينظر إلى الغيب من ستر رقيق .
ويسجل له التاريخ كلمته المشهورة في البرلمان : " إن الأمة ستسحق أكبر رأس يقف في وجه الدستور ". ودفع ثمن هذه الكلمة تسعة أشهر سجنا .
قمْ يا مَلِكْ
يا أيُّها الثاوِى بأرضِ المجْدِ
فى أسوانَ قمْ
قُمْ يا مليكا عرشُه كانَ القلوبَ
وتاجُه كان الإباءَ
وجيشُه كان القصيدَ
ومدفعيّتُه القلمْ
**********
قُمْ وانْفض النومَ الطويل
ولا تنمْ
مَنْ قَال إنك للرقادِ فقد ظلمْ
إذْ ليسَ مثلُكَ للتراب
وللنفادِ وللعدَمْ
لكنَّ مثْلَك للفيالق
والمعاركِ
والتصدِّى
والمبادئِ
والقيمْ
قمْ لا تنَمْ
إن القشاعِمَ لا تقرُّ على الثَّرى
لكنَّ عيشتَها.. وأيْضا موتها
فوقَ القممْ
**********
قمْ يا ملكُ
واشهدْ ضحاياكَ الكِثارَ
من القياصرةِ الكبارْ
والفلسفاتِ الداعراتِ
العائراتِ
من اليمينِ أو اليسارْ
المنكراتِ الله والإنسانَ
والقلبَ المؤمِّلَ والمنارْ
السارياتِ بغفلةِ العقلِ الرشيدِ
إلى الديارْ
فإذا الحصيلةُ ضَلّةٌ
وعمايةٌ
وتهتكٌ
وتخلفٌ
ودمارُ.. يتبعه دمارْ
قمْ واشْهَدَنْ صَرْعاكَ
خَرّوا..
لا ذمارَ.. ولا وقارْ
سحقتْهمو دعْواكَ
والأممُ السجينةُ
حين هبَّتْ نارُها ذاتُ الأُوارْ
غُذِيت بريحٍ صرْصَرٍ
فَغَدَتْ سعيرًا فى سُعارْ
فشهدْتَ مصرعَ بعضِهمْ
والبعْضُ أنتَ صرعْتهمْ
مِنْ قبلِ أن يلْقَوْا مصيرَهُمُ البئيسَ
ألا ترى؟
عجبا لمن يُرْدى عَدوَّ الشعْبِ
والقيمِ الرفيعةِ
وهْوَ فى أسوانَ
مِنْ تحتِ الثَّرى
لكنما لا تعجَبَنْ
ممَّا جَرَى
(فالناسُ صنفان:
موتَى فى حياتهمُو
وآخرون ببطن الأرض أَحياءُ)
والحق أنك كنتَ - يا عقادُ -
فى ساحِ الوَغَى
خيرَ الفوارسْ
فكمثلِ طبع الأَرْيحيينَ الفوارسِ
أنتَ قد أنذرتهُمْ..
ونصحتَهُمْ
قبلَ النوازلِ والنزالْ:
«صُونُوا المبادئ والقِيَمْ
وارْعُوا الكرامةَ والذممْ
من قبل ثوْراتِ الأممْ
من قبلِ أن تنقضَّ فوقكُمُو
الصواعقُ والحُمَمْ»
لكنهمْ رفضوا النصيحةَ
واستهانوا بالشعوبْ
فبنَوْا من الأحجارِ والفولاذِ
أسوارًا تعزّ على المدَى
قامتْ على الدمِّ الصبيبْ
وعلى الجماجمِ والضلوعْ
وعلى المظالِم والدموعْ
النازفاتِ من الحنايا والقلوبْ
«يا أيها الحكامُ..
لا أسوارَ تحْمِى الحاكمين من النِقَمْ
فإذا الشعوبُ تحرقتْ
وتَضَرَّم الغضبُ السعيرُ بقلبِها
فتحركتْ
باحَ السعيرُ المنْكَتِمْ
فرمى المظالمَ والجبابرةَ الغُشُمْ
بالعاتياتِ القادحاتِ
من الرجُمْ
فهوَى الغويُّ المستبدُّ
ولاتَ ساعتَها ندَمْ
لكنَّ سورا واحدًا
يحمِى الملوكَ من العدَمْ
يُدْعَى «بسورِ العدْلِ»
لا سورِ الحجارةِ
والحديدِ المنتظِمْ»
كمْ قلْتََ - يا عقادُ -
«إنَّ الفطرةَ الشمَّاءَ
تأبى أنَ يكونَ الآدميُّ
بآلةٍِ ترْسًا يدورْ»
كم قلتََ:
«إنَّ الدينَ ليسَ مُخَدِّرا
وغمامةً
وغيابةً
لكنه للعقلِ زادٌ والشعورْ
والدينُ تحريرٌ
وإبداعٌ ونورْ:
فالعلْمُ فيه فريضةٌ
تزهو على هامِ الدهورْ
وعقيدةُ التوحيدِ
جوهرهُ الوضيءُ المستنيرْ
انظرْ إلى التاريخِ فى أبهَى العصورْ
ماذا يقولْ؟
«بالعلم والتوحيدِ
هبَّّ المسلمونَ
فيالقًا.. وكتائبًا
تغزو القلوبَ الغُلْفَ
- لا بالظلم والسيفِ المبيرْ -
لكنْ بنورِ العلْمِ والتوحيدِ
والحق النضيرْ
فإذا الوجودُ منارةٌ
وإذا القفارُ المعتماتُ البورُ
جناتٌ وحورْ
هذا هو الدينُ الذى أحْيا المواتَ مِنَ
القلوبْ
كذبَ الألَى قالوا
بأن الدينَ أفيونُ الشعوبْ»
**********
قمْ ياملكْ
«البرلمانيون» علِّمْهُمْ هُنا
وهناك فى كلِّ الدُّنى..
أن «النيابة» أن يكونَ ممثلُ الشعبِ العريقْ
نبضًا أمينْ
ولسانَ صدقٍ لا يخاتلُ
أوْ يجاملُ
أو يهونْ
لا واحدا فى الإمَّعاتِ
الهاتفين الراقصين
أو «فارسًا» فى الناهبين السارقين
الفاسدين المفسدين
قم يا ملكْ
علمْهمو
كيف انتفاضُ الحرِّ بالقولِ السعيرْ
ذكِّرهُمو.. إذْ قلتَ يوما
قولك الفذَّ الخطيرْ
«دستورُ أمتِنا هو العرضُ المفدَّى
والمصونْ
ومن استهانَ به سنسحقُ رأْسَهُ
- حتى ولو كان الوزيرْ؟
- حتى ولو كانَ الأميرْ»
**********
قمْ يا ملكْ
وانشرْ لواءَكَ مِنْ جديدْ
وابعث فيالقَكَ العتيدةَ
بالعقيدةِ.. والقصيدةِ.. والنشيدْ
مازال ثمةَ باقياتٌ
من جيوب.. أوْ سجونٍ.. أو قيودْ
حيث البقيةُ من فلولِ الظالمينْ
تخِذُوا من الأنقاضِ والظلماتِ
- كالحشرات - حصْنَهمو المهينْ
مازال نبْحُهمو يُلوِّحُ بالوعيدْ
فلْترْمهمْ
بقذائفِ الكَلِم العتيدْ
فالكِلْمة الشماءُ
أقوى من حُصونِهمو الحجارةِ
أوْ عتادِهُمُو الحديدْ
فاهتِكْ ستورَهُمو
ودكَّ بقية الأسوارِ
فى حزمٍ عنيدْ
واصهرْ حديدَهُمُو العَضوضَ
وحرر الناسَ الأُلَى اتُّخِذُوا عبيدْ
حتى يسودَ العدلُ والشورَى
وروحُ الحبِّ والفكرِ الرشيدْ
**********
قمْ يا ملكْ
واشهدْ ثمارا يانعاتٍ
قد وضعْتَ بذورَها
ورويْتَها من ماءِ قلبِكَ
والمدادِ الحرِّ
والفكرِ النديْ
وسهرتَ ترعاها
وتمنحها العطاءَ الفائقَ الثرَّ النقيْ
فاليومَ - يا عقادُ - عيدُكَ
فى الشمالِ
وفى الصعيدْ
قمْ حيِّ هاتيكَ الحشودْ
القادماتِ تلى حشودْ
جاءتْ تُهنِّئُ نفسَها
فى يومِها الراقى المجيدْ
فى يومِ مولدِك الجديدْ
يوم اليراعةِ
والبراعةِ
والكرامةِ
والأمانةِ
والسيادةِ
والسعادةِ
والخلودْ..
فاليومَ فى اسوانَ.
بل مصر..
وأرض العُرْبِ
والأكوانِ عيدٌ
أيُّ عيد!!