أماهُ لا تبكي عليّ
21آذار2009
محمد نادر فرج
رسالة الشَّهيدِ إلى أمه الصامدة
محمد نادر فرج
ميرلاند - أمريكا
حين وصلني الخبر، كانت هزَّةً عاطفيَّةً عنيفة، انتابتني مشاعر شتى، تهيج بي عواطف متباينة، لا أستطيع تمييز دوافعها، أو تحديد مواجعها.
أهوَ
الشَّوقِ إلى لثم جراحهِ النّاَزفة، أم الحسرة على أني لن ألقاه بعد الآن.
تجيش
بي
رغبة إلى البكاء، لا أدري أهيَ من الغبطة على ما آل إليه، أم الحسرة على نفسي
أني
لم أدرك مُناه.
كأني بأمه الصابرة قد وقع لها ما ألمَّ بي، ولعلها مشاعر تجيش بي أيضا إلى أمي الحبيبة، فإذا قلمي يطبعُ هذه الكلمات:
لا تَـبـكِ يـا أُمـاهُ ولْـتَـسـألـي الرَّحمنَ مَغفِرَةً عَـفـواً وغُـفـرانـاً ويَقبلنَي هـذي الأَكُـفُّ أتـوقُ ألـثُمُها فـي دِفـئِـها ذُقتُ الحَنانَ وكمْ مـا زِلـتُ أشـعُرُ لِينَ مَلمَسِها * * * أمـاهُ قـدْ أزفَ الـرَّحيلُ فلا فـأنـا صَـنيعُكِ طاهراً نَضِرا غُـصـنٌ يَـهـيجُ على منابتِهِ كـم ذا بَـذَلـتِ على رِعايَتِهِ يـا دَوحَـةَ الإيـمـانِ يَغمُرُها قـدْ كُنتِ لي رَوضاً أطوفُ بهِ أفـنـانُـه الـفَـيـحاءُ زاهيَةً وأركِ قـنـديلَ الهَدى سَطَعَتْ أجـنـي ثِـمارَ الحُّبِّ نَضرَتُها * * * أمـاهُ إن الـخُـلـدَ مَـوعِدُنا كـم كـانَ طَـيفُكِ باعثاً شَجَناً طـيـفٌ أفـاضَ ظِلالَ أجنحةٍ ويَـهـلُّ مـنـه النُّورُ مُبتَسِماً طَـيـفٌ أرقُّ مـن العَبيرِ شَذاً روحـي إلـيكِ تَطيرُ ضارعَةً وإلـى رُبـوعِ مَواطني الوَلهى وأريـجِ زَهـرِ الزَّيزفونِ وقدْ أمـاهُ هـذا كـانَ لـي نَـسَباً * * * أمـاهُ فَـيـضُ هُـداكِ عَلَّمني هَـمْـلٌ عـلـى هونٍ تُدَغدِغُهُ لـكـنَّـني بَينَ الضُّلوعِ أرى تـأبـى الـهوانَ وتَسْتَشيطُ إذا فَـتَـثـورُ مُغضَبةُ الجَنانِ ولا فَـتـعـيـشُ شـامخَةً بعِزَّتِها أو أن تَــمـوتَ أبـيَّـةً وإذاً حُـرَّاً وتَـغـلي بي دِماءُ أبي | واحتَسِبي ولْـتَـحـبسي مَوَّارة بِـأَكُفَّ أَطهَرُ من نَدى السُّحُبِ ويُـزيلَ يَومَ الرَّوعِ مِنْ رَهَبي وأَضُـمُّـهـا بِـجَوانحٍ التَّعبِ مَسَحتْ غُبارَ الوَهن عن قَلبي فـي جَبهتي يَحنو كَلَمْسِ نَبي * * * تـأسَـي فـحسبُكِ أنني بَطَلُ أضـفـى الـبهاءُ عليهِ والأملُ نَـفْـحُ الـهُدى زَهراً فَيَشتعِلُ جُـهـداً وهـا قَـدْ أثمَرَ العَملُ فَـيـضُ التُّقى في رَيِّهِ الهَطِلُ بَـيـنَ الـغُصونِ كأنني ثَمِلُ بـالـخَـيرِ تَغمُرُنني فأكتمِلُ أنـوارُهُ فـأضـاءتْ الـسُّبُلُ رَيّــانَـةٌ فـإذا أنـا رَجُـلُ * * * رَسَـمَ الـطَّـريقَ لنا إليه أبي في مهجَتي النَّشوى من الطَّرَبِ وكـأنَّـهـا الأجـفانُ للهُدُبِ طُـهراً يَفيضُ كَبارِقِ الشُّهُبِ وصَـفـاؤهُ أنـقى منَ الذَّهبِ أمـاهُ فـوقَ جَـوانحِ السُّحُبِ بِـرَحـيقِ خَمرِ التّينِ والعِنَبِ فـاحتْ كَنَفحِ المجدِ في الكُتُبِ وبـهِ أفـاخـرُ كـلَّ مُـنتسِبِ * * * أن لا أعـيـشَ بـهامشِ الدُّنيا أهـواؤهُ ويَـهـيـمُ بـالرُّؤيا نَـفـسـي تُنازِعُني إلى ألعَليا مـا عـايَـنَتْ بينَ الوَرى بَغيا تَـرضـى مـنَ الآلامِ بالرُّقيا وتَـهـبُّ فـهـي بدينِها العُليا هـيَ لَـنْ تَـموتَ وإنَّما تَحيا وأرى الـشَّـهادةَ لي هيَ المُنيا | الغَضَبِ
أماهُ إنَّ النَّجمَ صافَحني
وحَنا يُقبِّلُ جُرحيَ الدَّامي
ويَمُدُّ من بَينِ الغيومِ يَداً