اللهب المُدنس
اللهب المُدنس
د. محمد علي الرباوي
ما كُنْتُ أَظُنُّ البَحْرَ يُغادِرُ أَمَوْاجَهْ
ما كُنْتُ أَظُنُّ العُشْبَ يَحُطُّ عَلَى
ريشِ غُرابِ القَرْيَةِ تاجَهْ
هَذَا زَمَنٌ نَبَتَتْ لِلإِنْسانِ
حَوافِرُ في الصَّدْرِ بِها هَدَّمَ أَبْرَاجَهْ
هَذَا زَمَنٌ يَعْوي فيهِ الذِّئْبُ
فَتَشْعُرُ بِالأُنْسْ
وَتُحِسُّ دَبيبَ الْخَوْفِ وَهَوْلَ الوَحْشَةِ
حينَ يُصَوِّتُ إِنْسْ
فَانْجُ بِنَفْسِكَ قَبْلَ تَصيرُ رَماداً هَذِي الشَّمْسْ
وَتَحسَّسْ رَأْسَكَ
قَبْلَ يُغادِرُ جِسْمَكَ
هَذَا الرَّأْسْ
****
أَوْقَفَنِي هَيْكَلُ عَظْمٍ
وَهْوَ يُغادِرُ مَقْبَرَةَ الشُّهَداءِ فَقالْ:
"هَذَا قَوْلِي
اِِحْفَظْهُ في قَلْبِكَ
وَادْفِنْ باقي الأَقْوَالْ
حَدَّقتُ مَلِيّاً فيهِ وَرُحْتُ أَشُقُّ عُبابَ الرَّمْلِ
وَقُدَّامي تَنْتَصِبُ الأَهْوالْ
هَذَا قَوْلِي..لا قَوْلَ سِوَايْ
خَبَّأَ جَمْرَتَهُ صَدْرِي
لَكِنْ أَفْشَى الْهَوْلَ القاتِلَ هَذَا النّايْ
آيْ..يَّايْ.. يَّايْ..يِّايْ ..
* * **
كُلُّ الطُّرُقاتِ إِلى الأَوْرَاسِ[1]
مُلَطَّخَةٌ بِعَبِيرِ الْجُثَثِ البَيْضَاءِ
مَنْ
يَقْتُلُ مَنْ؟
ذِئْبٌ يَعْوِي في الظَّلْمَاءِ
وَعَيْنَاهُ عَلَى جُبٍّ في قَلْبِ البَيْدَاءِ
وَعَيْنٌ ثالِثَةٌ تَتَسَلَّقُ أَذْيالَ قَميصٍ
نَهَشَتْهُ مَخالِبُ إِنْسَانٍ
يَتَأَجَّجُ مِنْ عَيْنَيْهِ لَهيبٌ
يَقْذِفُ في الْقُبَّةِ*، في الأَبْيَار*ِ،
وَفي القَصْبَةِ*، في الْحَرَّاشِ*،
وَفي عَيْنِ النَّعْجَةِ*
أَدْغالَ الرُّعْبْ
لِلسَّيْفِ هُنا لَمَعانٌ
حينَ يُسَلُّ جِهاراً
في وَجْهِ الشَّعْبْ
وَيَصيرُ كَمَا العِهْنِ الْمَنْفوشِ
إِذَا دَقَّتْ في وَضَحِ اللَّيْلِ طُبُولُ الْحَرْبْ
.......................................
لَهَبٌ يتأجج في مَتّيجَةَ*
كانَ يُقدَّسُ بِالأَمْسِ
هُوَ اليَوْمَ يُدَنَّسُ
لا الشِّعْرُ العَرَبِيُّ يُغَنِّيهِ
وَلا جَوْقَةُ دَرْياسَةَ[2]
قُدَّامَ البَحْرِ تُصَلِّي لِجَلالِهْ
هَذَا اللَّهَبُ القاتِلُ وَالغارِقُ في أَوْحالِهْ
يَعْرِفُ تَوْأَمَةً مَعَ أَدْغالِ الرَّايْ
يَنْسَى ما دَبَّجَهُ ابْنُ نَبِيٍّ[3]..آيْ..يَّايْ..يَّايْ
كَيْفَ أَغارَ مُلُوكُ النَّفْطِ عَلَى أَقْوالِهْ؟
كَْفَ أَيَا قَلْبِي الواقِفَ
عِنْدَ مَشَارِفِ هَذَا الغابْ
فَصَلُوا اللَّفْظَ عَنِ الْمَعْنَى
فَصَلُوا الأَحْبابَ عَنِ الأَحْبابْ
فَصَلُوا أَشْجارَ الشَّارِعِ عَنْ أَنْوارِ الْمِحْرابْ؟
كَيْفَ وَهَذَا الرُّعْبُ يُبَشِّرُهُمْ
بِحَوَافِرهِ وَبِأَهْوالِهْ؟
****
مَنْ
يَقْتُلُ مَنْ؟
هَذَا زَمَنٌ يَمْشِي بِالْمَقْلُوبْ
اَلْغَالِبُ فيهِ هُوَ الْمَغْلُوبْ
فَتَحَسَّسْ قَلْبَكَ
قَبْلَ يُغادِرُ صَدْرَكَ هَذَا القَلْبْ !
هَذِي فَرَسٌ مُسْرَجَةٌ قُدّامَكَ في رَأْسِ الدَّرْبْ
شُقَّ بِهَا بَطْنَ الغَيْمَةِ
وَافْتَحْ بِاسْمِ اللهِ طَريقاً
يُوصِلُ هَذَا الإِنْسَانَ إِلَى عَرْشِ الْحُبّْ
* * *
ما أحْوَجَنا يا رَبِّ وَنَحْنُ
بِهَذَا الدَّرْبِ إِلَى
أَنْوارِكَ تَجْلُو عَنَّا هَذَا الْكَرْبْ
مَا أَحْوَجَنا اليَوْمَ إِلى أَنْوَارِكَ يا رَبّْ
يا رَبّْ.. يا رَبّْ..