مَا الشَامُ إِلَّا

مَا الَّشَامُ إِلَّا في الغَرَامِ غَرَامِيْ

فَاقْرَأْ عَلَيْهَا يَا سَلَامُ سَلَاميْ

وَانْشُرْ شُرُوْحَ الوَجْدِ آَيَاتِ الِّرِضا

تُعْنَى بِتَرْتِيْلٍ وَ فَرطِ هُيَامِ

وَلَذِيْذُ وِدٍّ قَدْ رَضِعْتُ لِبَانَهُ

مِنْ ثَدْيِّ شَامٍ مَا أَرُوْمُ فِطَامِيْ

وَصَرِيْرُ وَحْيٍّ قَدْ عَلَا فيْ تِيْهِهَا

خَطَّ الهَوَىْ بِتَزَاحُمِ الإِلْهَامِ

تَنْحُوْ القُلُوبُ لِغُنْجِهَا وَدَلالِهَا

وَظِلَالُهَا هِيَ فَيْنَةُ الأَحْلَامِ

ما بَيْنَ نَبْضِيْ وَاخْتِلاجِ طُروسِها

خَفَقَانُ حَرْفٍ وَارْتِعاشُ كَلَامِ

فاضَتْ مَحَبَّتُها وَطَامَ وِدَادُهَا

فَتَرَبَّعَتْ فُلْكَ البِلَادِ شَآَمي

تُجْنَى ثِمَارُ الفَخْرِ مِنْ صَفَحَاتِها

يَا جَنَّةَ الشُعَراءِ وَ الأَنْعَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا في الجَمَالِ كَيوسُفٍ

قُدْ قَاسَمَتْهُ الحُسنَ بِالأَقْسَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا حُبُّهَا في خَاطِريْ

حُبٌّ تَغَلْغَلَ في نَقيِّ عِظَامِي

مَا الشَّامُ إِلَّا في المَدَىْ مَحْفُوْرَةٌ

كَالوَشْمِ تَبدو في خَنَىْ الأَيَّامِ

بِهِضابِها بِسهولِها بِجَبالِها

بِجَمالِها وَبِحُضْنِها الآرامي

مَا الشَّامُ إِلَّا طِفلَةٌ رَقْرَاقَةٌ

ضَحَكاتُها في غَابِرِ الأَعْوَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا وَ العَناقِيدُ اسْتَوتْ

مِنْ شَمْسِ حُبّّي وَالهَوى مُتَنَامِ

رَوّيْتُها حَتَّىْ تَسَامَىْ فِرْعُهَا

فِيْ مُهجَتِيْ فَنَمَتْ غُصُونُ كَلَامِيْ

مَا الشَّامُ إِلَّا نَفْحَةٌ عُلْوِيَّةٌ

فَالدَهرُ يَعْبَقُ مِنْ أَرَيجِ كِرَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا مُهْرةٌ عَربيّةٌ

لَنْ يَعْتَلِيْهَا عُصْبَةُ الأَقزَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا وَرْدَةٌ أَبَدِيّةٌ

فَوَّاحَةٌ عِطْرِيَّةُ الأَنْسامِ

زَفَّتْ لِأَنْدَلُسٍ عَرُوْسَ حَضَارَةٍ

مِثْلَ الثُريَّا زَفَّةَ الأَجرَامِ

مَا الشَّامُ إِلَّا قِصَّةٌ وِحِكايَةٌ

في كلِّ ثانِيةٍ يَدُقُّ عِصامي

فَإِذا ذَكَرْتَ دِمَشْقَ غَرَّدَ خَافِقِيْ

فَالقَلبُ يَخْفُقُ مِثلَ طَيْرِ حَمَامِ

حَكَمَ الزَمَانُ بِهَجْرِهَا وَ قَطَيْعَتيْ

فَتَوَفَّقَتْ بِطَلَاقِها أَيَّاميْ

وَتَعَقَّدَتْ سُبُلُ الأَمَانِي بَيْنَنا

حَتَّى عَقَدْتُ عَلى الرَحِيلِ زِمامِيْ

وَرِكِبْتُ دَمْعَاً قَدْ جَرىْ مِنْ حُرْقَتِي

وُسُروجُ هَمَّيْ أُسْرِجَتْ وَ لِجَاميْ

وَتَرَكْتُ مِنِّيْ الرُوحَ تَسْرَحُ في الرُبا

وَلَثَمْتُ مِنْ قَبْلِ الوَدَاعِ مَقامِيْ

مِنْ خَلْفِيَ الوَردُ المُشَبَّعُ بِالنَدىْ

وَدُمُوعُهُ بِمَيَاسِمِ الأَكْمَامِ

وَالأَرضُ باسِطَةٌ يَديْها بِالجُنَىْ

وَالغُصْنُ مُشْرَعَةٌ بِحُضْنِ خِصامِ

فَتَرَكْتُ فِيْها اليَأَسَ يَصْعَدُ لِلَّرَجا

وَلِهِمَّتِيْ العليا وَضَعْتُ أَمَامِيْ

تِلْكُمْ دِمَشْقُ وَهَذِهِ حِمْصٌ هُنَا

حَلَبٌ هُنَا أَخَواتُ كُلِّ رُكامِ

وَهُنَا المَسَاجِدُ وَالكَنائِسُ دُمِّرَتْ

وَالنَحْسُ عَشَّشَ في لِثَامِ إِمامِ

وَهُنَا الطُفوْلَةُ في خَريِْفِ بَرَاءَةٍ

جَفَّ الحَياءُ بِوَجنَةِ الأَفْهَامِ

وَهُنَا المَخَاضُ لِيُولَدَ البَحْرُ الَّذِيْ

سَيُغَيِّرُ المَجْرَىْ لِنَهرٍ دامِ

يَا زَارِعَ البَارُوْدِ إِنَّكَ حَاصِدٌ

طَلَقَاتِ حَقٍّ ما تَخِيْبُ لِرَامِ

يَا غَارِسَ التَابُوْتِ إِنَّكَ مُجْتَنٍ

لِلمَوْتِ ثِقْ بِعَدَالَةِ الأَحْكَامِ

يَا صَاحِبَ الكُرْسِيِّ إِنَّكَ مُفْلِسٌ

مِنْ عِبْرَةِ التَارِيخِ وَالحُكَّامِ

سَيَظَلُّ لِلْأَمَلِ الطَريْدِ أقِنَّةٌ

يَأَويْ إِليْهَا مِنْ فَضَا المُسْتَامِ

وَهَنَا دِمَشْقٌ فِيْ فُؤادِيْ اسْتَوْطَنَتْ

قُلْتُ ارْقُدِي نَامِيْ بِهِ بِسَلامِ

فَلَنَا الشَآمُ وَلِلشَآمِ تَحِيَّةٌ

وَلَهَا السَلامُ مِنْ السَلامِ خِتَامِي