أجدَّك هذا الدهرَ تذكُر فاطما=وتطوي على شجْو السنين الحَيازما
وأنت بسيما ذي وقار ولم تزل=تُذِيلُ على الغَيِّ الدموعَ السواجما
أتهذي بما لم يأذَنِ اللهُ ظالما=وتُوفِي من الشوق القديم المَخارما
لعلّكَ مَأخوذٌ بما لاتُطيقه=إذا أنتَ ناديتَ الفِجاجَ القواتِما
فلله بلْوَى لو شكوتُ شجونَها=إلى الورد أمسى الورد مِنهن ساهما
تحمَّلتُ منها ما تحمَّلتُ كاظما=على مثلِ ما هَدَّ الجبالَ الأعاظما
ورُحْتُ بأشواق الغِوَى لاتُجيبني=كأن لم أُسِمْ في روضة الحُب سائما
أُكَتِّمُ أنفاسا من الشمس ربما=أثرن من الليل البهيم المجاثما
وفي الحق لو أني زفرتُ لَهيبَها=شفاءٌ فحبِّرْها تشبُّ العزائما
كأنَّ على العَوَّاء من قَسَماتِها=رفارفَ يتركن السَّمومَ نسائما
ليرسلهنَّ الله من نفحاته=يؤلفن فيما بينهنَّ الغمائما
قوافيَ أحدوهنَّ كل عشية=وأغدو بها حول الحواميم حائما
يقال إذا أنشدتُها من سنائها=كأنّك أرسلتَ النجومَ العوائما
فأزهو بها وَجهَ النهار مَخيلةً=ويَهدلْنَ بِي جُنحَ الأصيل حمائما
يُهلهلنَ وجدي في ارتياحي كأنني=أجوب بها يوما من الصيف غائما
لبست به والشوق باقٍ على النوى=ثيابا بأطياب النبي نواسما
فلله ما قد هجنَ من عبقرية=يَهيم بها من كان في الله هائما
تظلَّلتُها حتى إذا ماتحنَّنت=عليَّ بها السبعُ الطباقُ همائما
زهَتني إلى القرآن فيها سلافةٌ=تهز حُميَّاها القلوبَ الحوائما
إذا أخذت مني وأزهرتُ لم أكن=لأعبقَ إلا عفَّةً ومكارما
هي النور نور الله لو أن قابِسا=بهذي الدجى أذكى النجومَ العواتما
كما لُحْنَ يوما بالنبي محمدٍ=عناقيدَ نور يتركُ الليل باسما
بنفسي.. صلاة الله تغمر قبره=وتَسقي حواليه المُصلى ووَاقما
فلو هاجَنا من صادق الشوق بارقٌ=إلى الله يَستذري القلوبَ الصلادِما
ولو أننا إذ فاتنا ذاك لم نُقِمْ=على فائتٍ إلا عليه المآتِما
ولكننا بالغيِّ غامتْ سماؤنا=فلما رجوناها استهلَّتْ جحائما
ومن عجبٍ أني أَشيمُ بروقَها=ولم أر قبلي شائما مُتشائما
بلى.. ربما تابعتُ من خُلَّبِ الهوى=سنى ما سبى إلا امرءً بات واهما
ألا طالما زاغَ الهوى بحُلومِنا=ورُحنا خِفافًا ضِلَّةً ومَآثما
وطايرنا الشيطانُ ريشًا بقفرة=أيادي سبا أغْرَى بِهِنَّ السمائما
فطُلَّتْ دماءٌ لا تبالي جُناتُها=وشائجَ أرحامٍ تُثير المَراحما
وهاجت بها الريح العقيم فلم تذر=على الأرض إلا ما وقى الله قائما
كأنْ لم نُبايِعْ خاتم الرسل أنَّنا=كرامٌ وأنا لانُحلُّ المحارما
ولاتطمئنُّ الأرض إلا بأمْرنا=تُخِيلُ بآفاق السماء العمائما
بلى.. ربَّما دارتْ بآثامِنا الرحى=وأظلَمَت الدنيا علينا مَظالما
كأنْ لم يَقُمْ بالقِسط يَقسم بيننا=أبو القاسم الفياضُ ما كان قاسما
فكيف عَرِينا مِن وَسام جُدودنا=ولاشوقَ فينا يستجدُّ المياسما
فيا أمةً قد أوْبَقَتْهَا ذنوبُها=ترى البدرَ منها ليلةَ البدرِ واجما
هجرنا كتابَ الله جهلا وغِلْظةً=بأكبادنا حتى أسغْنا العلاقما
وقام بأمر الناس مَن ليس قائما=ولاقائلاً إلا الخنا والملائما
ولما رأيتُ الناس أمستْ صدورُهم=قبورا تَغَالَى بِغْضَةً ونمائما
دعوتُ أُبيًّا وابنَ مسعودَ تَرحةً=وناديتُ لو أسمعتُ زيدا وسالما
وضاق بُكائي عن بُكائي تفجُّعا=على الأنْجُمِ اللائي غدونَ رمائما
على خير قوم كرَّم اللهُ سعيَهم=فأخرجهُم للعالمين مَعالما
يُثيرون أغْلاسَ الفتوح عن الهدى=يَشيمُ سناها كلُّ مَن بات شائما
أولئكَ أعمامي الذين بِحُبِّهم=حدوتُ العلا لما رجوتُ المَغانما
إذا ذُكِروا هاجتْ بِقلبيَ وَهجةٌ=من الشمس تمحو ليلَه المُتراكما
أقول وقد طالتْ ظلالُ عَشيَّتي=بذكراهمُ شعرا يهزُّ المَواسما
عسى اللهُ بالقرآن يرأبُ صدعَنا=وإنْ كانَ أمسى يائسًا مُتفاقما