حينَ طالَ اللَّباثُ هانَ الولاءُ = وتساوى الأمواتُ و الأحياءُ
ليسَ يدري الأحياءُ ماقيمةُ العزِّ ... = ... ولم يعلموا مَن الأكفياءُ !
فَهُمُ والأمواتُ في عرضِ لحـدٍ = تَتَنَزَّى بشدقِه الرُّحّضاءُ
يالقومٍ وقد أماتَهُمُ الوهنُ ... = ... فعاشوا ، وللحياةِ أساؤوا !
لم يخُطُّوا على الصحائفِ مجدًا = بقناديلِه الزمانُ يُضــاءُ
أو يُديروا أمورَهم بأياديهم ... = ... فبئستْ أمورُهم والعناءُ
ثكلتْهُم تلك الأيادي استُرقَتْ =ويـدٌ هذا شأنُهـا شلاَّءُ
والعقولُ استخفَّها الطيشُ فاستهوتْ ... = ضياعًـا تشيعُه الظلماءُ
أين أيَّامُ صرحِها إذ تعالى = في جبينِ الضُّحى ، وأين السَّناءُ ؟
ونهارُ النُّبُوَّةِ الدهرَ باقٍ = لم تغادرْ آفاقَه اللألاءُ
والمثاني والمعجزاتُ تجلَّت = والفتوحاتُ بعدُ والإســراءُ
وهديرُ التكبيرِ مازالَ يَحيي = مَن أماتتْ أحناءَه الضَّرَّاءُ
وبهَدْيِ القرآنِ عِـزٌّ أثيرٌ = لاتُجاريهِ في الورى الآراءُ
والأحاديثُ عذْبةٌ وجناها = فيه خيرٌ ونعمةٌ و هناءُ
أين منها شبابُنا مالوى الزيفُ ... = ... شبابًا فَمَحْتِدٌ لا يُساءُ
مااستحدُّوا لغيرِها إذ تجافى = عن علاها الطغاةُ والأشقياءُ
فَهُمُ الخيرةُ التي تَجتَبيهم = يوم تهدي وسامَهـا العلياءُ
ياشبابَ الإسلامٍ مَنْ يمنعُ الكيدَ ... = ... وما قد يحيكُه الأعداءُ ؟
أنتُمُ القبضةُ القويَّةُ هلَّتْ = لصدورِ البغاةِ فيها الدواءُ
قيَّضَ اللَّهُ للجُناةِ شبابًـا = بايعوهُ ... فعزمةٌ قعساءُ
إذ تعالوا على المناصبِ وجهًـا = قبَّحَتْهُ الرذيلة الرعناءُ
فعن العارِ مالهم من محيصٍ = ألبسَتْهُم إزاره الكبرياءُ
فالتَّعالي ، رغم انتفاخِ صدورٍ = كهباءٍ ، والخطوةُ العرجاءُ
واسألوا النشوةَ الخسيسةَ فيهم = أطفأتْهـا النهايةُ البلهاءُ
مالِطاغٍ عن النهاية بدٌّ = ولكلِّ المروِّجين انتهاءُ
والخليلاتُ والأماني وحشدٌ = والمزاميرُ كلُّهـا جوفاءُ
جولةُ الظلمٍ ساعةٌ ماتعدَّتْ = رَوَغَانَ الذئابِ بئسَ العواءُ
لاتموتُ الحقيقةُ : الخُلدُ منها = غيرُ ناءٍ فجانباهُ السَّناءُ
كم شقيٍّ طوتْهُ كفُّ المنايا = فتوارى ، وللحنيفِ البقاءُ
إنَّ أعداءَ دينِنا لِتَبارٍ = أدركتْهُم رياحُه الهوجاءُ
دينُنا فازَ ياطغاةُ وأنتم = قد سقطتُم وفي الجحيم الثَّواءُ
قد رأى النَّاسُ مافعلتُم ، فخبتُم = فبأيديكُمُ تلظَّى الشَّقاءُ
وتفشَّتْ قبائحُ السُّوءِ حتى = خجلَ المجدُ ، فاضمحلَ الحياءُ
يومَ شجَّعتُمُ الرذائلَ تبًّـا = ولأنتم لشؤمِها قُرَنَاءُ
غَضِبَ اللهُ فالمحارمُ أمستْ = ظلَّ جيلٍ فبئست الأفياءُ !
أين تلك المروءةُ اليومَ تُلفَى = والمزايا نادت بها الأنبياءُ !
والخصالُ الحميدةُ انكفأتْ فالكربُ ... = ... جاءتْ بجمرِه الأسواءُ
أيؤوبون والغفورُ قريبٌ = أَوَيسري من القلوبِ الدُّعاءُ !
أيعودُ الإيمانُ باللهِ يحيي = ما أماتَتْهُ فتنةٌ خرقاءُ !
أَوَيَسقي ظماءَنا مُزْنُ فضلٍ = ويثيرُ اهتمامَنا الإسراءُ ؟!
يانبيَّ الإسلامِ عفوًا فإنَّا = غلبتْنا ياسيِّدي الأهواءُ
فَجَفَتْنا مدارجُ العزِّ تُقصي = مَن تولَّتْهُمُ اليدُ العجفاءُ
وقعدنا خلفَ الشعوبِ حيارى = حيثُ هذا المراءُ والإعياءُ
كلُّ مَن يهجر الشريعةَ خسرانٌ ... = ... وجاءت بهجرِه العلياءُ
هو عانى من العواصفِ تعمي = مقلا لم يُكَحِلَنْها الضياءُ
جئتَ ياسيدي بنورٍ و وحيٍ = وبيانٍ دانتْ له الفصحاءُ
وبمجدٍ عالي السِّماتِ غنيٍّ = نفحُه الفتحُ والعلى والسَّخاءُ
ما أتانا بمثله أيُّ عصرٍ = أو جفتْه الحقيقةُ الزهراءُ
وهي الجاهليةُ اليومَ عادت = شدَّ من أزرِ بغيِها السُّفَهاءُ
وتنادوا من كلِّ حَدْبٍ و صَوْبٍ = حملتْهُم لحربِنا البغضاءُ
الأذيَّاتُ طِشْنَ واليدُ مُدَّتْ = والألداءُ بعدُ والسفهاءُ
في نواديهُمُُ الفضاضةُ ألقتْ = مالديها ، وثارت الشحناءُ
وشكتْ مكةُ المكرمَةُ القومَ ... = ... إلى اللهِ إذ طغى الأقرباءُ
يتلقاهُمُ النَّبيُّ بوجــهٍ = في مُحيَّاهُ رحمةٌ وضياءُ
يتوخَّى لهم هدايةَ ربٍّ = لتزولَ البغضاءُ والشَّحناءُ
وتولي عن النفوسِ المخازي ... = ... السودُ والجاهليةُ الحمقاءُ
إنَّمـا القومُ في عماءٍ محيقٍ = يتولاهُمُ فبئسَ هذا العماءُ
لم يروا بهجةَ الضياءِ وقد أضفتْ ... = ... على الكونِ بالنَّهارِ ذُكاءُ
وبدا الحقُّ حاسرُا ليس يخفى = وتغنَّى بحُسنِه البُشَراءُ
ويلهم ! إنَّها النُّبُوَةُ ضاءت = فالسَّنى في برودها وضَّاءُ !
ورسولُ الأنامِ يدعو فينأى = عن نداءاتِ عطفِه الأشقياءُ
وأتاهم بالمعجزاتِ جهارًا = مثلما جاء قبلَه الأنبياءُ
وجفوا دينَه المبينَ ، وآذوهُ ... = ... بكيدٍ تُصلَى به الأحناءُ
ويلهم ! من مكذبين جُفاةٍ = والبراهينُ دأبُها الإفضاءُ
آيةٌ تُبطلُ الظنونَ ، ويروي = شأنَها في قرآنِه الإسراءُ
فيه وصفُ النَّبيِّ للقدسِ وصفًا = أكبرتْهُ الأصداءُ و العقلاءُ
إنَّما المشركون في عبثِ العيشِ ... = ... احتواهم عنادُهم والغباءُ
فَهُمُ الصُّمُّ والمنادي نبيٌّ = مارأى مثلَ وُدِّه الرحماءُ
وَهُمُ العُمْيُ فاتهم كلُّ خيرٍ = وهناءٍ ، لو أبصروه لفاؤوا
فتولَّوا عن فضلِها ، ويحَ قومٍ = فمكان استثمارِها العلياءُ
وهُمُ القومُ زاحموا الشَّرِّ حتى = لتبارٍ قادتهُمُ الأهواءُ
إنَّ مَن يركب الغرورَ تجافيه ... = ... المنى ويعتريه البلاءُ
مدبرًا عنها متعبَ البالِ تطوي = خُطُواتِ استهتارِه النكباءُ
وعدوُّ الإسلامِ ماشاءَ يومًـا = غيرَ ما شيطانُ النفوسِ يشاءُ
ويواليه مترفًا بالأماني = والأماني خسارةٌ و هباءُ
أيُجافَى النبيُّ والنُّورُ بادٍ = وبأردانِه يُشَمُّ الهنــاءُ !
إنَّه الفضلُ والنُّبوَّةُ من بارئِنا ... = ... الحقِّ ماعليه خفاءُ
وهو التأييدُ الكريمُ من اللهِ ... = ... وفاحتْ من طيبِه الأشذاءُ
يومَ إسرائِه المرابعُ بشَّتْ = وتثنَّتْ لطيبِه الصحراءُ
والتسابيحُ في الوجودِ دَوِيٌّ = أدركتْهُ ببعدِها الجوزاءُ
إنَّه المرسلُ الحبيبُ من اللهِ ... = ... فوحيٌ وشرعةٌ وارتقاءُ
وَسُمُوٌّ مطرَّزٌ بالسَّجايا = وشموخٌ ماشابَه استعلاءُ
عادَ من ربِّه العظيمِ غنيًّـا = بالحفاواتِ ركنُهُنَّ الحِبــاءُ
المثاني وفضلُهُنَّ جزيلٌ = والصَّلاةُ المكتوبةُ استهداءُ
لمناجاةِ خالقٍ ، وعروجٍ = بفؤادٍ ، وللثوابِ سخاءُ
عادَ من ربِّه الوليِّ فنعمتْ = في البرايا الولايةُ العصماءُ
سبكتابٍ مقدَّسٍ لايُجارَى = عَجَزَتْ عن بيانِه البلغاءُ
وبآياتِ شِرعةٍ بيديها = للبرايا الإكرامُ والنعماءُ
عالميٌّ حداؤُها في مضاءٍ = فيه للخلقِ يقظةٌ و وِقاءُ
هو يُغني القلوبَ فالخيرُ فيه = فاستظلتْ في نهجِه الأتقياءُ
ويحثُّ النفوسَ بعدَ توانٍ = لتعودَ العزيمةُ الغرَّاءُ
ينفدُ الزَّادُ والعقيدةُ تبقى = فلها من ضميرِنا الإصغاءُ
لايُجافَى مكانُها فالحنايا = ظلَّلتها بأُنسِها الأفياءُ
أكرمَ اللهُ حقلَها فتدلَّتْ = دانياتٍ قطوفُها والرَّواءُ
وبأرجائِها النعيمُ توالى = فتولَّى عن أهلِها الإنضاءُ
والفجاجُ العجافُ أضحتْ مروجًا = قد سقتْها من فيضِها الأنواءُ
رحمةُ اللهِ لاتفارقُ قومًـا = فَهْيَ للمسلمين دومًا ثراءُ
أطربتْهُم آياتُه ــ فتجافتْ = عن رقودٍ جنوبُهم ــ والولاءُ
واستقاموا على الطريقةِ نهجًا = ماعلى طُهرِ سِفرِه أسواءُ
وانطوى الشركُ في تبارٍ وخُسرٍ = وتوارى رُوَّادُه الزُّعماءُ !
فالبراهين مشرقاتٌ كما لو = طلعَ البدرُ فالظلامُ عفاءُ
إنَّها ربَّانيَّةُ الدعوةِ امتدَّ ... = ... سناها ، وجندها الأوفياءُ
بايعوا اللهَ فالعقيدةُ أغلى = إن تلظَّت بنارِها الهيجاءُ
وهي الروحُ للحنيفِ ، فطوبى = فالفداءُ الأموالُ والأبناءُ
وهو الفوزُ بالجنانِ ، ويهفو = لمغاني فردوسِها الشُّهداءُ
في العشيَّاتِ داهمَ الخطبُ شعبي = طوفانًا أمواجُه الأرزاءُ
ينشرُ الرُّعبَ وجهُه مكفهرًا = حيث فاضتْ مدامعٌ و دماءُ
وعلى الأرضِ فرَّقَ البغيُ شملا = جمعتْهُ العقيدةُ الغرَّاءُ
إنه الخطبُ لم يكنْ مثله في = زمنٍ عاثَ جندُه السُّفهاءُ
عربدَ الشَّرُّ والأذى وتمادى = في اضطهادٍ أعداؤُنا الخلطاءُ
في يديهم تلوَّنَ الشَّرُّ حتى = طُمسَ الشَّكلُ ثوبُه والحذاءُ
لعنةُ اللهِ و الأنامِ عليهم = ماتراءى الصباحُ والإمساءُ
ربِّ فرِّج هذي النَّوازلُ عنَّـا = فدمانا وشجوُنا : الشفعاءُ !