إليكَ يا خيرَ خلقِ الله...
تبقى الفريدَ بما قد خصَّكَ القدرُ=يا من لكلِّ صلاحٍ أنتَ مُنتظَرُ
اللهُ عظَّمَ أخلاقاً خُلقتَ لها=يا من إليكَ تناهى فخرُ من فخروا
الكونُ من قبلِ أن تأتي لتُصلِحَهُ=فؤادُهُ كادَ ممّن ضلَّ ينفطِرُ
أجلاهُ عن خالصِ التوحيدِ من خلطوا=بالدِّينِ دنيا فسادَ الشركُ، فاندثروا
وهلَّ وجهُكَ فالآفاقُ مشرقةٌ=والبِشْرُ فوقَ جبينِ الدَّهرِ مُستَطرُ
يُتْمٌ عليكَ تتالى كلُّهُ عِبَرٌ=يا فوزَ قومٍ بما قد كُنتَهُ اعتبروا!
الصِّدقُ والجِدُّ والإخلاصُ كنتَ لها=في كلِّ نادٍ جَرَتْ عن حُسنِها سِيَرُ
كم جئتَ "غارَ حراءٍ" في سكينتِه=والشَّوقُ منهُ إلى لقياكَ مُسْتَعرُ!
بهِ عَرفتَ إلهاً واحداً أحداً=جلالُهُ بالذي سوَّاهُ مُنتشِرُ
بصيرةٌ منكَ عاشتْ وحيَ فطرتِها=وفطرةُ اللهِ عن توحيدِه خبرُ
كمْ من محامدَ لا تُحصى عُرِفتَ بها=لها رسولَ البرايا شاءَكَ القَدَرُ
وافاكَ جبريلُ بـ (اقرأ) فارتعدْتَ لها=فرحتَ منها لهولِ الأمرِ تدَّثِرُ
خديجةٌ يا لَبشراها كم ابتهجتْ=لمّا اصطُفيْتَ لِما قد كانَ يُنتَظَرُ!
وعادَ جبريلُ يتلو أمرَ بارِئهِ=اصدَعْ، وبلِّغْ، ولا تعبأ بمن سخِروا
وقالَ "وَرْقَةُ" ما قد كانَ يعلمُهُ=أنْ أنتَ مَنْ لخِتامِ الرُّسْلِ مُدَّخَرُ
بشراكَ، بشرى أبي بكرٍ هدايَتُهُ=فإنَّهُ أوَّلٌ ما عُدَّتِ البَشَرُ
جاهدتَ تدعو إلى التوحيدِ منْ بطِروا=ويا لَعفوِكَ عنهم كلَّما بطِروا!
لبَّاكَ قومٌ ضِعافٌ بالهُدى كبُروا=ومن تحدّوْا هداهُمْ ذِلَّةً صَغُروا
هل مثلُ جهرِ بلالٍ هاتفاً: "أحَدٌ"=ومثلَهُ كم ترى في الضُّرِّ من شكروا
وأكرمَ اللهُ سؤلاً قد دعوتَ به=فقد أتاكَ مُقِرَّاً بالهُدى "عُمَرُ"
وصحبُكَ الصّحبُ كمْ أَغْلَوْا عقيدتهُمْ=للهِ للهِ كم أُوذوْا، وكمْ صبروا!
مستمسكونَ بدينِ اللهِ نوَّرَهم =فوجهُ كلِّ تقيٍّ في الدُّجى قمرُ
ما بدّلوا قولةً، أو أجّلوا عملاً=إذا أمرتَ فإنَّ الفوزَ إن أُمِروا
وما لهم منكَ إلَّا صدقُ موعدةٍ=بجنَّةٍ في هواها يَرخُصُ العُمُرُ!
ما مثلُ تصديقِهم ما قد وعدتَ به=فعنْ أطايبها لم يلتفِتْ نظرُ
فاعْجَبْ لهم كيفَ في الفردوسِ قد سكَنوا=وكيفَ لذَّ لهمْ في حبِّها الخَطَرُ!
وألفُ معجزةٍ للهِ باهرةٍ =أَبْدَتْ هُداكَ، وأعْمَتْ من بها كفروا!
على البُراقِ إلى الأقصى سَرَيْتَ، وكيْ=تؤمَّ بالرُّسْلِ كانَ الرُّسْلُ قد حضروا
وجُزْتَ سبعَ سماواتٍ بمعجزةٍ=هيهاتَ تعرفُ يوماً مثلَها العُصُرُ!
شاهدتَ ما لم يُشاهد بعضَهُ بصرٌ=ولم يَزِغْ لكَ من آلائها البصرُ
وعُدْتَ للأرضِ تروي ما نُصدِّقُه=كما رويتَ، وأعمى غيرَنا البطرُ
* * *=* * *
وجاءَكَ الوحيُ أنْ هاجِرْ لِمنْ صدقوا=فإنَّهمْ خيرُ من آووْا ومن نصروا
صاحبتَ أصدقَ صدِّيقٍ ومؤتمنٍ=بطيبِ صحبتِهِ يحلو لك السَّفرُ
ودَّعتَ مكَّةَ محزوناً لفرقتِها=فإنْ تَكُ العسرَ، إلّا أنَّها الظَّفَرُ!
فإنَّ معتقداً قد عشتَ تزرعُهُ=لو لمْ تُهاجرْ لما أمسى لهُ ثمرُ
* * *=* * *
يا سَعْدَ "ثَوْرٍ" بأحنى الحُبِّ ضمَّكُما=وكمْ إليكَ سعى كي يهنَأَ الشّجرُ!
طلعتَ من غارِكَ المحروسِ وانكفؤوا=كأنَّهم من أعالي شاهقٍ دُحِروا
كانت عنايةُ ربِّ العرشِ تكلؤكمْ=بمعجزاتٍ بها رُصَّادُها بُهروا
أما تراجَعَ عمّــا كادَ يُدرِكُهُ="سراقةٌ" وهو لولا صُدَّ مُقتَدِرُ
ما كنتَ إلّا الرّسولَ المُجتبى أبداً=يا منْ بكفِّك طوعاً سبَّحَ الحجرُ
* * *=* * *
يا فوزَ طيبةَ داراً للرسولِ غدتْ=فمن فيوضِ سناها تُزهِرُ العُصُرُ
فيها تآختْ قلوبُ المؤمنينَ على =حبٍّ كإخلاصهِ لم تعرفِ البشرُ
أنصارُها آثروا من هاجروا كرماً=فما اشتَكوْا عِلّةً يوماً، ولا افتقروا
أخوَّةٌ في جلالِ اللهِ تجمعهم=نالوا من اللهِ منها فوقَ ما انتظروا
فما غَزَوْا غزوةً إلا وكانَ بها=عزٌّ لدينٍ إلى إظهارهِ نفروا
أنَّــى إلى الفتحِ طارَتْ خيلُهمْ ظفِروا=ويُحسِنون لمن عادى إذا ظَفروا
* * *=* * *
وعدتَ للبيتِ منصوراً تُطهِّــره=ومهطعينَ أتاكَ القومُ، واعتذروا
وساءلوكَ بما همْ يؤمنونَ به=فأنتَ أطهرُ من آباؤهُ طَهُروا
قلتَ اذهبوا أينما شئتم، ولِنتَ لهمْ=وبالتسامُحِ قد داويتَ من غدروا
* * *=* * *
يا سيدي يا رسولَ اللهِ معذرةً=فكمْ غزتْنا ولم نأبهْ لها فِكَرُ!
فصيّرتنا كما أملى الهوى شيعاً=وكلَّ يومٍ لنا من خُلفِنا نُذُرُ
لا ضيرَ فالنارُ تُعطي التِّبرَ قيمَتَهُ=وكمْ يكونُ به من قبلِها كَدَرُ!
ونحنُ تِبْرٌ فما مرَّتْ بنا نوبٌ=إلّا وكانَ لنا من بعدها الظَّفرُ
إنّي لأبصرُ رغْمَ الخُلْفِ وحدَتَنا=على هُداكَ، وعهداً سوفَ ننتصِرُ
* * *=* * *
يا رحمةَ الله لم يَصدُقْ لنا خبرٌ=إلا إذا كانَ عمَّا قلتَهُ الخبرُ
لا خيرَ للناسِ إلا ما سننتَ لنا=فهو البيانُ لما جاءت به السُّورُ
وما رأى العلمُ عمَّا قُلتَهُ بدَلاً=ولم تجدْ مثلَهُ للصالِحِ البشرُ
ما جدَّدَ النَّاسُ من علمٍ ومعرفةٍ=إلَّا وقولُكَ فيما جدَّ منجذرُ
فنالَ كلُّ زمانٍ ما سيصلِحُه=واليومَ تنهضُ فيما قلتَهُ "قَطَرُ"
* * *=* * *
تبقى كما كنتَ عبرَ الدَّهرِ رحمتَهُ=يا مَن لكلِّ صلاحٍ شاءَكَ القدَرُ