رسالةٌ إلى أمِّ جائعٍ صبرَ وجاهدَ فانتصر…
أضناكِ يا أمَّاهُ نوحي جائعًا=فرجوتِ لي شيئًا يُهدِّئُ جوعي
وأعزُّ ما نرجو رغيفٌ يابسٌ=لأضمَّهُ، وأبُلَّهُ بدموعي
* * *=* * *
السيرُ ــ أنّى سرْتِ ــ ينــذرُ من مشى=هيهاتَ يحلُمُ ذاهبٌ برجوعِ!
والثاكلاتُ وكلُّ مَن في قريتي=ما بينَ ملهوفٍ، وبين صريعِ
القصفُ أنساهم شؤونَ حياتِهم=لم يأبهـوا لتجارةٍ، وزروعِ
والرُّعبُ يسكنُ كلَّ قلبٍ هالَهُ=ما حلَّ في الأحياءِ من تقطيعِ
وأبي ووأسفي عليه قد انتهى=بجحيم قصفٍ عاصفٍ، ومريعِ
وعلى أخي المغدورِ كمْ عاشَ الأسى=تفديه روحي من أبٍ مفجوعِ!
بيديه واراهُ الترابَ وإثرَه=واراه جدِّي فاستباحَ دموعي
والجوعُ آلمني، وهدّكِ فقرُنا=وعجيبُ ما عانيتِ من ترويعِ
وخرجتِ لهفى حرقةٍ لم تُطْعَمي=يا أمُّ من يومينِ غيرَ ضريعِ
لم تُثْنِ سعيَكِ ريبةٌ ومخاطرٌ=وإِخالُ خطوَكِ كانَ جدَّ سريعِ
ظِلُّ الرَّغيفِ أمامَ سعيِكِ سابقٌ=وصدى ندائكِ ليسَ بالمسموعِ
وقضيتِ يا أمِّي ضحيَّةَ جوعِنا=ليشُبَّ ألفُ تمرُّدٍ من جوعي
* * *=* * *
أُمَّاهُ ما معنى حياتي بعدَها=إنْ لمْ أَثُرْ لأخي، وألفِ رضيعِ
أُمَّاهُ طيفكِ في جفوني ساكنٌ=يُذكي دمي في صحوتي وهجوعي
أُمَّاهُ بسمتُكِ الحبيبةُ أيقظَتْ=أملاً نماهُ بما يُعِزُّ ولُوعي
أملاً غدا حريةً ثُرنا لها=لمْ نخشَ ما للكُفرِ من تجميعِ
هبَّتْ لها الأحرارُ لا تخشى الرّدى=تمضي الجموعُ إليهِ إثر جُموعِ
سالَ النَّجيعُ من الأباةِ لنيلِها=أكرمْ بها تُشرى بسكبِ نجيعِ!
فإذا دمُ الشُّهداءِ يُنبتُ عِزَّةً=وإذا ربوعُ الشَّامِ خيرُ ربوعِ
وإذا جديبُ الأرضِ حقلٌ مخصِبٌ=يزهو تماوجُهُ بكلِّ بديعِ
أغنتْ بلادي فاستردَّتْ عزَّها=وربيعُ أرضي عادَ خيرَ ربيعِ
من كلِّ سنبلةٍ أتت آلافها=هيهات نشكو بعدها من جوعِ!
فإذا لتكبيرِ المُهيمنِ هزَّةٌ=والكونُ يحضُنُها بكلِّ خُشوعِ
* * *=* * *
يا أمُّ بسمتُكِ التي قد أشرقتْ=كانتْ ربيعاً خبّأتُه ضلوعي
فهُرعتُ أزرعُ فوقَ قبركِ فلَّةً=فعسى تكونُ لِما لقيتِ شفيعي