كتبت هذه القصيدة مجاوبة لقصيدة للشاعر والباحث محمد حسن
شراب _ رحمه الله _ نشرت في ملحق " الأربعاء "
الأدبي لجريدة " المدينة السعودية . وكم أحسن لي إذ احتفظ بقصيدتي
التي نشرت في نفس الملحق ، وأعاد نشرها في كتابه " شعراء فلسطين في
العصر الحديث " مصحوبة بثناء صادق متأثر ، وبشروح لما فيها من جوانب
وإشارات تغمض على القارىء غير الملم ببيئة النص المكانية وأجوائه السياسية
التي نجمت عن وطأة الاحتلال الإسرائيلي الفريدة في توحشها وعنفها على الإنسان والمكان .
لم أعرف الراحل محمد شخصيا إلا أنني قدرته بعد قراءة قصيدته المشار إليها ، وقراءة بعض كتبه ،
ورثيته رثاء حارا عند وفاته بعيدا عن مدينته الحبيبة إلى قلبه خانيونس ، وأنشر هذه القصيدة لمناسبة احتفال بلدية المدينة بالمئوية الأولى لتأسيسها ، والمنتظر أن تظهر في ديوان شعري تعده البلدية في هذه المناسبة الشاهدة على العراقة .
قصيدك يا محمدُ قد شجاني = وأبكى القلب ، يا صِدقَ البيانِ !
وذكرني بأيامٍ عِذابٍ = قضيناها وليلاتٍ حسان
هنالك في مغاني خانيونس = رِباعِ العز زاهرةِ المجاني
نراجع في ظلال الأيك درساً = وننشق من عبير الأقحوان
ونقطف من زهور اللوز تاجاً = لنُهديَه لآسرة الجَنان
ونصعد باسق الجميز حتى = يشاهد طرفنا أقصى مكان
ونبحث عن عِشاش الطير حيناً = ونفزع من عواء الثُعلُبان
ونسرق ما اشتهينا من ثمارٍ = ونجري خلف أسراب الحسان
وحين تثور عاصفة السوافي = ترانا ليس نشكو أو نعاني
فننفض ما علانا من غبارٍ =ونمرح في حبور وافتتان
وإنْ بردُ الشتاء قسا علينا = وخان الثوب وارتجفت يدانِ
جمعنا يابس الأعواد كيما = نُضَرِمها مُلَهبة اللسان
فنحسو شاينا دفئا لذيذا = ونسمر في ظلالات الأمان
على ألحانِ أمطارٍ غِزارٍ = تبشر بالربيع وبالأغاني
ونحيا ليس ندري كيف نحيا = فما كنا نُعَنَى بالمعاني
زمانٌ ما أحيلاه صديقي ! = فوا أسفاً على حلو الزمان !
تبدل صفوُه هماً عَصوفاً = ورُنِقَ من سِمام الأُفعوان
وبُدِل أمنه خوفاً مقيماً = يظلل عيشنا في كل آن
أتذكر غابة الأحراش ، صاحِ = وفوح زهورها الصفر الحسان ؟!
وفتنتها إذا ما الشمسُ ألقت = غلالاتِ الغروب الأُرجواني ؟!
أتاها طائفُ الموت المعفِي = فصارت قفرة تدمي الحواني
أقام بها الغصوبُ العِلْج وكرا = تصاول عنه أطراف السنان
يروع كل سرب في الجوار = ويرقبه بعين الديدبان
ويزعم أرضَنا ملكا إليه = ويزعمنا الغِرابَ عن المكان
وإنْ سفهتَ باطله بحقٍ = يرد عليك بالسيف اليماني
وما نفعُ الحقوق لدى السيوف ؟! = وما نفع الأكف لدى الطعان ؟!
فما للحق غير السيف حامٍ = إذا جحد الغصوب هدى البيان
أتذكر شاطىء التبر المصفى = يسيل صفاه سحرا للعيان ؟!
لقد حظروا صفاه على بنيه = وحُلِل للسواقط والزواني
أتين إليه عريا مستباحا = يُخوِض في الفواحش غير وانِ
وقد وقف الجنود عليه عينا = تراقب في انتباهٍ من يداني
غريبٌ أن نرى عريا مباحا = يدافع عنه حد الهندواني
ألا يا بن المواصي ليت شعري = أيجمعنا الزمان على الزمان ؟!
لننعم في ظلال الأيك حينا = وننشق من عبير الأقحوان
وننسى ما عرانا من جراح = ونطرد ما دهانا من هوان
ونحيا مثلما يحيا سوانا = كراما في مرابعنا الفِتان
أراني كلما أمَلتُ خيرا = وقلتُ بأن صبح العود دانِ
تهب عواصف التشتيت نُكْباً = وتذرو كل أوراد الأماني
وتسحق حلمنا في غير رأْفٍ = كأنا والشتاتَ على رهانِ