فغيَّبتْ آثارُها سَمْتَ الحُبور، وخلفتْ جُزُراً تنوءُ وتنحَبُ
كثرتْ عَواديها، فضاقَ بها الجَنو بُ وشمْألٌ، ومَشْرقٌ ومَغربُ
ونغبط الغرْبَ الذي أخذ العلومَ ، وصانها، وسَنا الحضارة يَطلبُ
ويُعْجبنا إذ ْيرتدي بدلَ الحرير قطائفاً ، وإذ ِ البشاشة َ يَسكبُ
وإذا نراه قدِ اجتلى سبُل القرار، وقوّةً بها الحوادثَ يغلبُ
ونجلّه إذ ا اقتنى ذهَب الحقول وثروةً، فخرَ المعايش تجلبُ
إنا إذا قامتْ لنا من بعْد لأْيٍ قوْمة ٌ، نغزو ولا نتغلّبُ
فبعضٌ صيّحوا وعلى المآل بكوْا، وبعْضٌ للحقيقة غرّبوا
هوَ ذا السَّرابُ، علامَةٌ وسَط الفراغ، كأنها كرَةُ الحميم تلهّبُ
فطالبوا إنصافَ حال المُرْهَقين ولمَّهَمْ، وتربَّصُوا وتوَثبوا
قال المُريبُ وقدْ بدتْ مَلامحُه=غبراءَ تطفحُ بالشُّكوك وتُعْرِبُ
ياللغمائم كمْ يغصُّ بها المدى=وبالمَشارب كمْ يضيقُ المطلبُ
نضبَتْ قممُ الجبال وجَفَّ مَعينُها=ووُعولها صارتْ تضجُّ وتصْخَبُ
وتذرَع الأرْجاء عَلَّ يُغيثها=مَطرٌ نديٌّ وابلٌ مُتصبِّبُ
فأجابه لمّا رآه مُحيَّراً=أخو النَّداوَة وهوَ عافٍ يَطرَبُ
أُنظرْ،فوَجْهُ الأرض أخْضرُ يزْدهي=والكوْنُ يَسْقيه الوضاءةَ َ كوْكَبُ
فبرَغم الغُلِّ والمَغاول يتقي=سيْل الغمَائم والمَباهجَ يَصْحَبُ
وكما نظرْتَ الكوْنَ أوّلَ مَرّة=تراهُ دوْماً بالعناية يُرْقبُ
وبدا الأخيرُ بفأله مُتوقدا=وصاحبُه يرْنو إليه ويَعْجَبُ
وكِلاهُما أوْفى الحقيقة َ نسْبةً=ومَدى الحقائق في الخَفاء مُحَجّبُ
وبانَ منْ فرْق البداهة منْهُما=أنّ في الآفاق أمرٌ أوْجبُ
وأتمَّ ذو الخبر اليقين مقاله=وسرى به أنى يصوغ المشربُ
كانتْ سماءُ النّاس تجْلو بعافية= ومُحيطهُم، سُفنٌ تجُولُ ومرْكبُ
وعلى المدى جرَتِ الرّياحُ بغيْمة =جرَفتْ سيُولاً كالجَنادل ترْهِبُ
وحطمتْ سُفنَ المُحيط،وأحْدثتْ = بهَديرها لجَجاً،وغاضَ المَرْكبُ
اُبْسُط ْشِراعَك في المدى،فهُو الرَّوا= ءُ،وهُوالبهاءُ،والمُحيط الأرْحبُ
وإذا مررْتَ بحاجز فلأنَّه = جسْرٌ،به أفقُ السَّنا يتقرَّبُ
وَانظرْ إلى الآجام إنَّ نعاجَها= تثغو ، وذؤْبانٌ لها تتعَقبُ
وضميرُها أمْسى كليلاً مُتعَباً= أنّى يَروحُ فقدْ تراهُ يُعذّبُ
وكأنّما وقعتْ حَوافرُها على = جُرُفٍ بها ريحٌ تجيئُ وتذهبُ
فتقلبت فيها وزال سرُورها= وطوّقها عبر الحوادث مقلبُ
شيَعٌ إذا سَلتِ المصالحَ أوْغرتْ=وعَتتْ، وإنْ تلقى الرّضا تتأدَّبُ
وليْتَ شعارَها ينمُّ عَن ِالوَفا=ءِ بمدْخل يُثري المسارَ ويُخْصِبُ
وإنما هو في المآل وسيلَة ٌ=وطريقة بها المَغانمُ تحْلبُ
ونقولُ أنَّ العُرْبَ باعدَ أمرَهُمْ =أنَّ الفرَنجَة جمّعُوا وتألبوا
و إذ ْ بنى سُفناً وقادَ مراكباً = وعلى المدى ظهْرَ الرّواحِل نَرْكبُ
ونراهُ في كلّ المحافل حاضراً = ونمُجُّه، حسَداً ، ولا نتهيّبُ
وإنْ نرى بعْضَ السّمات ذميمة ً= فما نرى مُدنا لهُ تتخرّبُ
ومَضتْ جحافلنا تلمُّ عشائراً= وإذا الرُّعاع تحكّموا وتحزّبوا
ولكمْ أخَيُّ منَ المرايا حُطمتْ =عبَثاً، وأوطانٌ رُؤاها تُنهَبُ
وحُصونها هُدمت وبان طنينها=وجيوشها برِحَتْ تخوضُ وتلعبُ
ووفودُها تطوي المفاز بنعْيها=والنّعْيُ في حَرّ المَفاوز يُتعبُ
فعسى يُتيحُ إلى القوافل معْبرا= ورُؤى يُقرّبها الدليلُ الأدرَبُ
ركضَ التماسيحُ العفاريتُ حُيالها = وتعاوَروا وتعجّروا وتحَجّبوا
وصعّدوا سقف المطالب عاليا = وإذا تواتيها الظروفُ تجنّبوا
فمقالهُم أمْسى في المَقام مُناقضا= ونضالهم سلحَتْ عليه العقرَبُ
وعهودُهم كرُؤى الطيوف تزورُ في=جنح الظلام وفي الغداة توَرَّبُ
وإنَّ مَنْ فقدَ البَصيرةَ لا يُرى= سِوى عَمِيٍّ ، في الدُّجى يتقلبُ
وراحَ عبدُ الله ينأى بنفسه= فلسانُه يحْكي والرّياحُ تكذِّبُ
وأقام في رَحِم الخيال رِحاله= فتارةً يرْعى وَطوْراً يحَْطبُ
ولمْ يكنْ يدْري بأن قطيعَه=يسْري به عبْر الخرائب قطرُبُ
وفي ثنايا الحال كبْش يؤكلُ=وما وراء الحال خلٌّ يُسكبُ
وعُرى السّراب تعُلُّ منَ الوَنى=وغمامة ٌتلوَ الغما ئمِ تسْحَبُ