***
العيدُ وافى فجرُه الرَّبَّاني = بالعفوِ ــ يغشى الناسَ ــ والغفرانِ
وَتَقَبُّلِ الطاعاتِ ممَّن أحرزوا = جَنْيَ الثِّمارِ الحُلوةِ الألوانِ
يسقي التُّقاةَ رحيقَ عفوٍ ريِّقٍ = من كأسِه العَذْبِ الشَّهِيِّ الهاني
فتكادُ زَفْرَاتُ القلوبِ يردُّها = مافيه من بردٍ ومن تحنانِ
وافى صباحُ العيدِ رحبَ ديارِنا = والناسُ في محنٍ وفي أحزانِ
ففرشتُ أحنائي له جيَّاشَةً = بشذا الهدى ونسائمِ الإيمانِ
ودفَنْتُ آلامي ، وثُكلي والأسى = ونسيتُ مافي النفسِ من أشجانِ
قد جاءَ واستَقْبَلْتُه بحفاوةٍ = وبنبضِ شوقٍ جالَ في شِرياني
ماضاقت الدنيا عليَّ وإنَّمـا = هي جمرةُ استعدائها الشيطاني
مازلتُ أنعمُ في ظلالِ مكانةٍ = ألفيتُ فيها نعمةَ السلوانِ
يتقبلُ الطاعاتِ ربِّي إنَّـه = لايرزأُ الصَّوَّامَ بالخسرانِ
مازلتَ ياصوَّامُ عنوانَ الهدى = متلألئًـا عبرَ المدى الإنساني
ترقى بهمَّةِ مُدْلِجٍ ، تسعى إلى = قِممِ المآثرِ عابقَ الأردانِ
فهي المنازلُ في الحياةِ لِمَنْ وعى = معنى الإخاءِ ولا يعيشُ أناني
أبشِرْ فإنَّ اللهَ آثَرَ عبدَه = هذا على مَن عاشَ في حرمانِ
مادمْتَ للإسلامِ تحيـا فاعلَمَنْ = ياصاحِ أنَّـك في الطريقِ الهاني
ستزولُ أيَّامُ البلاءِ وينجلي = ليلُ الشقاءِ وعاصفُ الخِذلانِ
ويغيبُ وجهُ الظلمِ عن آفاقِنا = ويزولُ ما للشَّرِّ من شنآنِ
ويغادرُ الطاغوتُ طهرَ ربوعِنا = وفسادُه الأعمى من البلدانِ
تستبشرُ الأيامُ بالعيدِ الذي = ميثاقُه الغالي حديثُ أمانِ
مدَّتْ له آفاقَها وتبسمتْ = في صبحِه الزَّخَّارِ بالرضوانِ
يافيضَ لطفِ اللهِ ، ياعيد الهنا = ورسالةَ الرحماتِ في الفرقانِ
ياومضةَ الحُسْنِ الفريدِ لأُمَّةٍ = من مفرداتِ الحُسْنِ هذا الحاني
فبك انتشتْ تلك الصدورُ وقد طوتْ = من قبلُ حُلْوَ الحُسْنِ في الأجفانِ
نامتْ على مُـرِّ المصائبِ واكتوتْ = بلهيبِ جمرِ الثُّكلِ والبهتانِ
فالعيدُ آلاءٌ ، ونعمى لم تزل = للأُمَّـةِ الثكلى بكلِّ أوانِ
ماضرَّ يومَ العيدِ لفحُ مكيدةٍ = منسوجةٍ بمغازلِ الصلبانِ
أو عاقَ فجرَ بزوغِه كيدُ الأذى = أو مكرُ صهيونيةِ العدوانِ
أو كِبرُ طاغٍ أو وقاحةُ فاسقٍ = أو غدرُ مأروضِ الرؤى خوَّانِ
هي أُمَّتي والله حصَّنها بما = في الوحيِ من صدقٍ ومن عرفانِ
بالسُّنَّةِ الغرَّاءِ هَدْيِ مُحَمَّـدٍ = صلى عليه اللهُ في الأحيانِ
بالصحوةِ الكبرى يلوِّحُ أُفقُها = بالفتحِ رغمَ تكالبِ العبدانِ
بالوعيِ حصحص حقُّه وصريحُه = يَسفي نعيقَ أسُيْحمِ الغربانِ
شُمُّ الأُنوفِ شبابُنا و بناتُنا= ما أذعنوا للزيفِ والبطلانِ
يرنون من بينِ الكُوى ضاقتْ على = أوطانِهم لرعايةِ الرحمنِ
حيثُ اطمأنُّوا ، والجراحُ سخينةٌ = ويحَ الجراحِ ، وَيَالَذَاكَ القاني !
القلبُ راضٍ ، والنفوسُ عزيزةٌ = وهو الثباتُ يُصاغُ بالإيمانِ
فالعيدُ بشَّرَ أهلَ مِلَّتِه بمـا = في الوعدِ ، وعدِ اللهِ في القرآنِ
وبوعدِ خيرِ الخلقِ سيِّدِنا الذي = ملأتْ فضائلُه ذُرَى الأعنانِ
سيعودُ حكمُ الشَّرعِ في الدنيا ولن = تُبقي الحقيقةُ كذبةَ الشيطانِ
وسَتُسْلِمُ الأمصارُ للهِ الذي = برأ الخلائقَ مالـه من ثانِ
يا أُمَّتي : واللهِ لم أكتبْ سوى = مافي يقينِ المؤمنِ اليقظانِ
هذي بشائرُ ماوجدتُ بمصحفي = وثمارُ شكوى الجرحِ في شِرياني
هذا نداءُ أحبَّتي تحت الثَّرى = الشَّاهدين على أذى الطغيانِ
مَن أعدمَتْهُم مُديَةٌ ملعونةٌ = يجري بها الحقدُ الدفينُ الجاني
هاهم أمامي لاتغيبُ وجوهُهُم = والبِشْرُ في قسماتِها يغشاني
نفحاتُهم مِسْكِيَّةٌ ماغَيَّبَتْ = شذوَ الطيوبِ لِفافةُ الأكفانِ
شهداؤُهم أحياءُ عند اللهِ قد = فازوا بدارِ الخُلْدِ بالتيجانِ
وَيُبَشِّرُون الصَّابرين بجنَّةٍ = فيَّاضةٍ بالحورِ والوِلدانِ
ألاَّ يخافوا ، فالكريمُ أعدَّها = لجنودِ أحمدَ ، خيرةِ الفرسانِ
لعصابةٍ بقيتْ على الحقِّ الذي = عاشَ النَّبِيُّ عليه دونَ توانِ
والعيدُ حلَّ وما وَنَى أهلُ الهدى = إذ هلَّ نورُ صباحِه الرباني
بالشَّدوِ لاستقبالِه طوبى لِمَن = يلقاهُ بالتكبيرِ عَذْبَ لسانِ
لَهْفِي على أطفالِهم هاهم على = وهجِ الخطوبِ السُّودِ في الأوطانِ
لَهْفِي عليهم يبسمون وإنما = لوجوهِهم بالآهِ وجـهٌ ثانِ
رحماكَ ربَّ العرشِ إنَّـا أُمَّةٌ = تاهتْ بمهمهِ قسوةِ الطغيانِ
وكأنَّمـا خوت العزائمُ ، وانطوى = ماكان من عزمٍ ومن شجعانِ
تجثو على اليأسِ المعربدِ غمرُه = وتمورُ بعدَ الثُّكلِ في الطوفانِ
تشكو وفي فمِها الحروفُ تلعثمتْ = فإذا هي الزفراتُ في التبيانِ
ربَّاهُ لم تُجْدِ المدامعُ ثَـرَّةً = أو تُشْفَ من جرحٍ تَشَخَّبَ قانِ
فارحمْ إلهي ضعفَها بعزيمةٍ = فيها تردُّ نوائبَ الحَدَثانِ
وتثيرُ في أحنائها روحَ الفدا = لتزيلَ مافي الأرضِ من أوثانِ
فالجاهليَّةُ في رباها استبسلتْ = بالكفرِ والإفسادِ والأضغانِ
وبلؤمِها وبعربداتِ عُتاتِها = وبكلِّ مافي الفسقِ من ألحانِ
وبهذه الأهوالِ تجتاحُ المدى = أعني مداهـا المُستباحِ الواني !
ياربِّ شكوانا إليك فليس من = ركنٍ إليهِ نلوذُ في الميدانِ
ها قد تداعتْ ربُّنـا أممٌ على = بلدانِنا ، فالموتُ في البلدانِ !
والذبحُ والتشريدُ باتَ هوايةً = للمجرمين وعابدي الشيطانِ
فارحم تضرُّعَنَا وأدرك حالَنا = في ظلِّ عفوٍ ــ يُرتَجَى ــ فينانِ
فالعيدُ تختلجُ القلوبُ لطيفِه = مخضلَّةً بيقينِها الجذلانِ
ربِّي هي الرحماتُ منك تَفَضُّلا = وبقلَّةِ الطاعاتِ تلتقيانِ
أنت المجيرُ ، وقد تعثَّرَ خطوُنا = في ملعبِ الأهواءِ والأخدانِ
ولقد رُزِئْنا بالذنوبِ ، وَقُطِّعَتْ = أفراحُنا بقساوةِ الحرمانِ
فامننْ علينا بالقبولِ وسامِحَنْ = ياربِّ مَن تابوا من العصيانِ
واجعلْ لنا في دارِ عفوِك منزلا = دارِ الخلودِ بجنَّةِ الرضوانِ