هوامش :
المخلول : صغير الناقة . الغوادي : السحابات الممطرة . البسابس : الصحارى الخاليات . الليلاء : الليلة الطويلة ، شديدة السواد . البرحاء : الشدة في الأمر . ضَلَّة : الحيرة . أعنانها : نواحيها . قليبا : بئــرا
الزمانُ استدارَ بئسَ التنائي = عن مُحَيَّـا الشريعةِ الغرَّاءِ
وهو الفجرُ مؤذِنًـا بنداءٍ = فاشرأبَّتْ أعناقُنا للنداءِ
هجرَ النائمين تحتَ المخازي = بئسَ قومًـا ماهم من الأحياءِ
والظلامُ المسفوحُ فوقَ رؤاهُم = ردَّ طغيانَه اعتدادُ الرائي :
بالمثاني وبالحديثِ المصفَّى = وبأمجادِ أمسِه الوضَّاءِ
جرَّبوا صنعةَ العقولِ فأخوتْ = أعصُرٌ في غياهبِ الأهواءِ
وتراءتْ لهم مفاوزُ شتَّى = عابساتٍ في الأوجُهِ الربداءِ
وتشظَّت آراؤُهم خائباتٍ = فوقَ حدِّ الرعونةِ الصَّمَّاءِ
قُـمْ تَرَنَّمْ : فالعالميةُ دينٌ = ليس نرضى سِواهُ حُلوَ الرّواءِ
بعدَ نأيٍ ونكبةٍ وتبارٍ = قد تولَّتْهُمُ وطولِ عناءِ
حـنَّ قومي إليه بعدَ فراقٍ = لم تُطِقْهُ أضالعُ الأوفياءِ
كحنينِ (المخلولِ ) يومَ توارتْ = أُمُّه في مجاهلِ البيداءِ (1)
ليس أقسى على النفوسِ من الهمِّ . = . إذا ما قد طالُ عهدُ التنائي
يُدفَعُ السُّوءُ بالتَّصَبُّرِ لكنْ = وخزُ سوءِ الإجحافِ شرُّ الدَّاءِ
كم ليالٍ تغلغلَ الشجوُ فيها = في فؤادي ولجَّ في إعيائي
أَتَوَخَّى أطيافَها مشرقاتٍ = في عيوني كالليلةِ القمراءِ
لتعيدَ الحبورَ في شدوِ صبحٍ = بأثير الأذانِ والأصداءِ
أينَ زهوُ الزمانِ ، والقيمُ العليا . = . أفاضتْ من رحمةٍ و إخاءِ !
والغوادي تسقي القلوبَ يقينًـا =من فيوضاتِ مُزنِهـا والحِباءِ (2)
إنَّ ثجَّاجَها الفراتَ لَعَذْبٌ = بات يحيي ماماتَ في الآناءِ
لـم تغادرْ أطيابُه أيَّ أرضٍ = أو تخطَّتْ بسابسَ الغبراءِ (3)
هو للخلقِ رحمةٌ ماتناسى = في الملمَّاتِ لوعةَ الفقراءِ
أو تغاضى عن وطأةِ الحزنِ يغشى = مَن تولَّتْهُ غلظةُ الضَّرَّاءِ
إنَّه ما تصامَمَتْ أُذُنَاهُ = عن أنينٍ في الليلةِ الَّليلاءِ (4)
ليس للشَّرِ أن يعيثَ بأرضٍ = قد رعَتْهـا أناملُ الفضلاءِ
فالسنونَ العجافُ أعقبَها الخيرُ . = . فولَّت أوجاعُهـا للعَفَاءِ
يومَ وافى الفؤادُ لهفَتَه البِكرَ . = .لأكنافِ موئل الحنفاءِ
فَجَرَتْ نبعةُ المآثرِ تروي =من لذيذ المنى جوى الأحياءِ
حنَّ قومي إلى زمانٍ تجلَّى = فيه نورُ الشريعةِ الغراءِ
فأتانا فينانُـها يتثنَّى = في برودِ الرخاءِ بالأنداءِ
فإذا وجهُها ينابيعُ أُنسٍ =باسماتٍ في نشوةِ الإيحاءِ
وإذِ المغنى الأثيرُ تبدَّتْ = في نجاواهُ بسمةُ الأفياءِ
وإذِ المُبْتَغَى قريبُ منالٍ = من أيادي الأحبَّةِ النُّجباءِ
زالَ عن مربَعِ الورى ضَنِكُ العيشِ . = . وزالت ضراوةُ اللأواءِ
إنَّ قومي خيرُ البريَّةِ فاهتفْ = في البرايا برحمةٍ و وفاءِ
فعسى من شرِّ البريَّةِ خلْقٌ = يتحاشون لفحةَ الضَّرَّاءِ
ويؤوبون للذي برأَ النَّـاسَ ز = . وأدناهُمُ لحملِ اللواءِ
وكساهم أثوابَ خيرِ المزايا = واجتباهم للشِّرعةِ الفيحاءِ
هم يعيشون غفلةً تتلوَّى = بالمآسي والغـمِّ والإزراءِ
يقتلون المنى بدارِ أبيها = ويوالون مذهبَ السُّفهاءِ
ويعيدون جاهليَّةَ قومٍ = نبذتْها شرائعُ الأنبياءِ
في دجاها تكالبتْ شهواتٌ = أشبعتْهُم من نتنِها و الوباءِ
ليس ضبحُ الخيولِ صوتَ ضحاها = أو دويُّ القرآنِ في الإدجاءِ
فَسَلِيهم ياعادياتِ الليالي = عن زمانِ الإباءِ في الآباءِ
أيقظتْ دعوةُ النَّبيِّ قلوبًـا = غافلاتٍ عن منهجِ العلياءِ
كَفَّنَتْها الأهواءُ بالوهمِ حينًـا = بعدَ أن غاضَ بالرؤى والعمـاءِ
فأسالتْ أقذارَها مُنْتِنَاتٍ = فوقَ زيفِ الأوتارِ والأوزارِ
وتعالى البهتانُ منتفشًا غرَّتْ . = . مُواليه خفقةُ الأضواءِِ
فتلاشى بخسُ الخيالِ و ولَّتْ = لبوارٍ أثارةُ الخيلاءِ
أيُّهـا النَّاسُ : أَوبةٌ لضميرٍ = في حنايا مرارةِ البُرحاءِ (5)
برأَ اللهُ خلْقَه من ترابٍ = واصطفاهم للجنَّةِ الفيحاءِ
ونهاهم فشأنُ إبليس أضحى = لتبارٍ وسواسُه وازدراءِ
جـلَّ ربِّي ما اختارَ إلا رسولا = راحمًا بالعبادِ والضعفاءِ
خاتمُ الرُّسْلِ والختامُ اصطفاءٌ = لنبيِّ الإسلامِ في الأصفياءِ
حيثُ كانتْ للعالمين ظلالا = من هجيرِ الحرمانِ والبأساءِ
وَحَبَتْنا نُبُوَّةً في ضياها = ليس إلا نَدَى اليدِ البيضاءِ
هي للفردِ رِفعةٌ و نجاةٌ = وخلودٌ يطيبُ بالإدناءِ
وَهَفَتْ إنسانيَّةً تتسامى = بالموداتِ راحُهـا والإخاءِ
يومَ جاءت هُدَىً وأظهرَها اللهُ . = . وهلَّتْ ثجَّـاجةً للظمـاءِ
وهي الشِّرعةُ الأخيرةُ للخَلْقِ . = . فـدعْ عنكَ ضَلَّةَ الآراءِ (6)
ما فقدنا اليقينَ إنَّ سناها = ردَّ نحسًا عن وهمِ عينِ الرائي
فانهلوا اليومَ من قَراحِ معينٍ = ليس يبلى جَناه بعدَ ارتواءِ
تلك أجفانُ أُمَّـةٍ قَرَّحَتْهـا = لفحاتُ الأوزارِ والإيذاءِ
وابتلاءاتُ نعمةٍ مارعَتْهـا = فاضمحلتْ بعاصفاتِ الشَّقاءِ
قد وَنَى في البنين ساعدُ عزمٍ = لنضوبِ اليقينِ في الأحناءِ
فتلاشتْ أصداءُ مجدٍ يدوِّي =في الشروق الميمونِ والإمساءِ
يملأُ الكونَ بالنشيدِ المصفَّى = أزليَّ الترجيعِ والإيمـاءِ
فاشرأبَّتْ له المغاني ، فطيبٌ = مجتناها ونفحةٌ من هناءِ
ذاكَ وحيُ السَّماءِ يومَ تجلَّى = فتثنَّتْ أعنانُها بالضِّياءِ (1)
لا إلهًــا سوى العليمِ سجدْنا = بخشوعٍ له وعَذْبِ ثناءِ
والنَّبيُّ الحبيبُ خاتمُ رُسْلٍ = عاطرُ الذِّكرِ سيِّدُ الأنبياءِ
جاءَ يهدي الأحياءَ جِنًّـا وإنسًـا = فالملبون خيرةُ النُّجباءِ
وتعامى عن الهدايةِ قومٌ = أهلُ ريبٍ وخِسَّةٍ ومــراءِ
شرعةٌ للنجاةِ حيثُ ستُبلَى = يومَ حشرٍ سرائرُ البؤساءِ
ليس يُنجي الشقيَّ جاهٌ و مالٌ = أو بنون اصطفاهُـمُ للنَّجـاءِ
إنَّ يومَ الأعمالِ يومُ حسابٍ = فمعَ الثٌّكـلِ أو مع السُّعداءِ
هي دنياكم أيُّها الناسُ فاسعوا = زمرًا نحوَ رحمةٍ وحِبــاءِ
أو إلى النَّارِ جمرُهـا ليس يخبو = وعذابٌ في قعرِها واصطلاءِ
فارحموا في الحياةِ أنفسَكم قبلَ . = . فوالتِ الأوانِ للأحياءِ
يومَ لايَسمعُ الصريخَ المُنادَى = أو يؤوبَ الأبناءُ للآباءِ
ذاك يومُ الفصلِ الذي لايُحَابَى = مَن تَغَشَتْهُ هالةُ الأضواءِ !
ذهبَ الزيفُ كان يصنعُ صرحا = من ركامِ التدليسِ والإطراءِ
ليس يبقَى في منبتِ السُّوءِ زورٌ = فاضمحلتْ محاسنُ الهيفاءِ
يومَها قد ألفى الورى كلَّ شيءٍ = وتعاموا عن مبدعِ الأشياءِ
أيُّها الناسُ لايغرَّنْكُمْ تيهُ . = . سرابٍ في اللوحةِ اللألاءِ
يختفي الوهمُ ليس يُبْقِي قليبا = لظميٍّ يريدُ شربةَ مـاءِ (8)
غاضت الأنهُرُ الشحيحةُ ما استبقتْ . = . دفوقًا لصاحبِ الأهواءِ
ولأهلِ التوحيدِ من نعم اللهِ . = . توالتْ في صبحِهم والمساءِ
وسحابُ الرضوانِ يسقيهُمُ الودقَ . = . رحيقًـا معطَّرًا بالهناءِ
هو صدقُ اليقينِ بالله يُحيي = مابجوفِ الأرماسِ من أنضاءِ !
ليعودَ الحضورُ تشفعُ فيه = للملبين سجدةُ الأتقياءِ
قيمةُ العيشِ في رضا اللهِ لا في = نفسِ ذاك المُدَلِّسِ الخرقاءِ
مَنْ جفـا نورَ ربِّـه عاشَ هِمًّـا = يتلوَّى على دروبِ العمـاءِ
فأفيقي يانفسُ من لهوِ غيٍّ = فوقَ تيهِ المفازةِ البلهاءِ
وانفضي وطأةَ الفجائعِ غطَّتْ = وجهَ أفراحِ الليلةِ القمراءِ
وانبذيها سذاجةَ الرأيِ ضلَّتْ = نهجَ زهوِ الشريعةِ الغرَّاءِ
مَنْ يعشْ في ظلالِهـا يَتَبَوَّأْ = صدرَ ديوانِ عزَّةٍ و ارتقاءِ
فانشديها يانفسُ دنيا سُمُوٍّ = واطلبيها مدارجَ الجوزاءِ
واعبُدي اللهَ وحدَه ، وتعاليْ = فوقَ كِبرِ الطاغوتِ أصلِ الدَّاءِ
عَبَثُ المجرمين في الأرضِ يفنى = وستبقى أقدارُ ربِّ السماءِ
سيعودُ الإسلامُ رغمَ أُنوفٍ = لاتريدُ السلامَ في الغبراءِ
فالزمانُ استدارَ وافتُضِحَ المكرُ . = . وبانتْ حقيقةُ السُّفهاءِ
سيعود الإسلامُ فالأرضُ عطشى = لسخيِّ السحابِ والأنداءِ
يحكمُ الأرضَ بالسَّماحِ فيأتي = بمحيَّاهُ موكبُ الأصفياءِ
تتآخى على الولاءِ شعوبٌ = أوجعَتْها سماجةُ الغلواءِ
وتُشادُ الصروحُ راسخةَ الأركانِ . = . تحمي مآثرَ العصماءِ
هي دارتْ وللنسيجِ اعتدادٌ = لعلانا مغازلُ الأكفياءِ
وهو الإرثُ أحمديٌّ لدنيا = ليس ترضى بغيرِه من رداءِ
فيه للعالمين قصَّةُ شوقٍ = ليس تبلى الأشواقُ رغمَ التنائي
وتحنُّ الشعوبُ للبارئِ الخلقَ . = . وتأوي لفيءِ أغلى رجاءِ
أدركَتْهُم وقد تثاقلَ ليلٌ =نسماتٌ من أطهرِ الأفياءِ
فإذِ الكونُ فرحةٌ و ابتهاجٌ = وفيوضٌ تثيرُ حُلْوَ اللقاءِ
ربِّ رُحماكَ ما أرى الحلْمَ وهمًـا = يتمادى هنا إلى إغرائي
هو ياربِّ وعدُكَ الحقُّ أغنى = لهفتي باليقينِ لا الأهواءِ
وحباني بنشوةٍ شملَتْني = بنديِّ الرضوانِ كلَّ مساءِ
فتعافيْتُ من سقامٍ عراني = وحماني من جمرةِ الإيذاءِ
فأعذنا ياربِّ من كلِّ سوءٍ = فالرزايا من جمرةِ الأرزاءِ
وانصر الأُمَّةَ الكريمةَ هبَّتْ = من رقادٍ أصابَها وانحناءِ
فالزمانُ استدارَ والليلُ ولَّى = واستنارتْ معاقدُ السُّمحاءِ