الآزفة أو صيحة الخلاص، القصيدة الملحمة، التي تتحدث عن مسيرة شعب في مواجهة النظام الطاغية و عن الرؤية الواعية و المتفحصة لذلك النظام الذي استمرأ دماء شعبه؛ فكانت صيحة حقيقية من أجل خلاص حقيقي، و إيذانا بعودة المجاهدين إلى الساحة و تبصرة لماعليه رأس النظام من خيانة و فضلا عن ذلك فهي بنت ثمانينيات القرن الماضي، و قد جاءت صدى لما تضمنته تلك الحقبة من أحداث.
بغداد: 1988م
أزِفَ الخلاصُ فأورقتْ خضراءَ=أحزانُ شعبٍ وازدهتْ خُيَلاءَ
وتطلّعتْ للمجد يعلو صَهْوَهُ= الأبناءُ لا عدوا ولا استعلاءَ
كالغيثِ يجلو وجهَهَا ويُعيدُها= مَزْهوّةً في وَشْيها عَرْباءَ
قد صابها نَفْحُ الفداءِ فَفَتَّقَتْ= أكمامُها وتساوقَتْ مَيساءَ
وتضوَّعَتْ عِطراً زكّياً مِنْ دَمٍ= غَمَرَ الرُبى الغَنَّاءَ والصحراءَ
فإذا به في كُلِّ فجٍّ مَعْلَمٌ=يهدي،وفي الليلِ البهيمَ سناءَ
وإذا به ألقُ الشُّعاعِ يزيدُهُ= الإقدامُ وَهْجاً والثبَاتُ مَضَاءَ
كالسيفِ يجلوهُ الجَلادُ من الصدا= ويزيدهُ إثخانُهُ لألاءَ
* * *=* * *
يا شامُ يا أمَّ البنينَ تَجَمَّلي= بالصبرِ واحتسبي الإلهَ رجاءَ
فبنوكِ أحفادُ الرجالِ تواثبوا= نحو الجهادِ كتائباً خرساءَ
شُمُّ الأُنوفِ سَجيَّةٌ أخلاقُهُمْ= فَطَرَ الإلهُ مروءةْ وسخاءَ
غلبوا على طول الزمان صَغَارَها=وشِرارَها،والموجةَ الصفراءَ
واستحكموا مِنْ بَغْيها وفجورِها= بِظُبا تطالُ القلبَ والأحشاءَ
إنَّ الذين تَنَمَّرَتْ أحقادُهُم= أو صَيَّروها نَظْرَةْ شذراءَ
لن يسلموا من غضبةٍ ثوريَّةٍ= إن آذَنَتْهُمْ مدَّها غلباءَ
* * *=* * *
سائلْ بها التاريخَ واقرأْ دَرْسَهُ= يا مَنْ تَنَطّحَ صَخْرَةً صَمَّاءَ
ينْبئكَ درساً قَيَّماً آياتُهُ= الإعجازُ فيها كالصباحِ تراءى
ينبئكَ أن بني الكريهةِ ما نَبَتْ= صولاتُهم أو أحجموا استخذاءَ
بل مثلما لاحَ الصباحُ وأسفرتْ= آلاؤهُ هم أبدعوا الآلاءَ
* * *=* * *
يا مجرماً قد أنْجَبَتْهُ سَخِيمَةٌ= وهوى أثارَ الفتنة العمياءَ
نكّستَ راياتِ الفداءَ وَخُنْتَها= وكذاكَ خُنْتَ الشرعةَ السمحاءَ
وجعلتَ قومي في الشآمِ أَذِلَّةً= تستامُهُمْ بخساً صباحَ مساءَ
أعماكَ حقدُك أن تخاف جنايةً= أو أنْ تخاف سجيَّةً عرباءَ
ففعلتَ ما لم يفعلِ العدوان في= قومي وقد مَزَّقَتهُمْ أشلاءَ
فتحوَّلت أوطانُنَا مِنْ قلعةٍ= تحمي الغريبَ وتنصُرُ الضعفاءَ
لمواطنٍ مستاءةٍ في ظلِّها= يأتي الجناةُ البغيَ والفحشاءَ
فإذا بجنَّاتِ الشآم وَعَدْنِهَا= قفراءَ موحشةَ الرُبى جَبَّاءَ
يسعى الأذَلُّ الفردُ بينَ حُطامِها= ويجوسُ أحقَرُهُمْ بها استعلاءَ
ويسوسُها فرخُ المجوسِ فلا تُرى= إلا محطمةَ القوى شلَّاءَ
* * *=* * *
عجباً لأمرِ أميّةٍ أمجادُها= نهباً ونَسْلُ أمَيَّةٍ ضعفاءَ
وبنو أميَّةَ في الشآمِ تواصُلٌ= يُحكى وميراثٌ يفيضُ عطاءَ
بسطوا على أفقِ الحياة جناحَهُمْ= وتَسَلَّقوا قمم العلى الشمَّاءَ
عِطرُ الرُّبى يزدانُ في أعطافِهِمْ= وجباهُهُم تُكْسَى بذاك بهاءَ
كالسلسبيلِ العَذْبِ محضُ عطائِهِمْ= وبِذاكَ خَصُوا الأهْلَ والأبناءَ
* * *=* * *
عجباً لأمرِ الشامِ كيفَ يَخُونُها=مَنْ بوّأتْهُ السدَّةَ العلياءَ
من مَّكّنَتْهُ من المحارم والحمى=وَسَقَتُهُ وُدّاً خالِصاً وصفاءَ
وألبَسَتْهُ من الفخارِ قلادةً= قد ألبَسَتْها القادةَ الخلفاءَ
فَأَذَلَّها وأدَالَ دولة عِزِّها= وأصارَها بعدَ البنا دكّاءَ
* * *=* * *
"هو" كيف ذَلَّ بني الشآمِ وسامَهُمْ= بَخْساً وصَيَّرهُمْ بها بُؤساءَ
"هو" كيفَ لَفَّ بحبلِهِ أعناقَهُمْ؟!= بل كيفَ أسقاهُمْ صديداً ماءَ؟!
"هو" كيفَ آثرَ في الحمى أشرارَها= وسعى فلم يُغْضِبْ بها الشرفاءَ؟!
"هو" كيفَ بدَّلَ للحمى هوَّيّةً= واستقدمَ الأخلاطَ والغُرباءَ؟!
"هو" كيفَ أصبحَ للمجوسِ ظهيرَهُمْ= وعلى العروبةِ إلْبَها والداءَ؟!
"هو" كيف أصبح للحمى جلادَهُ=واستأجرَ الأزلامَ والأجراءَ؟!
"هو" كيف خانَ ولم تزلزلْ جِلَّقٌ= غضباً فيَجرُف مدّها الدُخلاءَ؟!
* * *=* * *
قدري وحسبي في الحياةِ بلاؤها=ما امتحتُ منها الحُزْن والضرّاءَ
قدري وإن لاحتْ بيارقُ عِزِّنا= أو أعتمتْ في وجهنا سوداءَ
قدري وإن أضنى الكفاحُ أكفّنا= وازددنَ من عُمْق الضنا إدماءَ
قدري وإن قيلَ الشآمُ وأشأمتْ= وغَدَتْ بميزان الحياةِ هَبَاءَ
قدري وإن شاهت أُنوفُ أعِزَّةٍ= أو ذللتْ أو أصبحتْ عفراءَ
قدري وإن أحكمت قيداً في الحمى= وبَصُرْتُها محطومةً شوهاءَ
قدري وإن "هو" صارَ فيها حاكِماً= وأتى بحكمٍ يُعْجِبُ الجهلاءَ
قدري وما قدري عليَّ بهيّنٍ= إن هنتُ أرضاً في الحيا وسماءَ
فأنا سليلُ الفاتحين ومن يَكُنْ=يُنْمى لمثلِ أبي كفاهُ عناءَ
ألا يهين إذا الحُكومةُ ذللتْ= وأتتْ سِفاهاً معشراً سفهاءَ
فالفرعُ يُنْمى للأُصولِ وربَّما= زادَ الكفاحُ الوَصْلَ والإنماءَ
فاخسأ دَعِيّا في الشآمِ وحَاكِماً= قد صَعَّرَ الخدينِ حيثُ تراءى
فالفجر آذن بانبلاج صباحه= ونذيرهُ قد أسمعَ الجوزاءَ
صوتُ الجهادِ ولونُهُ وشعارُهُ= أكرمْ بذاكَ وسيلةً ورَجاءَ
فهو المخلّصُ من نيوبِكَ والأذى= وهو المواسي الأهلَ والأبناءَ
وهو الذي مِنْ فيضهِ هذا الحمى= يزدادُ عِزَّاً سامقاً وإباءَ
* * *=* * *
إني أخصُّ ولا أَخُصُّ مُذَمّماً= في شعري الأبناءَ والآباءَ
فمن الأبوّةِ نَفْحُ كُلِّ بطولةٍ= ومن البنوّةِ نستَمِدُّ فداءَ
وعلى الطريقِ إذا تصايَحَ جمعُنا= أَبْصَرتَنا المقدامَ والعدَّاءَ
نغشى الحتوفَ، ولا نَفِرَّ من الردى= حتى ولو ملأ الردى الأرجاءَ
لنا موعدٌ هيهاتَ يخلفُ والحمى= في ضَيقِهِ مدَّ الأكُفَّ رجاءَ
هو كالفريقِ بلجّةٍ تتقاذَفُ الـ=ـأنواءُ يصرُخُ يطلبُ النجاءَ
أعي الصريخُ ولا مجيبَ يجيبُهُ= لم يُسمِعِ الشهبا ولاالفيحاءَ
صُمٌّ فوارِسُها وصُمٌّ آلها= قصروا عن الجلى وذلّوا سواءَ
والأهلُ عَضَّتْهم كرائِهُ حاكم= وعليهم قد أطبَقَتْ ظلماءَ
فثووا على حصباءَ ليسَ يقيهِمُ= واقٍ وقد أنفوا الحياة عناءَ
وكأنَّهم يحكون قِصّة أُمّةٍ= نكرت هواناً في الحيا وثواءَ
* * *=* * *
يا قومُ إنَّ الشامَ دنَّس طهرَها= الكذابُ من حَسَبَ الحمى أفياءَ
وأصارها مأوى لجعلانِ الحمى= يتوزّعونَ تُرابها أجزاءَ
خرجوا على البَرِّ الكريم وما رَعُوا=للآمنين الحرمَةَ العصماءَ
وأتوا مخازي لا تطاقُ وفعلةً= تُنْدي الجبين مُذِلّةً عرجاءَ
واستجمعوا كيداً جنودَ جريمةٍ= أغرابهم والسفلة الدهماءَ
وتخيَّروهم للحكومةِ زمرةً= وبطانةً مشبوهةً نكداءَ
فإذا أدلاء الخيانة بينهم= وإذا هم للخائنينَ دلاءَ
حتى فقدنا عزَّنا وفخارَنا=وإباءنا والشيمةَ العرباءَ
وذوت بقايا في الفؤادِ أُصولُها= تنزو دماً مكلومةً شوهاءَ
قد ضرَّها رشقُ الحراب وساءها= ألّا تبين حبيسةً نكداءَ
وبنو الأذلين اللئامِ سعارُهم= يطغى وذلّتهم تبزُّ دهاءَ
وكأنَّهُ أسقاهُمُ مِنْ طبعِهِ=السُمّ الزعافَ وعَلَّمَ الإيذاءَ
وكأنَّهم منه وبعض نتاجهِ= ورثوهُ عهراً صارخاً بذّاءَ
فإذا هم كالنعل زواج بينهُ= شبه فأيسر ما يكون حذاءَ
* * *=* * *
يا سائلاً عني وقيتَ مِن الردى= إن الردى قد مَزَّقَ الأحشاءَ
قد خانني مَن قد رفعتُ إلى العُلى=وأذلَّني مَن خِلتُهُ النجاءَ
وأحاطني بحرابِ جُنْدٍ حَظُّهُمْ= أن يُقْحِموا في حَمْأةٍ إيذاءَ
فغدوتُ في حَزَنِ الحياةِ مكابداً= أزدادُ ما ازدادَ الهوانُ عناءَ
ألقى الحرابَ مع الحرابِ تضُمّني=فأهيمُ في طَلَبِ الحرابِ إباءَ
وأرى الوحوشَ مع الوحوشِ تَهُمُّ بي= فأثورُ ليثاً يُرْعِبُ الأعداءَ
شِيمُ الأولى شِيمي أنا قعقاعُها= ميقَاتُ عودي كالشهابِ تراءى
فِرعونُ لم يَطْمِسْ شعاع هدايةٍ= بالخزي ناءَ وبالفجيعةِ باءَ
وكذاكَ تاريخُ الهدايةِ لم يَزَلْ= آيات نَصْرٍ تَملأُ الأرجاءَ
* * *=* * *
"إخوانُ" يا وجهاً يخضِبُهُ الأسى= يا شعبَنا المقهورَ والمستاءَ
يا راسفاً في القَيْدِ أضناهُ الردى= ومُرَوَّعاً عن أرضِهِ يتناءى
ومُكابداً لَعِقَ المرارَ وِصابَهُ= مِن شرَّهمْ ما بكَّتَ الأمعاءَ
وصحابةً في تَدْمُرٍ أو غيْرها= دَفَنُوهُمُ وحَشِيَّةً أحياءَ
إن الطريقَ إلى الخلاصِ صِعابُهُ= ما ذُلِلَتْ للقاصِرِ استثناءَ
أبداً ولم يُنْصَرْ كسولٌ خامِلٌ= أو جاهِلٌ حَسِبَ المُنى استرضاءَ
بل إنَّما هذي الحياةِ يخوضُها= من يُبْدِعُ الإغناءَ والإثراءَ
بيدٍ تدُ كُّ على الطغاةِ صُروحَهُمْ= وتُحيلُها محطومةً بتراءَ
ويَدٍ تعيدُ بناءَها وعَمارَها= وتخُطُّ فيها معالِماً ..غنَّاءَ
فاستفتحوا إن الجهادَ لصابرٍ= لا يَعْرِفُ الإعياءَ والإبطاءَ
وتمَرَّسُوا في خوضِ كلِّ كريهةٍ= واستَرْخِصُوا الأرواحَ والأشياءَ
كي تحفَظُوا الشرفَ الرفيعَ مِنَ الأذى= وتذللوا الكأداءَ والعجراءَ
فالشامُ أدَمتْها القيودُ وضرَّها= فِعْلُ الأذى فتهالكَتْ إعياءَ
وخلاصُها رهنٌ بصيحةِ ثائِر= شعبٍ يرومُ تقدماً وبناءَ
فإليهِ فلتهفُ القلوبُ تَطَلُّعاً= وإليهِ فلنمْدُدْ رؤى بصراءَ
وإليهِ فلتمضِ المواكِبُ في غَدٍ= معتَّدةً في زَخْمِها...غلباءَ
فالنصرُ تصنَعُهُ المواكِبُ ما مَضَتْ= وكذاكَ صنْعُ الأَكْثرِينَ فداءَ
فهُمُ الرجاءُ لأمَّةٍ منكوبَةٍ=وهُمُ الشفاءُ إذا ترومُ شفاءَ
وهُمُ المدافِعُ والقنابِلُ والمدى= وهُمُ العطاءُ يزيدُنا إغناءَ
وهُمُ الندى والطلُّ والتهتانُ في= هذي الحيا, وهُمُ الشموسُ وضاءَ
ولِمِثْلِهِمْ تُحْنى الجِباهُ تذللاً=ولِمِثْلِهِمْ تعنو الوجوهُ رضاءَ
* * *=* * *
يا جمرةَ الشُهداءِ في حمس الوغى= وحمى كَسَتْهُ الحادثاتُ إباءَ
أقبلتُ أشْعَثَ أَغْبَراً مُتَلَمِّسَاً=جَنْبَيَّ من هولِ الردى مستاءَ
العادياتُ تَحُزُّ بي سِكّينُها= والنائِباتُ تزيدُني إعياءَ
وأنا الصريخُ لإخوَةٍ قد أَوْثِقوا= قيداً وطُمُّوا في الثرى أحياءَ
مَنْ لي بوا قوماهُ تبعثُ آهُها= مَنْ في القبورِ وتلعِنُ الدخلاءَ
وتُعيدُ لي حريتي وكرامتي=وشجاعتي والطعنةَ النجلاءَ
فأحررُ الوطنَ المباح من العِدا= وأعودُ كهفَ رعايةٍ معطاءَ
لي في الحياةِ سَجيَّةٌ مورُوثَةٌ= أُرْضِعتُها طفلاً بها حبَّاءَ
بذلُ المكارِمِ للكرامِ وإنَّما= خُصَّ العدوّ بحربنا استثناءَ
فإذا رأينا السِلْمَ يجنحُ نحوَهُ=أجنادُ قومٍ في الهوى برءاءَ
قلنا: السلامُ عليكمُ وَمدَدْنا في= طلبِ السلامِ أكفَّنا استرضاءَ
فبنو الشآم سَجيَّةً أخلاقهم=لا يَضمرون لآخرين عداءَ
وبنو الشآم كريمة أفعالهم=لا يعرفون الحقد والإيذاءَ
صلَّ الإلَهُ عليهِمُ مِنْ أمَّةٍ= و وقاهُمُ وكفاهُمُ الأعداءَ
وأبرَّهم وأَجَلّهُم وأدامَهُمْ= حُرَّاسُ حَقٍّ للحمى أمناءَ
وأدامَ لي هذا الشآم لأنني= أهوى الشآم تُرابَهُ والماءَ