دمعُ الطّريق
لولا الخَبايا كانَت الخُطواتُ أنقى
مِن عُيونٍ لا تَرى دَمعَ الطّريق.
يا آخرَ النّاجينَ مِن عَبَثِ الرّحيلِ...
ومِن خُطى زَمَنٍ غَريق.
لا تَقفُ آثارَ الألى هجَعوا ليَنهَضَ موتهُم
مِن كَهفِ غاياتٍ تَضيق..
لا عُمرَ للشَّفَقِ المُطاوِعِ للظّنونِ الرّاحلاتِ إلى المدى
المخبوءِ خَلفَ نُعومَةِ الموتِ المُخالِلِ للسُّدى..
المَوءودِ في وَجَعِ النّوايا الفاتِرَة.
دَعني أُعيرُكَ –دونَ جَدوى-
رُزْءَ مَعنى أن يصيرَ غَدي هَواكَ..
وطَعنَةً في الخاصِرَة.
مثلي يصافِحُكَ الغِيابُ، ليَستفيقَ مِنَ اشتِهاءِ عِنايَةٍ
تُبقيكَ صَبًّا في انتِظارِ سَحابَةٍ،
يبتَلُّ ظِلّكَ مِن صَداها، ثمَّ تَمضي حافِيًا...
والريحُ تُغلِقُ مَنفَذَ الشّمسِ الأخير.
يمتَدُّ وَجهُكَ مثلَ قارِعَةِ الطَّريقِ؛
ومثلَ أرتالِ البَراءاتِ المقيمَةِ في خَريفٍ قَد أوى...
خَلفَ ابتِسامَةِ ثَغرِكَ الدّامي، ويمضي مالِحًا...
كالسِّرِّ تَكسِرُهُ المَرايا والهَواء.
هَبَّ الخَريفُ، أعِدَّ حُزنَكَ قَد يَقيكَ...
مَصارِعَ الكُثبانِ أسرابًا على بابِ الفُحولَةِ
والمدى رَملٌ، وأنثاهُ السَّراب...
حُبلى ظِلالُكَ، عُد، تَمَخَّض، أيها المَغروسُ في جُرحي، ولِد...
مِلحًا لخُبزِ خِيامِنا الثّكلى، ولِد...
ريحًا تَهُزُّ جُنونَ صَحرائي؛ فتلبِسُني زمانًا...
باتَ يَغتَرِفُ المَنايا مِن رِمالٍ بَردُ كَفَّيها قُروح.
قُم يا غَريبُ، وهُزَّني...
لصَهيلِ مَوتِكَ غَضبَةٌ لا تَستَريح
قُم، واعتَنِقني،
واكلأ الكُثبانَ -كَي تَصحو- احتِقاناتِ الجَريح
قُلني، فقَد كَفَّت يَدي أحوالُها أن تَمنَحَ الأقوالَ روح
تَستَكمِلُ الأزمانُ رَعشَتَها، وتَصحو،
فهيَ مثلي الآنَ مِزمارٌ كَسيح.
هيّا تَمَخَّض، قل كلامًا ما خَبَت أنفاسُهُ...
هيّا! ستَفتِكُ بي تَضاريسُ الغِوايَة.
تَلِدُ الرّياحُ جُنونَها،
وتظَلُّ تَبحَثُ عَن مَخارِجَ في قلاعِ الرّملِ...
تستَسقي الذُّهول.
والرَّملُ... كلُّ الرَّملِ.. في بيدي خَجول
***
كَم مُخجِلٌ... أنَّ الحقيقَةَ لي.. وأني عالِقٌ
بين الخواءِ، وبينَ ما تلدُ الخديعَةُ في انتظارِ دَمي..
وأجهَلُ كيفَ أجمَعُ أضلُعي.
كَم مُحزِنٌ أن يَعتريني الصّمتُ خُلوًا من معاني الحبِّ مُذ...
دَنَّستُ طُهرَ الذّكريات.
وغدا رَصيفُ الصّبرِ أضيَقَ مِن خُطايَ؛
غَدَت حواراتي ارتِباكًا في مَداراتِ الظّمأ.
ورَداءَةُ الطّقسِ المخيِّمِ تبتَني...
خِيَمَ التَّرَقُّبِ في شَراييني، ويبهَرُها الصّدَأ.
ما ظلَّ للأحلامِ مِن ليلٍ لتحمِلَني إليه!
***
صارَحتُ لونَ الزّنبَقِ الموعودِ بالذّبول:
كَم خادِعٌ يغدو المدى في زَحمَةِ الفُصول
والليلُ يلبِسُ عُذرَهُ لونًا من الذّهول
والعمرُ يغدو أذرُعًا تمتَدُ بالفُضول
صارحتُ لونَ ربيعنا المولودِ للأفول
أخشى عيونَ الشّوقِ أن تدري بما...
فكَّرتُ أن أقول.
***
ردّت جمارُ الجرحِ والغُربَة:
ما نفعُها الأشواقِ والرّغبة
وصهيلُنا الموجوعُ يمنَحُنا
خيطًا مِنَ الرّهبة
يمتَدُّ مِن دَمِنا
لمرارَةِ النّكبة؟
وسوم: العدد 826