اشددْ رِحالَكَ للقبور فما أرى= إلا البريَّةَ كلَّها تحتَ الثرى
ذهَبَ الشبابُ إلى القبور وعُمْرُهُ= كالزهْر في روضٍ فأصبحَ مُقْفِرا
إنّا نودِّعُهُ ، ومِن وجع الأسى= نزفَتْ عيونُ الفاقدينَ تحسُّرا
نزفَتْ دماً ، فالموتُ أقبلَ وجهُهُ= وقد اعتلى بين الخلائق منبرا
ناداهمُ وهو العبوسُ وقد علا= صوتُ النداءِ مباغتاً ومزمجرا
أنا قادمٌ لكمُ عليَّ نصيحةٌ= تحيي قلوباً في الورى وضمائرا
أنا قد أتيتُ ، وقد أتيتُ فما أنا= إلا الذي يوصِي الأنامَ مُحذِّرا
كن راشداً واسلكْ سبيلَ أفاضلٍ= ذاقوا مآلَ الخير عذْباً كوثرا
لا تيأسوا إنْ غاب وجهيَ عنكمُ= عن موعدي أنا لمْ ولن أتأخَّرَ
يا غافلاً عني وإن طال النوى= سترى حضوري مَشْهداً متكرِّرا
أغدو أروحُ على البريَّةِ كلِّها= أقضي الذي أمضى المليكُ وقدَّرَ
لله مَن عاش الحياةَ على الهُدَى= دِيناً سيلقى ربَّهُ مستبشِرا
أمّا الذي آواهُ في الدنيا الهوى= فهو الذي ركِبَ الهوانَ فأبحرَ
إني أسائلُ كلَّ صاحِبِ فِطْنةٍ= أوَ ما كفى مِن ذنبِكم ما قد جرى
هي جنّةٌ يرقى لها أهْلُ العُلا= خيرُ العبادِ ، وخيرُ مَنْ وطأ الثرى
أنا قادمٌ وأنا المفرِّقُ جمْعَكمْ= فمتى يفيق الناسُ في دنيا الورى ؟!