خرافة القوة العظمى
بدر محمد بدر
الكتاب: خرافة القوة العظمى
المؤلف: نانسي سودر برج
المترجم: أحمد محمود
الناشر: المركز القومي للترجمة، القاهرة
عدد الصفحات: 696
الطبعة: الأولى 2013
يهدف هذا الكتاب إلى التأكيد على ضرورة تصحيح دور الولايات المتحدة الأميركية القيادي، ومسئوليتها في العالم التي أعقبت انتهاء الحرب الباردة، من الشعور بغطرسة القوة والهيمنة، إلى المشاركة الأعمق مع سائر دول العالم في مواجهة الأزمات وحل المشكلات.
وهو ما يتطلب استخدام شديد التوازن لموارد أميركا؛ الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأخلاقية، في مواجهة تحدي تعزيز الأمن والديمقراطية والرخاء في العالم، أي أن مستقبل "أمن" أميركا يعتمد بالكامل على التغلب على "خرافة القوة العظمى" للولايات المتحدة.
ومؤلفة الكتاب "نانسي سودر برج" هي دبلوماسية أميركية معروفة، عملت مستشارة السياسة الخارجية للرئيس "بيل كلينتون"، وسفيرة في الأمم المتحدة (97: 2001)، وتعمل حاليا نائب رئيس مجموعة الأزمات الدولية، ويشهد لها الرئيس الأسبق "كلينتون" بأنها كانت "من أهم صانعي السياسة الخارجية في عهده".
ويغوص الكتاب في دهاليز السياسة الخارجية الأميركية في فترة التسعينيات من القرن الماضي وما بعدها، من خلال دراسة وتحليل وثائق ومذكرات وقرارات تلك الفترة، والتحديات التي مرت بها الولايات المتحدة، في أعقاب انتهاء الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي أواخر الثمانينيات.
أهداف كلينتون
وفي مقدمة الكتاب، التي كتبها الرئيس الأسبق "بيل كلينتون"، يشير إلى مجموعة من الأهداف سعت الولايات المتحدة إلى تحقيقها في عهده، ومنها:
- تصالح الولايات المتحدة مع خصميها الأساسيين إبان الحرب الباردة: روسيا والصين.
- بناء أوروبا بتوسيع حلف الناتو، ودعم توسيع الاتحاد الأوروبي.
- وضع الولايات المتحدة في مركز مؤسسات التعاون الاقتصادي والأمن الدولي الجديدة.
- زيادة قدرة أميركا على منع الهجمات الإرهابية ومعاقبة مرتكبيها، واحتواء انتشار أسلحة الدمار الشامل، "وذلك من خلال التعاون (كلما أمكننا ذلك) والعمل بمفردنا إذا لزم الأمر".
وعبر أربعة عشر فصلا تأخذنا مؤلفة الكتاب إلى تفاصيل "مسموح بها" لمجريات السياسة الخارجية في تلك الفترة المهمة، وتنطلق من التأكيد على أنه "من النادر أن يتخذ الرؤساء في الولايات المتحدة قرارات السياسة الخارجية لأسباب خاصة بالمواءمة السياسية، لأنهم مقيدون على الدوام بما إذا كان الجمهور الأميركي، وبالتالي الكونجرس، يؤيد هذه القرارات أم لا، أي أن الجمهور الأميركي له تأثير كبير على قرارات الرئيس الخارجية".
وفي أعقاب انتهاء الحرب الباردة، ظهر تياران داخل أروقة السياسة الخارجية الأميركية، أحدهما يرى أنه مادامت أميركا هي القوة العظمى الوحيدة فإنه يمكنها، بل ينبغي لها، استخدام قوتها العسكرية لإجبار العالم على الرضوخ لرغباتها، ومواجهة ظهور أي منافس لقوتها، أي القيام بدور الشرطي العالمي.
والتيار الآخر أقل طموحا بالنسبة للسياسة الخارجية، ويؤيد اللجوء إلى ما يمكن وصف بـ "النزعة الإنعزالية" عما يجري في أنحاء العالم.
غير أن سياسة الولايات المتحدة في عهد "كلينتون" سعت إلى نهج ثالث، عن طريق "استخدام القوة بحكمة والدبلوماسية بفاعلية، لتعزيز الاستقرار والديمقراطية وحقوق الإنسان في أجزاء من العالم"، أي القيام بمبادرات في المناطق التي تتطلب الدبلوماسية المدعومة بالقوة.
فشل في الصومال
وفي أول اختبار لهذا النهج على الأرض يمكن القول بأن تطور السياسة الأميركية تجاه الأزمة في الصومال (أكتوبر/ تشرين الأول 1993)، يمثل "دراسة حالة" للفشل في تصحيح التوازن بين القوة والدبلوماسية، وكانت هي الاختبار الثاني لـ "النظام العالمي الجديد"، الذي تحدث عنه "بوش".
ومثلت الصومال الصورة العكسية للبوسنة، حيث سعت أميركا في الأخيرة إلى اتباع الطرق الدبلوماسية وكذلك استخدام القوة، في حين أنها في الصومال رأت أن استخدام القوة أو نشر القوات ليس له ما يبرره.
وتشير الكاتبة إلى أن الصومال "علّم" الإدارة الأميركية من نواح عديدة دروسا مهمة، فيما يتعلق بدور القوة العظمى في مواجهة الدول الفاشلة، فقد أصبحت الصومال نموذجا للصراعات المستقبلية: الدولة الفاشلة وفراغ القوة والفصائل المسلحة، وما يكفي من الفوضى لجعل القوة العسكرية عاجزة تقريبا، وكذلك سوف تهدد الدول الفاشلة أميركا، لكونها ملاذات آمنة لـ "الإرهابيين"، كي يخططوا الهجمات على سفارات ومدن الولايات المتحدة.
ويتابع الكتاب مسيرة "أسامة بن لادن" منذ ظهوره على مسرح الأحداث أواخر الثمانينيات، وكيف نظر إليه الأميركان باعتباره "الممول الرئيس للإرهاب"، ولذا تم إنشاء وحدة خاصة تضم ما بين 10, 15 مسئولا داخل وكالة الاستخبارات الأميركية (زادت إلى أربعين شخصا حتى الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001)، بهدف القضاء على الدعم المالي للإرهاب، المقدم من (أسامة بن لادن)، ووضع أساس لتقديمه للعدالة.
وكانت الخطة هي "تحديد نقاط ضعف بن لادن، وحرمانه من الموارد المالية، عن طريق استخدام كل الوسائل المناسبة لتشويه سمعته ومؤسساته المالية، وتعطيل قدراته الخاصة بجمع الأموال في المستقبل".
لكن ذلك بالطبع لم يمنع في النهاية من وقوع أحداث تفجير سفارتي أميركا في نيروبي ودار السلام، في أغسطس/ آب من عام 1998، راح ضحيتها 253 شخصا وجرح نحو خمسة آلاف آخرين معظمهم من الأفارقة، واتهم في التخطيط لها وتمويل تنفيذها تنظيم "القاعدة" بقيادة بن لادن، وبعض المتهمين في الواقعتين لا يزال حرا طليقا إلى الآن.
ويشير الكتاب إلى أن أحد أصعب التحديات التي واجهتها واشنطن كانت "تفكيك شبكة بن لادن" الشاسعة والمعقدة، وسعت الإدارة إلى وضع استراتيجية حكومية شاملة لمواجهة خطر بن لادن، بما فيها تعزيز سلطة القبض على "الإرهابيين" خارج الولايات المتحدة، وطرق معالجة الهجمات الإرهابية التي تنطوي على أسلحة الدمار الشامل، قبيل أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، وزاد إجمالي انفاق برامج مكافحة الإرهاب إلى الضعف، من 5 مليارات دولار في العام المالي 1996 إلى أكثر من 11 مليار في العام المالي 2000.
ويمكن القول بأن الفشل في التنسيق وتحديد الأولويات والانتباه إلى التهديد، نبع من الحقيقة الأساسية التي تقول بأن أميركا يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001 لم تكن في حالة حرب مع "القاعدة"، على الرغم من أن بن لادن كان في حالة حرب ضد أميركا، وبذلك لم يضع جهاز الاستخبارات قط تقييما للتهديد الذي تمثله شبكة بن لادن للمصالح الأميركية في الداخل والخارج، ولم تكن أولويات الموارد والمعلومات الاستخباراتية متوازنة على نحو يمكن من التصدى لتهديد بن لادن.
الخداع في العراق
وتحت عنوان "العراق: عقد من الخداع" تقول المؤلفة إن وزير الخارجية الأميركي "كولن باول" أعطى انطباعا في فبراير/ شباط من عام 2003 بأن العراق يخفي شيئا ما، ربما يكون أسلحة دمار شامل، ورأى الرئيس "بوش" أنه يمكن حشد العالم وراء مسعاه لإسقاط صدام حسين، لكن ذلك نجح لبعض الوقت فقط.
وعندما وصل نائب الرئيس "ديك تشيني" ووزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" ونائبه "وولفويتز" إلى السلطة، كان تركيزهم واضحا على تغيير النظام الحاكم في العراق، وكان أكثر المؤيدين للحرب "ريتشارد بيرل" ومن المنفيين العراقيين "أحمد الجلبي".
لقد كان دعاة الهيمنة (تشيني ورامسفيلد وولفوتيز وغيرهم) منفصلين عن الواقع، وكان ما يشغلهم ضرب العراق منذ اليوم التالي لأحداث الحادي عشر من سبتمبر، وكان "وولفويتز" على وجه التحديد مقتنعا بأنه لابد أن يكون العراق الدولة الراعية للقاعدة، على الرغم من عدم وجود تأييد للنظرية في المجتمع الاستخباراتي الأميركي.
لقد كان مبدأ الاستباق مبررا للإطاحة بصدام حسين، أكثر منه سياسة واقعية للبحث عن الإرهاب ومنعه، وواصل الرئيس "بوش" حملته ضد صدام، وكان يقول: "نعلم أن العراق والقاعدة بينهما صلات على مستوى عال تعود إلى عقد مضى، كما نعلم أنه بعد الحادي عشر من سبتمبر احتفل نظام صدام مبتهجا بالهجمات الإرهابية على أميركا".
وفي العاشر من أبريل/ نيسان 2003 وجه بوش كلمة للشعب العراقي قال فيها: "إن أهداف تحالفنا واضحة ومحددة، سوف نقضي على النظام الحاكم الغاشم، وسوف تساعد قوات التحالف القانون والنظام كي يعيش العراقيون في أمن، وسوف نحترم تقاليدكم الدينية العظيمة، وسوف نساعدكم على بناء حكومة مسالمة ونيابية، تحمي حقوق المواطنين كافة، وبعد ذلك سوف ترحل قواتنا العسكرية، وسوف يمضي العراق قدما كدولة موحدة ومستقلة ذات سيادة، استعادت مكانها المحترم في العالم".. (فهل تحقق ذلك؟!)
ثمن الخرافة
وتشير الكاتبة إلى أن الفشل في العراق، والحرب على الإرهاب كشفا عن الثمن الملموس، للسعي وراء تلك الخرافة الجوفاء (خرافة هيمنة القوة العظمى على العالم), التي يعتقد أصحابها أن قوة أميركا العسكرية والاقتصادية الواسعة، التي لا تباريها قوة، منحت واشنطن حرية العمل بمفردها، وأثناء ذلك تحولت أميركا عن أصدقائها وحلفائها، في الوقت الذي كانت فيه بأمس الحاجة إليهم في بناء تحالف عالمي لمحاربة "الإرهاب".
وتقول إنه "من المؤكد أن أميركا يمكنها تغيير العالم، لكن لا يمكنها إخضاعه لإرادتها، فالعالم الذي يتخيله هؤلاء، أصحاب رؤية الهيمنة، هو عالم فيه قوة أميركا العسكرية ليست وحدها ما يشكل العالم بما فيه مصلحة أميركا، بل كذلك سلطتها المطلقة على القضايا السياسية والعسكرية، وهذا العالم لا وجود له.
لقد حان الوقت كي تهيل أميركا التراب على "خرافة القوة العظمى"، لأن هذا الاعتقاد قد أثبت فشله في تجارب فترة رئاسة جورج بوش الأبن، وهي تجارب باهظة الثمن، أكدت أنه لا يمكن تحقيق غرض أميركا، باعتبارها منارة للحرية في العالم، دون رؤية العالم كما هو في الواقع.
ويؤكد الكتاب في الختام أن دروس العقد الأخير لأميركا تشير إلى أربع قضايا إضافية طارئة لابد من معالجتها، وتتطلب عملا عاجلا وهي:
1- معالجة الأسباب الأساسية التي وراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول 2001، بوضع سياسة جادة يتم تنفيذها بدبلوماسية ماهرة، لتعزيز الإصلاح والتحول الديمقراطي في العالم العربي.
2- الحفاظ على سياسة متماسكة ومستدامة لحظر انتشار الأسلحة النووية لا هوادة فيها.
3- إبداء الدعم المستمر للديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم.
4- معالجة تحديات تطوير العالم وخاصة في أفريقيا.