العلامة الشهيد النابغة الشيخ د. محمد سعيد بن رمضان البوطي 2
مقالات وكلمات في حق
العلامة الشيخ
د. محمد سعيد البوطي
51
النظام يغتال العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي
بيان من الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي
نُعزِّي أنفُسَنا ونُعزي العالم الإسلامي باستشهاد العلَّامة الجليل الشيخ محمد سعيد رمضان البُوطي، وقد ختم الله تعالى له بالخير، وأكرمه بالشهادة.
إنها خسارة كبيرة للمسلمين بفقد هذا العلامة الجليل الذي كان مُجدِّدًا في الفِكر والعقيدة عالما ربانيا دافع عن الإسلام ونصر مذهب أهل السنة عقودا طوالا على منابر دمشق وفي كلية الشريعة.
وفي الأخبار التي وردت من التلفزة السورية أنه تُوفِّي في تفجير انتحاري. ونحن نُوجِّه أصابع الاتهام إلى النظام؛ لأن لدينا معلوماتٍ حسَّاسةً ودقيقة من المُقرَّبين إليه تُفيد بأن الدكتور البوطي كان يبحث عن طريق للخروج من سورية، وكان النظام قد فرض عليه طوقا أمنيا شديدا، وكان في مجالسه الخاصة يسُبُّ النُّصَيرِيِّين ويدعو عليهم بالهلاك.
إننا نستنكر تفجير المساجد، وقتل المصلين، ولا نظن أن مُسلما يفعل هذا. ونُدين هذا العملَ سواء قام به النظام، أم الجماعات التكفيرية كما يدَّعي النظام، ونترحَّم على الفقيد ومن استُشهد معه، ونسأل الله تعالى له ولهم منازل الشهداء. ونذكر العلامة الفقيد بكل الخير والثناء والإجلال، وسيبقى علما من أعلام الإسلام. لقد كتبنا سِتَّ مقالات في الرد عليه، وتصدَّينا لتفنيد كلامه في الفضائيَّات. ونحن رغم خِلافنا معه في قضية تأييد النظام، لم نكن نحمل له إلا الحُبَّ والإجلال.
رحمه الله تعالى رحمة واسعة، وعوَّض المسلمين خيرا، ورزق أهله وأولاده وأحفاده الصبر والسلوان. *"فيس بوك" في: 21/مارس - آذار/2013م.
52
مقالتان مهمتان جدا جدا جدا
للأستاذين محمد غياث الحموي،
والمؤرخ المعروف الأستاذ محمد خير رمضان يوسف
تُبِّينَان يقينا من قتل الشيخ البوطي، ولماذا قُتل
سيد أحمد بن محمد السيد
بين يدي هاتين المقالتين بالِغَتَي الأهَمِّيَّة:
*أما المقالة الأولى فهي بعنوان:
براءة العلامة البوطي من أكاذيب وافتراءات محمد خير موسى
وقد كتبها الأستاذ محمد غياث الحموي، في "منتدى الأصلين، منتدى طلاب العلم، منتدى أصول الدين، وأصول الفقه"، وقد نشرها الأستاذ الحموي بتاريخ 7/7/2020م.
تأتي أهمية هذه المقالة من كشفها وإماطتها اللثام عن حقيقة كبرى يعرفها الكثير من عقلاء الصالحين.
هذه الحقيقة الكبرى لها شِقَّان أو جانبان وطرَفان:
*أولهما: ألا وهو إدانة مجرم وسفاح كبير بقتل علامة رباني كبير وهو الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي، رحم الله روحَه، ونوَّر ضريحَه، وهو نظام بشار الأسد البعثي الفاجر، وطغمته الخانزة النَّتِنَة.
*ثانيهما: تبرئة الضحية والقتيل نفسه، وهو العلامة البوطي من التهم الخطيرة التي نسبت إليه زورا وبهتانا، وهي الإفتاء بجواز قتل المُتظاهرين، وأن جباههم لا تعرف السجود ... .
53
فمن يقرأ هذه المقالةَ النفيسة والمُهمَّة جِدا بإمعان يجد جوابا شافيا وافيا كافيا عن سؤالين مُهمين جدا؛ بل حَلًّا لِلُغزين مُهِمَّينِ ومُحَيِّرَين لِمَلايين من الناس عامَة، ومن السوريين خاصة؛ ألا وهما:
1- من قتل الشيخ البوطي؟ 2- لماذا قُتل الشيخ البوطي؟
ومن يقرأ هذه المقالة يجزم بل يتيقن بأن قاتل الشيخ البوطي هو نظام بشار الأسد، وأن الشيخ البوطي قُتل لِصدقه وإخلاصه، وإفتائه الفتاوى التي ستقلب "الطاولة" – كما يُقال- على نظام بشار الأسد، وستُبطل كل أباطيله وأسحاره؛ فهي كعصا موسى عليه السلام؛ التي التَهَمَتْ كل أباطيل فرعون ومكره، وهي التي قال فيها الشاعر لله دره:
إذا جاء مُوسى وألقى العصا فقد بطلَ السِّحْرُ ، و الساحِرُ
فلذلك عجَّل النظام الداهية الغدَّار المكَّار بقتل الدكتور البوطي والتَّخَلُّص مِنهُ، قبل أن تقوم القيامة عليه، وينقلبَ السِّحْرُ على الساحر؛ بميل الناس إلى الشيخ البوطي، وعِندئذ ينهار النظامُ الفَسْلُ الفَدْمُ تماما، وتَتَضَعْضَعُ أركانُه، ويتَقَوَّضُ بُنيانُه، وتذهب رِيحُه، ويُمسِي أثَرًا بعدَ عَين.
ومما يؤكد هذا المقال المهم والبديع وفوق الرائع:
ما ذكره العلامة والمُحدِّث الشيخ محمد أبو الهدى اليعقوبي من قوله بُعيد مقتل الشيخ البوطي واستِشهاده:
لقد كُنَّا نُعِدُّ العُدَّة لإخراج الشيخ البوطي وأسرته من سورية؟؟!!
وهو ما أكده مُحللون آخرون؛ من أن الشيخ البوطي كان على وشك الانشقاق، وتغيير موقفه من النظام المُجرم، وأنه عارَض الحُكومة، ولم يعُد يحتمل ما يفعله النظام الجاني والمُجرم بشعبه من الفظائع والشناعات، كما قال الأستاذ محمد خير رمضان يوسف في ترجمته للشيخ البوطي في كتابه "تتمة الأعلام" 8/24، وسترِد مقالته تلك المطولة والمُهمة كاملة بعد مقالة الشيخ الحموي بإذن الله تعالى.
54
*أما المقالة الثانية فهي ليست مقالة -في الحقيقة- بالمعنى الحرفي المعروف للمقالة، ولكنها جزء من كلام طويل مُهم للغاية من ترجمة العلامة الشيخ البوطي، للمؤرخ المعروف الأستاذ محمد خير رمضان يوسف، وهي قريبة من موضوع المقالة الأولى، وتُؤدِّي النتيجةَ نفسَهَا، وهي أيضا تبرئة للعلامة والشيخ محمد سعيد البوطي، وفيها إدانة لبشار الأسد وجهاز استخباراته، لكن بطريقة مُختلفة عن المقالة الأولى.
وتتضمَّن انخداعَ الشيخ البوطي والكيد له بجيش من المخابرات الأسدية منذ عهد الأب حافظ أسد، وانتهاء بعهد بشار أسد الابن، إلى ما بعد الثورة، وقُبيل مقتل الشيخ البوطي، وكلام الشيخ محمد خير نقله من مصادر عدة، ومنها مصادر خاصة من مُقرَّبين للشيخ المُتَرجَم.
*ملاحظة عن المقالة الأولى:
لقد اخترت المقالة الأولى للأستاذ الحموي لمضمونها المُهم، وبغض النظر عن الشخص الذي قيلت في الردِّ عليه وهو الأستاذ محمد خير موسى.
- كما أنني ذكرت أكثر تلك المقالة، وحذفت نحو رُبعها الأخير؛ لعدم تعلقه بموضوع الشيخ البوطي، ولتهجمه على الشيخ مجد مَكِّي، وعلى ورابطة العُلماء السوريين"، وهو ليس من موضوعي.
*والآن إلى تلكما المقالتين النفيستين والمهمتين جدا جدا، وجزى الله كاتبيهما -الأستاذين محمد غياث الحموي، ومحمد خير رمضان يوسف- جزاهما الله خير الجزاء، كِفَاءَ صَدْعهما بالحقِّ، ودِفاعهما عن علامة رباني كبير، ومفكر إسلامي خطير قل أن يجود الزمان بمثله.
55
براءة العلامة البوطي من أكاذيب وافتراءات محمد خير موسى
محمد غياث الحموي (*)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد،
فقد فُوجئت كما فُوجئ كثيرون بكاتب جديد يضاف إلى سلسلة كتّاب أخذوا على عاتقهم أن يأكلوا لحوم كبار العلماء في عصرنا مستندين إلى مجموعة من الشبهات والأكاذيب والافتراءات، فقد كتب المدعو محمد خير موسى مقالتين إحداهما بعنوان: البوطي الساكن في جلباب أبيه"، والثانية بعنوان: "البُوطِي؛ طباعٌ وسِماتٌ نفسيَّةٌ خلفَ المواقِف السّلوكيّة"، ومقالة ثالثة، وسنناقش بأسلوب علمي وموضوعي ما تناوله الكاتب في مقالاته.
يقول محمد خير موسى : "إنّ الحديث عن أستاذنا الدّكتور محمّد سعيد رمضان البوطي ..هو كالسّير في حقل الألغام؛ ..، ولكنّ شقَّ الطّريقِ في حقل الألغام هذا بل مسحه، هو مما لا بدّ منه؛ حتّى يُجابَ عن كثيرٍ من الأسئلة العالقة التي ما تزالُ تؤرّق كثيرًا من الشباب والكبار على حدًّ سواء، متعلّقة بتصرف وتعامل العلماء على مستوى المؤسسات والأفراد، لا سيما بعد الثورات.
أسئلة عن المواقف الصّادمة إذ تصدرُ عمّن بلغَ في العلم رتبةً عزّ نظيرُها في أعين النّاس، وعن التّصريحات المعاكسةِ تمامًا لما كانوا يترقّبونَه وينتظرونَه، وأسئلة عن البنية الفكريّة التي تنتجُ هذه القناعات والمواقف الصّادمة.
فكيفَ يساندُ عالمٌ كبيرٌ مثل البوطي بشّارَ الأسد في إجرامِه، وكيفَ يصفُ شبابَ الثّورات - وكثيرٌ منهم من روّاد مسجده وطلّابه- بأوصاف لا تليقُ ولم يخطر لهم ببالٍ أن يوصموا بها، من علّامة الشّام البوطي". اهـ من كلام الكاتب. ------------------------------------------------------------
(*) أحب أن أقدِّم اعتِذاري لأخي الأستاذ محمد غياث الحموي لعدم عُثوري على صورة له في الشابكة لأضعها؛ والعُذر عِندَ كِرامِ الناسِ مَقْبُولُ
أقول: (محمد غياث) ذكر الكاتب سبب تأليفه هذه المقالة أنه يريد أن يحلل سبب وقوف الدكتور البوطي مع الحكومة في إجرامها، وكيف وصف شباب الثورات بأوصاف لا تليق ولا تخطر لهم على بال، إذن فكل المقالات التي سيكتبها هذا الكاتب إنما هي تحليلات لهذا الأمر الذي يدَّعيه الكاتب :
ولنا هنا وقفة: فهل ساند العلامة البوطي قتل المتظاهرين وهل وصف شباب المعارضة بأوصاف لا تليق؟
*أقول وبالله التوفيق: هذا الكلام كله هُراء لا صحة له وهذا كلام العلامة البوطي بحذافيره، وقد وضعتُ له عناوينَ توضيحيَّة:
د. البوطي: لا يجوز للجندي أن يقتل المتظاهرين حتى لو قُتل :
وردَ الشيخ البوطي هذا السؤال على موقعه نسيم الشام :
شيخي الفاضل! أنا جندي في الجيش السوري وقد اختلفنا مع بعض هنا في حال إذا أمرنا الضابط المسؤول عنا بضرب المتظاهرين بالرصاص الحي هل نمتثل للأمر أم لا؟ وللعلم فإننا إن لم نقم بضرب المتظاهرين سنقتل حتمًا، ونريد جوابًا شرعيًّا فكلنا نثق بعلمكم لنعرف كيف نتصرف، نرجو الجواب بأقصى سرعة، وشكرًا.
أجاب الشيخ: نص الفقهاء على أن الملجَأَ (قلت أي المجبر) إلى القتل بدون حق لا يجوز له الاستجابة لمن يلجئه (قلت أي يجبره) إلى ذلك، ولو علم أنه سُيقتل إن لم يستجب له، ذلك لأن كلا الجريمتين في درجة الخطورة سواء، ومن ثم فلا يجوز للملجَأ إلى القتل تفضيل حياته على حياة برئ مثله. اهـ
د. البوطي يعلن على التلفاز قتل الناس حرام :
ورده السؤال التالي على موقعه :إلى أين تذهب سوريا ... ؟ أفتيتَ لأحد المُتسائلين أنه لا يجوز قتل المتظاهرين ...، لماذا لا تَظهر على التلفزيون وتُعلن وتكرر هذه الفتوى؟! والله لو أعلنت هذه الفتوى على شاشة التلفاز لحقنت الكثير من الدماء في سوريا؟!
57
أجاب الشيخ البوطي: قلت هذا من قبل، وقلته في آخر حديث تلفزيوني لي، ألم تسمع استشهادي في هذا بقول رسول الله: "وَمَنْ خَرَجَ عَلَى أُمَتِي يَضْرِبُ بَرَّهَا وَ فَاجِرَهَا، ولا يتحاشى مؤمنها، وَلَا يَفِي لِذِي عَهْدٍ بِعَهْدِهِ، فَلَيْسَ منْ أُمَتِي" (رواه مسلم وأحمد) هل هنالك تحذير وتحريم لما ذكرته من قبل أوضح وأقوى من هذا الذي ذكره رسول الله صلى الله عليه وسلم.
توبة الجنود من قتل المتظاهرين لفتوى د. البوطي :
ورده السؤال التالي : فضيلة الشيخ الحبيب أنا مجند في الجيش السوري أطلقت النار على بعض المتظاهرين، بعد صدور الأوامر، فلا أدري من قتل ومن جرح، غير أني منذ ذلك الحين في عذاب وضيق صدر لا يعلمه إلا الله، حتى تأتي أفكار ولم أعلم بفتواكم في حكم الجندي الملجأ إلى القتل إلا مؤخراً. سؤالي: تطاردني الكوابيس المفزعة ليل نهار، وتفكر النفس كثيرا بالانتحار، هل يجب أن أقدم نفسي للقصاص، أم يجب علي الدية مع العلم أني لا أعلم من قتلت أو جرحت، أم ماذا أفعل؟
أجاب الشيخ البوطي: هوّن الأمر على نفسك، فإن ربك عز وجل أرحم مما تتصور. تقول: إنك لا تعلم من قتل أو جرح من جراء إطلاقك النار، فإذا كنت تقصد أنك لا تعلم هل كان ما أقدمت عليه سبباً لجروح أم سبباً لقتل، ولم تتأكد أن في الناس من قد قتل بسببك، إذن فالشرع لا يُجرِّمك ولا يُحمِّلك جريرة القتل، لأن الأصل براءة الذمة.
وفي هذه الحال يكفي أن تتوب صادقاً إلى الله تعالى، وأن تدعوا الله لمن تسببت لهم بالجروح أن يصفحوا عنك.
أما إن تأكدت أن في المصابين من قد قتل، فالمطلوب أولاً إعطاء الدية لأولياء المقتول، ونظراً إلى أنك لا تعرفهم، فالمطلوب منك أن تُعاهد الله إذا ظهر الشخص الذي قتلته وعرفته فستعطي ورثته الدية التي يطلبونها، ثم يطلب منك بالإضافة إلى هذا أن تصوم شهرين متتابعين، فإذا علمت أنك لا تطيق ذلك، فينبغي أن تخرج عن صيام كل يوم قيمة وجبة طعام لفقير من أوسط الوجبات التي تتناولها في بيتك. وكن على يقين بعد هذا بأن الله قد عفا عنك وغفر لك ذنبك وإياك أن تعود. انتهى.
58
قلتُ -محمد غياث الحموي-: لقد نهى عن القتل نهيًا صريحا، وأوجب على التائب من القتل دفعَ الديَة .
د. البوطي: الهروب من الجيش جائز إذا علم الجندي أنه سيجبر على قتل نفس بريئة :
ورده السؤال التالي: أنا كنت في صفوف الجيش السوري لغاية 2012م أكملت الخدمة الإلزامية سنة ونصف وعشرة شهور كاحتياط ولكن لم أتسرح فهربت، علما بأني لم أقم بالأعمال القتالية كي لا أتسبب في مقتل أحد، وإلى الآن أنا فارٌّ خوفا من الفتنة والقتل. هل يعتبر فِرارًا من الزحف علما أني هربت لأن الأمر اختلط علي واستخرت الله سبحانه وتعالى وتحت إلحاح الأهل والأقارب قررت الهرب .
أجاب عنه د. البوطي: إن عرفت أو غلب على ظنك أنك ستكلف بقتل نفس بريئة بغير حق، من خلال وجودك في الخدمة العسكرية، ففرارك مشروع، وإن علمت أنك ستُدعى إلى قتال الصائلين الذين يقصدون إلى العدوان على الأرواح البريئة، أو تخريب المنازل والبنى التحتية، أو اغتصاب البيوت من أصحابها، فالاستجابة واجبة، والفرار من هذا الواجب فرارٌ من الزحف، وقد أعلن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن من قُتِل دون دمه أو ماله أو دينه فهو شهيد. انتهى.
د. البوطي: المُعتدي من جيش الدولة أو الأمن على العرض مجرم ودمه مُهدَر :
ورده السؤال التالي: السلام عليكم فضيلة الدكتور بارك الله لنا بكم وحفظكم وامد في عمركم فضيلة الدكتور انا من قرية الزيارة التابعة لجسر الشغور سيدي الفاضل الفقير لم يكن يوما مشاركا في مظاهرات ولن اشارك ولكن سيدي دخل الى بيتنا الجيش بعملية تفتيش وفتشوا الرجال والنساء وحتى الاطفال كان تفتيش النساء بطريقة مهينة ووضع ايديهم على اجسادهن ولمس اماكن العورة امام اعيننا اخي لم يستطع التحمل وهاجمهم بيده فما كان منهم الا انهم قتلوه فهل يعتبر شهيدا فنرجو منكم توجيه رسالة الى الجيش مع العلم ان قريتنا عشائرية وقد اقسموا اليمين على ان يأخذوا بالثأر جراء ما فعل الجيش بحقهم نرجو منكم التبيين سيدي فإننا نثق بعلمكم ولكم جزيل الشكر.
59
أجابه الشيخ البوطي :
إن هذا المجرم الذي تجاوز حدّ وظيفته إلى ممارسة عمله الغريزي صائل ولو أن أخاك عاجله وكان هو القاتل له، لكان دمه (أي الجندي) في شريعة الله هدرًا، ولتعلم يا أخي أن مثل هذه الأعمال يُدعى إلى القيام بها أناس لم يتلق كثير منهم تربية فكرية أو سلوكية، بل لا يخلو حشدهم من أراذل أصحاب الموبقات، ومن ثم فلا بدّ أن تتعرض البيوت الآمنة، أو بعضها لشيء من هذه الجرائم المؤسفة.
ذم ومدح العلامة البوطي للجيش السوري، وتفنيد شبهة وصف جنود الجيش النظامي بالصحابة
انتشر مقطع مبتور للدكتور البوطي ادعى فيه ناشروه أنه يصف القتلة من جيش الدولة بالصحابة، فهل ما زعموه صحيح؟.
الصحيح أن الدكتور البوطي وصف جنود جيش الدولة الذين قتلوا المتظاهرين و المدنيين بالمُجرمين ولم يصفهم بالصحابة، وقد مرَّت معنا الفتاوى الواضحة في ذلك، وأما المقطع المبتور فقد كان في معرض حديثه عن قتال قُطَّاع الطريق من الخاطفين واللصوص و من شابههم من الصائلين، وقد أوضح ذلك في فتواه السابقة عن جواز الهروب من الجيش إن علم أنه سيقتل نفساً بريئة وعن عدم جواز الهروب إن كان سيدعى لقتال الخاطفين واللصوص ومن شابههم ،وبيّن في فتوى أخرى أنه لا يقصد بذلك المعارضة المسلحة، فقال عن هؤلاء الذين يقاتلون هؤلاء الخاطفين أن لهم أجرا مثل أجر الصحابة، بشرط أن يتقوا الله و يرعوا حق الله في أنفسهم، و يتوبوا إلى الله جهد استطاعتهم، فوصفه هو لهذا الصنف حصرا من المسلمين الذين يقاتلون الصائلين بشرط التقوى، وهي تعني عدم سفك دماء الأبرياء، والامتناع عن كل الكبائر والصغائر، و القيام بكل الفرائض، وهو لم يساو بينهم وبين الصحابة وإنما قال: إنه سيكون لهم أجر كأجر الصحابة لقوله عليه الصلاة والسلام: (إن من ورائكم أيامَ الصبر، للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا: يا نبي الله مِنَّا أو منهم؟ قال بل منكم) أخرجه أبو نصر في كتاب السنة، والبزار والطبراني بنحوه .
60
ولكن كثيرا من الناس زعموا أن الشيخ يصف قتلة المتظاهرين بأنهم صحابة، وهذا كلام باطل كما بيَّنَّا، كما أنهم أيضًا بتروا كلامه، ولم يذكروا الشروطَ التي اشترطها لهذا الأجر .
*إذن، نتبين مما سبق: أن الكاتب محمد خير موسى كذب وافترى عندما زعم أن العلامة البوطي دعم قتل المتظاهرين، بل العكس هو الصحيح، فقد وجدنا بالأدلة القاطعة أنه حرّم وجرّم قتل المتظاهرين، حتى لو هُدّد الجُنديُّ بالقتل، ورأينا كيف أوجب الدية على من تاب، وأهدر دم الجنود في حال اعتدوا على أعراض الناس، وأباح الهروب من الجيش إذا علم الجندي أنه سيُدعى إلى قتل أنفس بريئة.
فالكاتب كما يظهر لا يعرف من موقف العلامة البوطي نقيرًا ولا قطميرًا، وإنما استقى موقفه من مواقع التواصل التي يكتب عليها من هبّ ودبَّ دون تحقيق أو تمحيص، ولقد شاهدنا حملة مسعورة ضد الشيخ رحمه الله في أوائل الأحداث؛ فاجتزؤوا من دروسه وخُطبه ما شاؤوا اجتزاء مُخِلًّا على طريقة (فويل للمصلين)، مُوهمين الناس أن الدكتور البوطي مؤيد للقتل، وضد الشعب، والعكس صحيح؛ ففتاواه تؤيِّد جانب الشعب لا جانب الحكومة، فكان المفروض على الكاتب الذي ادعى أنه سيكتب بعلمية وموضوعية أن يجعل أمامه قول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قومًا بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين) فيتحقق ويتثبت، ولا يكون كبعض البسطاء والسُّذَّج يصدقون أي إشاعة، ويُبادرون إلى اعتماد أي مقطع، دون رجوع إلى الأصل، وكان عليه أيضا أن يُشاهد العديد من المقاطع، مع قراءة كل فتاوى الشيخ قبل أن يكتب ما كتب .
وأما ما ادعاه الكاتب أن الدكتور البوطي وصف المتظاهرين بأوصاف لا تليق ولا تخطر لهم على بال فهو يُشير بذلك إلى ذلك المقطع المبتور الذي انتشر في أوائل الأحداث وفيه يقول الشيخ البوطي: وجوههم لا تعرف الصلاة، جباههم لا تعرف السجود، وكانوا يُخرجون هذا الفيديو مع صور المُتظاهرين؛ لإيهام الناس أنه يتكلم عن المتظاهرين، فهل كان الدكتور البوطي يصف المتظاهرين بعدم الصلاة ؟؟؟
61
*أقول: إن أي شخص عنده تحليل دقيق وتفكير عميق، سينتبه إلى أن قول الشيخ "وجوههم لا تعرف الصلاة" فيه ضمير يعبر عن جماعة، ولا نعلم على من يعود، يقول وجوههم: فوجوه مَن يقصد؟ ولماذا لم يأتوا بأول المقطع؟ وكيف عرفتم أن كلمة "وجوههم" يعني بها وجوه المتظاهرين؟ وما دليلكم على هذه الدعوى؟ والجواب أنه لا جواب لديهم سوى سوء الظن بالعلماء وعدم التحقق .
والسؤال المطروح: هل هناك ما يدل على كذب هذه الدعوى من كلام الشيخ نفسه؟ الجواب نعم .
يقول العلامة البوطي في فيديو على موقع يوتيوب بعنوان موقف البوطي من منتقديه :
(لم أتهم المتظاهرين سواء المؤيدين أو المعارضين بأن جباههم لا تعرف السجود أو الصلاة) وقال أيضا: (نحن الآن أيها الأخوة نرى شيئًا غريبًا عجيبًا، عصر المونتاج وعصر الغرف السوداء وعصور غريبة وعجيبة جدا، صور لا أصل لها تركب، الآن وصل المونتاج لعندي، في أول أسبوع قامت به مسيرة كنت خطيب الأموي أثناء الخروج من المسجد كان في ثلة قليلة في مدخل المسجد من الداخل، أُناس لم يشتركوا في الصلاة ولكنهم كانوا ينتظرون خروج المصلين ولما خرج المصلون اندسوا بينهم و بدؤوا بالهتاف، طبعاً أنا قلت عن هؤلاء الناس أن جباههم لا تعرف السجود، كانوا ينتظرون في داخل المسجد ريثما يخرج المصلون، فيندمجوا فيهم، وكأن الكل يهتفون، ويأتي من يسقط كلامي هذا على كل المسيرات في كل المحافظات ويجعلني أتهم كل الناس بأنهم لا يصلون، هذا مثال للمونتاج الذي يُختلق بواسطته شهادة زور، هذا شيء لا نرضى عنه ولا يرضى الله عز وجل عنه). انتهى كلام د. البوطي.
وقد تكلم جورج صبرة عضو الائتلاف الوطني في فيديو منشور على موقع يوتيوب وهو ينتمي لأسرة مسيحية أنه ابنه في أوائل الأحداث في سورية كان يذهب إلى المسجد الأموي يوم الجمعة ليس للصلاة وإنما للتظاهر وهذا ما يؤكد صدق البوطي فيما قاله.
62
كما أحب أن أبين موقفه المُعارض للفساد؛ الذي يظهر من بعض الجهات الحكومية وبعض أياديه البيضاء، و الكاتب تغافل عنها ولم يذكر شيئًا منها وهي:
1- كان سبَبًا في العفو عن 150 من السجناء السياسيين حيث طلب ذلك من الحاكم.
2- تحدَّث مع النظام حتى قبل وجود المظاهرات عن مُشكلة الحريات، وعن مُشكلة الحِزب الواحد .
3- استنكر من الحكومة عرض مسلسل "ما ملكت أيمانكم ".
4- استنكر من الحكومة بعض المقاطع في مسلسل "بقعة ضوء" .
5- استنكر منع الصلاة في بعض قطع الجيش وقال: (أرأيت الذي ينهى عبدًا إذا صلى) في أحد دروسه .
6- استنكر من الحكومة تسريح مئات من المُنقَّبات من وزارة التربية.
7- استنكر العبث بمناهج التربية الإسلامية؛ ولا سيَّما في المدارس الخاصة.
8- استنكر قرار وزير الداخلية بعدم السماح لمدير الفندق بسؤال النُّزَلاء عن عقد الزواج إذا اصطحبوا نساء معهم.
وما سبق يُفَنَّد الكذبة الصَّلْعاء التي كذبها محمد خير موسى: أنه مُؤيِّد للسلطة؛ فكيف يكون ذلك؟! وهو قد جهر بإنكار الفساد قبل الناس جميعًا، وقبل أن يخرج مُتظاهر واحد في سوريا.
هل د. البوطي مع النظام؟ :
ورد الشيخ البوطي السؤال التالي: ما موقفكم من النظام في سورية؟ أجاب الشيخ :لست مَعْنِيًّا بالنظام السوري من حيث هو، ولكنِّي معنيٌّ بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا ما يأمر به الله ورسوله، وهذا ما قمت به من قبل، ولا أزال جهدَ استطاعتي، والقتل بغير حق من أكبر الكبائر التي يجب إنكارها .
*وقال في موضع آخر: لست مؤيدا أو معارضا، إنما أحذر من بلاء أعم .اهـ
63
هذا هو موقف الشيخ من الدولة، فكان من أشد معارضي الفساد، خلافا لما افتراه الكاتب، ولكنه مع التغيير بالحكمة والموعظة الحسنة، وليس بحمل السلاح، فقد كان الشيخ يُفتي بما أجمع عليه أهل العلم بناء على الأحاديث النبوية الصحيحة التي حرمت الخروج بالسلاح على الحاكم الظالم، والتي بلغت مبلغ التواتر المعنوي، كما يقول العالم الشوكاني، بل إن العلماء حرموا الخروج على الكافر إن كانت المفسدة بالخروج عليه أكبر من المفسدة بالبقاء معه، وهذه بعض النصوص النبوية الصحيحة التي تؤكد ذلك :
قال عليه الصلاة والسلام:
(من كره من أميره شيئًا فليصبر فإن من خرج من السلطان شِبْرًا مات مِيتةً جاهلية). رواه البخاري ومسلم.
(سأل سلمة بن يزيد الجعفي النبي عليه الصلاة والسلام: يا نبي الله أرأيت إن قامت علينا أمراء يسألوننا حقهم ويمنعونا حقنا فما تأمرنا؟ فأعرض عنه ثم سأله فأعرض عنه ثم سأله في الثالثة فجذبه الاشعث بن قيس فقال عليه الصلاة والسلام: اسمعوا واطيعوا فإنما عليهم ما حملوا وعليكم ما حُمِّلتم). رواه مسلم.
قال عليه الصلاة والسلام: (يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي، ولا يستنُّون بسنتي، وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس قال: قلت: كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك؟ قال: تسمع وتطيع للأمير، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك فاسمع وأطع). رواه مسلم.
*ومن أقوال العلماء :
قال الإمام أحمد: لا يتعرض إلى السلطان؛ فإن سيفه مسلول .
و قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم:
(وأما الخُروج عليهم- أي الحكام- وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين وقد تظاهرت الأحاديث على ما ذكرته وأجمع اهل السنة انه لا ينعزل بالفسق).
64
ونقل ابن حجر العسقلاني رحمه الله عن ابن بطال: الإجماع على عدم جواز الخروج على السلطان الظالم وإن كان متغلباً فقال في الفتح:
(قال ابن بطال: وفي الحديث حجة على ترك الخروج على السلطان ولو جار- ظلم - وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء). فتح الباري 13/7.
*أقول: يتبين لنا مما سبق أن الحكم الذي أصدره الكاتب على الشيخ البوطي حكم باطل، وأراد أن يذكر تحليلات لهذا الحكم الباطل، وإذا كان الحكم فاسدا فما سيأتي من تحليلات ستكون فاسدة حتمًا، كالذي يصدق إشاعة بأن أمرًا مُعيَّنًا قد حصل، ثم يريد أن يذكر أسباب وقوع هذه الأمر الذي لم يقع أصلًا، وبذلك نكون قد وأدْنا مقالاتِه وما تضمَّنته من أباطيلَ وأكاذيب في مهدها .
*"منتدى الأصلين" 7/7/2020م.
*ملاحظة مهمة:
أتيت بأكثر مقالة الأستاذ محمد غياث الحموي؛ لأهميتها، وهو المتعلق بالرد على الأستاذ محمد خير موسى، وتجنيه على الشيخ البوطي في بعض مقالاته، وحذفت ربعها الأخير؛ لعدم تعلقه بالموضوع، ولتهجمه على الشيخ مجد مكي، و"رابطة العلماء السوريين".
65
كلمة عدل وإنصاف في الشيخ د. محمد سعيد البوطي
للشيخ والمؤرخ الأستاذ محمد خير رمضان يوسف
قال الأستاذ محمد خير يوسف عن الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي:
"... وكان وجها مألوفا على الساحة الإعلامية الإسلامية، وفي المنابر العلمية والتعليمية، ألقى دروسا تعليمية وتربوية في أنواع العلوم الشرعية، على مدى عقود في مساجد دمشق، وخاصة جامع سنجقدار، استفاد منها آلاف الناس، بل جيل كامل بجميع فئاتهم ودرجاتهم العلمية، وحتى العامة، وتابع نشاطه الديني في الإذاعات والتلفزيونات والقنوات الفضالية، وخاصة في مجالات العقيدة، والتفسير، والفكر الإسلامي عامة.
وألقى محاضرات، ورد على شبهات، وجادل وناظر، وصارع ولم يلن، إضافة إلى مشاركته، وإسهامه في ندوات ومؤتمرات على مستوى العالم العربي والإسلامي عامة، وكتابة مقالات في الدوريات العربية.
66
فلا ينكر فضله في نشر الثقافة الإسلامية والردّ على الشبهات على مستوى العالم الإسلامي، وكان له أثر واضح على تشكيل الثقافة الإسلامية، واهتمامات الناس الدينية، في المجتمع السوري خاصة.
والمثقفون العلمانيون يعملون له ألف حساب؛ لسعة علمه وقوة حجته.
وكان يرد على الشيعة، والعلمانيين، والشيوعيين، والمستشرقين، والقوميين، وأمثالهم.
وكان سنيا أشعريا شافعيا، مدافعا عن المذاهب الفقهية الأربعة.
وقف في وجه الآراء السلفية، ونبذ العنف.
ولم يتآلف مع جماعة الإخوان المسلمين.
وما كان تابعا لشيخ، ولا متعصبا لطريقة صوفية، وإن بدا روح التصوف في ثقافته، وحاصة من خلال شرح الحكم العطائية مرات، بل كان شخصية إسلامية مستقلة، مهتما بالعلم ونشره.
وكانت له مناظرة مشهورة مع الشيخ السلفي محمد ناصر الدين الألباني، نتج عنها انقسام كبير، شائك ومتجذر بين فئتين من المسلمين، أو تكريسه؛ هما فريقا السلفية والأشعرية ألف إثرها كتابه "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية".
وما كان من أهل السياسة، ولا عارفا بخفاياها وأحابيلها ودهاليزها، ولكنه انغمس فيها؛ بتصريحات له ومواقف، لا تناسب مكانته العلمية مُنجَرًّا بذلك إلى التوجهات الحكومية في عهد حافظ الأسد، وابنه بشار؛ فحَطَّ هذا من مكانته وسُمعته الطيبة، بل إلى نبذه وعداوته عند كثير من أهل العلم والفكر؛ فلم يبق محمود الوِجْهة، حتى عند الأكراد؛ لأنه لم يكن في خَطِّهم، بل مع سياسة الدولة، ولذلك تهجَّمُوا عليه وأذوه.
67
وقد عرفت الدولة مكانة هذا الرجل عند الناس، ووزن كتاباته، وثقل جانبه العلمي، ونشاطه ودروسه، وقوة حجته؛ فهيأت له جيشا من المُخابرات؛ للإيقاع به وجره إلى صَفِّ الحكومة؛ فكانوا يحضرون دروسه، ويجعلون أنفسهم تلامذة له، ويطلبه حافظ الأسد إلى بيته، والتقى بأسرته لقاءات خاصة؛ منهم باسل وبشار، حتّى طُوِّق وشُدِّد عليه الخِناق، مما أولي من احترام وتقدير ومعروف، من أكبر رأس في الدولة؛ فلانَ لهم وبكى على حافظ الأسد لما مات!
ومع ذلك كانت عاطفته قوية نحوَ الإسلام ومبادئه؛ فقد طلب تحقيق مشروعات علمية كثيرة استجاب لها الأسد، وخاصة المعاهد الشرعية، ومراكز تحفيظ القرآن الكريم، وما إليها... .
بل طلب منه أن يفرج عن جميع المساجين من الإخوان المسلمين إثر أحداث حماة المنكوبة، إلا أنه جوبه بجواب الأسد: أن أهالي المقتولين الذين فتكت بهم تفجيرات الإخوان لا يقبلون، ويقولون: هؤلاء قتلة أبنائنا عادوا!! وهو الذي فتك بأهالي سورية كلهم، وأكل خيراتهم، وأطعمها مُخابراتِه وجنودَهُ المُخْلِصين له.
وكان يعرف بُغض الشعب للأسد وحكومته؛ ولذلك ما كان يبوح بعلاقته معهم في أوائل عهده بهم.
وعندما أنشِئت مجلة (نهج الإسلام) الصادرة عن وزارة الأوقاف، وعليها صورة حافظ الأسد وأخيه (رفعت)، كان له فيها مقال؛ فانتُقد نقدًا شديدا من قِبل مُحِبِّيه المُتابعين لكتاباته ودروسه؛ فذكر أنه مقال قديم له، أخذته منه هيئة التحرير، وما إلى ذلك من الأعذار، ثم تتالت مقالاته فيها.
وكان يعرف مسلكه وخطورته، ويقول: إني أعرف بأنني انجررت معهم، ولكن أعرف أيضا بأن عقيدتي صافية لم تتأثر بشيء من هذه العلاقات.
68
ثم إنه لم يعُد يخفى على أحد ارتباطه بالدولة؛ فكان في فريق خاص مع المفتي يطلعهم المُخابرات على أسرار ما يجري، بتلفيقات أمنية وإخبارية ماكِرة؛ حتى لا يُصدِّقُوا ما تقوله المُعارضة، حيث بدا توجهه أكثر أثناء الثورة الشعبية على حكم بشار الأسد؛ الذي سلك مسلك أبيه في إذاقة الناس أنواع الذل وألوان القهر، وتطبيق الحكم الطائفي بكل أبعاده، والتوجه نحو إيران، وما يسمى بحزب الله الشيعي في لبنان، وجعل حكم المواطنين كلهم إن المخابرات، مع انتشار الفساد والجوع والبطالة ومنظومة التخلف بأبعاده؛ فكان المُتَرجَم لَهُ مع كل هذا في طرف الدولة، ويقول: إن هؤلاء الذين قاموا بالثورة هي حُثالة الناس، وإن الثورة "مؤامرة خارجية تقودها إسرائيل"، وأكبر منها!
وتتابعت تصريحاته من هذا النوع؛ بالوقوف مع الطاغية وأعوانه، حتى لجأ الناس إلى جمع كتبه في مدينة دير الزور، وأحرقوها استنكارا لمواقفه المنبوذة!
وانتهى إلى أن قُتل في تفجير وهو يعطي درسا في "مسجد الإيمان" في "حي المزرعة" في دمشق، مع أكثر من (40) آخرين وجرح ضعفهم، يوم الخميس 9 جمادى الأولى، 21 آذار(مارس)، ولم يُعرف مصدر هذا التفجير، وقد استنكرت المعارضة والنظام كذلك اغتياله، وتبادلا الاتهامات، كما استنكرت رابطة العلماء السوريين الحادث، ودفن بجانب قبر السلطان صلاح الدين الأيوبي.
وقد ظهرت صورته بعد مقتله في شريط فيديو، وتبيَّن أنه لم يُقتل في التفجير، ثم تقدَّم إليه شخص مُباشرة وصار بينه وبين الكاميرا- ورجَّحت المُعارضة ومُحَلِّلون كثيرون بأنه هو الذي أطلق النار عليه وقتله-؛ وذلك لأنه عارض الحكومة، ولم يتحمل ما توقعه بالشعب... ويكون بذلك خلط عملا صالحا، وآخَرَ سيِّئًا.
*"تتمة الأعلام"8/23- 24.
69
الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يُندِّد بمقتل العَلَّامة البوطي،
ويُحَمِّل النظام المسؤولية
ندد الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين "بمقتل العلامة الشيخ البوطي، ومقتل أي عالم على فكره واجتهاده مهما اختلفنا معه، لأن ذلك مُحرَّم حتى لرجال الدين من غير المسلمين"، كما ندَّد بالاعتِداء على المساجد وقتل الأبرياء داخلها، مُحَمِّلا المسؤولية عن ذلك للنظام الأسدي الظالم.
وقال بيان الاتحاد بهذا الصدد:
هال الاتحادَ العالمي لعلماء المسلمين ما حدث في مسجد الإيمان بدمشق، حيث أدى تفجير داخل المسجد إلى مقتل أكثر من 40 شخصًا بينهم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي العالم المعروف بعلمه، وبتأييده للنظام، وذلك أثناء درسه الأسبوعي، في مسجد الإيمان، حيث يعد هذا تطورًا خطيرًا؛ لأنه لأول مرة يحدث تفجير داخل المسجد يُؤدي إلى مقتل هذا العدد الكبير، وإن كان النظام الأسدي الجائر دمر مئات من المساجد، ولم يرعَ حُرمة لا لمسجد، ولا لعالم، ولا لحي ولا لميت.
وأمام هذا التطور الخطير فإن الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين يرى ويُؤكد ما يلي:
أولا: يندد الاتحاد بمقتل العلامة الشيخ البوطي، ومقتل أي عالم على فكره واجتهاده مهما اختلفنا معه، لأن ذلك محرم حتى لرجال الدين من غير المسلمين.
ثانيا: يندد الاتحاد كذلك بشدة الاعتداء على المساجد وقتل الأبرياء داخلها، من أي طرف كان، حيث تدل النصوص الشرعية الكثيرة على أن القتل لا يترك فُسحة للمسلم، وأنه أعظم الذنوب بعد الشرك فقال تعالى {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (سورة النساء 93) كما أن تدمير المساجد من الكبائر،
70
قال تعالى {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (سورة البقرة -114).
ثالثا: يُحَمِّل الاتحاد النظام الأسدي الظالم مسؤولية مقتل العلامة البوطي ومن معه (يرحمهم الله)، لأنه هو المسؤول عن أمنهم، كما أن أصابع الاتهام توجه إليه بعدما تبرَّأت المُعارضة السورية العسكرية والمدنية عن ذلك.
رابعا: يُطالب الاتحاد الأمم المتحدة بتشكيل لجنة مُحايدة للتحقيق في هذه الجريمة؛ لكشف الجُناة الحقيقيين.
خامسا: يُؤكد الاتحاد على دعواته السابقة لجميع فصائل المعارضة بالالتزام بالأخلاقيَّات الإسلامية في الحروب.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}. (سورة يوسف -21)
الدوحة: 10/ جماى الأولى/ 1434هـ
الموافق: 22/مارس/2013م
أ.د علي القره داغي أ.د يوسف القرضاوي
الأمين العام رئيس الاتحاد
71
البوطي كما عرفته
بقلم تلميذه الدرعاوي: د. محمد فتحي راشد الحريري رحمه الله
ينحدر البوطي من أصل كردي، فقد ولد عام 1929م في قرية (جيلكا) التابعة لجزيرة بوطان الواقعة في تركيا قرب حدود العراق، وهو عالم متخصص في العقائد الإسلامية وهو أشعري في عقيدته، هاجر مع والده المرحوم مُلَّا رمضان البوطي إلى دمشق، وله من العمر أربع سنوات.
تأثر بوالده الشيخ ملا رمضان الذي كان بدوره عالما متصوفا، وهو استاذه الاول * وقد عهد الشيخ ملا رمضان بولده الشيخ سعيد وهو في السادسة من عمره إلى امرأة فاضلة (خُوجا)، كانت تعلم الأطفال قراءة القرآن، وأوصاها به؛ فختم القرآن عندها خلال ستة أشهر.
*تلقى التعليم الديني والنظامي بمدارس دمشق، ثم انتقل إلى مصر للدراسة في الأزهر، وحصل على شهادة الدكتوراه من كلية الشريعة، وهناك التقى بوالدي، وبالشيخ موسى اللكود يرحمهم الله، علماً أن اقامة والدي بالأزهر الشريف لم تتعدَّ ثلاثة الأشهر.
وهو من الناحية الفقهية يعتبر مُدافعًا عنيدًا عن الفقه الإسلامي المذهبي التقليدي، والعقيدة الأشعرية في وجه الآراء السلفية.
72
وقد ساءت علاقته بالاخوان المسلمين قبل وفاته بحوالي عشرين سنة، وهو تاريخ بدء مهادنته لنظام الحكم السوري، وكان قبل ذلك من أشد مُنتقدي البعث، والطائفة الاسدية الحاكمة في سورية.
ويمكن تلخيص مسيرته العلمية على النحو التالي:
- أنهى دراسته الثانوية الشرعية في معهد التوجيه الإسلامي بدمشق.
• التحق عام 1953م بكلية الشريعة في جامعة الأزهر، وحصل على شهادة العالمية منها عام 1955م. - التحق في العام الذي يليه بكلية اللغة العربية من جامعة الأزهر، ونال دبلوم التربية في نهاية ذلك العام.
عُين معيدًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1960م.
- أُوفد إلى جامعة الأزهر للحصول على الدكتوراه في أصول الشريعة، وحصل عليها عام 1965م.
- عُين مدرسًا في كلية الشريعة بجامعة دمشق عام 1965م، ثم وكيلًا لها، ثم عميدًا لها.
وقد درستُ عليه العقيدة والتفسير وعلم الاخلاق والفقه وغيره من العلوم، وربطتني به صلة خاصة مميزة عن جميع الطلبة، فكم اصطحبني بعد انتهاء محاضراته مشيا على الاقدام من الجامعة بالبرامكة عبر جسر الرئيس الى قرب بيته، وكم حدثني عن خطر الشيوعية والشيعة المتعصبة، والبعثيين الإقصائيين، وكم حذرني من أن أُخدع بشعاراتهم، وكان يرحب بي في مكتبه دائما ويثني عليَّ الثناء الحسن، وسمح لي أن أدون عنه محاضرات في علم الاخلاق، وكان الكتاب للدكتور زرزور، ولم يسمح بهذا لغيري من الطلبة، لذا كانت نسبة نجاحي بالمادة عالية(90@ )ولم يجاوز غيري ال(45+5م)...
كان البوطي يحاضر بشكل شبه يومي في مساجد دمشق، وقد اشترك في مؤتمرات وندوات عالمية كثيرة، وكتب في عدد من الصحف والمجلات في موضوعات إسلامية وقضايا مستجدة، ومنها:
ردود على كثير من الأسئلة التي يتلقاها، والتي تتعلق بفتاوى أو مشورات تهمّ الناس، وتشارك في حل مشاكلهم، وخالف في بعض اجتهاداته وفتاويه الجمهور فقام كثيرون عليه، لكن الخلاف لم يصل الى مستوى التهديد بالقتل أو التصفية والتكفير!!!
73
كان البوطي عُضوًا في "المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية" في عمّان، وعضوًا في "المجلس الأعلى لأكاديمية أكسفورد"، وعضوَ "المجلس الاستشاري الأعلى لمؤسسة طابة" في أبو ظبي، علما أنه حاز "جائزة الشخصية الإسلامية" في دبي عبر "مسابقة دبي الدولية للقرآن الكريم" في إحدى الدورات.
وكان يتقن اللغة التركية والكردية ويلمّ باللغة الإنجليزية.
وكان مرجعا بالعربية رغم أصوله غير العربية، وهكذا شأن سائر علمائنا الكرام.
وقد ظهر البوطي في بداية التسعينات ضمن وسائل الإعلام السورية، فأدهش الناس إذ كان من مناوئي الاسد ونظام حكمه وبدا نوع من التقارب بينه وبين الرئيس حافظ الأسد، ولاسيما أنه شارك في تأبين ابن حافظ الأسد (المهندس باسل)، وأسماه شهيدا يترعرع في الجنة.
ويرى مراقبون أن تقارب البوطي مع السلطة السياسية في سوريا كان له تأثير في المحافظة على سياسة سوريا المتعلقة بدعم حركات المقاومة في وجه الاحتلال الإسرائيلي، في حين كان يرى معارضو أفكارِه يأن ذلك يُعَدُّ تغيّرًا سلبيًّا منه وتحوّلا عن فكره!
وكان أبدًا من نابذي التوجهات السياسية والعنف الجهادي، وقد تسبّب ظهور كتابه "الجهاد في الإسلام" عام 1993م في إعادة الجدل القائم بينه وبين بعض التوجهات الإسلامية. والكتاب كان ثمرة لقاء بين البوطي والشيخ اللغوي محمد عنبر رحمه الله، والشيخ المفكر جودت سعيد، بل قيل: ان كثيرا من افكار الشيخ عنبر أخذها البوطي وصبغها بطابعه الخاص، ومن المعلوم أن كتابا للشيخ عنبر بهذا الاسم قد ضاع بين البوطي، وبين استاذ جامعي اسمه (جعفر دك الباب)، وجرى جانب من النقاش حول هذا في مأتم الشيخ عنبر في مدينته (معظمية القلمون) كما حدثني نجله الاستاذ (النضــر) حفظه الله، والله أعلم ...".
*أبرز مؤلفات البوطي:
له ما لا يقل عن أربعين مؤلفًا في علوم الشريعة، والآداب، والتصوف، والفلسفة، والاجتماع، ومشكلات الحضارة، وغيرها، منها:
- المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني.
أصول التربية الاسلامية، وكنت قد سألت البوطي عنه فقال انه مفقود ...
- نقد أوهام المادية الجدلية. • الحكم العطائية: شرح وتحليل.
74
- الإسلام والعصر، تحديات وآفاق.
- أوروبا من التقنية إلى الروحانية ـ مشكلة الجسر المقطوع.
- الجهاد فى الاسلام: كيف نفهمه وكيف نمارسه.
- شخصيات استوقفتني.
- كبرى اليقينيات الكونية: وجود الخالق ووظيفة المخلوق.
- حرية الإنسان في ظل عبوديته لله.
- السلفية مرحلة زمنية مباركة وليست مذهبًا إسلاميًّا.
- اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية.
- مقولة: الحكم الاسلامي يتناقض مع المنهج الديمقراطي.
- إلى كل فتاة تؤمن بالله. ( كتيب)
- من هو سيد القدر. • هذه مشكلاتهم. (كتيب)
- هذه مشكلاتنا. (كتيب). • كلمات في مناسبات.
- منهج الحضارة الإنسانية في القرآن.
- هذا ما قلته أمام بعض الرؤساء والملوك.
- يغالطونك إذ يقولون. • من الفكر والقلب.
- ترجمة رواية مموزين. (قصة من الادب الكردي التراثي)
- فقه السيرة النبوية. • حقائق عن نشأة القومية.
- التعرف على الذات هو الطريق المعبد إلى الإسلام.
- ضوابط المعرفة في الشريعة الإسلامية.
- الحب في القرآن ودور الحب في حياة الإنسان.
*مات البوطي يوم رأس السنة الكردية 21 من آذار مارس 2013م الموافق 9c4 هـ اثر تفجير في مسجد الايمان، ينظر اليه العقلاء على أنه تفجير افتعله النظام الاسدي ليتخلص من البوطي بعد أن استنزفه، ولأداء رسالة سلبية عن الثورة السورية، وهذا ديدن عصابات الأسد منذ أن نزوا على الحكم في سورية ظلما وتعسفا.
*وفي الختام هذه كلمتي بهذه المناسبة الفاجعة:
د. محمد سعيد بن الملا رمضان البوطي، الداعية صاحب التصانيف والتآليف المشهورة، والذي تمَّ قتلهُ يوم النيروز رأس السنة الكردية 2013 م وهو كردي معروف ومنسوب الى جزيرة بوطان، وقد يكون لذلك دلالة!
رحمه الله ولا شماتة بالموت، لكنْ هناك دروس وعظات وعبر:
75
ـ أبرزها أن احتمال ان تكون يدا النظام هي التي أنهت البوطي بعد أن انتهت صلاحيته من وجهة نظرهم اللئيمة الحاقدة الطائفية ـ والله اعلم !!!
- ومن الدروس ان يكون الداعية لسان حال أمته، وليس المُناكِفَ لها والمُنافق لِذبَّاحها ...
البوطي كان من ألد أعداء النظام وفجأة انقلب 180 درجة وتحوَّل الى بوق أسدي بامتياز، ولا احد يعرف السبب الحقيقي، وأنا أعرف جزءا من السبب واحتفظ بمعرفتي لنفسي؛ كي لا أبدو مُتشفيًا بموت أستاذي، الذي آلَمَني وأحزنني، وأُشهِد الله على ذلك !!!
علماء الاسلام اختلفوا منذ القدم، لكن الاختلاف لم يصل بهم الى القتل او التصفية الجسدية او التهديد بالقتل، مثال ذلك اختلاف السيوطي وهو الامام الجليل مع السخاوي وهو عالم جليل ايضا، واختلاف عالمين متعاصرين صوفي وسلفي؛ هما الشيخ علي الحريري، والامام ابن كثير، وكلاهما من حوران، وما أمر واحدٌ أتباعَه بقتل خصمه العلمي ولا هدَّده.
البوطي أخطأ وخالف جمهور العلماء ورفع شبيحة الاسد الى مستوى الصحابة، واستخفَّ بالثورة السورية ورجالاتها، ومنح الجنَّة لباسل حافظ الأسد، وأجاز مشاهدة الأفلام الجنسية الخليعة للعِنّين من باب التداوي بالحرام، لكن هذا كلّه لم يكن ليسمح لأحد من الثورة ان يستبيح دماء البوطي رحمه الله، وما كان البوطي بعيدا عن الثوار يوما، ولو أرادوا تصفيته لفعلوا، لكنهم لم يُفكروا بذلك رغم الاختلاف بالرأي والمواقف، فيبقى البوطي من علماء السُّنة، ومرجعياتهم المعتبرة.
إنه عالم من علماء السنة وفقيه مفسر جليل ومن علماء العقيدة والدعوة، أنهته عصابات الاسد لتوصل رسالة الى الشارع العام وتوقد الحرب الطائفية وتثير أهل السنة على بعضهم، فاحذروا ايها العقلاء!
البوطي اليوم في ذمة الله وسنقف معه بين يدي الله تعالى، ويسألنا ويسأله وهناك نرجو التثبيت وورود الحوض... .
ونقدم في كل الأحوال عزاءنا لأسرته وإلى ابنه العالم الجليل زميلنا د. توفيق، ونرجو لأستاذنا الرحمة والمغفرة والله يتولّى الجميع، وهو الهادي الى سواء السبيل، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
*"رابطة العلماء السوريين" الأحد 25/6/1434هـ - 5/5/2013م.
76
د. محمد نوح القضاة:
البوطي كان مهددا بهتك عرض بناته وحفيداته
إن لم يقل ما كان يأمره نظام الأسد به
د. محمد نوح القضاة عبر صفحته على الفيسبوك يصرح: "لا نُغفل عذر الشيخ البوطي وقد أفضى لما قدم وحسابه على الله، فقد أخبرني حفيده بحضور عدد من مشايخ الاردن ان الشبيحة المجرمون يحتجزون ابنته وبعضا من حفيداته وأنه يعيش مُهددًا إن لم يقل ما يريدون فسينتهك عرضه علانية وتوزع بذلك أشرطة مصورة!
وقد قال الشيخ ما قال اعتمادا على فطنة الناس، ومعرفتهم العميقة به، وتعاملهم معه ٨٧ عاما من عمره، وقد كان يلمح للناس بذلك في خُطبه بقول الله تعالى: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان)؛ فيعذره من عرف حاله ولمح مقاله".
أما سبب مقتل البوطي فنرجحها للأسباب التالية:
اولا هو من الاخوة الاكراد. وكانت تجمعه علاقة وثيقة بمؤسس حزب العمال الكردستاني السيد اوجلان.
وكلنا يعلم ان امس كان عيد نيروز؛ اي عيد الاكراد.
وقبل يومين كان هناك تصريح لاحدى القيادات الكردية قال فيه: ان السيد اوجلان سيقوم بتوجيه رسالة الى محبيه من عناصر حزب العمال الكردستاني وسيطالبهم بوقف اطلاق النار مع الجانب التركي.
77
بينما النظام السوري يقوم بتغذية حزب العمال الكردستاني لكي يتحركوا ضمن الاراضي التركية خاصة وانه يرى ان الحكومة التركية تناصر الثورة السورية.
فكان مقتله رسالة موجه لاوجلان؛ مفادها: ان ثوار سوريا يقتلون الدكتور البوطي في يوم العيد الكردي، وهم مدعومون من تركيا. فعليك ان تحارب تركيا، وتطالب عناصر الحزب بزيادة نشاطهم ضد تركيا، وليس وقف الاعمال العسكرية مع الجانب التركي.
بالاضافة الى انه وحسب ما وردنا من معلومات ان الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي رفض التوقيع في مجلس الافتاء الاعلى باحقية الجهاد ضد ثوار سوريا وهذا ما جعل المخابرات تضع عليه اشارة سوداء. بل وامتنع الحديث في اخر ايامه عن مناصرة النظام وقد حاولت اجهزة الامن السورية على الادلاء بعدة تصريحات فرفض. وهذا كان سبب مقتله. وهو لم يمت في تفجير جامع الايمان بل هو قتل في اقبية الامن الاسدية. وهذه المعلومات اصبحت مؤكدة. وما تفجير جامع الايمان الا فلم أعدَّه النظام، ونفذته أجهزة المخابرات وهو اكثر ما يذكرنا بتفجير الامن القومي؛ حيث ظهر على الاعلام ان هناك تفجير تم ثم قالوا: قتل فلان وفلان وفلان. وهنا اتبعت الأجهزة الامنية نفس الأسلوب، حدث تفجير وبعد دقائق قتل الشيخ البوطي، وحاولوا إضاعة الناس من خلال النَّبِّيحة المُزاودين؛ الذين يردحون على إعلام العُهر الاسدي.
*ملاحظة: قام الدكتور البوطي بالاتصال بابنه او حفيده قبل مقتله وأخبره انه سيلقي درس في جامع الايمان. وذلك بعد اعتقاله بيوم وقبل وقوع الحادثة. وهذا الاتصال لم يكن الا لكسب ود اهل البوطي وخداعهم بانه قد مات في التفجير. وفي الحقيقة هو تمت تصفيته في أفرع المخابرات الأسدية.
أما النظارات الملقات على الأرض وطربوشه أو عمامته. فما هذه الفبركات تنطلي على مجنون، ولا على عاقل.
*"تلفزيون الفجر الجديد" عن: "جرزيم نيوز"، بلا تاريخ!
---------------------------------------------------------------------
78
رم - مسمار:
قال الدكتور محمد نوح القضاة ان شبيحة النظام السوري كانوا يحتجزون ابنة الشيخ محمد سعيد البوطي وبعضا من حفيداته، بحسب ما أخبره حفيد البوطي أثناء زيارته للأردن.
وأضاف القضاة عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "الفيس بوك": إن البوطي كان يعيش تحت التهديد، وإنه ان لم يقل ما يريدون فسينتهك عرضه علانية، وتُوزَّع بذلك أشرطة مصورة.
وأشار إلى أن البوطي قال ما قال اعتمادًا على فطنة الناس، ومعرفتهم العميقة به، وتعاملهم معه ٨٧عاما من عمره، وقد كان يُلمِّح للناس بذلك في خُطبه بقول الله تعالى: (الا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان).
"وكالة رم للأنباء" بلا تاريخ!
79
تسع مقالات للأستاذ محمد خير موسى عن:
علاقة الدكتور البوطي بالنظام الحاكم في سورية
مُلاحظة وبَيَان قبل عَرْض مقالاته: لقد اخترت هذه المقالات التسع للأستاذ محمد خير موسى؛ لنطلع على طبيعة العلاقات التي كانت بين الشيخ البوطي رحمه الله، والنظام الحاكم في سورية، بدءا بحافظ الأسد وابنه باسل، وانتهاء بابنه بشار، في مقالات سبع منها، كما بين بعض خفايا هذا العلاقات وملابساتها، وحيل النظام ومكره ودهاءه في التلبيس والتدليس.
وقد بين فيها انخداع الدكتور البوطي بهذا النظام، ولا سيما بتمثيله حافظ أسد، وباسل التدين، والالتزام بالصلاة، بل حتى بقيام الليل، وتلاوة الأذكار للإمام النووي، وأمر حافظ أسد بعض ضباطه بالصلاة ... ؟؟!!!
كما بيت في المقالتين الأخيرتين دور اللواء محمد ناصيف في خداع الدكتور البوطي، ولا سيما في الوثائق التي كان يرسلها إليه، وفيها عمالة بعض الجماعات كالوهابية، و"قناة الجزيرة" ... .
وأظن أن عرضه فيها كان صادقا فيها، إلى حد كبير، ولم يتفرد بذلك؛ بل أكد هذا الأمر آخرون كالأستاذ محمد خير رمضان يوسف، وغيره.
وأما مقالاته التي طعن فيها بالشيخ البوطي، وردَّ عليها بعض العلماء كالأستاذ محمد غياث حموي؛ فلم آت بها.
80
البوطي: المواقف السياسية إلى ما قبل انقلاب حافظ الأسد
محمد خير موسى
وهو المقال الرّابع من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
موقف البوطي من جمال عبد النّاصر: في مقابلةٍ تلفزيونيّةٍ يعودُ تاريخُها إلى ما قبل عام 2007م يقول الدّكتور البوطي مفصّلًا القول موقفه من الرّئيس جمال عبد النّاصر؛ فيقسّم تطوّرات موقفه من عبد النّاصر إلى ثلاثِ مراحل:
المرحلة الأولى: الوثوقُ التّامّ وقد امتدّت هذه المرحلة من عام 1952م تاريخ حدوث ما يعرف بثورة يوليو إلى عام 1954م تاريخ حادثة المنشيّة وبداية الصّدام مع الإسلاميين.
فيقول عن هذه المرحلة: "جمال عبد الناصر في أوّل عهد الثورة لم يكن هو الذي يظهر على السّاحة؛ بل الذي كان يظهر على السّاحة هو محمد نجيب، ومحمد نجيب كان معروفًا في مصر بتديّنه ولطافته وشعبيّته، فكان هو الوجه البارز للثّورة، ومن ثَمّ كنتُ أتصوّر أن هذه الثّورة تتمتع بزادٍ روحانيّ دينيّ إسلاميّ لا أدلَّ على ذلك من هذا الشّخص الذي يقودها وهو محمد نجيب ثم بدأت شخصيّة جمال عبد الناصر تظهر شيئًا فشيئًا وبدأت شخصيّة محمد نجيب تتضاءل وتختفي أيضًا شيئًا فشيئًا.
في هذه الفترة كنتُ أتعقّب خطابات عبد الناصر قبل عهد الوحدة، الحقيقة أذكر أنّه ألقى جملةً من الخطب التي دلّت على أنّ له توجهًّا إسلاميًّا واعيًا وليس توجهًا إسلاميًا سطحيًا كشأن بعض السّاسة الذين يريدون أن يوظّفوا الإسلام لمصلحهتم.
وأذكرُ أنّه في لقاء مع صحفيٍّ هنديّ، لقاءٍ طويل نشرته الجرائد المصرية قال فيما قال لهذا الصحفي الهندي وقد سأله عن الإسلام: (نحن مسلمون ولكن أريد أن أقول لك: إنّ الإسلام ليس مجرّد عبادة في
81
المساجد، ليسَ مجرّد صلاة وحجٍّ وصيامٍ وزكاة، الإسلام حُكم، وشِرعة، والمسلمون ينبغي أن يتمثّل الإسلام في الشريعة التي ينفّذونها ويطبّقونها).
هذا الكلام شدّني إليه شدًّا كبيرًا، يعني لا أذكر أنّ غيره من السياسيين تحدّث عن الإسلام بهذه الطّريقة، كثيرونَ هم الذين يصطبغون بالإسلام وهم ساسة في بلادنا آنذاك، لكن كان محمد نجيب شيئًا فشيئًا يختفي ظلّه ويظهر على الساحة أكثر فأكثر جمال عبد الناصر، ولم تكن هنالك أيّة مشاكل بينه وبين الإسلاميين، وهذا الكلام الذي تحدّث فيه عن الإسلام دلّ على أنّ الرّجل نشأ نشأةً إسلاميّة، وأنه يفهم الإسلام حُكمًا ولا يفهمه فقط شكلًا ومظاهر عبادة ونحو ذلك ثمّ إن هذا الكلام تكرَّر في أكثر من مناسبة، وقد شدّني إليه هذا التصوّر، واقتنعت بأنّ هذا الإنسان وإخوانه يتّخذون من الثّورة المصرية خادمًا للإسلام لكن بطريقةٍ سليمة"
المرحلة الثّانيّة: الحيرة واهتزاز الثّقة: وقد بدأت هذه المرحلة مع حادثةِ المنشيّة وما أعقبها من حوادث، ويقول الدّكتور البوطي مجلّيًا هذه المرحلة بقوله:
"وفيما بعد قام التّصادم بينه وبين الإسلاميين بالضبط مع سيد قطب، وكنت آنذاك في مصر؛ بدأت الصورة تهتز في نفسي، ولا أقول تراجعتُ كليًّا عن صورة جمال عبد الناصر في ذهني ولكن بدأتُ أرتاب، السّبب ما قالوا: إنّ محمود عبد اللطيف إنّه ترصّد للسّيد الرئيس وفي موقف من المواقف أطلق عليه النار ثم إنّه شاء الباري عزّ وجلّ أن يكلأه ولم يصب بأذى؛ وأخذت أتصوّر من البادئ، إذا كان الإسلاميّون هم البادئون فلعلّ الرّجل على حقٍّ فيما فعل، وفي المقابل فيمَ بدأ هؤلاء النّاس؟ فلولا أنّهم يعلمون أنّ هذا الرّجل يخفي شيئًا غير الظّاهر الذي يتبيّن لنا لما أقدموا على ذلك؛ الخلاصة أخذتُ أتردّد في هذه الفترة".
المرحلة الثّالثة: تراجع الثّقة: يقول الدّكتور البوطي: "لكن لمّا اشتد الخناق على الإسلاميين واشتد الخناق على النّشاط الإسلامي أيضًا تراجعت الثقة في نفسي".
ثمّ يقول: " كما أنه أطربني وبعث النّشوة في كياني بأحاديث وخطب وأحاديث صحفية عندما كان يتحدث عن أهمية التّطبيق الإسلامي حكمًا لكنّه فيما بعد أكاد أقولُ انقلب انقلابًا كبيرًا وأذكر أنّه أيضًا في خطاب آخر قال: (انظر نحن في أيّ عصرٍ نعيش ثمّ نسمع ما يقال للذّكر مثل حظّ الانثيين؛ كيف يمكن أن أجمع بين عصرنا الذي نعيشُ فيه و الرّؤية التي تقول للذكر مثل حظّ الأنثيين) وكلام آخر مثل هذا القبيل، القضاءُ على محمد نجيب وطيّ نشاطه والأمور التي صاحبت ذلك؛ كلّ هذا لا أقول جعلني أنا بل جعل الشّارع المصري يكتشف أو يفاجَأ بهويّة جديدةٍ لشخص عبد الناصر"
تعليقات على موقف البوطي من جمال عبد النّاصر: من الواضح أنّ موقف الدّكتور البوطي من عبد النّاصر مرّ بثلاثِ مراحل مرّ بها كثيرون غيره من العلماء والدّعاة حينَها، لكنّ اللّافت في هذا الموقف الذي أعلنه الدّكتور البوطي وتميّز به عن غيره لا سيما من حالة اهتزاز الثّقة عقب حادثة المنشيّة التي كان من نتائجها إعدام العديد من رموز الإخوان المسلمين وبعضهم علماء وفقهاء وفي مقدمتهم الفقيه الدّستوري عبد القادر عودة، والشيخ محمد فرغلي عام 1954م قد أتبعه الدّكتور البوطي بموقف فيه تمجيدٌ كبيرٌ لجمال عبد النّاصر حين كان رئيسًا في زمن الوحدة.
في كتابه "في سبيل الله والحق" الذي صدر عام 1958م في زمن الوحدة بين سوريا ومصر التي كان يترأسها جمال عبد النّاصر؛ ويضمّ الكتاب عددًا من المقالات المنشورة في الصّحف آنذاك ومقالاتٍ أخرى كُتبت خصيصًا لصالح الكتاب يقول الدّكتور البوطي في مقدّمة الكتاب: "ولستُ أشكّ في أنّ هذه الوحدة قد بدأت تُحيي دفينَ تاريخنَا الغابر، الذي سادَ معظم العالم وحمل إليه رسالةَ السّماء؛ رسالةَ العرب إلى العالم، ولستُ أشكّ في أنّ قائدَ هذه الوحدة يقدّرُ هذه الرّسالة خيرَ تقدير، ويعرفُ مدى خطورتها أدقّ ما تكون المعرفة، ويسيرُ نحو تحقيقِها في أثبت خطى وأقوَم طريق والله المستعان وعليه الاتّكال، والله أكبر والعزّة لرسوله وللمؤمنين".
83
وبين ثنايا الكتاب يطلقُ بشكل لا لبس فيه توصيفات الإيمان والصّدق على جمال عبد النّاصر، ففي مقالةٍ عنوانها "رسالتنا والحريّة" يقول الدّكتور البوطي:
"ولكنّ الرّسالة على كلّ حالٍ بدأت اليوم تعود، والمفهوم التّاريخيّ لقوميّتنا العربيّة هو الذي أخذ ينتصر، لقد أخذ كلّ ذلك يتجلّى ويفرضُ نفسه على يد قائدنا المؤمن العربيّ الصّادق جمال عبد النّاصر".
موقف البوطي من حسين الشّافعي: حسين الشّافعي أحد أبرز الضبّاط الأحرار، ورجالات جمال عبد النّاصر، وتولّى العديد من المسؤوليّات والمناصب كان آخرها منصب نائب رئيس الجمهورية في عهد عبد الناصر، وتوفي عام 2005م.
ولكنّ أهمّ ما يعلق في الذّاكرة عن حسين الشّافعي أنّه كان عضوًا رئيسًا في المحكمة التي حكمت على الفقيه عبد القادر عودة والشّيخ محمد فرغلي وبقيّة رموز الإخوان بالإعدام عقب حادثة المنشيّة، كما أنّه كان عضوًا رئيسًا في المحكمة التي حكمت على سيّد قطب بالإعدام.
وفي المقابلة التلفزيونيّة التي تحدّث فيها الدّكتور البوطي عن تطوّر موقفه من جمال عبد النّاصر ختمها بالقول: "على الرّغم من أنّني إلى الآن أقول: إخوانه كانَ فيهم مَن هم مخلصون للإسلام مثل حسين الشافعي رحمه الله تعالى".
ومن اللّافت أن يصف الدّكتور البوطي حسين الشّافعي بالإخلاص للإسلام على الرّغم من أن حسين الشّافعي بقي إلى آخر حياته يُدافع
عن قراره بإعدام عبد القادر عودة، وسيّد قطب، وبقيّة رموز الإخوان، ويعدّه قرارًا صائبًا رافضًا أيّة تخطئة له في هذا، وقد ظهر موقفه هذا علانيةً في العديد من المقابلات أبرزها وأشهرها مُقابلاته في برنامج "شاهد على العصر" في قناة الجزيرة.
84
ولعلّ هذا الموقف الذي تبنّاه الدّكتور البوطي تجاه حسين الشّافعي هو سلوكه الدّينيّ، وارتياده المساجد، والمسحة الصّوفيّة التي أضفاها على نفسه وحياته، وقد كان الدّكتور البوطي تطربُه هذه المسحة، ويعتمدها مرتكزًا للحكم، دون النّظر إلى القضايا الأخرى التي كان يراها مجرّد تفاصيل.
موقف البوطي من حوادث الجامع الأموي عام 1965م وما سبقها في جامع المرابط بعد أحداث جامع السّلطان في حماة في نيسان عام 1964م، وقصفه بالدّبابات على المعتصمين فيه بقرار مباشر من أمين الحافظ رئيس سوريا آنذاك واستشهاد أكثر من خمسين من المعتصمين بداخله وتدمير مئذنته وقبّته؛ شهدت سوريا حالة من الاحتقان الشّعبي الواسع.
سرى الاحتقان إلى دمشق فتجلّى في بعض الاحتفالات والموالد التي كان ينظّمها القائمون على إدارة جامع المرابط في حيّ المهاجرين الدّمشقيّ وهم "الدكتور أمين المصري والأستاذ جودت سعيد والأستاذ محمّد القاسمي"
ومن هذه الاحتفالات دعوة المفكر الإسلامي أبو الحسن النّدوي، وبعدها احتفال بالمولد النبوي هاجم فيه كلّ من الأستاذ جودت سعيد والدّكتور امين المصري السلطة البعثيّة بشدة.
واستمرّت الفعاليّات التي اتّسمت بالنفَس الثّوري في جامع المرابط، إلى أن تفجّر هذا الاحتقان في دمشق على إثر إشاعةٍ سرت عن اعتقال الدّكتور أمين المصري الأستاذ في كليّة الشريعة على إثر خطبة جمعة في جامع المرابط آنذاك؛ فتداعى النّاس لا سيما شباب كلّية الشريعة وشباب المساجد والجماعات الدّعويّة المختلفة إلى الاعتصام في الجامع الأموي للمطالبة بالإفراج عن الدّكتور أمين المصري، وكانت الدّعوات شبابيّة عفويّة وليست هناك جهةٌ معلنة أو واضحة خلف الدّعوة إلى هذا الاعتصام.
85
وكان هذا الاعتصام في كانون الثّاني من عام 1965م وموافقًا للرابع والعشرين من شهر رمضان في تلكم السّنة، وقد استثمر الاعتصام أيضًا الغاضبون من قرارات التّأميم التي أعلنتها حكومة يوسف زعيّن؛ فأخذ الاعتصام منحى الدّعوة إلى عصيانٍ مدنيّ شامل.
كان واضحًا من مشهد الاعتصام في بدايته عدم الترتيب والتنظيم، فتقدّم لإدارة الاعتصام ولملمة شتاته وضبط الفوضى فيه الشّيخ عبد الفتّاح السيّد وهو من أبرز تلاميذ الشّيخ عبد الكريم الرفاعي ومن أعمدة جماعة زيد، وقد شارك معه من أساتذة الجماعة في إدارة الاعتصام الشّيخ عبد القادر قويدر والشّيخ أبو النّور قرة علي، وكان الشّيخ عبد الفتّاح هو من يتفاوض مع وزير الدّاخليّة محمّد خير البدوي عبر هاتف الجامع الأموي آنذاك، ولكنّ تقدّم الشّيخ عبد الفتّاح السيّد كان قرارًا ذاتيًّا اقتضاه الموقف دون تنسيق مع إدارة الجماعة.
ودون سابق إنذار اقتحم الضابط البعثيّ الدرزيّ الشّهير سليم حاطوم بالدّبابات والمصفّحات صحن الجامع الأموي وبدأ إطلاق النّار الكثيف من مدافع البازوكا على المعتصمين ممّا أدّى إلى استشهاد العشرات واعتقل بعد ذلك المئات ومن بين المعتقلين مدير الاعتصام الشّيخ عبد الفتّاح السيّد وتمّ اقتيادهم إلى سجن المزّة العسكري.
لم يعلن الدّكتور البوطي حينها أيّ موقفٍ داعمٍ أو مؤيّدٍ أو رافضٍ لاعتصامات جامع السّلطان في حماة أو الجامع الأموي في دمشق.
كما أنّه لم يعلن أيّ موقفٍ احتجاجيٍّ أو رافضٍ للمجازر التي أودت بعشرات الشّهداء في المسجدين في حماة ودمشق آنذاك، بل يشهد طلّابه الذين تمّ اعتقالُهم أنّه لم يُبدِ في ذلك الوقت أيَّ موقفٍ كان إيجابيًّا أو سلبيًّا سواء من المُعتصمين المُحتجّين أو من السّلطات المُقتحمة والقاتلة.
86
ولكنّه بيّن موقفه من هذه الاحتجاجات الشّعبيّة لا سيما التي جرت في جامع المرابط واعتصام الجامع الأموي بعد وقوعها بثلاثين سنةً في كتابه "هذا والدي" الذي صدر سنة 1995م حيث يتحدّث فيه عن لقاءٍ دوريّ كان يجمع كلّا من والده الشّيخ ملّا رمضان والشّيخ حسن حبنّكة والشّيخ عبد الكريم الرّفاعي والدّكتور أمين المصري، وقد انفضّ هذا اللّقاء بعد سفر الدّكتور أمين المصري الذي غادر سوريا إلى السّعوديّة بعد اعتصام الأموي بفترة وجيزة جدًّا؛ يقول الدّكتور البوطي: "كان من أهمّ الأسباب التي قضت على هذا التّلاقي العلمي الدّوري؛ بعض الهياجات الغوغائيّة التي تبرز فجأةً كعملٍ ثوريّ جادّ وخارق، ثمّ ما يلبث أن يضمحلّ زاهقًا ليودي ويزهق معه تلك الجهود التّعاونيّة الرّاسخة والمفيدة.
كان أوّل هذه التّصرّفات الهياجيّة؛ سلسلة حفلات هائجة صاخبة تمّت في جامع المرابط بالمهاجرين؛ لا تدري كيف نُظّمت وكيف تمّ التّداعي إليها، ثمّ أعقبَها لقاءٌ غوغائيّ كبير في جامع الأمويّ، تداعى له عامّة النّاس والسذّج الأغرار من الشّباب، بدافع من التّحميس والتّهييج، دون أن يستبينَ أحدٌ اليدَ المحرّكة أو الفكر المنظّم.
وهنا أيضًا لستُ بصدد الحديث عمّا أفرزَته سلسلة المهرجانات الخطابيّة الثّوريّة في المرابط، أو عمّا أثمرته الهياجات العاطفيّة التي تلاقت في الجامع الأمويّ، ولكنّ المهمّ هو أن ألفتَ النّظرَ إلى أنّ تلك اللّقاءات العلميّة الدّوريّة الرّاسخة والمفيدة ذهبت ككثيرٍ من الجهود الأخرى ضحيّةَ تلك الهياجات الغوغائيّة التي استُدرِجَ إليها ولا ريب بعض العلماء الذين أدركَتهم الصّحوة المريرة فيما بعد دونَ أن تفيدَهم شيئًا".
بعدَ حوادث الأموي ببضع سنواتٍ استلم حافظ الأسد زمام الحكم بعد انقلابه على الرفاق البعثيّين؛ لتبدأ مرحلةٌ جديدةٌ كان للدّكتور البوطي فيها حضورٌ لافت وآثارٌ عميقة.
*"رابطة العلماء السوريين" الاثنين 23/11/1441هـ - 13/7/2020م
87
البوطي من معركة الدستور إلى مجزرة المدفعية
محمد خير موسى
وهو المقال الخامس من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
أحداث الدّستور عام 1973م
عمل حافظ الأسد بعد استيلائه تمامًا على الحكم على وضع دستور لسوريا، وقد أرسل مسودة الدستور إلى البرلمان ليتفاجأ الجميع بخلوّها من أيّة إشارة إلى دين رئيس الدّولة، وكذلك خلوّها من أيّة إشارة إلى أنّ الفقه الإسلامي مصدرٌ أساسيّ في التشريع، وهاتان النقطتان كان يتضمّنهما الدّستور السابق.
ثار العلماء في دمشق وحماة رفضًا لهذا التغييب للمادّتين؛ أمّا في حماة فكانت ثورتهم على شكل مظاهراتٍ احتجاجيّة قادها علماء جماعة الإخوان المسلمين واعتقل في تلكم المظاهرات الشّيخ سعيد حوّى ومروان حديد الذي انشقّ عن الإخوان ليشكّل "الطّليعة المقاتلة"
أمّا الاحتجاج في دمشق فكان عبر عقد اجتماعاتٍ مكثّفة للعلماء وإصدار بيانات احتجاجيّة رافضة لهذا الدّستور، وتفعيل الخطاب المنبريّ لبيان الموقف من هذا الدستور، وكان ممن قاد حملةً واسعةً منبريّةً ومجتمعيّةً رافضةً لهذا الدّستور الشّيخ حسن حبنّكة الميداني أستاذ الدّكتور البوطي وشيخه في طفولته وشبابه.
وكان الدّكتور البوطي في ذلك الوقت مدرّسًا في كليّة الشريعة بجامعة دمشق، وكان يحضرُ اجتماعات العلماء لمناقشة قضيّة الدّستور.
وقد حدّثني بعضُ علماء دمشق الذين كانوا يحضرون مجلس المناقشة أنّ موقف الدّكتور البوطي كان متقدّمًا جدًّا في رفضه لهذا الدّستور.
88
وعهد إليه العلماء بصياغة مسوّدة البيان الرّافض للدستور والذي وقّع عليه كثيرٌ من علماء دمشق حينها، فكان يرفع السَّقف عاليًا في لهجته الرّافضة، وكان صارمًا وحادًّا في رفض أيّ تنازل عن هاتين المادتين، وكانت لغته عالية السّقف حتّى كان عامّة الحاضرين يحاولون التّهدئة من حدّته وغضب لهجته مع إصرارهم على الموقف نفسه.
وفعلًا رضخ حافظ الأسد لهذا الحراك الاحتجاجيّ الذي قاده العلماء في دمشق وحماة وأضاف المادة الثّالثة للدستور ونصّها:
" المادّة الثّالثة: دين رئيس الدّولة الإسلام، الفقه الإسلاميّ مصدرٌ رئيسيٌّ للتّشريع"
ولكن يمكن القول: إنَّ التفافًا ماكرًا حدث على هذه المادة وإفراغًا تامًا لها من مضمونها من خلال تمرير حافظ الأسد المادّة الثّامنة في الدّستور، ونصّها:
"المادة الثامنة: حزب البعث العربي الاشتراكي هو الحزب القائد في المجتمع والدولة، ويقود جبهة وطنية تقدمية تعمل على توحيد طاقات جماهير الشعب ووضعها في خدمة أهداف الأمة العربية"
من الملاحظ في هذه الأحداث وتفاعل الدّكتور البوطي معها أمران:
الأوّل: كان موقف العلماء والدّعاة موقفًا متقدّمًا ورياديًا حيثُ وقّع غالب علماء وخطباء دمشق على البيان الذي اتّفق رموز الجماعات الدّعويّة عليه وصاغه الدّكتور البوطي بتكليفٍ منهم ورغبةٍ واندفاع كبيرٍ منه.
وهذا الموقف المتماسك هو الذي أخضع حافظ الأسد وجعله يضيفُ المادّة الثّالثة من الدّستور التي أوقعَته في ورطة، إذ إنّ عامّة علماء المسلمين من السّنة والشيعة على حدٍّ سواء يعدّون الطائفة العلويّة النصيريّة التي ينتمي لها حافظ الأسد طائفةً غير مسلمة ولا صلةَ لها بدين الإسلام بأيّ شكلٍ من الأشكال.
89
اضطرّ حافظ الأسد للخروج من هذا المأزق أن يلجأ إلى صديقه المقرّب المرجع الشّيعي الإمام موسى الصّدر ليصدرَ في تموز "يوليو" عام 1973م فتوى تنصّ على اعتبار العلويّين النّصيريين في سوريا ولبنان فرقةً من فرق الشّيعة الجعفريّة الإماميّة الاثني عشريّة.
الثّاني: لم يتعامل الدّكتور البوطي مع هذه القضيّة بوصفها قضيّة سياسيّة، بل هي قضيّة متعلّقة بهويّة الدولة ودينها وعقيدتها ومسألةٌ إيمانيّة اعتقاديّة، وكذلك تعامل سائرُ العلماء والدّعاة في دمشق مع هذا الأمر.
وهذا يفسّر الغضبة الشديدة والموقف الحادّ والصّارم للدّكتور البوطي من المسألة، فما قام به حافظ الأسد هو انتهاكٌ صارخٌ للعقيدة في نظره يوجب الإنكار والتّصويب.
حادثة مدرسة المدفعيّة في حلب
في يوم 16 حزيران "يونيو" من عام 1979م، قام ضابط التّوجيه المعنوي والسّياسي في مدرسة المدفعيّة الواقعة في منطقة الرّاموسة قرب مدينة حلب النقيب إبراهيم اليوسف، وهو سنيّ من بلدة تادف في ريف حلب، و كان الضابط المناوب في ذلك اليوم؛ بتوجيه أمرٍ إلى التلاميذ الضبّاط بالاجتماع في قاعة الطَّعام التي تُعرف في الجيش السوري باسم "النّدوة"، وعند اكتمال العدد فرز العساكر العلويين النّصيريين عن بقيّة العساكر، ثمّ قام بمساعدة مجموعة من "الطليعة المقاتلة" بقيادة عدنان عقلة قدِمَت من خارج المعسكر بإطلاق النّار عليهم فقتل معظمهم، وعدد القتلى حسب مصادر النّظام 32 قتيلًا ويصل في بعض روايات النّظام إلى 82 قتيلًا، بينما توصلهم مصادر "الطليعة المقاتلة" إلى 250 قتيلًاـ وقد عرفت هذه الحادثة في الأوساط المختلفة باسم "مجزرة مدرسة المدفعيّة".
90
بعد هذه الحادثة ظهر الدّكتور البوطي على التلفزيون السوري بدعوة من وزارة الإعلام ليبيّن الموقف الشّرعي من هذه الحادثة التي كانت نقطة تحوّل في مسار الأحداث في سوريا عقب ذلك.
ويتحدّث الدّكتور البوطي عن ظهوره هذا في كتابه "هذا والدي" فيقول:
"ولمّا وقعت مجزرة المدفعيّة بحلب، واتّصل بي مسؤولون من وزارة الإعلام، يرغبون إليّ أن أعلن عن حكم الشّريعة الإسلاميّة في ذلك، استشرت أبي فيما طُلب إليّ؛ فأمرني بالاستجابة، ووجّهني إلى الحكم الشّرعي الذي يجب أن أقوله بدون مواربةٍ ولا حذر، فاستجبتُ وتحدَّثتُ حديثًا تلفزيونيًّا مفصَّلًا عن حرمة هذا العمل الذي تمّ الإقدام عليه، وأنّه لا يدخل في أيّ نوعٍ من أنواع القتل المشروع، فلا هو داخل في قتل المرتدّ لأنّ الرّدّة لم تتحقّق ولم تقم عليها أيّ بيّنة، ولا هو داخلٌ في القتل قصاصًا إذ لم تثبت على المقتولين أيّ مسؤوليّةٌ جرميّة، ولا هو داخلٌ في القتل بسبب الصّيال أو الحرابة، لأنّهم لم يكونوا صائلين ولا محاربين، والحقيقة أنّ كلّ الذي قلته حينئذٍ كان بتوجيهٍ وإيعازٍ من والدي"
وهذا الموقف من الدّكتور البوطي لا يمكن اعتباره تأييدًا صريحًا لنظام الأسد حينها، فقد تباينت ردود الأفعال حول المجزرة حتّى من المعارضين للأسد أنفسهم.
فقد وجّه نظام الأسد الاتّهام إلى جماعة الإخوان المسلمين بالمجزرة في بيان أصدره وزير الدّاخليّة عدنان الدّبّاغ بعد نحو أسبوع من الحادثة وتحديدًا يوم 22 حزيران "يونيو" جاء فيه:
" وكانت آخر جريمةٍ لهم تلك التي حدثت في مدرسة المدفعيّة في حلب، لقد تمكّنوا من شراء عنصرٍ من عناصر القوّات المسلّحة هو النّقيب إبراهيم يوسف من مواليد تادف واستخدموا وجوده في المدرسة ونفوذَه في يوم ٍكان فيه هو الضّابط المناوب في المدرسة.
91
واستطاع مساءَ يوم السّبت الواقع في السّادس عشر من هذا الشّهر أن يُدخل إلى المدرسة عددًا من المجرمين من جماعة الإخوان المسلمين ويدعو الطّلاب الضبّاط إلى اجتماع عاجلٍ يعقد في النّدوة وعندما هرعوا من مهاجعهم تنفيذًا لأمره وأصبحوا في قاعة النّدوة الطّلابية أمر أعوانه من المجرمين الذينَ أدخلَهم من خارج المدرسة بفتح النّار على الطّلاب الشباب العزل في القاعة المغلقة وذلك بالرشاشات والقنابل اليدوية وسقط خلال دقائق معدودات اثنان وثلاثون شهيدًا وأربعة وخمسون جريحًا".
لكنّ جماعة الإخوان المسلمين سارعت إلى نفي ذلك عبر بيان رسميّ جاء فيه:
"إنّ الإخوان المسلمين فوجئوا كما فوجئ غيرهم بالحملة التي شنّها عليهم عدنان دبّاغ وزير الدّاخلية السوري متهمًا إيّاهم بالعمالة والخيانة وغير ذلك، ومحملًا إيّاهم مسؤوليّة أمور هو أكثر الناس دراية أنهم برآء منها، لقد حمّلهم مسؤوليّة المذبحة التي حدثت في مدرسة المدفعيّة كما حمّلهم مسؤوليّة الاغتيالات التي جرت ولا زالت تجري في سوريا"
ثمّ بيّنوا رفضهم لهذه الحادثة في البيان نفسه حيث قالوا:
"إنّ الإخوان المسلمين يتحدّون أن تثبت أيّ جهة في العالم عن طريق تحقيق نزيه أن تكون قيادتهم أو عناصرهم قد سارت في طريق العنف علمًا بأنّ الحكم السّوري قد أوجد له كثيرًا من الخصوم الذين يؤمنون باستخدام العنف.
وما يزال الإخوان المسلمون مستمرين بهذا النّفي والرّفض للحادثة إلى يومنا هذا.
ثم إنّ إنكار الدّكتور البوطي لهذه الحادثة ينسجم مع رؤيته الفقهيّة القائمة على حرمة استهداف جنود وأعوان الظّلمة، فبالإضافة إلى ما بيّنه في كتابه "هذا والدي" من تأصيله الرّافض للحادثة؛ فإنّه يبيّن موقفه هذا
92
أيضًا في كتابه "الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسه" إذ يقول:
"غيرَ أنّ عمل هؤلاء النّاس اليوم لا يقتصر على الخروج بالتّرصّد القتاليّ على القادة والحكّام الذين ينعتونهم بالكفر والرّدة لأنّهم لا يحكمون بما أنزل الله وإنّما يمتدّ إلى ملاحقة الموظفين الذين تحت أيديهم من شرطة وجنود وعمّال ومستخدمين.
وهم ينطلقون إلى هذا من فتوى يفتون بها أنفسهم، وهي أنّ هؤلاء الجنود والعمّال والموظفين أعوانٌ للظّلمة أي الحكّام، فيجري في حقّهم من الأحكام ما يجري في حقّ رؤسائهم الذين يستخدمونهم ويستعينون بهم!"
ثمّ يقول بعد ذلك بمواضع: "والخطأ يكمن في حكمهم على القادة والحكّام بالكفر والخروج عن الملّة، ثمّ يكمن في عدّهم الموظّفين والعسكر والشّرطة والمستخدمين أعوانًا للظّلمة أي الكافرين! ثمّ يكمن في عدّ هؤلاء الأعوان ـ على فرض أنّهم أعوانٌ للظلمة فعلًا ـ مرتدّين كسادتهم يجوز الخروج عليهم بالقتل والتّشريد"
فموقف الدّكتور البوطي من مجزرة مدرسة المدفعيّة لا يعدّ موقفًا ممالئًا للسلطة، فلم يكن الوحيد من العلماء والدّعاة الذين ظهروا حينها معلنين موقفهم الرّافض لهذه الحادثة، وقد رفضها أيضًا أشدّ خصوم حافظ الأسد وهم جماعة الإخوان المسلمين.
كما أنّ موقف الدّكتور البوطي هذا لا يعدّ لحظة دخوله في عباءة حافظ الأسد، لكنّ هذا الظّهور على تلفزيون النّظام كان فاتحةَ العلاقة التي تطوّرت فيما بعد وشهدت نقطة تحوّل حقيقيّة بعد سنتين تقريبًا من هذا التّاريخ.
*"رابطة العلماء السوريين" الاثنين 7/12/1441هـ- 27/7/2020م
93
البوطي: نقطة التحول في العلاقة مع حافظ الأسد
محمد خير موسى
وهو المقال السّادس من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
كان حافظُ الأسد حريصًا على إحياء جميع المناسبات الدّينيّة وحضورها بنفسه، لا سيما في فترة الثَّمانينات، مهما كانت هذه المناسبات عاديّةً ودوريّة، وذلك ليرسّخ فكرةً مهمّة كان يركّز عليها في سياق معركته مع الإخوان المسلمين، ويستحضرُها في عموم خطاباتِه، وهي أنّه يحارب الإخوان المسلمين بوصفهم جماعة إجراميّة لا بوصفهم جماعة إسلاميّة، وأنّه هو والعلماء الذين يحيطون به ويشاركونه مناسباته هم الذين يمثّلون الإسلام الحقيقيّ وليس الإخوان المسلمين الذين يشوّهون الإسلام باسم الإسلام، وكان يطلق عليهم في معظم كلماته اسم "الإخوان المجرمون" والذين كانوا بدورهم يرون في حرب حافظ الأسد عليهم حربًا على الدّين والتديّن ومحاولةً للقضاء على المشروع الإسلاميّ برمّته.
ولم يكن حافظ الأسد ليفوّت مناسبةً تاريخيّة مثل دخول القرن الهجريّ الخامس عشر دون استثمارٍ احتفاليّ للتّأكيد على هذه المعاني، لا سيما وأنّ هذه المناسبة وافقت نهايات شهر نوفمبر "تشرين الأوّل" عام 1979م أي بعد حادثة مدرسة المدفعيّة في حلب بأشهر يسيرة، وكانت الأحداث المتصاعدة بين النّظام وجماعة الإخوان المسلمين ومن معهم على أشدّها.
تفاصيل ما قبل الكلمة: كان وزير الأوقاف آنذاك هو الدّكتور محمّد الخطيب الذي كان له دورٌ كبيرٌ في تحوّلات الدّكتور البوطي ومواقفه، وكانت وزارة الأوقاف هي الجهة التي تنظّم هذا الاحتفال، ولكن من يعرف هيكلية النّظام السّوريّ الذي بناه حافظ الأسد يعلمُ جيّدًا أنّ هكذا قراراتٍ ونشاطاتٍ مركزيّة تقرّرها الدّوائر الأمنيّة القريبة من القصر الجمهوريّ، وما الوزارات إلّا واجهات تنفيذيّة لا تملك من أمرها سوى الانصياع والتّنفيذ.
وقع الاختيار على الدّكتور البوطي لإلقاء الكلمة الرئيسة في الاحتفال، وقام وزير الأوقاف محمد الخطيب بمهمّة إقناع الدّكتور البوطي بالموافقة، فقد كان متردّدًا وحاول التملّص من المهمّة فأحالَ القرار على والده العلّامة ملّا رمضان متوقّعًا رفضه، وهو يروي تفاصيل ما قبل الكلمة في كتابه "هذا والدي" فيقول:
"عزمَ وزير الأوقاف السّابق الدكتور محمّد محمّد الخطيب على تنظيمِ مهرجانٍ خطابيٍّ كبيرٍ بمناسبةِ دخول القرن الخامس عشر الهجري وقررَ إشراكي خطيبًا في هذا المهرجان وأن ألقي أمام السَّيد الرئيس حافظ الأسد كلمةَ جامعة دمشق، وكانت حوادث الفتنة آنذاك على أشدّها فاستعفيتُه عن الاشتراك في هذه المهمّة التي بدت عسيرةً عليّ لأسباب كثيرة، ولمَّا ألحَّ عليَّ أحلتُ الأمر على والدي، واشترطتُ موافقتهُ الصَّريحة على ذلك، وكنتُ أتصوَّر أنَّه لن يوافق على خوضي في هذا المجال الذي أدعى إليه أوَّل مرة؛ فقبلَ الدّكتور الخطيب هذه الإحالة، وزارَ والدي وعرضَ عليه مشروعه واقتراحه، وأعلَمه أنّ الحفل سيكون بحضور السّيد الرئيس وتحت رعايته.
وكانت المفاجأة الكبرى لي أنَّه رحَّب بالمشروع ووافقَ على أن تكون لي كلمة جامعة دمشق في ذلك المهرجان، ولكنَّه يشترط ألّا يقيّدني بنوعٍ من الكلام، وأن أمارس حُرِّيّتي فيما أقول؛ فقبل السّيد الوزير ذلك".
وقد نصح المُلّا رمضان ابنه الدّكتور البوطي بنصائح مهمّة قبيل إلقائه هذه الكلمة المفصليّة، ومن هذه النصائح ما بيّنه الدّكتور البوطي إذ يقول: "جلستُ فيما بعدُ أسترشدُ برأيه فيمَا ينبغي أن أقول، فحدَّثني عن الأجر الرَّبانيّ الكبير على نصيحة الحاكم إن جاءت خالصةً لوجه الله صافيةً من الشَّوائب كلّها، وأوصاني أن أجعل من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤولٌ عن رعيّته" المحورَ الجامع لكلمتي كلّها.
وأن أنبّه إلى أنّ كلَّ فئات الأمّة تتقاسمُ المسؤوليّة والتّعاون في النّهوض بمهامّها، وإنما يكون التّعاون على هذا الطريق بالاعتماد على شبكةٍ من حسنِ الظَّنّ المتبادل، ونبّهني إلى أنّ التكفير الكيفيّ للنَّاس سلاحُ الحاقدين والمنافقين، وأنَّ النَّصيحة القائمة على التّعاون وحسنِ الظّنّ هي سلاح المجاهدين"
اللّقاء الأوّل وجهًا لوجه: في ذلك الاحتفال الكبير كان حافظ الأسد يراقب باهتمامٍ بالغ كلمة الدّكتور البوطي الذي يلتقيه وجهًا لوجه للمرّة الأولى.
جاءت كلمات الدّكتور البوطي مفعمةً بكثيرٍ من الرّوح الشجيّة والعاطفة المُلتهبة، ومشحونةً بالكثيرِ من الدّروس المستفادة من حادثة الهجرة، والمناقشة العقليّة لشبهات المستشرقين المتعلّقة بالفتح الإسلاميّ، مع رسائل واضحة تلامس الواقع الذي تعيشه سوريا آنذاك.
وفي أواخر الكلمة توجّه الدّكتور البوطي إلى حافظ الأسد بخطابٍ مباشرٍ مبيّنًا فيه أنّه سيتجنّب مدحه ويتوجّه له بالنّصح فهو أحوج إلى النّصح من المديح، وطالبه بالوقوف أمام نفسه في جلسة نقد ذاتيّ لممارساته بحقّ الدّولة التي هي شخصٌ اعتباريّ؛ مذكّرًا إيّاه بنهايته المحتومة وهي الموت الذي لا مفرّ منه؛ وكان ممّا قال:
"السّيدَ الرئيس قائدَ هذه الأمة": كان بوسعي أن أصوغ لكم أبلغ ثناءٍ يمكن أن يتخيَّره مادح، لا يكلّفني ذلك إلا فِكرًا يرصُف وقلمًا يكتب.
ولكنّي أعلم ــ والله ــ أنّ الرجال الكبار يطمحون دومًا إلى نوعٍ آخر من الثّناء، أسمى من هذا وأجلّ، إنّهم يطمحون إلى تذكرةٍ ينبض بها قلبٌ شفوقٌ مخلصٌ أمينٌ، أكثر من أن يُطرِبهم مديحٌ يردِّده لسانٌ عليم، وما كان جيلُ خلفاء هذه الأمّة إلّا من هؤلاء الرّجال، وإني لأسأل اللهَ مخلصًا أن يجعلكم ممن نهجوا نهجَهم فبلغوا شأوَهم، وإنما ربّانا إسلامنا الذي درَسْناه علمًا ثم اصطبغنا به يقينًا على الدعاء لحُكّامنا بالهِداية والرُّشد في سائر الأحوال والظّروف، لذا اسمحوا لي أن أقول بحقّ وصدقٍ:
إذا شئنا أن نتصوّر الحقيقة القائلة إن الأمة بشعبها وقادتِها إنما هي شخصٌ معنوي واحد، فإنه على هذا الشخص أن يعكف على ساعة قُدْسيّة من النَّقد الذاتي، يتبصّر فيها نقائصَه وأخطاءَه على ضوءٍ من اليقين التامّ بأن هذه الحياة مَـمَرٌّ إلى مَــقَرّ، ودهليزٌ إلى الحياة الخالدة التي لا ريب فيها، وإن لم يستيقِن ذلك اليوم عن طواعيةٍ واختيار، أذعنَ له في الغد القريب عن قهرٍ واضطرار.
ثم إنّ على هذا الشّخص المعنوي أن يعيد النظر في توفيق المسؤوليات بين أعضائه وأجزاء كيانه، فلَكَم تطارحت هذه الأعضاءُ مسؤولياتِـها وواجباتها بعضَها على بعض"
ثمّ بعد توجّهه بالنّصح إلى حافظ الأسد وجّه الدّكتور البوطي خطابَه إلى الجماعات الإسلاميّة بما فيها جماعة الإخوان المسلمين دون أن يسمّيهم؛ فقال:
"على الذين يتحدثون كثيرًا عن المجتمع الإسلامي وأهميّته أن يعلموا أنّ ينبوعَ هذا المجتمع إنما يتمثّل في صلاح أفراده وصدقِ التّعامل في أسواقه، وباستقامة أُسَرِه ونظافة بيوته، قبل أن يتمثّل في رقابة قادته وحُكّامه، فـمَن عجِز عن ثورةِ إصلاحٍ في تلك المرافق، فهو أعجزُ عن إجراء أي تعديل في هذه الرقابة".
ثمّ توجّه إلى الطّرفين بخطاب يدعوهم فيه إلى ما أسماه "التّفاعل الإصلاحيّ الدّقيق بين الشعب والقيادة"؛ فقال:
"ولكن على قادة الأمة أيضًا أن يعلموا بأن الله يَــزَعُ بالسلطان ما لا يَــزَعُ بالقرآن، وأن تفاعلًا إصلاحيًّا دقيقًا يأتي، تسري شرايينُه بين قاعدة الشعب وقمّة قيادته، ولا ريبَ أنّ مردَّ هذا التَّفاعل إلى القاعدة النَّبوية القائلة: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤول عن رعيّته".
وإنّ على كافة الدّعاة إلى الله أن يعلموا بأن الدّعوة إليه تطبيبٌ أداتُه الحبّ والرّحمة، وليس تشفّيًا مبعثُه الكَيدُ والنقمة، فمَن تجاوزَ ذلك المنطلَق الذي أقامَنا عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى هذا الدّافع الذي يرتكز معظمُه على حظوظ النّفس وأهوائها، استغلقت عليه السُّبُل والْتَوَتْ عليه المقاصد، ولكنّ على قادة الأمة أيضًا أن يعلموا أن خيرَ سعْيٍ إلى إصلاح ذلك الخطأ إنما يتمثّل في العمل على إبراز الوجه الصحيح له توفيقًا وسلوكًا، فإذا الخطأ بعد حينٍ مضمحِلٌّ وزائلٌ بإذن الله.
وربما احتاج الأمر إلى لونٍ من الصّبر الجميل، وطاقةٍ من الحِلم والتَّحَلُّم، ولكن مهما يكن فذلك خيرٌ مآلًا من مقارعةِ التشفّي بمثله."
وفي ختام كلمته عاد الدّكتور البوطي ليتوجّه بالكلام إلى حافظ الأسد محذّرًا إيّاه من أهوال يوم القيامة، مطالبًا إيّاه بتحقيق العدل؛ قائلًا:
"وأخيرًا فـلِأمرٍ ما حدّثَنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ــ يا سيادةَ الرئيسِ ــ فيما صحّ عنه بأنّ سبعَ فئاتٍ من الناس تكون في نجوةٍ تامةٍ من حريق يوم القيامة وعذابه اللَّاهب، إذ تكون في ظلٍّ ظليل ينشره الله عليها من سابغِ فضله، أوّل هذه الفئات على الترتيب: إمامٌ عادلٌ.
فيا قائدَ هذه الأمة، ما أحوجَك وأحوجَنا معك إلى الاحتماء بذلك الظلّ الذي ستدرك مدى أهميته من خلالِ حرٍّ عجيبٍ تدنو منه رؤوس الخلائق وظمأٍ شديدٍ يأخذ بحلوق الناس، وفزعٍ يُلصِق القلوبَ بالحناجر، وإنه لَيومٌ آتٍ لا ريبَ فيه كما تأتي اليقظة بعد النوم، وكما يتكامل الصَّحْوُ بعد الحُلُم، وإنما السّبيل إلى ذلك الاحتماء هو الـمُضِيُّ في تحقيق كلمة قدّسيّةٍ جامعة: العدلُ والعدلُ فقط.
وإننا لَـنَلتزم أن نكون خيرَ عونٍ لك في تثبيت هذا الميزان وترسيخ سلطانه، فلْنتقاسم في ظلّ هذه الذكرى مسؤولية العدل، بل العدل والحبّ معًا، ولْـنجعل من صدقِ السَّعيِ إلى إقامة شرع الله وهَدْيِه ــ تحقيقًا لـمرْضاتِه ــ خير ما يقطع السّبيل إلى من قد ترونهم يستغلون الدّعوة إلى ذلك تحقيقًا لمأرب أو انتجاعًا لـمَغنَم"
ولكن كيفَ كانت أصداءُ هذه الكلمة على المستويات المختلفة؟ ولماذا كانت نقطةَ التّحوّل في العلاقة بين الدّكتور البوطي ونظام الأسد؟
هذا ما نجيبُ عنه بإذن الله تعالى في المقال القادم.
*"رابطة العلماء السوريين" الاثنين 21/12/1441هـ - 10/8/2020م
98
البوطي: ما وراء كلمة افتتاح القرن الخامس عشر الهجري
محمد خير موسى
وهو المقال السّابع من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
لماذا مدرّج جامعة دمشق؟!
الجهةُ المنظّمة للاحتفال بذكرى دخول القرن الخامس عشر الهجري هي وزارة الأوقاف التي كان على رأسها الدّكتور محمّد محمّد الخطيب، ومن البديهيّ أن يتم إقامة الاحتفال في مسجدٍ كجامع بني اميّة مثلًا لما له من دلالات تاريخيّة ولأنّه كان مركزًا للاحتفالات الدّينيّة عمومًا، ثمّ إنّ المساجد هي التي تتبع لوزارة الأوقاف.
غيرَ أنّ "الجهات المختصّة" اختارت مدرّج جامعة دمشقَ مكانًا للاحتفال، وهو تابعٌ لوزارة التّعليم العالي، وقد تمّ اختيار جامعة دمشق لإحياء هذه المناسبة التّاريخيّة لما لهذا المكان من رمزيّةٍ كبيرة في الصّراع بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين.
فجامعة دمشقَ كانت أهمّ معاقل الإخوان المسلمين، بل هم من أسّس كليّة الشّريعة في جامعة دمشق؛ إذ تأسست على يدي الدّكتور مصطفى السّباعي والدّكتور محمّد المبارك.
وإقامة الاحتفال في ذلك الوقت الذي تحتدمُ فيه المعركة مع الإخوان المسلمين في جامعة دمشق هو محاولةٌ من نظام الأسد نفيَ الصّلة بين الإخوان المسلمين والجامعة من جهة، وتأكيد التفاف هذا الصّرح العلميّ الأكاديميّ الكبير حول حافظ الأسد في حربه عليهم من جهةٍ ثانية، ولهذا كانت كلمة الدّكتور البوطي في هذا الاحتفال ليست بوصفه خطيبًا أو داعيةً أو أحد "أرباب الشّعائر الدّينيّة" كما يحلو للنّظام تسمية العاملين في الحقل الدّينيّ، وكما يفترضُ ان تكون صفتُه في حفلٍ ترعاه وزارة الأوقاف؛ بل ألقى في الاحتفال كلمةَ جامعة دمشق.
99
فلكم أن تتخيّلوا أن ّ كلمة جامعة دمشق التي تتبع لوزارة التّعليم العالي يكلّفه بها ويطلبها منه وزير الأوقاف الدّكتور محمّد محمّد الخطيب!
وجهًا لوجه للمرّة الأولى: كان هذا أوّل لقاء وجهًا لوجه بين الدّكتور البوطي وحافظ الأسد، ويبيّن الدّكتور البوطي ذلك ويفصّل القول في منهجه الذي اتّبعه في الكلمة إذ يقول في مقالة له عنوانها "إلى هواة الأخيلة الكاذبة" جعلها مقدّمةً لكتابه "هذا ما قلته أمام بعض الملوك والرؤساء":
"ومنذ صدر حياتي العلميّة والاجتماعيّة، إلى أوّل الثمانينات من القرن الماضي، لم أكن قد دخلت في تجربة الخوض مع الحكام في أي مواجهة أو مجابهة أو حوار.
ثم شاء الله عز وجل أن أبدأ الخطوة الأولى على هذا الطريق فألقيتُ كلمةَ جامعة دمشق أمام الرّئيس حافظ الأسد رحمه الله، في الحفل الذي أُقيم على مدرّج جامعة دمشق، بمناسبة دخول القرن الخامس عشر الهجري، وإنّي لأذكر أنّني استنصحتُ والدي رحمه الله في الأمر، فوضعني من خلال نصيحةٍ طويلةٍ لا مجالَ لسردها هنا، على رأس صراطٍ لا ألتفتُ فيه يمنةً إلى النّاس، ولا يسرةً إلى الحكام، بل أتّجه فيه إلى مرضاة الله وحده، وكانت كلمتي التي ألقيتها في تلك المناسبة من وحي هذا المنهج"
وفعلًا كانت هذه الكلمة هي البوّابة التي ولجَ منها الدّكتور البوطي إلى علاقةٍ مباشرةٍ مع حافظ الأسد؛ هذه العلاقةُ التي كان لها أثرٌ كبيرٌ في مسار حياةِ الدّكتور البوطي من جهة، وكان لها أثرٌ بالغٌ في صناعةِ الوعيّ الشّرعيّ في سورية في مرحلة ما بعد الثّمانينات.
الكلمة بين الترحيبِ والتّهديد لاقت الكلمة صدىً كبيرًا، وترحيبًا من دوائر مختلفة على المستوى الشّعبيّ وفي إطار الجسم الدّينيّ، وقد رأى فيها كثيرٌ من العلماء والدّعاة في دمشقَ آنذاكَ جرأةً كبيرةً في سياقها وأسلوبها وتوقيتها، وكلمةَ حقّ ناصعة؛ فقد كانت بعيدةً عن المجاملة،
100
ووجّهت نصحًا واضحًا لحافظ الأسد، ممّا جعل العديد من هؤلاء العلماء والدّعاة يتهامسون فيما بينهم بأنّ مصير الدّكتور البوطي سيكون الاعتقال عقب هذه الكلمة فقد قال فيها ما لم يعتد الآخرون على قوله أمام حافظ الأسد الذي يضربُ به المثل في الجبروت والطّغيان، وفي وقتٍ بالغ الحساسية يعلو فيه غبار المعركة بينه وبين الإخوان المسلمين.
ولكنّ هذا لم يحدُث، فلم يُعتَقَل الدّكتور البوطي ولم يوبّخ بل على العكس تمامًا وصلته عباراتُ الثّناءِ والشّكر من حافظ الأسد
وفي المقابل بيّن الدّكتور البوطي في أكثر من مناسبة أنّ الكلمة التي لاقت ترحيبًا وثناءً من حافظ الأسد على الرّغم ممّا فيها من نصحٍ واضحٍ صريحٍ له؛ لم ترُق لما قال إنّها فصائل من جماعة الإخوان المسلمين، وذكرَ أنّه تلقّى تهديدات من رؤوس الجماعة التي كان يخافُ منها الدّعاة والعلماء أكثر من خوفهم من نظام حافظ الأسد على حدّ تعبيره!
فيقول في مقالته "إلى هواة الاخيلة الكاذبة":
"ولعلّ القارئ يذكر أنَّ عاصفةَ مشكلاتٍ أثارتها فصائل من الإخوان مع الدّولة كانت آنذاك على أشدّها؛ وكان جُلّ بل كلّ العاملين في الحقل الإسلامي، يتّقون غضبةَ تلك الحركات أكثر مما يتّقون الدّولة وعقابها، فكانوا يلوذون بالتّجاهل والصّمت، مهما سئلوا عن موقف الشريعة الإسلامية من تلك التصرّفات، ومهما سئلوا عن موقف الشّريعة من طريقة مجابهة الدولة لها!
فلما دخلتُ ميدان هذه التجربة، وألقيتُ كلمتي في ذلك الجوّ العاصف، أمام الرئيس رحمه الله، مستلهمًا رضا الله وحده، لم يحُل عظيمُ رضا كثيرٍ من النّاس بها دونَ تهديدٍ خفيٍّ تلقّيته من بعضِ رؤوس الجماعة، لأنّي أقررتُ بحكم الرّئيس في كلمتي تلك، ودعوتُ له، ووصفته فيها بقائد هذه الأمة!".
101
يمكننا القول: إنّ هذه الكلمة وهذا اللّقاء بين الدّكتور البوطي وحافظ الأسد كانا نقطة التّحوّل الحقيقيّة والمفصليّة في طبيعة العلاقة بين الدّكتور البوطي ونظام الأسد، وما كان بعدهما مختلفٌ تمامًا عمّا كان عليه قبلهما من حيثُ طبيعة العلاقة وشكلها، ومن حيث درجة انخراطه في فلك المنظومة الحاكمة.
لم يعتقل حافظ الأسد الدّكتور البوطي رغم أنّه قال فعلًا ما لم يكن يجرؤ أحدٌ على قوله في حضرته، بل استطاع بدهائه ودهاء المنظومة الأمنيّة المحيطة به أن يهيمنَ على الدّكتور البوطي ليفعل ما يريدون دون إملاءٍ مباشرٍ منهم، فقد استطاعوا امتلاك مفاتيح شخصيّته.
كانت هذه الكلمة فاتحة لعلاقةٍ شخصيّةٍ طويلةٍ وعميقةٍ ووثيقةٍ بين الدّكتور البوطي وحافظ الأسد، اختاره فيها الأسد متجاوزًا أسماء كبيرةً كانت موجودةً وداعمةً له بشدّة في الحقل الدّينيّ السوريّ من أمثال الشّيخ أحمد كفتارو مفتي الجمهوريّة الذي كان له دورٌ بالغ في تثبيت حكم حافظ الأسد وترسيخ مشروعيّته في سدّة الحكم؛ فعلى الرّغم من الحظوة التي كان يتمتّع بها الشّيخ أحمد كفتارو عند حافظ الأسد وعلى الرّغم من الفارق في السنّ والسّمعة والرّمزيّة بين الدّكتور البوطي الذي لم يكن أكثر من مدرّسٍ في كليّة الشريعة آنذاك وبين الشّيخ أحمد كفتارو؛ إلّا أنّ الأسد فضّل ترسيخ العلاقة مع الدّكتور البوطي وتصديره دون الإخلال بالمستوى الثّابت للعلاقة مع الشّيخ أحمد كفتارو.
فلماذا حرص حافظ الأسد على العلاقة مع الدّكتور البوطي متجاوزًا الأسماء الدّعويّة والشّرعية التي كانت لها رمزيّتها وحضورها المجتمعيّ آنذاك؟ وما هي المنهجيّة التي استطاع من خلالها حافظ الأسد الهيمنة على الدّكتور البوطي؟
هذا ما نجيبُ عنه تفصيلًا بإذن الله تعالى في المقال القادم.
*"رابطة العلماء السوريين" الخميس 9/1/1442هـ - 27/8/2020م.
102
منهجية حافظ الأسد في احتواء الدكتور البوطي
محمد خير موسى
وهو المقال الثّامن من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
عقب الاحتفال بمناسبة دخول القرن الخامس عشر الهجري، والكلمة اللّافتة التي ألقاها الدّكتور البوطي فيه؛ وجد حافظ الأسد أنّه وقع على كنزٍ لا يمكنه تضييعه من يده، وهو من المكرِ بمكانٍ وتحيط به منظومة أمنيّة جمعت بين الإجرام والدّهاء.
ما هي حاجةُ حافظ الأسد إلى الدّكتور البوطي؟
في خضمّ الصّراع المحتدم بين حافظ الأسد وجماعة الإخوان المسلمين في سوريا التي ساندتها بطبيعة الحال جماعة الإخوان المسلمين والحركات الإسلاميّة في مختلف البلاد الإسلاميّة؛ كان حافظ الأسد بحاجةٍ إلى شخصيّةٍ علميّة شرعيّة فكريّة تحقق شيئًا من التوازن والثّقل المكافئ للثّقل الفكري للشخصيّات الشرعيّة الفكريّة الإخوانيّة.
إنّ رموز العلماء والدّعاة في سوريا كانوا وما زالوا من أعمق النّاس رسوخًا وتمكّنًا في علوم الشّرع التّخصصية، ولهم باعٌ كبيرٌ في التّزكية وأساليبها وعلومها، لكنّ الكثيرَ منهم لأسباب عدّة لم يجمعوا البراعةَ الفكريّة إلى القدرة العلميّة التّخصصية الكبيرة التي يتمتّعون بها.
وهذا بخلاف العديدِ من الشّخصيّات العلميّة الشرعيّة الإخوانيّة من أمثال مصطفى السّباعي ومحمد المبارك وعصام العطّار أو الحركيّة المعارضة من غير الإخوان من أمثال علي الطّنطاوي وعبد الرّحمن حبنّكة الميداني التي برعت في الجمع بين متانة العلم الشرعيّ والإبحار الفكريّ.
103
وقد تأتّى نصيبٌ وافرٌ من هذا الجمع بين الأمرين للدّكتور البوطي؛ فهو عالمٌ أصوليّ راسخٌ وفقيهٌ متين وكذلك حاله في عموم مجالات التّخصص الشرعيّ، إضافةً إلى ذلك فهو شخصيّة فكريّةٌ من طراز متميّز، كان له باعٌ في طَرقِ مشكلات الحضارة ومحاورة الإشكالات الفكريّة المثارة حول تعاليم الإسلام ومناظرة المستشرقين والسعي في نقض الماديّة الجدليّة الديالكتيكيّة، وجمع إلى ذلك كلّه حضورًا إعلاميًّا متميّزًا وأسلوبًا جاذبًا في الحديث والطرح، وهذا ما لفت انتباه حافظ الأسد فوجد أنّه وقع على مبتغاه في إيجاد شخصيّةٍ تُحدِثُ شيئًا من التّكافؤ والتّوازن مع الشّخصيّات الشرعيّة الإخوانيّة التي كان لها حضورُها ومكانتها في الواقع السوريّ آنذاك رغم غيابها عن الفيزيائيّ عن السّاحة، إضافة إلى ضرورة سدّ الفراغ الذي أحدثَه تهجير المئات من هذا الصّنف من الشّخصيّات العلميّة الشرعيّة.
ما الأسس التي ارتكز عليها حافظ الأسد في احتواء الدّكتور البوطي؟
استطاع حافظ الأسد أن يحتوي بل يهيمن على الدّكتور البوطي من خلال ركائزَ أربعة هي: التّواصل المباشر، واللواء محمّد ناصيف، واستثمار الموقف المشترك من جماعة الإخوان المسلمين، واستغلال القناعات الشرعيّة المتعلّقة بطاعة وليّ الامر وعلاقة العالم بالحاكم.
وسأقف مع كلّ واحدةٍ من هذه المرتكزات الأربعة ـ بإذن الله تعالى ـ وقوفًا تفصيليًّا في مقال مستقلٍّ لكلّ واحدٍ من هذه المرتكزات.
التّواصل المباشر؛ ودهاء حافظ الأسد
كان أوّل ما فعله حافظ الأسد هو فتح الباب على مصراعيه للدّكتور البوطي وتمتين العلاقة الشّخصيّة بينهما؛ فقد كان حريصًا على استضافة البوطي بشكلٍ متكرّر، ومجالستِه ومحاورتِه، ولم يكن يجالسُه مجالسة القائد أو الزّعيم بل مجالَسة الصّاحب النّهم للتّعلّم
104
من صاحبِه، وكانت بعض الجلسات تمتدّ لساعاتٍ لا يقطع خلوتهما فيها أحد، وكان هذا التّواضعُ يأسِرُ قلبَ الدّكتور البوطي إلى جانب افتعال حافظ الأسد مواقف ندغدغُ عواطفَ الدّكتور البوطي وتلعب على وتر العاطفة المشيخيّة التوّاقة إلى رؤية حاكمٍ صالح.
ومن هذه المواقف على سبيل المثال؛ أنّ حافظ الأسد دعا الدّكتور البوطي في يومٍ من الأيّام لتناول طعام الفطور معه وبعد وصول الدّكتور البوطي خرج عليه حافظ الأسد ووجه ويداه المشمّرتان تقطر ماءً، قائلًا: أستأذنكَ في أن أصلّي ثمانيَ ركعات صلاة الضّحى؛ فأنا لا أترك صلاة الضّحى ولكننّي انشغلت قليلًا فتأخّرت فأعتذر إليك، ودخل غرفةً أخرى ليغيبَ فيها ساعةً من زمنٍ والدّكتور البوطي ينتظر خروج هذا الحاكم الذي لا يفوّت صلاةَ الضحى أبدًا!!
وفي إحدى اللّقاءات كان الدّكتور البوطي يجلسُ مع حافظ الأسد في مكتبه فدخل عليهما ضابط برتبةٍ كبيرةٍ يحملُ بيده ملفًّا، وقبلَ أن يتقدّم الضّابط عاجَلَه حافظ الأسد بالسّؤال: "صلّيت الظهر يا ابني؟" فأجابه الضّابط: لا سيدي، فقال له الأسد: ارجع فصلّ ولا تؤخّر صلاتك عن وقتها مرّة ثانية وبعدَ أن تصلّي أحضر لي الملفّات التي تريد عرضها.
ولك أن تتخيّل النشوة التي عاشها الدّكتور البوطي وهو يعاينُ الحاكمَ الذي يحرص على أداء موظفيه الصّلوات على أوقاتِها.
ومن هذه المواقف أيضًا ما جرى عند لقاء حافظ الأسد بعدد من العلماء وكان حافظ الأسد يدني الدّكتور البوطي منه ويجلسه في الكرسي الأقرب إليه، يومَها لم ترتفع عين الدّكتور البوطي عن جيب قميص حافظ الأسد وهو ينظرُ إلى كتيّبٍ صغيرٍ يبدو من خلف القماش الشفّاف قليلًا.
فخاطبَه حافظ الأسد مبتسمًا: هذا وِردُ الإمام النّووي، أضعه في جيبي للبركة، لكنني أحفظه عن ظهر قلب، وقد تعرّفت على عظيم أثره وبركته منك، ومن يومها فأنا لا أترك قراءتَه قبل النّوم وبعد الفجر!!
105
مثل هذه المواقف كانت مستمرّة من حافظ الأسد في تعامله مع الدّكتور البوطي، لكنّها لم تكن وحدَها التي جعلت البوطي يثق بل يؤمن بحافظ الأسد وبصدقه، بل كانت هناك أمور عديدةٌ ساندت هذه البروباغندا التي كان الأسد يمارسُها باقتدارٍ مع الدّكتور البوطي.
وقبل استكمال بقيّة الأساليب التي كان حافظ الأسد يفعلها بالتّواصل المباشر مع الدّكتور البوطي يقفزُ سؤالٌ مهمٌّ عند متابعة هذه المواقف وهو:
هل كان الدّكتور البوطي ساذجًا لهذا الحدّ؟!
أمّا في مجال العلم الشرعيّ والفكر الإسلاميّ فقد كان الدّكتور البوطي حادّ الذّكاء عميق الفكرة قويّ الحجّة، وهذا لا يعني بالضّرورة أن يكون كذلك في التّعامل مع أهل السياسة أو الحكم على الأشخاص.
لقد تعرّض الدّكتور البوطي لبروباغندا ممنهجة إضافةً إلى عدم خبرته في السياسة أو رجالها على الإطلاق، كما صرّح هو في أكثر من موضع ومناسبة، وكان يتبنى عبارة بديع الزّمان النّورسي "أعوذُ بالله من الشّيطان والسّياسة".
نعم لقد كان الدّكتور البوطي في التّعامل مع السياسة والسياسيّين يتصف بسذاجةٍ سببها في اعتقادي أمران:
الأوّل: عدم معرفتِه بألاعيب السّياسيين ودهائهم فضلًا عن ألاعيب ودهاء حافظ الأسد.
الثّاني: اعتمادُه في التّعامل مع حافظ الأسد مبدأ "حسن الظنّ" وتصديقه فيما يقوله له ويفعلُه أمامه.
وهذا لا يبرّرُ وقوع الدّكتور البوطي في براثن خداع حافظ الأسد له وإنّما يفسّرُ جزءًا من الصّورة.
106
ومن نافلة القول: إنّ هذا النّوع من السّذاجة قد وقع فيه أعلامٌ عدّة من رموز العلم الشرعي والدّعوي في تعاملهم مع الحكّام في أنحاء مختلفة في العالم الإسلاميّ، وما فعله حافظ الأسد من هذه المواقف لم يكن سابقًا فيه بل سار فيه على منوال بعض أسلافه من الحكّام في تعاملهم مع العلماء والدّعاة من أمثال جمال عبد النّاصر والحبيب بورقيبة وغيرهما.
ولكن هل قدّم حافظُ الأسد من الأفعال والإنجازات والأعطيات للدّكتور البوطي ما يجعله مُصَدّقًا له؟ وما الفرق بين موقف كل من الدّكتور البوطي والمفتي أحمد حسون من آل الأسد؟
هذا ما نجيبُ عنه بإذن الله تعالى في المقال القادم.
*"رابطة العلماء السوريين" السبت 2/2/1442هـ- 19/9/2020م
107
البوطي وحقيقة الوساطة للعلماء المُبعَدين والمَسْجُونِين
محمد خير موسى
وهو المقال التّاسع من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
لم تقتصر العلاقة المباشرة بين حافظ الأسد والدّكتور البوطي على بروباغندا التديّن التي يمارسها أمامه، بل عضد تلك الممارسات الشّعائريّة التي تدلّ على تعبّده وقيامه وصلواته وأذكاره ببروباغندا من نوع آخر تقوم على إيهامه أنّه مستعدّ لإطلاق سراح المعتقلين وإعادة المبعدين لكنّ المشكلة عندهم لا عنده.
كما مارس تلاميذ وأتباع الدّكتور البوطي هذه البروباغندا التي تقوم على تضخيم دوره وجعله محوريًّا في إعادة العلماء المبعدين وإخراجهم من السّجون؛ فما حقيقةُ ذلك؟
من خلال تتبّع الحالات التي يُشاعُ أنّ الدّكتور البوطي هو صاحب الدّور الرّئيس في إعادتها يجعلنا نخلصُ إلى القناعة الآتية:
كان دورُ الدّكتور البوطي في هذا المجال ضعيفًا للغاية، والحالات التي ساهم في إعادتها إلى سوريا تُعدّ على أصابع اليد الواحدة، وقد حرص حافظُ الأسد على تقديم بعض الحالات التي لإقناع الدّكتور البوطي بأنّه غير رافض للمبدأ لكنّه يريدُ ضمان عدم عودة هؤلاء إلى اعمال التّخريب والعنف تارةً أخرى؛ فتحوّل الدّكتور البوطي إلى ناقلٍ ومُمْلٍ لشروط النّظام التّعجيزيّة في كثير من الأحيان من حيث يدري أو لا يدري.
فعلى سبيل المثال لا الحصر؛ فقد أشاع تلاميذ الدّكتور البوطي أنّه كان صاحب الدّور الرّئيس في عودة علماء جماعة زيد بن ثابت في تسعينات القرن الماضي، وعلى رأسهم: الشيّخ أسامة الرّفاعي، والشّيخ سارية
108
الرّفاعي، والشّيخ محمّد عوض، والشّيخ عبد الفتّاح السيّد، والشّيخ جمال السّيروان، وفي الحقيقة لم يكن دورٌ للدّكتور البوطي في عودتهم مطلقًا بل كانت عودتهم عن طريق وساطات من خارج الوسط المشيخي والعلمائي.
وكذلك الشّيخ هاشم المجذوب، وهو من كبار العلماء الذين اعتقلهم حافظ الأسد على إثر فتوى قدّمها لأحد قيادات الطليعة المقاتلة، واسمه يوسف عبيد متعلّقة بمهاجمة دوريّات النّظام التي تستهدفهم، ووجود من خرج منهم غير راغب أو مُكرهًا، وقدّم له الشّيخ هاشم الفتوى بجواز الاستهداف تحت باب "التّترّس" في الفقه، وقد اعتقل يوسف عبيد ليقتل في سجن تدمر لاحقًا، واعتُقل الشّيخ هاشم المجذوب عام 1980م، وبقي في سجن تدمر حتّى عام 2000م، ونقل إلى سجن صيدنايا؛ ليُفرَج عنه عام 2002م.
وكان الشّيخ هاشم قبل أن يسجن قريبًا جدًّا من الدّكتور البوطي فطالبَه كثيرون بالتّوسّط لصاحبه القديم، فكان يُجيبهم أنّه فعلَ، وتوسّطَ له لكنّ الشّيخ هاشم عنيد، ويكفيه أن يكتبَ اعتذارًا عن فتواه التي سُجن بسببها لكنّه يرفض ذلك.
وفي الحقيقة أنّ ما كانت تساومُ أجهزة الأمن عليه الشّيخ هاشم ليسَ مجرّد اعتذار، بل هو كما حدّثني أحد الذين صاحبوه في سجن تدمر قرابة عشرين عامًا أنّ القيادات الأمنيّة كانت تطلب من الشّيخ هاشم مقابل خُروجه من السّجن أن يتّخذَ موقفًا علنيًّا يُهاجم فيه جماعة الإخوان المسلمين، ويُبيّن خِيانتها، وأنّ النّظام هو على حقّ؛ فكان الشّيخ هاشم يرفض ذلك رفضًا قاطعًا، على الرّغم من أنّه لم يكن في جماعة الإخوان المسلمين يومًا واحدًا.
وقد خرج الشّيخ هاشم من السّجن عقب إصابته بجلطة حادّة ومُشارفته على الموت عام 2002م رغبةً من أجهزة الامن أن يموت في بيتِه خشية ما قد يحدث من بلبلة فيما لو مات في سجن صيدنايا، فشاء الله تعالى أن يبقى على قيد الحياة إلى عام 2016م.
وقد أشاع كثير من تلاميذ الدّكتور البوطي أنّه كان السبب في إخراجه من السّجن، وهذا غير صحيح أبدًا.
ومن الجدير بالذّكر هنا أنّ الشّيخ هاشم المجذوب استطاع الحصول على كتاب الدّكتور البوطي "الجهاد في الإسلام كيف نفهمه؟ وكيف نمارسه؟" فشعر بخيبة بالغةٍ بعد قراءته الكتاب، وقد أفردَ الدّكتور البوطي حيزًا من كتابه للردّ على فتوى التّترس التي سجن بسببها الشّيخ هاشم، غير أنّ الشّيخ هاشم على الرّغم من هذا كلّه لم يكن يذكر الدّكتور البوطي بسوءٍ أبدًا في سنوات سجنه كلّها.
وبعد خروج الشّيخ هاشم من السّجن زاره الدّكتور البوطي؛ فكان اللّقاء باردًا باهتًا حاول الدّكتور البوطي أن يبيّن للشّيخ هاشم أنّه كان في غنى عن سنوات السّجن التي قضاها فقاطعه الشّيخ هاشم قائلًا: والله لو دفعنا أموال الدّنيا أجرةً لسنوات السّجن وما حصَّلنَا فيها فنحن الرّابحون؛ فسادَ صمتٌ لدقائق غادر بعدها الدّكتور البوطي.
وكذلك فيما يتعلّق بعودة الشّيخ عبد الفتّاح أبو غدّة فقد أشاع كثيرٌ من أتباع الدّكتور البوطي وتلاميذُه أنّه كان عرّاب عمليّة عودة الشّيخ عبد الفتّاح غير أنّ هذا أيضًا غير صحيح، فقد كانت عودة الشّيخ عبد الفتّاح بعد محاولات مضنية وطويلة قادها تاجر ووجيه حلبيّ اسمه محمّد أمين يكن، على أنّ الدّكتور البوطي كان على علاقة وتواصل مع الشّيخ عبد الفتّاح أبو غدّة ويحترم علمه ويجلّه ويهديه كتبه لكنّه لم يكن له دور حقيقيّ في عودته.
وممّا يُذكر في هذا المجال أنّ لقاءً في بيت الشّيخ محمّد عوض ضمّ الدّكتور البوطي في إحدى زياراته إلى السّعوديّة مع عددٍ من العلماء المبعدين من سوريا، فطلبَ منه الشّيخ محمّد علي مشعل ــ وهو من كبار علماء سورية المبعدين إلى جانب كونه أحد رموز جماعة الإخوان المسلمين ــ أن يتوسّط عند حافظ الأسد لأجل عودة العلماء والدّعاة إلى سوريا فقد انتهت الأزمة وطال بهم الزّمن؛ فانتفض الدّكتور البوطي
110
واقفًا غاضبًا وقال: أنتم خرّبتم البلد وتريدون الآن أن ترجعوا؟! فإن أردتم الرّجوع فعليكم أولًا الاعتذار عن كلّ ما فعلتم، ثمّ عدّد عليهم شروطًا عديدةً، رأى العلماء حينها أنّها ضرب من التّعجيز؛ فصرفوا النّظر، وما عادوا للطّلب منه.
ولكن من الذين توسّط لهم الدّكتور البوطي لأجل عودتهم إلى سوريا شيخ حمص الكبير الشّيخ المعمّر وصفي المُسدّي، وهو من كبار علماء حمص، وتوفي فيها عن ثلاثةٍ وتسعين عامًا عام 2010م.
وقد كانت عودته بوساطة مباشرةٍ من الدّكتور البوطي، على أنّ الشّيخ وصفي لم يكن من جماعة الإخوان المسلمين، غير أنه كان قريبًا منهم فصهره من الجماعة، وقد أبلغ الدّكتور البوطي الشّيخ وصفي أنّه توسّط لصهره أيضًا، فنزلا معًا إلى سوريا، فسمح للشّيخ وصفي بالدّخول، بينما اعتقل صهره واقتيد إلى فروع المخابرات، وبعد لومٍ شديدٍ من الشّيخ وصفي للدّكتور البوطي، تحرّك بشكلٍ مكثّف ليستطيع إخراج الرّجل من المعتقل بعدَ أكثر من شهرٍ ليعاد إلى المطار، ويتمّ تسفيره دون دخوله سوريا.
لقد استطاع حافظ الأسد وأجهزته الأمنيّة إقناع الدّكتور البوطي أنّ المشكلة الحقيقيّة ليست عندهم فيما يتعلّق بعودة العلماء المُبعدين أو إخراج المسجونين منهم، بل هي عندهم، وقد استجاب حافظ الأسد للدّكتور البوطي في بعض هذه الوساطات، ممّا عزّز عنده هذه القناعة.
فهل استجاب حافظ الأسد لطلبات أخرى من نوعٍ مختلفٍ طلبها منه الدّكتور البوطي؟
هذا ما نجيبُ عنه في المقال القادم بإذن الله تعالى.
*"رابطة العلماء السوريين" الأحد 3/2/1442هـ - 20/9/2020م.
111
البوطي وأُعطِيات حافظ الأسد
محمد خير موسى
وهو المقال العاشر من سلسلة "البوطي؛ شخصيّتُه وأفكارُه ومواقفه"
من القضايا المهمّة التي أسهمَت في تشكيل قناعة الدّكتور البوطي تجاه حافظ الأسد إلى جانب بروباغندا التديّن الشّخصي والتبتّل التّعبّدي؛ ما قدّمه حافظ الأسد للدّكتور البوطي من أُعطيات واستجابةٍ لمطالب وتنفيذٍ لمقترحات رسّخت قناعته بصلاح حافظ الأسد وحرصه على خدمة الدّين والحقّ
صاحبُ اليد الخفيّة
كان أوّل طلبٍ استجابَ حافظُ الأسد للدّكتور البوطي في تنفيذه عقب إلقائه الكلمةَ على مدرّج جامعة دمشق هو إعادة السّماح ببعض الكتب الإسلاميّة الفكريّة والشرعيّة التي تمّ منع الكثيرِ منها عقب احتدام الصّراع بين الأسد وجماعة الإخوان المسلمين في ثمانينات القرن الماضي.
وخرج الدّكتور البوطي على التّلفزيون السّوريّ شاكرًا وواصفًا إيّاه بـ "صاحب اليد الخفيّة" فتحوّلت العديد من الأصوات التي أشادت بالدّكتور البوطي عقب خطابه القويّ في مدرّج جامعة دمشق إلى اتّهامه بالمهادنة والمداهنة.
يتحدّثُ الدّكتور البوطي عن هذا الموقف وتداعياته وموقفه من انتقاد المنتقدين في كتابه "هذا ما قلته أمام بعض الملوك والرّؤساء" فيقول:
"ثم شاء الله أن أخطو الخطوة الثّانية على هذا الطّريق، فتحدّثت في التّلفزيون السّوري من خلال ندوةٍ رمضانيّة كان يديرها الأستاذ مروان شيخو، وكان الرّئيس رحمه الله، قد استجاب آنذاك لتحقيق سلسلة من
112
الإصلاحات الدينيّة الهامّة رجوتُه إنجازَها في كتابٍ خاصّ رفعته إليه؛ منها رفع الحظر عن طائفةٍ كبيرةٍ من الكتب الإسلامية، كانت قد منعت بقرارٍ من وزارة الإعلام آنذاك.
عدتُ مرَّة أخرى إلى والدي رحمه الله، فحدّثته بسلسلة تلك الإصلاحات، واستشرته في التّنويه بها وشكر الرّئيس عليها.
فقال لي: بل صرّح بها وبشكره عليها، عملًا بقول رسول الله صلّى الله عليه وسلم: "لم يشكرِ الله من لم يشكر الناس" وتشجيعًا له في السّير على هذا الطريق.
ولما فعلتُ ذلك وشكرت من سمّيته "صاحب اليد الخفية" على إنجاز تلك الإصلاحات؛ رأيت في النّاس من قد صنّفني من جرّاء ذلك في قائمة الممالئين والمداهنين للدّولة!
ولما بلغ الأمر والدي؛ أقبل إليّ قائلًا وقد تصوّر أنّني متألّم من حديث هؤلاء الناس: بوسعك أن تسلك سبيلًا تنال به رضا النّاس كلّهم عنك، ولكن فلتعلم أنّه لن يكون إلّا سبيل النّفاق!
فالمنافق هو وحده الذي يملك أن ينالَ رضا النّاس كلّهم في كلّ الأحوال"
برنامج دراسات قرآنيّة
في زمن ما قبلَ الفضائيّات كان الحضور الدّينيّ في القناة الأولى "الرسميّة" في التّلفزيون السّوري مقتصرًا على حديثِ ما قبلَ الإفطار في رمضان، أو ندواتٍ دوريّة في المناسبات الدّينيّة يديرُها مروان شيخو الخطيب الدّينيّ الأكثر حضورًا في زمن حافظ الأسد، وكان الضّيوف هم من المشيخة الرّسميّة من المفتين الرّسميين ومدراء الأوقاف من أمثال الشّيخ أحمد كفتارو مفتي سوريا، وبشير عيد الباري مفتي دمشق، ومحمّد صهيب الشّامي مدير أوقاف حلب، وغيرهم.
113
كان المفاجأة مع بداية التّسعينات من القرن الماضي بأن أُفرِدَ برنامجٌ في التّلفزيون السّوري باسم "دراسات قرآنيّة" خاصّ بالدّكتور البوطي لمدّة نصف ساعة من مساء الأربعاء من كلّ أسبوع، وكان إحداثُ هذا البرنامج بأوامر مباشرة من حافظ الأسد.
المُلاحَظ أنّ هذا البرنامج جاء بعد أكثر من سبع سنواتٍ من العلاقة الشّخصيّة المباشرة بين الدّكتور البوطي وحافظ الأسد، وهذا يعطي انطباعًا عن أنّ حافظ الأسد ما كان ليقدم على هذه الخطوة الخطيرة ـ إعطاء نصف ساعة أسبوعيّة في وسيلة الإعلام الحصريّة لأحدٍ إلّا بعد استقرار القناعة التّامّة والطّمأنينة المطلقة إلى أنّ ما سيقدّم عبر هذه النّافذة لن يكون خارج السّياق الفكري والسّياسي أو نشازًا عن النّظام العام لما يرادُ تطبيع المجتمع السّوريّ عليه من أفكار وتوجّهات.
ومن المهمّ قوله: إنّ برنامج "دراسات قرآنيّة" الذي كان يقدّم فيه الدّكتور البوطي وقفات موضوعيّة وتربويّة وفكريّة مع قضايا ومفاهيم القرآن الكريم كان من أكثر البرامج مشاهدةً، وكان في عمومه ينأى عن الحديث السّياسيّ المباشر، إلّا في مناسباتٍ محدّدة ويسيرة؛ بخلاف مرحلة ما بعد الثّورة عام 2011م حيث غدا البرنامج منبرًا لتقديم قناعات الدّكتور البوطي السّياسيّة المتوافقة مع رغبات وإرادة النّظام.
وممّا يجدر التّنبيه إليه أنّ برنامج دراسات قرآنيّة هو أحد النّوافذ التي أسهمت بشكلٍ حقيقيّ في صياغة العقل الدّعوي في سوريا في مرحلة ما بعد القضاء على الإخوان المسلمين في البلاد.
ومن الطّبيعيّ أن يرى الدّكتور البوطي في هذا البرنامج الذي منحه إيّاه حافظ الأسد عنوانًا من عناوين حرقة الأسد على الإسلام وحرصه على خدمة الدّين والدّعوة؛ فيتضاعف إعجابه به وإيمانه بصدقه وصلاحه.
114
معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم
في النّصف الأوّل من تسعينات القرن الماضي اقترحَ الدّكتور البوطي على حافظ الأسد إنشاء معاهد لتعليم وتحفيظ القرآن الكريم على نظام الكتاتيب القرآنيّة في المساجد، وأن تُسمّى باسمه؛ وراقت الفكرة لحافظ الأسد فأصدر تعليماته لوزارة الأوقاف بإطلاق "معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم" التي انتشرت في كلّ أنحاء سوريا وكانت عنوانًا رئيسًا لعودة الحياة إلى النّشاط المسجديّ في سوريا عقب سنواتٍ عجافٍ غاب فيها العمل المسجديّ سنواتٍ عديدة.
وقد خرَّجَت هذه المعاهد عشرات آلاف الحفّاظ ومئات آلاف المجازين بالقرآن الكريم، ولم تقتصر على تعليم القرآن الكريم بل كانت لافتاتُ هذه المعاهد غطاءً للعمل الدّعوي والتّعليم الشرعيّ الواسع في المساجد.
كان الأطفال والنشءُ يترعرعون في هذه الكتاتيب والمعاهد القرآنيّة الموسومة باسم الأسد كما ترعرع موسى عليه السّلام في كنفِ فرعون وتحت أنظاره ليكون عنوانَ غيظه فيما بعد؛ وهكذا كان خريجو هذه المعاهد مادّة رئيسةً في الثّورة على آل الأسد ونظامهم.
كانت معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم من أكبر وأهمّ الإنجازات التي حقّقها حافظ الأسد للدّكتور البوطي واستجاب له إذ طلبَها فأثمرَ ذلكَ مزيدًا من ترسيخ قناعات الدّكتور البوطي بحافظ الأسد وتعاظم إعجابِه به.
115
أعطيات شخصيّة
كان الدّكتور البوطي يرى أنّ صلتَه بحافظ الأسد هي لخدمة الدّعوة والإسلام، ولهذا كان حريصًا على الابتعاد عن أيّة مطالب شخصيّة وذاتيّة.
وقد عبّر عن طبيعة هذه العلاقة بقوله: "لا أبدأ فأطرق أبوابهم ابتغاء أي مغنم، أو بحثًا عن أيّ مصلحةٍ دنيويّة خاصّة أو عامّة.
إن دعاني رئيس الدّولة إليه لمشورةٍ أو مهمّة استجبتُ إذ لا يسعني في حكم الشريعة الإسلامية إلا ذلك، ولكنّي لا أصطحب معي ــ انتهازًا لتلك المناسبة ــ أيّ حاجةٍ شخصيّةٍ أرجوها منه أو أعرضُها عليه"
وفعلًا كان الدّكتور البوطي زاهدًا بما يتقاتل عليه غيره من مناصبَ أو أعطياتِ الحُكّام؛ فرفضَ هدايا الأسد من القصور والسيّارات وبقي يركب سيّارته المتواضعة التي قدّمتها له الجامعة بسبب عمله استحقاقًا لا تفضّلًا، كما بقي في منزله منزل العائلة العاديّ المتواضع الذي عاش فيه عمره كلّه في حيّ ركن الدّين.
ولكن بعد حافظ الأسد؛ ما هو دورُ اللّواء محمّد ناصيف في تشكيل قناعات الدّكتور البوطي؟ هذا ما سنجيبُ عنه ــ بإذن الله تعالى ــ في المقال القادم.
*"رابطة العلماء السوريين" 16/2/1442هـ - 3/10/2020م
116
البوطي واللواء محمد ناصيف "أبو وائل"
محمد خير موسى
"أبو وائل" (اللّواء محمّد ناصيف) من الشّخصيّات المحوريّة التي كان لها دورٌ رئيس في تشكيل شخصيّة الدّكتور البوطي وبناء قناعاته في مرحلة ما بعد التّواصل مع حافظ الأسد، ولا يمكن فهم الكثير من سلوكيّات الدّكتور البوطي دون تفكيك خيوط هذه العلاقة.
من هو اللّواء محمّد ناصيف؟
محمّد ناصيف خير بك؛ الصّندوق الأسود لنظام الأسد الأب والابن، وثعلب الأجهزة الأمنيّة في سورية، كان له دورٌ حقيقيّ في صناعة المشهد السوريّ في مراحله كلّها؛ من مرحلة ما بعد انقلاب حافظ الأسد، إلى تدمير ثورة 2011م.
"أبو وائل" المولود عام 1937م في مدينة مصياف في ريف حماة والمتوفى عام 2015م في مستشفى الشّامي بدمشق، كان إلى جانب رئاسته الفرع 251 المعروف بفرع الخطيب، وهو الفرع الأقوى في المنظومة الأمنيّة السوريّة، مسؤولا أمنيّا عن منزل حافظ الأسد، بل أكثر من ذلك فقد كان المشرف المباشر على تربية باسل الأسد وإعداده ليكون رئيسا لسوريا خلفا لأبيه، وبعد مقتل باسل في حادث سيّارة تولّى الإشراف الأبويّ على بشّار الأسد.
كان من بين المهام التي اضطلع بها اللّواء محمّد ناصيف ابتداء من عام 1985م؛ الإشراف المباشر على العلاقة مع الدّكتور البوطي، كما أنّه كان صاحب تأثيرٍ واسعٍ في الوسط الدّينيّ من خلال رئاسته لفرع الخطيب، ساعدته في ذلك إلى جانب دهائه الكبير؛ نشأتَه التي كانت في الإعداديّات والثّانويّات الشرعيّة في مدينة حماة، إذ كان طالبا فيها على الرّغم من أنه علويَّ؛ فعاشر المشايخ والدّعاة عن قرب في فتوّته وشبابه، وعرف طريقتهم وأسلوبهم في التفكير والتّعامل مع الأشياء والقضايا.
117
اللّقاء الأوّل بين اللّواء محمّد ناصيف والدّكتور البوطي
كان اللقاء الأوّل بين "أبو وائل" والدّكتور البوطي عام 1985م في منزل الشّيخ محمّد فؤاد شميس (أبو عادل)، وهو من علماء دمشق المعروفين الذين ينحدرون من حي قبر عاتكة، وأحد مؤسسي جمعية أرباب الشّعائر الدّينية، وكان أيضا عضوا في رابطة علماء الشّام التي كان يترأسّها الشّيخ أبو الخير الميداني، وانضمّ بعد ذلك إلى جماعة الإخوان المسلمين لفترة من الزّمن عقب لقائه بالدّكتور مصطفى السّباعي، وكان من تجّار الأقمشة المعروفين في سوق "الحريقة" في دمشق القديمة، وانتقل للسّكن في حيّ المالكي الدّمشقيّ المعروف برقيّه المعيشيّ وثراء سكّانه.
كان سبب اللّقاء أنّ ابنة الشّيخ محمّد فؤاد شميس قد اعتقلت من بيتها واقتيدت إلى فرع الخطيب الذي يترأسه اللّواء محمّد ناصيف، وكلّ ذنبها أنّها أمّ لاثنين من الشباب الذين قتلَهم نظام حافظ الأسد بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، فتوسّط وزير الأوقاف آنذاك محمّد محمّد الخطيب لإطلاق سراحها، وفعلا تمّ ذلك، فنصحَ وزيرُ الأوقاف الشّيخَ محمّد فؤاد شميس بأن يقيم مأدبة يدعو لها اللّواء محمّد ناصيف ويشكره على إطلاق سراح ابنته، وقد عبّر له أنّ ناصيف يرغب بزيارته أيضا، وهذا يعطينا انطباعا بأنّ الدّعوة تمّت بترتيبٍ بين وزير الأوقاف واللواء محمّد ناصيف، وما كان الشّيخ فؤاد شميس إلّا منفّذا لها اتّقاء لشرّ "أبو وائل" و"فرع الخطيب" سيّء الصّيت.
وفعلا أقام الشّيخ شميس مأدبة في بيته في حيّ المالكي، فاستأذنه الوزير محمّد الخطيب بإحضار ضيف معه، دون أن يذكر من هو ذلك الضّيف، فرحّب الشّيخ فؤاد بالوزير وبمن يريد اصطحابه معه، فكان هذا الضّيف الذي أحضره الوزير محمّد محمّد الخطيب هو الدّكتور البوطي.
118
عبّر محمّد ناصيف للدّكتور محمّد الخطيب عن بالغ سعادته بلقاء الدّكتور البوطي قائلا له: "شو هالهديّة الحلوة يللي جايبها معك؟!"، وعبّر عن رغبته الكبيرة في التّعرّف إلى الدّكتور البوطي بشكل مباشر منذ زمن، ثمّ بالغ في الثّناء على البوطي. وعند انتهاء اللّقاء أصرّ اللواء محمّد ناصيف على أنّ يكون الدّكتور البوطي معه في سيّارته، لتبدأ بعد ذلك مراحل هامّة كان لها دور كبيرٌ في تشكيل منهجيّة وشخصيّة الدّكتور البوطي تجاه نظام الأسد وما يتعلّق به من القضايا.
آليّة التّأثير:
كان اللّواء محمّد ناصيف صلةَ الوصل الرئيسة بين نظام الأسد والدّكتور البوطي، وكان له نوعان من التأثير عليه: التأثير المباشر؛ من خلال التواصل المباشر المكثّف، فقد كان بين اللّواء ناصيف والدّكتور البوطي لقاءات دوريّة تكاد تكون أسبوعيّة، إذ كان يزوره في بيته على الدّوام؛ إمّا بمفرده أو بصحبة أحد أعضاء عائلة حافظ الأسد، وكان في أغلب الأوقات الشّاب الواعد باسل الأسد.
والتأثير غير المباشر؛ وذلك عن طريق الدّكتور محمّد محمّد الخطيب الذي استلم وزارة الأوقاف في ثمانينيات القرن الماضي، غير أنّ علاقته مع الدّكتور البوطي استمرّت وثيقة لصيقة حتّى نهاية حياة الدّكتور البوطي.
كان للدكتور محمّد الخطيب تأثيرٌ بالغ على الدّكتور البوطي من حيث توجيهه وإقناعه بكثير من الأفكار؛ فقد كان محلّ ثقةِ وموضع أمان الدّكتور البوطي، كما كان الدّكتور الخطيب منذ أن كان وزيرا وفيما بعد ذلك على تواصل مباشر وحثيث مع اللواء محمّد ناصيف.
استكمال "بروباغندا" تديّن عائلة الأسد: من القضايا التي كان يحرص اللّواء محمّد ناصيف عليها؛ تكريس صورة العائلة المتديّنة لآل الأسد في ذهن الدّكتور البوطي، ويأتي هذا استكمالا لما كان يمارسه حافظ الأسد مع الدّكتور البوطي بشكل شخصيّ من بروباغندا التديّن والتّقوى.
119
غير أنّ سلوك اللّواء محمّد ناصيف كان يتركّز على تأهيل باسل الأسد لاستلام الحكم من بعد أبيه، ومن الأمور التي عمل عليها إكسابه الشرعيّة الدّينيّة؛ فكان يصطحبه في زيارات إلى الدّكتور البوطي في منزله ويجلس فيها باسل الأسد جلسةَ المتعلّم بين يدي أستاذه والمريد بين يدي شيخه، ليشكّل صورةَ الشّاب المتديّن الحريص على التعلّم الحريص على دينه، وبهذا يكون هو الأكفأ لاستلام الحكم بعد والده الرئيس "المؤمن" حافظ الأسد.
وكان الأمر يبلغ في بعض الأحيان مواقف لافتة لا يستبعد على الإطلاق أنّها كانت تتمّ بتوجيه مباشر من اللّواء محمّد ناصيف؛ كونه المشرف المباشر على تربية وإعداد باسل الأسد. ومن تلكم المواقف أنّ باسل الأسد كان يتّصل هاتفيّا بمنزل الدّكتور البوطي بعد منتصف الليل ويوقظه من نومه ليسأله بلهفةٍ أنّه كان يقوم الليل وتعرّض لموقفٍ معيّنٍ في صلاته وهو لا يدري إن كانت صلاته صحيحة أم لا، وأنّه حريصٌ على معرفة الجواب الآن لأنّه يريد أن يكمل قيام اللّيل وهو مطمئنٌ إلى صحّة صلاته.
كانت هذه المواقف تشكّل قناعات الدّكتور البوطي وترسّخها بآل الأسد، وأنّهم عائلةٌ فيها من الصّلاح والتّقوى ما يبعث على الإعجاب الشديد والثّقة الكبيرة.
غير أنّ أخطر ما كان يمارسه اللّواء محمّد ناصيف مع الدّكتور البوطي هو ما يمكن تسميته "لعبة الوثائق"، حيث أسهم بتشكيل قناعات وبناء مواقف الدّكتور البوطي تجاه الكثير من القضايا والأشخاص والكيانات، وفهم هذه اللّعبة يفيدُ في تفسير الكثير من المواقف الإشكاليّة للدّكتور البوطي.
وهذا ما سنتحدّث عنه تفصيلا بإذن الله تعالى في المقال القادم.
*"عربي 21" 16/10/2020م.
120
البوطي واللواء محمد ناصيف .. ولعبة الوثائق
محمد خير موسى
بسببِ طبيعة شخصيّته العلميّة الأكاديميّة؛ كان الدّكتور البوطي يُعلي من شأن التوثيق، ويؤكّدُ دوما على عدم الاعتماد على أخلاط الأخبار الموهومة المتناقلة، فلا بدّ من التثبّت والتوثّق حتّى لا نصيبَ قوماً أو شخصا أو جماعةً بجهالة.
وخير وسلةٍ للتوثّق والتّثبّت هو الوصول والحصول على وثائق رسميّة أو سريّةً مكتوبة أو مسموعةً أو مرئيّة، وقد سمعتُ منه في أكثر من محاضرة يقول: "نحنُ أصحابُ منهجٍ علميّ، وأصحاب المنهج العلميّ لا يقبلونَ الادّعاءات دون إثباتاتٍ أو وثائق دامغة."
ومن جهةٍ أخرى، كان الدّكتور البوطي مسكونًا بعقدة المؤامرة أسيرًا لهواجسها مؤمناً بها حدّ الثّمالة، وتفسيرُه للكثيرِ من القضايا والأحداث نابعٌ من اعتقاده بأنّ القرارات تُحاكُ في الغرف السريّة المغلقة وفيها تُدبّرُ المؤامرات، فيغدو الاتّهام بالتآمر للآخرِ حاضراً لديه بناءً على وثائق قد اطّلع عليها.
والشّخص الذي تسكنه عقدة المؤامرة عادةً يسهل التّأثيرُ عليه في صياغة مواقفه وتوجيه رأيه، إذا وُجدت "الوثائق" التي يؤمن بصدقها.
ومن هذا الباب استطاع اللّواء محمّد ناصيف أن يدخل على الدّكتور البوطي الذي كان كثيراً ما يتحدّث عن وثائق سريّة اطّلع عليها، ويبني على تلكم الوثائق مواقفه، دون أن يذكر أينَ اطّلع على هذه الوثائق، أو أين هي أصلاً، وفي الحقيقة هي "وثائق" كان اللّواء محمد ناصيف يضع الكثيرَ منها بين يديه في اللقاءات الدّوريّة بينهما. ومن الطّبيعيّ أن يخبر ناصيف الدكتور البوطي أنّ جهازه الأمنيّ قد حصل على هذه الوثائق من خلال العمليّات الاستخباراتيّة المعقّدة التي يقوم بها لحماية الوطن والأمّة من أعدائه الذين يمكرون له بالليل والنّهار.
121
قناة الجزيرةُ "العميلة"
فور انطلاق قناة الجزيرة القطريّة، توجّس النّظام خيفةً من هذا المنبر الإعلاميّ الوليد الذي يخترق الفضاء العربيّ ويقدّم نموذجاً مختلفاً عن الإعلام "الوطني" الذي لا يجد المواطن سواه على الشّاشة، حتّى إذا بثّت قناة الجزيرة عدّة حلقات من برنامج الاتّجاه المعاكس عن سوريا وبعض البرامج عن نظام حافظ الأسد؛ بدأت دوائر النّظام الأمنيّة والإعلاميّة تتحدّث عن عمالة قناة الجزيرة الفضائيّة وخلفيّاتها الصّهيونيّة، ليخرج بعد ذلك الدّكتور البوطي ويعلن في إحدى دروسه أنّه اطّلع على وثائق سريّة تفيدُ بملكيّة أكثر من نصف القناة لرجل صهيونيّ، وأنّها قناة عميلةٌ صهيونيّة وقد أسّسها الصّهاينة لنشر الفتنة بين شعوب الأمة.
وبقي يؤكّدُ على موقفه هذا في مواقف متكررة، فقال مرّة: في إحدى دروس شرح كتابه "الجهاد في الإسلام؛ كيف نفهمه وكيف نمارسه؟
"لماذا تستغلّ الصّهيونيّة شبكة المشاعر الدينيّة اليهوديّة من أقصى العالم إلى أقصاها لخدمة مشروعها، ثمّ تأتي أنت يا أيها المسلم تريدُ أن تحطّم الإسلام في طريقك إلى فلسطين؟
تريدُ أن تحطّم مشاعر الشبكة الإسلاميّة في طريق الأمّة الإسلاميّة إلى فلسطين؟
ومع الأسف هذا الكلام يُروّج له في أقنيةٍ جاثمةٍ في بلادنا العربيّة ولكنّها ذات هويّة يهوديّة، وأنتم تعلمون ما هي القناة التي أعنيها؛ إنّها "قناة الجزيرة".
والعجيب أنّه لم يغيّر موقفه من القناة حتّى بعد استقبال نظام الأسد؛ مُذيع برنامج "الاتّجاه المعاكس" فيصل القاسم، بحفاوة بالغة في سوريا في سنين ما قبل الثّورة.
وأذكرُ مرّةً أننّي كنت أسيرُ معه في كليّة الشريعة عام 2009م إبّان الحرب الصّهيونيّة على قطاع غزّة، فسألني عن أوضاع غزّة وأهلها تحت القصف
122
الصّهيوني، فذكرت له بعض المشاهد المؤلمة؛ فسألني بألمٍ بالغ: أين نُشِرَت هذه المشاهد؟ فقلت له بتلقائيّة: في قناة الجزيرة؛ فانتفض وقال لي باستغراب واستنكار: "أنت تتابع قناة الجزيرة؟!! هذه قناة مشبوهة فعليك ألّا تتابعها وتحذّر النّاس منها"، فسألته: ومن أين تستقي الأخبار أنتَ أستاذَنا؟ فقال: مِن بي بي سي !! BBC
وثائق مزوّرة: كثيرا ما كان الدّكتور البوطي يذكر في محاضراته ويحيلُ في كتبه ومنها كتابه "هذه مشكلاتهم" - على سبيل المثال - إلى ما يسمّيه "الوثائق الصادرة عن الهيئة اليهوديّة المعروفة بـ"النورانيين"، أو باسم "حكماء صهيون" التي تعدّ المصدر التّاريخيّ الأوّل لما يسمّى اليوم "بروتوكولات حكماء صهيون"، ويبني عليها أحكاماً قطعيّةً، ويجزم بناءً عليها بصهيونيّة جهاتٍ عديدة داخل الصّف الإسلاميّ.
غيرَ أنّ المفكر عبد الوهاب المسيري المتخصص في قضايا الصّهيونيّة يؤكّد في موسوعته الكبيرة "موسوعة اليهود واليهوديّة والصهيونيّة" على أنّ ما يعرف ببروتوكلات حكماء صهيون هو وثيقة مزوّرة وزائفة، وأنّ الإصرار على استخدامها والاعتماد عليها يخدم الصّهيونيّة نفسها.
ومع ذلك بقي الدّكتور البوطي مصرّاً على الاستناد إلى هذه البروتوكولات، واعتبارها "وثائق" يبني عليها حكمه ومواقفه التي يصدّرها عبر كتبه ومنبره.
المعارضة السّوريّة و"وثائق" اللّواء ناصيف
لم يفتأ الدّكتور البوطي يتّهم خصومة من أتباع التيّار السّلفي "الوهّابيّة" بالعمالة، فهم عنده بحسب "الوثائق" لا يتجاوزون كونهم صنيعة بريطانيّة لهدم الإسلام من داخله وتفتيت بنيان الأمّة الإسلاميّة.
ولكنّ هذه الوثائق لم تقتصر على إظهار عمالةِ خصومه الفكريين، بل أظهرت له عمالةَ خصومِ نظام الأسد، فكانَ لهم بالمرصاد عبر المنبر والخطب المبثوثة على قنوات النّظام السوريّ ودروس جامع الإيمان التي تتناقلها وسائل التّواصل الاجتماعيّ.
123
وبناءً على هذه الوثائق، أكّد الدّكتور البوطي أكثر من مرّة بأنّ من يقودون الثّورة السّوريّة ويوجّهونها هم حفنة من المرتزقة العملاء الذين يتقاضون أموالهم وأوامرهم من الخارج.
كذلك كانت هذه الاتّهامات لقيادات المعارضة السّياسية السوريّة، وكان أكثر الذين نالهم الاتّهام بالعمالة هو "برهان غليون"، رئيس المجلس الوطني السوري المعارض، حيث هاجمه ابتداءً بسبب خلفيّته العلمانيّة، مقررّاً مروقه من الدّين كونه علمانيا، وذلكَ في تناقضٍ صارخٍ مع وصفه بشّار الأسد بالرّئيس المؤمن، على الرّغم من أنّ الأسد يعلن على الدّوام أنّه علمانيّ ويعمل على ترسيخ العلمانيّة في الدّولة السّوريّة!!
لكنّ الدّكتور البوطي لم يقف عند انتقاد التوجّهات العلمانيّة والفكريّة للرّجل ومهاجمتها، بل أطلق على برهان غليون وصف "رجل المخابرات الأمريكية والموساد الصهيوني".
وفي أكثر من مجلسٍ أكّد الدّكتور البوطي أنّ الوثائق - التي سينشرها في الوقت المناسب - تشير إلى أنّ الموساد الصّهيونيّ هو الذي عيّن برهان غليون رئيسًا للمجلس الوطنيّ، وبناءً على ذلك فإنّ المعركة مع المعارضة السّوريّة هي معركةُ مع أحد أذرع المخابرات الأمريكيّة والموساد الصّهيوني في المنطقة.
وهكذا بقيت هذه الوثائق التي يعلن الدكتور البوطي اطلاعه الحصريّ عليها إحدى الرّكائز التي تصوغ توجهاته ومواقفه إلى آخر حياتِه.
ومع كلّ حدثٍ أو موقفٍ كان يستشهدُ فيه باطّلاعه على وثائقَ خاصّة؛ كان الدّكتور البوطي يعلنُ أنّه سينشر هذه الوثائق المهمّة في الوقت المناسب، غير أنّه رحل عن الدّنيا ولم ينشر شيئاً من تلكم الوثائق التي بقيت حبيسة صدرِه وأدراج اللّواء محمّد ناصيف.
*"عربي 21" 30/10/2020م، بتصرف يسير، وهو حذف الأسطر الثلاثة الأخيرة من المقالة؛ لتحدثها عن علاقة الشيخ بالإخوان المسلمين، والوعد بالحديث عنهم، وهي لا علاقة لها بهذه المقالة.
124
دمعة وفاء ورثاء على:
الإمام العلامة والمفكر الإسلامي الكبير المجدد والأديب الأريب الكبير
الشهيد الدكتور محمد سعيد بن رمضان البوطي يرحمه الله تعالى
(1348- 1434هـ = 1929- 2013م)
سيد أحمد بن محمد السيد
1- ماذا أقُولُ عَنِ الإمَامِ البُوطِيّ فِي حَقِّهِ ، و بِوَصْفِهِ المَبْسُوطِ
2- حارَ الجَنَانُ مَعَ اللِّسَانُ بِنَعْتِ مَن قد كانَ حَبْرًا مُدْهِشَ التَّخْطِيطِ
*********
3- نَجْلُ الفَقِيهِ الشَّافِعِيِّ ، بِشَامِنَا رِبِّيُّهُمْ ؛ رَمَضَانُ مُلَّا البُوطِيّ
4- الزَّاهِدُ الوَرِعُ المُعَمَّرُ مَنْ لَهُ شَهِدَ الجَمِيعُ ؛ بِسَبْقِهِ و شُحُوطِ
*********
5- ماذا أقُولُ بِمَنْ قدَ اضْحَى ذِكرُهُ في الشَّامِ ، إفْرِيقيَا ، إلَى شِنْقِيطِ
6- بِرُبُوعِ آسْيَانَا ، و أمْرِيكَا إلَى بُلدانِ أورُبَّا ، إلى مَجْرِيطِ
7- ماذا أدَوِّنُ عن غَزَاليّْ عَصْرِهِ حَامِي التَسَنُّنِ مِن أذًى وسُقُوطِ
*********
8- حَبْرُ الأصُولِ، كَذَا العَقِيدَةُ ؛ فَحْلُهَا و لِسَنَّةِ المُخْتَارِ خَيرُ خَلِيطِ
9- مُحْيٍ لِسُنَّةِ أحْمَدٍ ، و مُحَارِبٌ لِلبِدْعَةِ الشَّنْعَاءِ ، و التَّخْبِيطِ
*********
10- هُوَ قامِعُ الإلْحَادِ كَاسِرُ عَظْمِهِ فِي "نَقْضِ أوْهَامٍ" و في تَخْلِيطِ
11- هو هَازِمُ الإلحادِ ؛ هَادِمُ رُكْنِهِ بِالعِلْمِ ، مَعْ بُرْهانِهِ المَضْبُوطِ
125
12- هو هادِمٌ "شُيُعِيَّةً" خّدَّاعَةً لّعِبَتْ بِعَقْلِ البَعْضِ مَعْ تَشْطِيطِ
13- سَلْ عَنهُ"تِيزِينِي" وأضْرَابًا لَهُ يُنْبُوكَ عَنْ حُجَجٍ لَهُ بنُبُوطِ
14- يُنْبُونَ عَن تِبْيَانِهِ بِأدِلَّةٍ بَيْضاءَ ، عن شُبَهٍ لهُمْ بِسُقُوطِ
*********
15- هو هازِمُ "المُتَسَلِّفِينَ" بِشَامِنَا بِحِجَاجِهِ الْعِلمِيِّ ، لا الأُغْلُوطِي
16- سَلْ شَيْخَهُمْ نَجْلَ النَّجَاتِيْ عِنْدَمَا ذاقَ الهَزِيمَةَ مُفْحَمًا ، بِوُبُوطِ
17- مِنْ بَعْدِهَا تَرَكَ الشَّآمَ مُطَهَّرًا مِن دُونِ أيَّةِ عَوْدَةٍ ، و هُبُوطِ
*********
18- لَمْ تُغْرِهِ الدُّنْيَا بِزَهْرِ مَتَاعِهَا بل عَاشَ فِيهَا عَيْشَ أيِّ بَسِيطِ
19- مَنْ قَلبُهُ بِإلَهِهِ مُتَعَلِّقٌ لَنْ يُزْدَهَى بِمَتَاعِهَا المَبْسُوطِ
*********
20- يا داعِيًا لِلَّهِ فِيهِ مُجَاهِدًا بِالعِلمِ والتَّدْريسِ رَغْمَ ضُغُوطِ
21- لِلَّهِ دَرُّكَ صابِرًا و مُرَابِطًا! فِي الشَّامِ؛ لم تَرْحَلْ لِأَيِّ مُحِيطِ
22- بَلْ ظَلتَ فيهَا صامِدًا رَغْمَ الأذَى مِنْ حِزْبِ بَعْثٍ كافِرٍ وضَرُوطِ
23- و ظَلِلْتَ فِيهَا ثابِتًا رَغْمَ العَنَا تُعْنَى بِنَشْرِ العِلْمِ ، بِالتَّبْسِيطِ
24- "كُبْرَى اليَقِينِيَّاتَ"ابَنْتَ بِشرْحِكُمْ
"تاريخ تشريع" انتهى بِنُبُوطِ
25- أمَّا"رِيَاضُ الصَّالِحِينَ" فَأبْهَرَتْ فِي شَرْحِهَا المُتَفَرِّدِ المَضْبُوطِ
26- "حِكَمُ العَطَاءِ"أتَتْ كَعِقْدِ جَوَاهِرٍ "تَفْسِيرُ قُرْآنٍ" أتَى كَسُمُوطِ
*********
126
27- للهِ دَرُّكَ ! مِن خَطِيبٍ مِصْقَعٍ يَذَرُ القُلُوبَ - بِوَعْظِهِ - بِغَطِيطِ
28- ودُرُوسُكُمْ كَمْ أثَّرَتْ فِي جَامِعِ "الـ إيمانِ، سِنْجِقْدَارَ"؛ مِنْ مَغبُوطِ!
29- ومَسَاجدُ"الأُمَوِيّْ، الرِّفَاعِيْ، تِنْكِزٍ" لَشَوَاهِدٌ بِفَذاذَةٍ لِلبُوطِي
*********
30- للهِ دركَ ! واعِظًا و مُدَرِّسًا و مُحَاضِرًا لِتَلَامِذٍ و مُحِيطِ
31- في ظِلِّ "كُلِّيَة الشَّرِيعَةِ" ظَلْتُمُو رَدْحًا تُفِيدُ العِلمَ جِدَّ نَشِيطِ
32- و"المُلْتَقَى السَّنَوِيّْ"بِأَرْضِ جَزَائِرٍ كُنتَ المُبَرِّزَ فِيهِ بِالتَّنْبِيطِ
*********
33- لِلَّهِ دَرُّكَ ! مُبْدِعًا و مُؤلِّفًا بِرَوَائِعٍ ؛ كَلَآلِئٍ بِقُرُوطِ
34- بِمُصَنَّفَاتٍ جَمَّةٍ ؛ قَدْ نُوِّعَتْ
بِالعُمْقِ مِيزَتْ، بِالحِجَى المَضْبُوطِ
35- في"فِقهِ سِيرَةِ" أحْمَدٍ كَمْ بِدْعَةٍ! و"رَوَائِعُ القُرآنِ" مِثْلُ سُمُوطِ
36- و"ضَوَابِطٌ لِلْمَصْلَحَةْ" كَمْ رَائِعٌ "فِقهُ المُقارَنِ" كانَ خَيرَ وَسِيطِ
37- و "العَوْدُ لِلإسْلامِ" ؛ مَنْهَجُ أُمَّةٍ تَاقَتْ إلَيهِ ، غِبَّ شِبْهِ قُنُوطِ
38- و "يُغَالِطُونَكَ" جاءَ رَدًّا مُفْحِمًا "سَلَفِيَّةٌ" جَاءَتْ بِلَا تَشْطِيطِ
39- و"المُشكِلَاتُ لَنَا، لَهُمْ" قَدْ أُوضِحَتْ بِهِمَا الحَقِيقَةُ دُونَمَا تَفْرِيطِ
40- "لَا مَذْهَبِيَّةُ" قد شَفَا، "ذا والِدِي" أحْيَا النُّفُوسَ بِعَرْضِهِ المَبْسُوطِ
41- و"حَضَارَةُ الإنْسَانِ" في قُرآنِنا هِيَ مَنْهَجٌ بيَّنْتَهُ بِخُطُوطِ
42- و"مَعَ الأنَاسِيّْ" و"الفَتَاوَى"جَوْهَرٌ حَلَّتْ مَشَاكِلَ جَمَّةً ، بِنُبُوطِ
127
43- و"مِنَ الفُؤَادِ وفِكْرِكُمْ" كَمْ رَوْعَةَ أُسْلُوبُهُ ، بِجَمَالِهِ المَغْبُوطِ
44- وكِتابُ "شَخْصِيَّاتِكُم"هُوَ مُنْصِفٌ فِي عَرْضِهِ لِمَواقِفٍ و خُطُوطِ
45- وكَذَا مَقَالَاتٌ لَكُمْ بـِ "حَضَارَةٍ"، وبـِ "نَهْجِ إسْلَامٍ"؛ سَمَتْ بِفُرُوطِ
*********
46- يا سَيِّدِي! طُوبَى لَكُمْ بِشَهَادَةٍ قَدْ نِلْتَهَا بِسَعَادَةٍ و فُرُوطِ
47- في ظِلِّ بَيْتِ اللهِ وَقْتَ تَدَارُسٍ و تَنَزُّلٍ لِمَلَائِكٍ ، كَخَلِيطِ
48- في مَسْجِدٍ ، في جَلْسَةٍ عِلْمِيَّةٍ بِسَكِينَةٍ مِن رَبِّنَا ، بِمُرُوطِ
49- و لْيَخْسَ قاتِلُكَ الغَدُورُ وحِزْبُهُ حِزْبُ الخِيَانَةِ و الخَنَا و قُنُوطِ
*********
50- يا رَبِّ فارحَمْ شَيْخَنا و تَوَلَّهُ في قَبْرهِ ؛ بِمَراحِمٍ و حَنُوطِ
51- و كَذَا مُحِبُّوهُ ، و قُرَّا كُتْبِهِ و الناشِرُونَ لِعِلْمِهِ المَنْبُوطِ
52- مَا رَفَّ طَيْرٌ أو تَألَّقَ كَوْكَبٌ أو نَاحَ قُمْرِيٌّ بِقُرْبِ شُطُوطِ
53- أدخِلهُمُ الفِرْدَوسَ يَوْمَ تَغَابُنٍ كَيْ يَسْعَدُوا بِنَعِيمِهَا المَبْسُوطِ
*********
الشيخ محمد سعيد البوطي في شبابه
*شرح غريب القصيدة:
(1) في حقه: أي في حق الشيخ محمد سعيد البوطي من مدح وثناء يليق به.
*المبسوط: المشروح، المُفَصَّل.
(2) الجنان: القلب. *نعت: وصف.
*حبرا: عالما كبيرا. *مدهش التخطيط: أي خبيرا، يُدهِش في تحليله وتخطيطه للأمور والأحداث.
(3) نجل: ابْن. *الفقيه الشافعي بشامنا: العالم بفقه الإمام الشافعي المشهور في مدينتنا مدينة دمشق عاصمة سورية.
*رِبِّيُّهُمْ: أي رِبِّيُّ علماء الشام. والرِّبِّيُّ: هو العالم التقِيُّ الصابِر.
*المعجم الوسيط 321، قال الله تعالى: (وكَأيِّنْ مِنْ نَبِيٌّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ). آل عمران 146.
129
العلامة الزاهد مُلَّا رَمَضَانُ البُوطِيُّ
*هو العالم الرباني والفقيه الشافعي الزاهد: ملا رمضان بن عمر بن مراد الكُرْدِيّ البوطي، ثم الدمشقي.
*اشتُهر بـ "مُلَّا رَمَضَان"، و"مُلَّا" هذا ليس اسمًا له كما يظن البعض؛ بل هي كلمة كردية بمعنى كلمة "الشيخ" العربية.
*وهو والد الشيخ د. محمد سعيد البوطي.
*ولد من أبوين كرديين بقرية "جيلكا" الصغيرة، بتركيا، وهي الواقعة في "جزيرة ابن عمر؛ جزيرة بوطان"، مقابل بلدة "عين ديوار" السورية.
*نشأ في "جيلكا" مع جده أبي أبيه الفَلَّاح "مُرَاد"؛ يعمل معه ويُساعده في الحقول وأعمال الزراعة وأسبابها.
*كانت والدته كثيرة الصلاح والتقوى؛ فأقنعت زوجها على توجيه ابنهما نحو الدراسة وطلب العلم.
*ترك العمل الزراعي مع جده وأبيه، وتعلم القراءة والكتابة وقراءة القرآن، ثم التحق بإحدى المدارس الكُردية التقليدية المُلحقة بأحد المساجد، وتنقل في قرى ومدارس عِدَّة، وتتلمذ على شيوخ عدة.
130
*من أهم وأشهر شيوخه الذين تتلمذ عليهم:
1- الشيخ محمد سعيد سِيدَا "شِيخ سِيدا".
2- سَيِّد محمد الفندكي. العالم المُتواضع.
3- المُلَّا عبد السلام: وهو الذي كان يدعوه تلميذه "سِيداي ملا عبد السلام"؛ أي أستاذي ملا عبد السلام.
*درس على هؤلاء الشيوخ وغيرهم علوم الآلة "علوم اللغة العربية"؛ من نحو وصرف وبلاغة، ومنطق، وعلم الوَضْع، والمَقُولات العَشْر ... .
*كما حفظ المتون العلمية المُعتمدة، ودرَسَ بعض الكتب المُقَرَّرة.
*بدأ - كشأن غيره- فتعلم تصريف الأفعال، ومسائل صرفية أخرى، ثم تعلم علم النحو من سلسلة كتب مُعَقَّدَة -"كما هو شأن أغلب طلاب العَجَم في تعلمهم العربية"-، وكان آخر ما قرأه منها كتاب "الجامي على الكافية لابن الحاجب ت 646هـ"، وهي لنور الدين عبد الرحمن بن أحمد الجامي "المُلَّا جامي" ت 898هـ.
*تعلم من علوم الشريعة "العقائد النسفية"، ثم "تفسير القاضي البيضاوي عبد الله بن عمر ت 685هـ.
*ثم تعلم الفقه الشافعي فقرأ فيما قرأ كتاب "تُحفة المُحتاج في شرح المنهاج للنووي" للإمام ابن حجر الهيتمي المكي أحمد بن علي ت 974هـ.
*ثم قرأ في "أصول الفقه" كتاب "شرح الجلال المَحَلِّي على جمع الجوامع لابن السُّبْكِيّ".
*مع اهتمامه بحفظ المتون العلمية والمعتمدة والكتب المقررة، جعل أكثر اهتمامه بترتيل القرآن الكريم وتجويد تلاوته.
*اهتم من علم الفقه بعباداته وأحكامه السلوكية العملية، واستهوته كتب التصوف، ومن أهمها كتاب "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي؛ فاقتناه وعكف على قراءته.
*كما شُغف بدراسة سيرة سيدنا المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأكثر من نوافل الطاعات والعبادات.
*كانت أمنيته الكبيرة أن يقتني ساعة يستعين بها في القيام لصلاة الليل، ولما تحقَّقت له فرح بها فرحا غامِرًا عارِمًا.
*في حين كان رفاقه وزملاؤه يضون جل وقتهم في حفظ المتون وتكرارها، وإعداد الدروسوحلّ المعضلات من المسائل والرموز، وفك الألغاز المُستعصية، كان الشيخ رمضان يُمضي أكثر وقته في قراءة القرآن وتجويده، والإكثار من النوافل والطاعات وقيام الليل؛ فكان زملاؤه يسخرون منه، ويتهمونه بالتقَعُّر والتكلف وتقليد كبار الشيوخ، وأن فعله هذا إنما هو عجز عن مُجاراتهم في حفظ المتون والمسائل المُستعصية؟!
*ساعة الامتحان (إن تتقوا الله يجعل لكم فُرقانًا):
لقد كان الشيخ رمضان بالنسبة لزملائه مُتخلِّفًا في حِفظ المتون، مَحدودَ المَلَكَة والقُدُرَات، وفي يوم من الأيام جاء الشيخ ليمتحن الطلابَ والشيخَ رمضان؛ فشَرَعَ يسألهم الواحِدَ تِلْوَ الآخَر، ولمَّا جاء دور الشيخ رمضان كان مُفاجِئًا ومُدْهِشًا؛ فسأله ووجَّه إليه ما شاء من الأسئلة في مُعضلات المسائل والنصوص، فألهمه الله السَّدَاد في الإجابة؛ فنظر إليه قائلًا في دَهْشَة: "الحَقُّ أنَّكَ لم تكن عالِمًا، ولكنَّ اللهَ قال لكَ: كُن عالِمًا، فكُنتَ؟!!
*ليلة الجمعة ويومها عند الشيخ رمضان وزملائه "طلاب الشريعة":
كان أولئك الطلاب زملاء الشيخ رمضان إذا جاءت ليلة الجمعة يقضونها في اللعب والرقص والمرح والأهازيج؛ إذ كانت هذه الليلة ويومها للإجازة والراحة من عناء الدراسة والحفظ طيلة أيام الأسبوع الأخرى؛ فكانوا يسهرون تلك الليلة حتى آخرها فيبلغ التعب منهم مَبْلَغَه فينامون ويَغُطُّون في سُبات عميق يستمر حتى وقت متأخر من الضحى؛ فتفوتهم صلاة صبح الجُمُعَة في وقتها بسبب اللهو واللعب، وهي أفضل ليالي الأسبوع مع كونهم طلابًا للشريعة؟!
132
*في نحو عام 1914م عمل الشيخ رمضان بعد تخرجه إماما في "مسجد جيلكا" قريته، ومدرسا للعلوم الشرعية في المدرسة المُلحقة به.
*شارك في الحرب العالمية الأولى ضد روسيا؛ فتطوع للدفاع عن بلاده الإسلامية والخلافة العثمانية التي كانت مريضة في أواخر عهدها، وكانت أكثر مشاركته فيها على حسابه الخاص، بعد تدريب سريع وسطحي في معسكرات قريبة من حدود روسيا قرب "وان" و"بِتْليس" ومناطق البحر الأسود، وكانت مشاركته في الحرب تجربة فاشلة وقاسية، كما أخبر، والسبب هو منع الصلاة، ومعاصي كثير من الجنود والضباط، مع قُرِّ الشتاء وبرده القارس، وثلوجه وصقيعه المتجمد المتراكم من كثرة تلك الثلوج، كما سيأتي حالًا.
*صورة قبيحة عن الجنود والضباط "العُثمانيين" في الحرب ضد الروس:
يذكر الشيخ رمضان رحمه الله سبب إخفاق مشاركتهم في الحرب العالمية الأولى ضد روسية وقسوة تلك التجربة؛ فيذكر أن الضابط المسؤول عنهم كان يتضايق من أدائه للصلاة؟!
وحاول منعه من الصلاة أكثر من مرة فقال له مُلَّا رمضان: "إنني لستُ جُنديا مُوظَّفًا في مُعسكركَ، إنني مُتطوع للقيام بواجبي الجهادي هذا، ومُتحمِّل تكاليفَ ذلكَ، دُونَ أيِّ مِنَّةٍ منكم، ابتِغَاءَ مرضاة الله عزوجلّ؛ فبأيِّ حقٍّ تمنعني من أن أؤدِّيَ أوامِرَ الله الذي لم أشترك معكم في المجيء إلى هذا المكان إلَّا لِمَرضاته؟!
كما وصف أخلاق كثير من الجنود والضباط بالابتعاد عن الاستقامة، والانهماك في المعاصي، وربَّما الفَواحِش؟؟!!
وربما سألتَ أحدهم عن اسم رسوله المُرسَلِ إليه من الله تعالى فلا يعلم الجواب؟!! كما يقول مُلَّا رمضان البوطي.
هذا إلى شدة برد الشتاء، وكثرة ثُلوجه؛ التي سببت له رَثْيَة الأعصاب "الروماتيزم" التي لازمَته، بسبب غوص قدميه في الثلوج لساعات طويلة خلال مسيرهم في تلك الحرب.
*زواج ملا رمضان:
ثم تزوج الشيخ رمضان "مَنْجِي" إحدى قريباته الكُردِيَّات، وهي والدة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، رحم الله الجميع.
*حج إلى بيت الله الحرام أول مرة سنة 1930م وكان عمر ابنه ووحيده محمد سعيد لم يتجاوز السنة، وكان حجه بالبحر، وعلى ظهور الجِمَال، واستغرق حجه نحو خمسة أشهر من وطنه جزيرة بوطان إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة ذهابا وإيابا؟!
*ثم تكرر حجه واعتماره مرات، أغلبها كانت على حسابه، وكان يذهب في رمضان للعمرة فيعتمر ويجاور ثمة، ولا يعود إلا بعد أن يحج ويزور المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ أي يبقى ثمة نحو 4 أشهر.
*هجرته إلى الشام سنة 1933م لِظلم "أتاتُورك" وتضييقه على المسلمين:
في هذه السنة فكر الشيخ رمضان بالهجرة إلى بلاد الشام بعدما كثرت الإساءات المتغمَّدة من مصطفى كمال إلى الإسلام بالعُدْوَان عليه، وتضييقه على المسلمين الصالحين؛ بعدة إجراءات وتخريبات خطيرة، وأهمها:
1- إلغاء الخلافة الإسلامية. 2- ثم إلغاء الأذان بالعربية.
3- ثم استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية.
4- ثم منع تلاوة القرآن في الأماكن العامَّة بالعربية، وإحلال القرآن المُتَرجَم إلى اللغة التركية مَحَلَّه.
5- ثم إجبار الرجال على لبس القُبَّعة الغَرْبِيَّة بَدَلَ العِمَامة والطربوش والقَلَنْسُوَة ومنعها عليهم.
6- إجبار النساء على خلع النقاب والزي الإسلامي "الحِجاب".
7- منع الحج إلى بيت الله الحرام.
134
وأضحت الدوريات - المُكَثَّفة للجنود والشرطة المُدَجَّجة بالأسلحة، والمُتَهَيِّئة
لِلقتال- تجوب القرى والمدن التُّرْكِيَّة، ومنها قرية ملا رمضان "جيلكا" وتدهمها على حين غِرَّة، وتطأ مساجدها بالأحذية؟!
وعندئذ يجب اختفاء أصوات الأذان العربي، وجب خُلُوُّ المساجد من المصاحف وسائر الكتب العربية والدينية، ويجب تفرق طلاب العِلم الشرعي إلى دورهم وقُراهم؟؟!!
كما يجب على الرجال وضع القبعات "البِرْنِيطات" على الرؤوس بدل العمائم والقلانس والطرابيش؟!
وكان أولئك الجنود والشُّرَط يحتلون ما يشاؤون من البيوت مُدَّة بقائهم في القرية، وكانوا يتعقَّبُون المُخالِفين للتعليمات الجائرة بأشرس أنواع العقوبات الكيفية، كما يقول د. محمد سعيد البوطي.
*ومن المظاهر السيئة التي انتشرت تلك الفترة خروج نساء القرية إلى ظاهرها إلى الأنهار والينابيع لجلب الماء إلى بيوتهن، فيغسلن الثياب، ثم يتغسَّلْنَ، ويُمضين نهارهن ثَمَّة بالعمل المُجْهِد واللهو الصاخب، ويمتزج الجِدُّ بالعبَث، مع وجود بعض الشُّبَّان المُراقِبين لهن من قريب أو بعيد؟!
*كل تلك الأسباب حملت الشيخ رمضان على الهجرة من قريته إلى الشام؛ فقد تأكَّدت هجرته إليها بعد قراءته لآية من كتاب الله تعالى؛ فبينما كان يتلو القرآن ذات يوم، إذ به يصل إلى آية استوقفتْه كثيرا، وبَدَّدَت سائر مخاوفه من الهجرة، وزادته رغبة فيها بسرعة، وهي قول الله تعالى:
(ومن يُهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مُراغما كثيرا وسعة، ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله وكان الله غفورا رحيما*). سورة النساء 100.
*أخبر الشيخ رمضان زَوجَه بعزمه على الهجرة فوافقت، وشرح الله صدرها لها، واستعجلتْه في تنفيذها.
135
*أخذ العهود والمواثيق على الزوجة قبل الهجرة؟!
لكن الشيخ رمضان خاف من تغيير زوجه رأيها، وعمل مشاكل له؛ فقال لها: "الأمر أصعب مِمَّا تتصوَّرين، يجب أن تفترضي أننا قد نقع بين براثن العُدْم والفقر، وأنَّ كل نعمة مما نتمتع به هنا قد تتحوَّل إلى حِرمان؛ لذا فلن أكتفي بموافقتك هذه حتى تُعطيني العُهودَ والمواثيقَ بأنَّكِ ستظلينَ راضيةً صابرةً، ولن تُواجهيني بأيِّ ضَجَرٍ أو نَدَامَةٍ".
قالت له: "إن الله يرزق الفاسِقَ والكافِرَ، أفلَا يرزقُكَ أنتَ"؟!
قال لها: "قد يبلنا الله بما شاء من المصائب، ولا ضمانة لِمَا تقولين .. وعلينا أن نفرض أسوأ الاحتمالات.
وتعاهد الزوجان -"رمضان ومَنْجِي"- على الهجرة إلى الشام -"دمشق"- راضِيَينِ ومُستعِدَّينِ لقبول كل ما قد يواجههما من خير وشر.
ومن حينها بدأ يُعِدُّ العُدَّة للهجرة، بنفس راضية مطمئنَّة.
*وخرج مُلَّا رمضان من "جيلكا" سنة 1933م سِرًّا ليلا خشية إدراك الدَّرَكِ له فيكون مصيره الإعدام شنقا، وكان معه زوجه، وابنه محمد سعيد ذي الأربع سنوات، وأختاه الكبرى زينب والصغيرة رُقيَّة، وترك بُستانه وحديقته وبيوته لإخوته وأقاربه، ولم يكن معه سوى 8 ليرات ذهبية، ومضوا إلى "نهر دجلة" إلى الحدود التركية السورية، ليركبوا قاربًا "كَلَك" للبضائع والأشخاص؛ فعَبَرُوا بها دجلة، في حين كان يردد أوراده التي لم يكن يغفل عنها، واجتازوا الخطر بفضل الله تعالى، ووصلوا إلى قرية "عين ديوار" من الأراضي السورية.
ونزلت أسرة ملا رمضان القرية المذكورة؛ فأكرمهم أهلها مُختارُها وشُرطتها، واحتفَوا بهم مع أنهم لا يعرفونهم، وسُجِّلت أسماؤهم فيها مواطنين سُورِيِّي المَولِد والإقامة، وأعطوا الوثائق الرسميَّة بذلك؟!
136
وكان نزولهم يومئذ ضُيوفا على ملا أحمد عين ديواري، والذي أصبح فيما بعد مُفتيًا لمدينة "القامِشْلي".
*تمت الهجرة، ونزلا في "حي الأكراد" بدمشق.
*عاش الشيخ رمضان في دمشق 57 سنة، وعمل فيها أولا بتجارة الكتب العلمية الشرعية فكان يبيعها لطلاب العلم الأكراد في محافظة الحسكة، وربح ربحا جيدا، مع عدم خبرته بالتجارة، كما عمل ببيع المواد الغذائية.
*ثم عمل إماما وخطيبا في "مسجد الرفاعي" في "ركن الدين" قرب "ساحة شمدين" بدمشق، وكان يعطي بعض الدروس فيه.
*من دروسه التي كان يعطيها في "جامع الرفاعي" شرح "إحياء علوم الدين" للإمام الغزالي، وقد حضرت بعضها، بفضل الله تعالى.
*وأضحى يدرس الطلاب العلوم العربية والفقه الشافعي.
*توفيت زوجه سنة 1942م، فتزوج أخرى من أسرة تُركية فاضلة، أنجبت منه بنتين سمَّى الكبرى زينب، والصغرى خديجة.
*حج من دمشق مرات عديدة إلى بيت الله الحرام.
*تشييع الشيخ رمضان ودفنه في "مقبرة باب الصغير" بدمشق:
هذا وقد حُمل الشيخ على الأعناق، وقد شاركت في تشييعه بفضل الله تعالى ضمن طلاب كلية الدعوة الإسلامية بدمشق، وقد شيعته عشرات الآلاف من أبناء دمشق من محبيه وإخوانه وطلابه وعارفي فضله ونبله، إلى مثواه الأخير في الباب الصغير، في جنازة مهيبة، وقد استغرقت نحو 3 ساعات تحت حر الشمس.
137
*ولا أنسى ما كتب على تابوته في لوحة في مقدمته كتب عليها بوصية من صاحب النعش ملا رمضان:
أتيتُكَ بِالفَقْر يا ذا الغِنَى! و أنتَ الَّذِي لمْ تَزَلْ مُحْسٍنَا
*وصيته: ترك الشيخ رمضان هذه الوصيَّة القصيرة، والمُؤثِّرَة:
"الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه الكرام، وكل من اتبع سنته.
أما بعد؛ فأوصي أولادي وكُلَّ من يسمع كلامي، أن لا يتَّخِذُوا مِن دُون الله وَلِيًّا ولا نصيرًا، ولا حاكِمًا أو قديرا.
وأسأل الله تعالى أن يُفهمهم معنى كلامي، وأن يُدبِّر أمرهم تدبيرا".
*من أقوال العلماء فيه: *قال فيه الشيخ محمد خير رمضان يوسف:
"عالم رباني زاهد ...، وهو العالم والمعلم والفقيه، أشربت روحه حقيقة التصوف، وعاش يحارب البدع ويمقتها، وقد رأيته، وسمعت كل خير". *"تتمة الأعلام" 3/252.
*وقال عنه د. نزار أباظة: "داعية من زهاد العلماء الأكراد ...، عاش على الكفاف. شارك خلال حقبة من الزمن مع "رابطة العلماء" في الأنشطة الإسلامية، لكنه آثر العزلة، وكان يستغرق في التعبد، عرف بالتقوى والورع والديانة. كان له شأنه العلمي والاجتماعي في حي ركن الدين (حي الأكراد) بدمشق". *"إتمام الأعلام" 1/276.
*وقال فيه ولده الشيخ الشهيد د. محمد سعيد رمضان البوطي:
"كان مُتعبدًا من خلال الصلوات المتنوعة وإكثاره منها، وكان مُتعبدًا بتلاوة القرآن والمداومة عليها، ومن خلال مناسك العمرة والحج وما تميز به من أعمال وأحوال فيهما.
وكان متعبدا من خلال خلواته في غرفته الصغيرة مفكرا ومتأملاً في العمر الذي قطعه، والهجرة التي وفقه الله لها والنعم التي أكرمه بها.
138
وكان متعبدا من خلال أوراده وأذكاره الكثيرة التي كان ملازماً لها، وكان متعبداً من خلال زياراته للصالحين سواء منهم الأحياء والأموات. وكان متعبدا من خلال دروسه المتميزة للناس الذين كانوا يغشون مجالسه.
كان رحمه الله يأخذ على كثير من طلاب العلم، والإسلاميين الذين يرون أنهم يشتغلون بالدعوة، انهم لا يقبلون من الصلاة إلا على وظائف عضوية يؤدونها، وألفاظ محفوظة يرددونها، ثم إن أحدهم يقف حتى في صلاته التي هو فيها مع الله، وقفة المعتز بشأنه المتباهي بنفسه، يميل رأسه إلى الأعلى، ويمدّ ساقًا ويعدل أخرى، وكم كان يحذرني بشدّة من أن أركن إلى عادة هؤلاء الناس فأبتلى بمثل هذا الصلف. في وقت لن يكون الإنسان أكثر مهانة وذلاً منه في هذا الوقت.
كان رحمه الله شديد الورع في علاقاته ومعاملاته، كثير الرقابة على لسانه وعلى ما يجري في مجالسه. فلم يكن يحرك لسانه بغيبة أحد، ولم يكن يأذن لأيٍّ من مُجالسيه أن يغتاب أحدا، سواء كانوا ضيوفاً عنده، أو كان هو ضفاً في دار أحدهم، وأياً كانت مرتبة الذي تورط فاغتاب.
ولم يكن يسكت على أي منكر يراه مهما دق أو صغر، ولكنه كان يستعمل في إنكاره أقصى درجات الحكمة واللطف. فإذا رأى من يقابل حكمته ولطفه بالمخاتلة والخداع، أخذ منه الغضب ولم يعد يبالي أحد أو بشيء.
كان رحمه الله يجزم بأن التصوف النقي هو جوهر الإسلام ولُبابه.
وكان يؤكد أن المسلم إذا لم يكن قد تشرب حقيقة التصوف، فقد حبس نفسه في معاني الإسلام، ولم يرق صعدا إلى حقيقة الإيمان.
وكان يُلحّ على أن التصوف ليس كلمات تُورث أو تنقل ولا معارف تحفظ، ولكنه حال يتلبس بكيان المسلم يرقى به إلى مستوى شهود الله عز وجل. وإذا لم يرتفع المسلم إلى مستوى هذا الشهود، فهيهات أن تكون نصوص الأحكام وحدها، بكل ما يحف بها من مُؤيِّدات الجزاء، حافزًا كافيًا للانضباط الحقيقي بمدلولاتها وأوامرها.
عُرف رحمه الله بالبراعة في فقه الإمام الشافعي، وبالاطلاع الواسع على فقه الحنفية، وقد درّس كثيراً في كليهما، كما كان واسع الاطلاع على كثير من علوم الآلة كالمنطق وعلوم النحو والصرف. والأهم من ذلك تحقيقه في المسائل العلمية، لا سيما الفقهية قد كان يسبر غورها ويتتبعها في مراجعاته وتأمله، وكثيرا ما كان يبقى في تحقيق مسألة فقهية واحدة يومين وثلاثة أيام، وكانت تصبح شغله الشاغل حتى ينتهي إلى قرار جازم بها.
وكان يأخذ على كثير من طلاب العلم وأساتذتهم سطحية النظر والبحث، وعدم التنقيب والتحقيق في النصوص ومدلولاتها.
ولم يكن يردّ طالب علم جاء ينبغي أن يأخذ عليه درساً في فن من الفنون".
*آثاره: لم يترك الشيخ رمضان مؤلفات أو كتبا مصنفة سوى كتاب، وبعض المقالات العلمية، والوصايا والنصائح، وهي:
1- كتاب فيه نصائح ووصايا.
2- مقالة: "الاجتهاد من الرسول الكريم سيدنا محمد عليه وعلى آله أزكى الصلاة والتسليم". نشرت في مجلة "نهج الإسلام" الدمشقية ع 26 في/جمادى الآخرة/1407هـ- شباط/1987م. في 4 ص، وهو في كتاب "هذا والدي" ص 175- 178.
3- مقالة: "مبحث نجاة والِدَيْ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والصلاة عليهما". نشرت في كتاب هذا والدي ص 179- 183، كما نشرت من قبل في مجلة "نهج الإسلام" الدمشقية بعد أشهر من نشر المقالة الأولى عن اجتهاد النبي عليه الصلاة والسلام.
4- خلاصة وصيته التي كتبها في شبابه لطفله الوحيد محمد سعيد. وقد كتب هذه الوصية بعد مرض عُضال كان قد أصابه في شبابه خشي على نفسه الموت منه فكتب هذه الوصية زادا تربويا يبقى لابنه بعد وفاته، وهي في 10 ص، منشورة في كتاب "هذا والدي" 184- 193.
5- قدم في صفحة واحدة لكتاب: "ضوء الشمس في قوله صلى الله عليه وآله وسلم بني الإسلام على خمس" للشيخ محمد أبي الهدى الصيادي ت 1328هـ. ومقدمته جاءت في ص: 8 منه.
*ألف عنه ابنه د. محمد سعيد رمضان البوطي كتاب: "هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته" في 200ص، وقد طُبع غيرَ مَرَّة.
140
الشيخ رمضان البوطي في أواخر حياته
--------------------------------------------------------------------
نَمُوذج لدرسٍ من دُروس العلامة الشيخ ملا رمضان البوطي؛ حضرتُه عنده في دمشق قبل 36 سنة
بعد عصر الجمعة مباشرة، في "مسجد الرفاعي" من حي "ركن الدين" في: 29/6/1407هـ - 27/2/1987م، س: 3،55 دقيقة.
*ومن الدروس التي حَضَرتُها عند شيخنا الشيخ رمضان البوطي رحمه الله، أيام دراستي الجامعية في "كلية الدعوة الإسلامية" بدمشق، درس كان حول الرفق، وقد شرح فيه حديث "الأعرابي الذي بال في المسجد النبوي وكان مما كتبته ودونته في دفتري من ذلك الدرس، ما يلي:
141
عن الرفق
*حديث بول الأعرابي يعلمنا كيفية الرفق مع الأهل والأولاد، وجميع الناس. *وفي رواية: "لا تزربوه" أي: لا تجعلوا بوله ينزل.
قال العلماء: بناء على هذا الحديث إذا أردنا أن ننكر على شخص المنكر وعرفنا أنه سيحصل منه منكر آخر وربما أكبر من هذا المنكر عند ذلك نسكت عليه، وليس عل كل الناس، وفي كل الأحوال.
*إذا كنا في سفَر، وكان عندنا ماء قليل للشرب، أو لحيوان؛ فيجوز أن نتيمَّم، ونترك الماء للشرب، وليس لكلب عقور، أو تارك صلاة؟!
*نُهِيَ عن مُجالسة الفُسَّاق والتسَلِّي معهم، إلا إذا كُنَّا نعلم أن الفاسق سيرجع إلى الله. *الرفق سنة، وربما يكون واجبا. *مُجالسة الرجل الفاسق تُؤثر في قلب المُؤمن. *عرفنا من الحديث الرفق بالعباد.
*قال سري السقطي عند وفاته لابن أخته: "لا تُجالس الأشرار، ولا يشغلنَّك عن الله صُحبةُ الآخرين".
*وعرفنا من الحديث كيفية تطهير النجاسة؛ وذلك بوضع دلو كبير على مكان النجاسة، إن كان ترابا.
ولم يكتف بقليل من الماء لأن المكان ربما يكون عميقا.
*دين الإسلام مبني على الرفق، ولكن بطريق الشرع.
لكن إذا كان ابني لا يصلي لا أتركه وأقول: هذا من الرفق؛ بل آمره وأكلمه برفق، وأعطيه هدية.
*كان أحد الصالحين يُنفق نقوده على بعض الناس -"العصاة"- لهدايتهم؛ وذاك بالإتيان بهم إلى بيته يومين أو ثلاثة؛ فيقول ذلك الشخص: هذا يُحسن إليَّ؛ فلِمَ لا أصلي، لِمَ لا ...، لم لا ... .
142
*في الحديث الشريف عن أنس رضي الله عنه: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا". *من الأمثلة على عدم الرفق "حديث قاتل المئة رجل".
*الرفق من الله تعالى في قوله في الحديث القدسي: "يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لغفرتها لك ولا أبالي ...". فهذا الحديث يدل على رفق الله بعباده.
*يقول العلماء: المجاز قنطرة الحقيقة. والدنيا كلها مجاز.
*في الحديث الشريف: "شبر من الجنة خير من الدنيا كلها"؛ لأن هذا الشبر دائم. *حرام الدنيا عقاب وعذاب، وحلالها حساب.
*الرسول يقول لنا: بأن لا ننفر الناس؛ بل نبشرهم بالتوبة النصوح، ولا نفتي لهم. *انتهى الدرس الساعة: 4،50 دقيقة تقريبا، نفس التاريخ أعلاه.
مراجع الترجمة
1- "هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته". للشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي ط 2، دار الفكر- دمشق، 1415هـ - 1995م.
2- "تتمة الأعلام". لمحمد خير رمضان يوسف، ط 3 موسعة، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية - عدن، 1436هـ - 2015م.
3- "إتمام الأعلام". د. نزار أباظة، ط3، دار الفكر - دمشق، 1440هـ- 2019م.
4- كُنَّاش مُنوعات علمية وأدبية، كتبت فيه الدرس السابق، ونقلته عنه.
5- موقع "نسيم الشام" مقالة عنه وترجمة له بعنوان: "العارف بالله ملا رمضان البوطي" كلها، أو جلها مأخوذة من كتاب "هذا والدي".
6- معلوماتي الشخصية.
143
(4) الزاهد: من تكون الدنيا في يديه لا قلبه، وإن كان غنيا. *الورع: شديد التقوى. *المُعَمَّر: من عاش طويلا أكثر من 80 - 90 سنة فأكثر. *شهد الجميع: أي جل العلماء والمعارف. *بسبقه: أي بفضله وصلاحه وتقواه. *شُحُوط: سَبْق في الفَضل والمنزلة؛ جاء في معجم النفائس ص 944: "شَحَطَ الرجلُ غَيرَه: سبَقَه، يقال: شَحَطت بنو هاشم العَرَبَ أي: فاتوهم فضلا وسبقوهم".
(5) أضحى: أصبح، صار. *ذكره: صيته وسُمْعته وشُهْرته. *شِنقيط: بكسر الشين، وفتحها وخطأ شائع، عاصمة موريتانيا، وكانت تطلق على كل موريتانيا بلد العلم والشعر والمَحَاضِر.
(6) ربوع: ج ربع، المكان. *آسيانا: قارَّتنا قارة آسيا. *مَجْريط: الاسم العربي لـ "مدريد" عاصمة مملكة إسبانيا، كانت مدينة أندلسية، وينسب إليها بعض العلماء "المجريطي".
(7) أدون: أكتب، أُسَجِّل، أُقَيِّد. *غزالي عصره: أطلِق على الشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي المَرْثِيِّ لقبَ: "الغزالي" تشبيها له بحُجَّة الإسلام أبي حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي ت 505هـ؛ لتضلعه في العقيدة الإسلامية وعلم أصول الدين، ورده على المُلحدين "الشيوعيين" والعلمانيين بأسلوبهم الفلسفي، في كتابه الشهير: "نقض أوهام المادية الجدلية"، وكمناظرته لكبير المفكرين الشيوعيين في سورية في زمنه "د. الطيب تيزيني" ومحاجته له في حلقات وتغلبه عليه، وكذلك في كتابه الفذ والشهير: "كبرى اليقينيات الكونية"، وكتابه الرائع: "يُغالطونك إذ يقولون"، وغيرهما، من كتبه العلمية والفكرية الإسلامية الأخرى التي لم يؤلف مثلها في بابها.
*حامي التسنن: أي المدافع عن مذهب أهل السنة والجماعة "الأشاعرة والماتريدية"، وهم أغلبية مسلمي العالم الإسلامي، ضد الهجوم عليهم من الرافضة، ومُدَّعِي السلفية "الوهابية". *أذى: ضَرَر. *سُقوط: ذهاب.
(8) حبر الأصول: العالم الأصولي الكبير، والمُبرِّز في أصول الفقه، وأكبر دليل على ذلك رسالته للأستاذية "الدكتوراه" وهي بعنوان: "ضوابط
المصلحة في الشريعة الإسلامية" والتي نالها من "جامعة الأزهر" بمصر، بمرتبة الشرف الأولى.
*كذا العقيدة: أي العالم الكبير في علم التوحيد والعقيدة الإسلامية. *فَحْلُها: عالمها الكبير. *لسنة المختار خير خليط: لسنة النبي وحديثه الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، خير مُعاشر ومُطبِّق في حياته وسلوكه.
(9) مُحْيٍ لسنة أحمد: مجدد لسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام في أقواله وأفعاله. *محارب للبدعة: بنهيه عن كثير من البدع وإنكارها؛ كـ : 1- بدعة قراءة القرآن على الأموات في مجالس التعازي. 2- بدعة الرقص والتمايل والتثني في ذكر الله تعالى. 3- بدعة الرابطة عند النقشبندية بمعنى تصور المريد لشيخه وهو يذكر الله تعالى؟!
*الشنعاء: القبيحة والمُنْكَرة. *التخبيط: التهويش والتشويش، بعدم السير على السنة واتباع البدع والمُحدثات.
(10) قامع الإلحاد: أي مُهين ومُذِل عقيدة الإلحاد، وهي إنكار وجود الله تعالى "الشيوعية"، والقاضي عليها؛ "كاسر عظمها". وفي البيت تورية وتلميح بكتاب العلامة الشيخ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني رحمه الله الفذ "صراع مع الملاحدة حتى العظم"؛ يقصد الكاتب والمفكر الملحد الخبيث المسموم "جلال صادق العظم" صاحب كتاب "نقد الفكر الديني". *نقض أوهام: المقصود كتاب الشيخ البوطي الرائع والفذ في بابه: "نقض أوهام المادية الجدلية" الذي فند فيه شبه الإلحاد والشيوعية بمنطقهم، وهدم نظريتهم المادية الجدلية "الديالكتيكية"، وأثبت وجود الله تعالى، وصدق دينه ونبيه ووحيه، ولم يورد فيه آية واحدة ولا حديثا شريفا؛ "- كما سمعت منه في أحد دروسه"- رحمه الله تعالى.
*تخليط: مزج للحق بالباطل كما يفعل الكفرة أهل الشبهات والملحدين.
(11) هازم الإلحاد: جاعل الإلحاد وأهله يفرون بالحجج والبراهين العلمية الساطعة في كتبه ومناظراته ومناقشاته لهم. *هادم ركنه: ناقض بنائه من القواعد بالأدلة والحجج العلمية الواضحة.
*البرهان: الشمس، ومنه سميت الحجة الواضحة والدليل الساطع بـ "البرهان". *المضبوط: المَوْزُون الدقيق.
(12) هو هادم شيعية: أي هو هادم بناء الشيوعية الماركسية اللينينية الملحدة، وناقض نظريتهم التاريخية المادية الجدلية "الديالكتيكية" في كتابه المهم والرائع المذكور سابقا. *خداعة: خادعة، مُلَبِّسة على الناس الباطل بالحق، ومشوشة عليهم دينهم الحق. *لعبت بعقل البعض: أي أثرت في عقول بعض البسطاء من الناس غير العالمين بدينهم وحججه العقلية. *تشطيط: بعد عن الحق والصواب.
(13) سل عنه تيزيني: اسأل عن الشيخ البوطي د. طيب التيزيني المفكر الحمصي الملحد الشهير ومناظرته له، وهزيمته إياه، في جلسات كانت على الهواء في أواخر الثمانينات الميلادية في مدينة دمشق، وقد بثت على الهواء مباشرة عبر الإذاعة وتابعها ملايين الناس، ونحن منهم طلاب "كلية الدعوة الإسلامية" بدمشق.
*أضرابا له: أمثالا له؛ الضَّرب: المِثل والشَّكْل. *ينبوك: ينبئونك، يُخبرونك. *حجج: ج حجة، الدليل الواضح. *نبوط: ظهور الشيء بعد خفائه، استخراج واستدلال. وأصله مصدر من: نبط الماء من البئر ينبطه نبطا ونبوطا: استخرجه، ومنه استنباط العالم المُجتهد الحُكمَ الفقهي من الدليل الشرعي. "المعجم الوسيط 797- 798"، بتصرف.
(14) تبيانه: توضيحه. *أدلة: ج دليل. بيضاء: واضحة؛ الحجة البيضاء: الواضحة. *شبه: ج شُبْهة، شك، وهي ما يُشبه الحق وليس حقا. بسقوط: أي: بزوال، وإذهاب تلك الشبه بالمناقشات العلمية وأدلتها البَيِّنَة.
(15) هازم المُتسلفين: أي الشيخ سعيد البوطي هو هازم مُدعي السلفية "الوهابية" المُحاربين لأهل السنة أهل المذاهب الأربعة، وللصوفية أتباع الإمام الجُنيد البغدادي، وبِشر الحافي، ومعروف الكرخي، وإبراهيم بن أدهم، وغيرهم من أئمة التصوف والتزكية ومنهج الإحسان السُّنِّي كالأئمة أحمد الرفاعي وعبد القادر الجيلاني وأبي الحسن الشاذلي ... .
*بِحِجاجه العلمي: بنقاشه ومجادلته العلمية. *الأغلوطي: نسبة إلى الأغلوطة، وهي مثل الشُبهة، الدليل الذي يؤتى به، والمقصود به التلبيس على الناس وإبطال الحق.
(16) شيخهم نجل النجاتي: نجل: ابن، والمقصود به الشيخ محمد ناصر الألباني في مناظرة الشيخ سعيد البوطي الشهيرة له في بداية السبعينات الميلادية تقريبا. *النجاتي: هو الشيخ نجاتي الأرناؤوط الألباني، وهو والد الشيخ ناصر الألباني واسمه الحقيقي: نوح بن نجاتي". وكان الشيخ نجاتي رحمه الله رجلا صالحا ورعا، وفقيها حنفيا، وكان ساخطا على ابنه نوح "ناصر الدين الألباني"؛ كما يعرف ذلك علماء الشام المعاصرون له، وقد غضب على ابنه وأخرجه من بيته، بعد أن لم يعد الابن يصلي وراء أبيه لاعتقاده بضلالته، وفساد عقيدته، كما ذكر ذلك الشيخ شعيب الأرناؤوط. "ينظر كتاب: الشيخ شعيب الأرناؤوط" للأستاذ إبراهيم الزيبق.
*ذاق الهزيمة: أي كيف هُزم الشيخ ناصر الأباني على يدي الشيخ محمد سعيد البوطي في تلك المناظرة العلمية الشهيرة، والتي تمخض عنها كتاب الشيخ البوطي الفذ في بابه: "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية"، والذي أثبت فيه بالأدلة العلمية وجوب اتباع المسلم غير المجتهد لأحد المذاهب الأربعة، وأن التمذهب نشأ منذ عهد رسول الله والصحابة، وليس كما يشيع الوهابية زورا وبهتانا أنه نشأ بعد أئمة المذاهب الأربعة المتبوعة؟!
*مُفحَما: أي مهزوما، مَدحُورا بالحجج العلمية من الشيخ البوطي. *وُبُوط: ضَعف؛ من: وَبَطَ يبِطُ وبْطًا ووُبُوطًا: ضعف، في الجسم، والرأي. "المعجم الوسيط 1008"، بتصرف.
(17) من بعدها: بعد هذه الحادثة "مناظرة الشيخ البوطي له". ترك الشآم: في نحو سنة 1980م؟ ترك سورية وذهب واستقر في الأردن؛ كما هو معروف. *مطهرا: أي نظيفا من هذا الفكر المتطرف وهذه الفتنة الكبرى التي كان الشيخ ناصر الألباني وجماعته يدعون إليها، ويهوشون على الناس
147
ويشوشون عليهم دينهم، ويضللونهم ويفرقونهم؛ بسبب المسائل التي يثيرونها بين الناس مثل: عدم جواز التمذهب بأحد المذاهب الأربعة وأنه بدعة ضلالة. مثل: الإنكار على عمل المولد النبوي والاحتفال به، وكذلك الاحتفال بليلة النصف من شعبان، وذكرى الإسراء والمعراج، وبدعية التوسل بالنبي وبجاهه وبالصالحين، وبدخولهم بنعالهم للصلاة في المساجد المفروشة بالسجاجيد والبُسط؟! وبقولهم: بأن الله في جهة السماء؟َ! ... ، وبأن المذاهب الأربعة كالأصنام، وبأن عيسى سينزل في آخر الزمان فيحكم بالكتاب والسنة، لا بمذهب أبي حنيفة والمذاهب الأخرى؟؟!! ... .
*من دون عودة: من غير رجوع إلى سورية. *هبوط: نزول إليها.
(18) لم تغره الدنيا: لم تَغُرَّ الدنيا الشيخ سعيد البوطي ولم تفتنه. *بزهر متاعها: بزيتنها ومفاتنها ومُغْرياتها؛ من نساء وأموال وأولاد.
*عاش: حَيِيَ؛ حَيَّ. *عيش: حياة. *بسيط: متواضع، زاهد.
(19) يُزدهى: يُغَرُّ ويُعجب. *متاعها: متاع الدنيا؛ من أموال ونساء وجاه ومنصب، وأملاك ... . *المبسوط: المُمْتَدّ، المُتَاح.
(20) يا داعيا لله: يا داعيا لأجل الله رضا الله وفي سبيل دينه الحنيف. *رغم ضغوط: بالرغم من مضايقات وتشديد نظام البعث المجرم الحاكم في سورية على العلماء والدعاة إلى الله تعالى. *ضغوط: ج ضغط.
(21) لله درك: أي كم عجيب شأنك؟! *مرابطا: مُجاهدا بنشر العلم في الشام بدروسك ومحاضراتك في كلية الشريعة بجامعة دمشق وفي المؤتمرات الإسلامية، والندوات العلمية داخل سورية وخارجها. *لم ترحل لأي محيط: فيها إشارة إلى بقاء الشيخ في سورية وعدم قبوله الإغراءات المادية للخروج للتعليم والتدريس خارج سورية لأي بلد؛ بل كان يعد بقاءه في سورية للدعوة ونشر العلم الشرعي جهادا في سبيل الله.
(22) ظلت: ظللتَ؛ بقيتَ. *فيها صامدا: في الشام ثابتا صابرا. *رغم الأذى: الضرَر والمُضايقات من عناصر الأمن ومخابرات الحكومة السورية الجائرة المُتَعَسِّفة. *حزب بعث كافر: هو حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم الكافر الفاجر القومي العنصري الذي من شعاراته الكاذبة: "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، وحدة حرية اشتراكية". ولم يحقق ولا واحدة منها؛ فلا وحدة ولا اتحاد، ولا حرية؛ فهو لم يستطع أن يتحد مع مثيله البعثي وجاره القُطر العراق الشقيق؟!
لا حرية؛ بل قمع وكبت للحريات، ولا اشتراكية في سلطة ولا مال ... ؛ بل استئثار واستبداد بكل شيء. والرسالة الخالدة ليست رسالة الإسلام، وإنما رسالة حزب البعث القومية العنصرية المعادية للإسلام والعروبة الحقة؛ ففي أدبيات حزب البعث التصدي للتخلف والرجعية والمقصود بهما: دين الإسلام الحنيف مبادئه وتحكيمه.
ومِن كُفرحزب البعث البواح: ما كنتَ تراه مكتوبا على بعض دوائره ومَقارِّه:
آمنتُ بالبعث ربا لا شريكَ له و بالعُروبة دينا ما له ثاني؟!
*ومِن عُنصُرِيَّته المقيتة قول بعض شعرائهم النازيين الشوفينيين:
أنا بعث و ليمُت أعداؤه عربي عربي عربي؟؟!!
*ومن كُفْريَّاته الموجودة في أدبيَّاته وكُتبه قول "قديس الوحدة العربية" رشيد سليم الخوري "الشاعر القروي" اللبناني ت 1983؟
هَبُونِيَ دينا يمنح العُربَ وَحدة وسيروا بجثماني على دين بَرْهَمِ
سلامٌ على كفر يُوحِّدُ بيننا و أهلًا وسهلًا - بعده - بِجَهَنَّمِ؟!
*هذا بعضُ ما في بعث سورية، وفي العراق بلغت الجُرأة والقِحة بنظام صَدَّام المُجرم أن يقول: "لو امتدَّت إلينا يدُ الله لقطعناها"؟؟!!!
*ضَرُوط: كثير الضُّرَاط؛ ضَرَّاط، فارغ؛ يقول ولا يفعل، كذاب أشِر.
والضُّرَاطُ: -"لِمَن لا يعرفه مِن غَير العرب"- هو إخراج الرِّيح من الدُّبُر بِصَوت، بعكس الفُسَاء. وهو من نواقض الوضوء؛ فقد سأل أعرابي سيدنا أبا هريرة رضي الله عنه ما الحَدَث يا أبا هريرة؟ فقال: فُساء أو ضُراط.
149
(23) العنا: هو العناء، وهو التَّعَب. *تُعنَى: تهتم وتعتني. وهذا الفعل: عُني الماضي، ومضارعه: يُعنى: مِمَّا يلزم البناء للمجهول مثل: زُكم، وهُرع، اشتُهر، اضطُرَّ، زُهِيَ، تُوُفِّيَ، ... . *بالتبسيط: بتسهيل العلم وشرحه وتقريبه وتيسيره للطلبة.
(24) كبرى اليقينيات: هو كتاب "كبرى اليقينيات الكونية" أشهر كتب الشيخ البوطي في العقيدة الإسلامية، ولأهميته فهو يدرس في كثير من المعاهد والجامعات، وقد درسناه بفضل الله تعالى في سورية في معهد "دار الأرقم الثانوي الشرعي بمنبج"، وفي "كلية الدعوة الإسلامية بدمشق.
وهو يتناول العقيدة الإسلامية بأسلوب معاصر لا قديم؛ فهو مع بيانه لأركان الإيمان وشرحه التام لها، يبين النظريات "العلمية" الحديثة الإلحادية كالمادية الجدلية التاريخية الديالكتيكية الشيوعية الماركسية، ونظرية النشوء والارتقاء لداروين، واللاماركية القديمة والجديدة، ويرد عليها بالحجج والبراهين العلمية.
*أبَنتَ: بشرحكم: وضحتَ أمور العقيدة الإسلامية بالأدلة والبراهين الكونية الكبرى في دروسك للناس في مسجد السنجقدار بدمشق. *تاريخ تشريع: وكذلك دروس "تاريخ التشريع الإسلامي" أنهاها الشيخ البوطي في "جامع السنجقدار بدمشق، وقد حضرت بعضها بفضل الله تعالى حوالي سنة 1987م، وكان يقام بعد مغرب كل خميس من الأسبوع. *ينبوط: باستنباط للأحكام من الأدلة الشرعية.
(25) رياض الصالحين: شرح الشيخ البوطي لكتاب "رياض الصالحين" العزيم للإمام النووي رحمه الله، وقد شرحه الشيخ شرحا كاملا في مئات الدروس في جامعي السنجقدار"، و"جامع تنكز" بدمشق، وقد حضرت كثيرا منها بفضل الله تعالى. وقد كان يقام بعد مغرب كل اثنين وخميس. *أبهرت: أعجبت كثيرا؛ بل أدهشت دروس شرح رياض الصالحين. *المتفرد: مُنقطع النظير. *المضبوط: بشرحك المقيد بالكتاب والسنة وأقول العلماء.
150
(26) "حكم العطاء" ... : شرحكم لـ "حكم ابن عطاء الله السكندري" في دروسكم المسجدية أكثرَ من مرَّة، ثم إخراجها في كتاب جاءت مثل عِقد لآلئ جميل. *جواهر: ج جوهر، الشيء النفيس. *تفسير قرآن: تفسيرك للقرآن الكريم في "جامع الرفاعي" بدمشق بعد خطبة الجمعة. *أتى: جاء. *كسموط: مثل سموط؛ مثل خيوط العقد الجميل من الجواهر. وسموط: ج سِمْط: وهو خيط حبات اللؤلؤ ما دُمْنَ فيه.
(27) خطيب مصقع: خطيب مؤثر في سامعيه جميل الأسلوب عذبه، فصيح اللسان، بليغ البيان؛ لأنه يتكلم من القلب. وقصدي بكلمة "مصقع" مؤثر، وإلا فالشيخ البوطي رحمه الله كان رقيق القلب، لين الكلام، ولم يكن ذا صوت عال، ونبرة مرتفعة. *يذر القلوب: يتركها. *بغطيط: ببكاء مع صوت من شدة تأثيره في سامعيه وحاضري خطبه.
(28) أثرت في جامع ... : أي دروسكم كم أثرت في الناس الحاضرين في هذه المساجد. *جامع الإيمان: بدمشق كان الفقيد البوطي يدرس فيه، لكن بعد سنة 1990م؛ أي بعد تخرجي في الجامعة. *جامع السنجقدار: بدمشق مقابل "قلعة دمشق" تقريبا، وجنوب ساحة المرجة، ظل الشيخ البوطي يدرس فيه لسنوات، وقد انتقل منه إلى "جامع تنكز" حوالي عام 1988- 1989م. *مغبوط: سعيد، محظوظ.
(29) المسجد الأموي: أو "الجامع الأموي، أو جامع دمشق الكبير، أو جامع بني أمية": أشهر جوامع دمشق، وأعظمها، وأقدمها، ويقع وسطها، جنوبي قلعتها، وبعد "سوق الحميدية" فيها، شرقِيَّه. وهو جامع عظيم كبير واسع، يتسع لمئات المصلين، ويقال: إن فيه رأس يحيى عليه السلام، وهو بناء شامخ ومُطرز بالفُسَيْفِسَاء، وأصله كنيسة قديمة اشترى بعضها الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ثم بناه عليها في أواخر القرن الهجري الأول.
*"جامع الرفاعي: بدمشق في حي "ركن الدين" قرب "ساحة شمدين"، وكان الشيخ البوطي يخطب فيه وظل سنوات كذلك، حتى نقل إلى "الجامع الأموي. وكنت طيلة أربع سنوات -بفضل الله تعالى- أحضر فيه خطب الشيخ إلا في الصيف، أو إن كان مسافرا.
*جامع تنكز: جامع معروف في دمشق غربي الجامع الأموي، وقرب "محطة الحجاز، وقبل مكتبة "دار الفكر"، وشركة الطيران السورية، ومديرية أوقاف دمشق. وقد انتقل إليه الشيخ ليدرس فيه نحو عام 1989م؟
*لشواهد: هذه المساجد شاهدة ودالة على براعة وتفرد في التدريس فيها للشيخ سعيد البوطي. *فذاذة: تفرُّد وتميُّز.
(30) واعظ: خطيب ومدرس مؤثر. *محاضر: مدرس في الجامعة أو غيرها. *تلامذ: تلاميذ، ج تلميذ، طالب. *محيط: لأناس حاضرين لك.
(31) في ظل كلية الشريعة: بقيت تدرس في "كلية الشريعة" بدمشق زمانا طويلا، وسنوات كثيرة. *الردح: الزمان الطويل. *تفيد العلم: تنشره وتبثه للطلاب والقاصدين لدروسكم. *جد نشيط: كثير النشاط والعمل.
(32) المُلتقى السنوي في الجزائر: هو مؤتمر سنوي للفكر الإسلامي كان يعقد في الجزائر لثمانية أيام، وكل سنة في مدينة جزائرية مختلفة، وكان يجتمع فيه كبار العلماء والمفكرين من البلاد العربية والإسلامية وغيرها للبحث في بعض القضايا الفكرية للأمة الإسلامية، كان يعقد منذ أواخر الستينات حتى 1990م على ما أظن، وممن كان يحضره: العلامة الشيخ محمد أبو زهرة، والعلامة الشيخ محمد الغزالي، والعلامة القرضاوي، والعلامة د. محمد سعيد البوطي، ود. مولود قاسم، ود. محمد عبد يماني، ود. عبد العزيز كامل، والأستاذة زينب الغزالي الجبيلي، ود. عبد الرحمن الصابوني، والعلامة الشيخ أحمد سحنون، ود. صبحي الصالح، والفقيه العلامة الشيخ مصطفى الزرقا، والأستاذ علال الفاسي، ود. الحبيب بلخوجة، ود. احمد الحوفي، ود. علي عبد الواحد وافي، ومحمد المكي الناصري، وبعض العلمانيين والمستشرقين مثل د. زيغريد هونكه، ود. عبد الله العروي ود. محمد آركون ... .". من كتابي "خلاصة عن الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي 14- 15". *المُبَرِّز: السابق، أحد المُؤثِّرين المُبدِعين والمُشاركين فيه. *التنبيط: إظهار العلم واستخراجه.
152
(33) مبدعا: متقنا للعلم ومجددا فيه، لا تقليديا وجامدا وناقلا فحسب. *مؤلفا: مصنفا للكتب. *بروائع: بكتب رائعة ومهمة ومفيدة جدا. *لآلئ: ج لؤلؤ، الجوهر النفيس. *قروط: ج قُرْط، ما يعلق في أذن النساء من الذهب والجواهر النفيسة للزينة.
(34) مصنفات: مؤلفات وكتب. *جمة: كثيرة، وقد ناهزت مؤلفات الشيخ البوطي السبعين كتابا. *نوعت: كانت في مجالات مختلفة في العقيدة، والسيرة، وعلوم القرآن، والفقه المُوَازَن "المُقارَن"، وأصول الفقه الإسلامي، وتاريخ التشريع الإسلامي، والتصوف الإسلامي، والفكر الإسلامي، والفلسفة، والحضارة، والفتاوى، والأدب ... .
*بالعمق: أي أن كتبه عميقة وليست سطحية. *ميزت: امتازت. *الحجى المضبوط: العقل الراجح الرزين.
(35) في فقه سيرة أحمد: في كتاب "فقه السيرة النبوية" للشيخ البوطي المشهور جدا، والذي طبع كثيرا، ودُرِّس في كثير من المعاهد والجامعات، والذي يعد من خير ما كتب في فقه السيرة إن لم يكن خيرها على الإطلاق مع كتابي الشيخين محمد الغزالي ومحمد منير الغضبان. *كم بدعة: كم في كتاب فقه السيرة من جمال ومتعة وأشياء مُبتكرة لم يسبق إليها الشيخ البوطي عليه رحمات الله تعالى. *روائع القرآن: كتابه الشهير "من روائع القرآن" في علوم القرآن، والذي طبع كثيرا، ودرس في عدد من جامعات ومعاهد البلدان الإسلامية. هذا الكتاب في جماله وأهميته مثل خيوط العقود الجميلة التي يُتزيَّن بها.
(36) ضوابط للمصلحة: كتابه الشهير وأطروحته للأستاذية "الدكتوراه" المسمى "ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية" والذي نال بها درجة الأستاذية "الدكتوراه" من جامعة الأزهر بمرتبة الشرف الأولى عام 1965م؟ هو رائع ومهم جدا. *فقه المقارن: كتابه "الفقه المقارن" والذي تناول مسائل فقهية عدة موازنة بين المذاهب، وهو الذي درس في "كلية الشريعة - جامعة دمشق" بدمشق لسنوات، كان خير مؤلَّف له متوسط الحجم في هذا الموضوع.
(37) العود للإسلام: كتابه "منهج العودة إلى الإسلام"، أو "طريق العودة إلى الإسلام"، فيه رسم للطريق الواضح الأمة الإسلامية للرجوع إليه. *منهج: طريق واضح. *تاقت: اشتاقت وتشَوَّفت إليه سنين طويلة. *غب: بعد. *شبه قنوط: مثل اليأس من ذلك.
(38) يغالطونك: كتابه "يغالطونك إذ يقولون" والذي كان في أصله برنامجا أعده وقدمه لرائي الشارقة الفضائي، ثم طبعه في كتاب كبير في نحو 400 ص، وهو رائع ومهم في بابه يتحدث عن بعض شبهات أعداء الإسلام حول الإسلام والرد عليها وتفنيدها علميا. *ردا مفحما: أي جاء جوابا مُسكتا لأعداء الإسلام ببيانه الشافي الوافي الكافي.
*سَلفيَّة ... : كتابه "السلفية مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي" هذا الكتاب جاء معتدلا في كلامه عن السلفية ومبينا لحقيقتها، ومنصفا لها، من غير زيادة في القول عنها.
(39) المشكلات لنا: كتابه "وهذه مشكلاتنا"؛ أي: نحن المسلمين. *لهم: كتابه: "هذه مشكلاتهم". أي: مشكلات الغربيين. *تفريط: تقصير.
(40) "لا مذهبية": كتابه الشهير "اللامذهبية أخطر بدعة تهدد الشريعة الإسلامية" والذي تمَخَّض عن مناظراته مع الشيخ ناصر الألباني في دمشق نهاية الستينات، وبداية السبعينات الميلادية، وكانت حول اتباع المسلم العادي لمذهب من المذاهب الأربعة هل هو مشروع وواجب أم لا؟ *قد شفا: أي كتابه اللامذهبية قد شفا صدور قوم مؤمنين، وبين لهم حقيقة مسألة التمذهب بمذهب معين للمسلم غير المجتهد وضرورته بيانا شافيا وافيا بالمُراد والمقصود بلا مزيدَ عليه.
وبفضل الله تعالى ثم بكتاب الشيخ محمد سعيد البوطي هذا قُبرت هذه المسألة وقُضي عليها وعلى فتنتها؛ التي كان يثيرها مُدَّعو السلفية في سورية وغيرها من بلدان العالم الإسلامي.
154
*ذا والدي: كتابه "هذا والدي" الذي تحدث فيه عن والده العلامة الرباني والفقيه الشافعي الجليل الشيخ رمضان البوطي الذي عُمِّر نحو 105 سنوات، والذي ولد في "جزيرة بوطان؛ جزيرة ابن عمر" ثم هاجر من تركيا إلى دمشق سورية عام 1933م بسبب ظلم وطغيان مصطفى كمال أتاتورك، وظل فيها حتى وفاته سنة 1990م. *أحيا النفوس ... : هذا الكتاب الجميل في سيرة والده أنعش النفوس لكونه سيرة رجل صالح.
(41) حضارة الإنسان: كتابه "منهج الحضارة الإنسانية في القرآن" في هذا الكتاب أوضح طريقة حضارة الإنسان كما جاء في كتاب الله تعالى. *بخطوط: في نقاط واضحة ومحددة.
(42) مع الأناسي: كتابه "مع الناس" وهو فتاوى صدر في جزأين على ما أظن. *الفتاوى: كتابه "فتاوى معاصرة" في جزأين. *جوهر: هما كالجوهر. *حلت مشاكل: كتاباه مع الناس وفتاوى معاصرة أنهيا مشاكل كثيرة للناس. *بنبوط: باستنباط أحكام كثيرة من نصوص شرعية.
(43) من الفؤاد وفكركم: الفؤاد: القلب. والمقصود كتابه الشهير "من الفكر والقلب". *كم روعة: كم هو جميل؟! *جماله: حسنه. *المغبوط: المحظوظ.
(44) شخصياتكم: كتابه المعروف "شخصيات استوقفتني". *منصف: عادل. *عرضه: بيانه وبسطه لتلك الشخصيات. *مواقف: آراء تلك الشخصيات. *خطوط: ج خط، والمقصود به التيارات والمذاهب السياسية.
(45) مقالات: ج مقالة، وهي الكلمة والكتابة في موضوع ما، ونشره في مجلة أو صحيفة أو كتاب. *حضارة: مجلة "حضارة الإسلام" الشهيرة الإسلامية الشهرية التي كانت تصدر في سورية، والتي أسسها حوالي منتصف الخمسينات الميلادية، ورأس تحريرها الشيخ د. مصطفى السباعي رحمه الله لسنوات حتى وفاته، ثم تسلم تحريرها بعده د. محمد أديب الصالح رحمه الله، وتوقفت سنة 1982م، وكان يكتب فيها كبار العلماء والمفكرين الإسلاميين والأدباء والشعراء، وكان منهم الفقيد الشيخ سعيد البوطي.
155
*نهج الإسلام: مجلة "نهج الإسلام" التي كانت تصدرها "وزارة الأوقاف" السورية بدءا من سنة 1982م، وكان الفقيد البوطي من كُتَّابها.
*سمت: ارنقت وعلت مقالاته. *بفروط: بسبق وتجديد.
(46) طوبى لكم: هنيئا لكم. *بشهادة: بنيل شهادة -"دنيوية"- في سبيل الله. *نلتها: حصلت عليها. *فروط: سبق.
*ملاحظة بفائدة: ذكر الشيخ يوسف النبهاني رحمه الله -"أظن في ديوانه العقود اللؤلؤية في المدائح المحمدية"- أن اختلاف الحرف حرف الجر أو العطف مع الكلمة المكررة في الضرب من بيت الشعر جائز إذا تكررت في أقل من 7 أبيات؛ إذ القاعدة المعروفة: "لا يجوز أن تتكرر الكلمة نفسها في الضرب من قصيدة في أقل من 7 أبيات".
فهنا كلمة "فروط" نفسها تكررت في بيتين متواليين، وهو عيب في الشعر إلا إن اختلف الحرف معهما، وهنا اختلف الحرف؛ فهو مع الأولى باء الجَرِّ، ومع الثانية واو العطف، والله أعلم.
(47) في ظل بيت الله: في كنف بيت الله ومسجده نلت الشهادة أيها الشيخ البوطي! هو "جامع الإيمان" في "حي المزرعة" بدمشق. *وقت تدارس: في حين تدارسكم لكتاب الله تعالى ونشر العلم الشريف مع المسلمين الحاضرين درسكم. *تنزل لملائك: أي استُشْهِدْتَ في سبيل الله في المسجد، وأنت تعطي درسا في العلم الشرعي وقت نزول الملائكة الكرام البررة. في كلامي هذا إشارة إلى الحديث النبوي الصحيح الذي رواه مسلم: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله تعالى، ويتدارسونه بينهم؛ إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". *كخليط: الملائكة في حضورهم في المسجد مثل الخليط؛ مثل المخالطين لكم؛ أي الملائكة في حضورهم مجالس العلم والذكر مع الناس مختلطين بهم.
156
(48) بسكينة: في طمأنينة. *بمروط: أنتم في ألبسة من هذه السكينة والطمأنينة. والمروط ج مِرْط: "الكساء من خز أو صوف أوكتان، يؤتزر به، وتتلفع به المرأة". المعجم الوسيط 864.
(49) ليخس: ليخسأ، لِيَبْعُدْ. وكلمة: "اِخْسَأْ" كلمة احتقار وزجْر تقال للكلب واللئيم والخسيس. *قاتلك: نظام البعث المجرم السفاح. *الغدور: كثير الغدر والخيانة. والغَدْر: هو أخذ الإنسان فجأة بطعنه أو قتله ... .
*حزبه: جماعته؛ جماعة حزب البعث العربي الاشتراكي الفاجر. *الخنا: الفُحش والزنا. *القنوط: اليأس؛ ضد الأمل.
(50) توله: اشْمَلْهُ، ارعَهُ. *مراحم: ج مرحمة، رحمة. *حَنُوط: الحَنُوط والحِنَاط: كل ما يُخلَط من الطِّيب لأكفان الموتى وأجسامهم خاصَّةً؛ من مِسْكٍ وذَرِيرَة وصَنْدَل وعَنْبَر وكافور، وغير ذلك. المعجم الوسيط 202.
(51) كذا: مثل هذا. *محبوه: أحبابه، ج مُحِبّ. *قُرَّا: قُرَّاء ج قارئ. *الناشرون: من ينشرون علمه ويبثونه بين الناس. *المَنبُوط: المُستَخْرَج.
(52) ما رَفَّ: حرَّكَ جَناحَيه لِلطَّيَرَان. *طير: ج طائر، وقد يكون للمُفرد. *تَألَّقَ: لَمَعَ وأضاءَ. *الكوكب: "في علم الفلك": جِرْمٌ سَمَاوِيٌّ يدور حَولَ الشمس ويستضيء بضوئها. وأشهر الكواكب مُرَتَّبَةً على حَسب قُربها من الشمس: عُطارد، الزُّهْرَة، الأرض، المِرِّيخ، المُشْتَري، زُحَل، يُورانُس، نِبْتُون، بْلُوتُون. المعجم الوسيط 793. *ناحَت الحمامة: سَجَعَتْ. المعجم الوسيط 961. *قُمْرِيٌّ: حَمَامَةٌ، والقُمْرِيُّ: ضَرْبٌ من الحَمَام مُطَوَّق حَسَنُ الصَّوت، ج قُمْر، والأنثى: قُمْرِيَّة ج قَمَارِيُّ. المعجم الوسيط 758. *بقرب: بجانب. *شُطُوط: ج شَطٍّ، شاطِئ، وهو جانب النهر. المعجم الوسيط 483.
(53) الفردوس: أعلى درجة في الجنة. *يوم التغابُن: من أسماء يوم القيامة. *نعيمها: نعيم الجنة، والنعيم كل ما يُتَمَتَّع به في الجنة من نظر إلى وجه الله الكريم، ورضوانه، وأشجار وأنهار وحُور عِين، وأطعِمة وأشربة وأكسِية ... . *المبسوط: الممدود والمُتَاح.
157
المراجع
*أولا: الكتب:
1- "إتمام الأعلام". د. نزار أباظة، ط3، دار الفكر - دمشق، 1440هـ- 2019م.
2- "تتمة الأعلام". لمحمد خير رمضان يوسف، ط 3 موسعة، دار الوفاق، الجمهورية اليمنية - عدن، 1436هـ - 2015م.
3- "تكملة معجم المؤلفين". لمحمد خير رمضان يوسف، ط2 (مُوَسَّعة)، شركة إيلاف، إسطنبول - تركية، 1439هـ - 2018م.
4- "خلاصة عن الشيخ العلامة د. يوسف القرضاوي". لي.
5- "كُنَّاش منوعات علمية وأدبية" مخطوط بيدي، فيه درس للشيخ ملا رمضان البوطي كتبته عنه سنة 1407هـ - 1987م.
6- "معجم المؤلفين السوريين في القرن العشرين". للأستاذ عبد القادر عياش ت 1974م، ط 1، دار الفكر - دمشق، 1405هـ - 1985م.
7- "معجم النفائس". لنخبة مؤلفين بإشراف د أحمد أبو حاقة، ط1، دار النفائس - بيروت، 1428هـ - 2007م.
8- "المعجم الوسيط". لنخبة باحثين ولغويين مصريين، ط2، "مجمع اللغة العربية" - القاهرة، 1392هـ - 1972م.
9- "هذا والدي: القصة الكاملة لحياة الشيخ ملا رمضان البوطي من ولادته إلى وفاته". للشيخ د. محمد سعيد رمضان البوطي ط 2، دار الفكر- دمشق، 1415هـ - 1995م.
10- معلوماتي الشخصية.
158
*ثانيا: مواقع الشابكة:
1- موقع "الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين" نعيه الشيخ البوطي وإدانة قتله والتفجير الذي أودى بحياته، وتحميل نظام الأسد المسؤولية عنه، نشر يوم 22/مارس - آذار/2013م.
2- موقع "قناة اقرأ الفضائية".
3- مقالة "البوطي كما عرفته" لتلميذه د. محمد فتحي الحريري ت 2022م رحمه الله، في "رابطة العلماء السوريين"، نشر في 5/5/2013م.
4- "تلفزيون الفجر الجديد". مقالة لـ د. محمد نوح القضاة: "البوطي كان مهددا بهتك عرض بناته وحفيداته إن لم يقل ما كان يأمره نظام الأسد به".
5- موقع "دار الفكر - دمشق"، عرض كثير من كتب الشيخ البوطي.
6- موقع "رابطة العلماء السوريين"، وفيه سبع مقالات عن الدكتور البوطي وعلاقته بالنظام السوري، للأستاذ محمد خير موسى، ومقالة د. محمد فتحي الحريري: "البُوطي كما عرفته". 7- موقع "قناة الرسالة الفضائية".
8- موقع "عربي 21" مقالتان للأستاذ محمد خير موسى عن اللواء محمد ناصيف وعلاقة الشيخ البوطي به.
9- موقع "قناة العربية" عنوان: "فيديو يظهر اغتيال البوطي بعد نجاته من انفجار قرب منبره"، نشر يوم 9/4/2013م.
10- موقع "كتوباتي". تحميل كتب محمد سعيد رمضان البوطي.
11- الموقع الرسمي للشيخ يوسف القرضاوي رحمه الله تنديده وإدانته لقتل الشيخ البوطي ومن قضى معه في جامع الإيمان.
12- موقع الشيخ محمد أبي الهدى اليعقوبي على "الفيس بوك" وفيه بيان من الشيخ: "النظام يغتال العلامة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي"، نشر يوم الاغتيال والتفجير المزعوم في 11/مارس - آذار/2013م.
159
13- موقع "منتدى الأصلين" مقالة مهمة للأستاذ محمد غياث الحموي بعنوان: "براءة العلامة البوطي من أكاذيب وافتراءات محمد خير موسى"، نشر على ذلك الموقع يوم 7/7/2020م.
14- موقع "نسيم الشام"، تراجم وأعلام، بعنوان: "نبذة عن حياة العلامة الإمام الشهيد محمد سعيد رمضان البوطي"، وبمراجعة المُتَرجَم، على الشابكة، نشر يوم 6/4/2013م.
*مشاركات الزوار: "من أدعية العلامة البوطي" تلخيص: فاطمة حكيمة.
15- موقع "قناة نور الشام الفضائية".
16- موقع "وكالة رم للأنباء".
17- موقع "ويكيبيديا - الموسوعة الحرة".
وسوم: العدد 1028