فلسطين : ضحية وجلادون
كتاب «فلسطين: ضحية وجلادون» للباحث والمؤرخ الفلسطيني الراحل "زهير عبد المجيد الفاهوم" يقع في 720 صفحة من القطع الكبير، ويتضمن خمسة عشر فصلاً بالإضافة إلى المقدمة والمراجع.
الكتاب يغطي الفترة من أواخر القرن التاسع عشر حتى نهاية الحرب العالمية الأولى في نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، وهي فترة تتسم بزخم الأحداث المفصلية التي طوّحت بالمنطقة وكان أبرزها:
1– صراع الحياة والموت الذي خاضته الدولة العثمانية، خصوصًا سلطانها عبد الحميد الثاني 1875–1908م، في سبيل بقائها واستمراريتها وإحباط مخططات دول الاستعمار الأوروبية لتصفيتها وتقاسم أشلائها.
2– المشهد الثاني من الأحداث هو الهجرة الصهيونية وانقسام يهود الشتات إلى تيارات متباعدة ومتباينة.
3– أما المشهد الثالث في التحولات التي طرأت على منطقة الشرق الأوسط في الفترة المذكورة فكانت الحرب العالمية الأولى التي قلبت الخارطة الجغرافية – السياسية رأسًا على عقب. وما تضمنته تلك الحقبة من اتفاقات أوروبية/ عربية/ صهيونية غريبة عجيبة متضاربة متناقضة، انتهت بسقوط الدولة العثمانية وتحقيق الحلم الاستعماري القديم.
يقول المؤلف في مقدمة كتابه:
(قال التلميذ لأستاذه: لقد أسميت كتابك « فلسطين... ضحية وجلاّدون». ولقد عرفنا أن فلسطين هي الضحيّة، فمن هم الجلاّدون؟
أجاب الأستاذ: إنهم كثيرون...
- أولهم، الحركة الصهيونية المستفيد الأول والمنتفع الرئيس.
- وثانيهم، بريطانيا العظمى التي كانت أول من فكَّر بإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين، فسبقت بذلك الفكر الصهيوني ومشروعه. وهي التي أصدرت تصريح بلفور سنة 1917 وحوّلته من تصريح نظري إلى واقع ميداني، بعد أن نجحت في فرض انتدابها على فلسطين وأصبحت السيّد المطلق، وصاحب القول الفصل في كل ما يتعلق بالبلاد. ثم تحولت إلى حاضنة أمينة للحركة الصهيونية وبرنامجها في الوطن القومي اليهودي على التراب الفلسطيني.
- وثالثهم، عصبة الأمم التي صادقت على انتداب بريطانيا وأرفقته بصك الانتداب الذي يحدد مهمة ذلك الانتداب بإقامة وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وبذلك تكون قد منحت الانتداب والتصريح ومشروع إقامة الوطن القومي اليهودي شرعية دولية.
- ورابعهم، هيئة الأمم المتحدة التي أقرت سنة 1947 تقسيم فلسطين إلى دولتين: واحدة عربية والأخرى عبرية. وقد تم انتزاع ذلك القرار بالابتزاز والتهديد والرشوة والتخويف.
- وخامسهم، الولايات المتحدة الأمريكية التي حوَّلت أروقة الأمم المتحدة ودهاليزها مسرحًا لسياسة العصا والجزرة، والترغيب والترهيب لإكراه الدول المعارضة والمترددة على تأييد التقسيم، وبذلك ابتزت موافقة ثلثي أعضاء الجمعية العمومية في الأمم المتحدة. وفي حقيقة الأمر لم تمثل الولايات المتحدة الأمريكية في هذا الشأن إلا دور راعي البقر "الكاوبوي" الذي يحمل الهراوة بيد والذهب باليد الأخرى؛ موزعة الوعد والوعيد.
- وسادسهم، الدول العربية «الشقيقة» الأخوة الأعداء، الحلفاء اللدودين، الخصم والحكم، التي وقفت موقف المتفرّج، وهي ترى فلسطين العربية تتحول إلى أيد صهيونية. وكان أقصى ما ساهمت به أول الأمر دفع ضريبة كلامية من تأييد ودعم لا رصيد لهما. وبعد إقرار التقسيم وجلاء بريطانيا عن البلاد أرسلت جيوشًا لم تكن مهيأة لدخول حرب مع اليشوف اليهودي، لا من ناحية عددية ولا من ناحية عسكرية: من تجهيز وتدريب وتسليح وقيادة. فكانت النتيجة المتوقعة هزيمة منكرة. هذا فضلاً على أن بعض الجيوش انصاعت لأوامر قيادتها السياسية التي تآمرت مع الحركة الصهيونية على دخول فلسطين لتنفيذ التقسيم.
- وأخيرًا وآخرًا سابعهم تلك الشرذمة من أهل البلاد العرب الفلسطينيين الذين باعوا دينهم وذِممهم وضمائرهم وانضووا في خدمة الحركة الصهيونية، كان منهم الصحفيون وأصحاب الأقلام المأجورة والسياسيّون المرتزقة وتجار السلاح وبياع الأراضي والسماسرة وغيرهم وغيرهم. إنهم «الطابور الخامس» أو «جيش الظلال» كما يسميهم المؤرخ الإسرائيلي هليل كوهين.
وسوم: العدد 1032