اختلاق الحرب الباردة

بدر محمد بدر

[email protected]

الكتاب: اختلاق الحرب الباردة

المؤلف: د. أحمد جلال بسيوني

الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة

عدد الصفحات: 296

الطبعة: الأولى 2013

يناقش هذا الكتاب دور الولايات المتحدة الأميركية في تقسيم العالم والسيطرة على مقدراته، إلى جانب الاتحاد السوفييتي، في الفترة من عام 45 إلى 1953م، التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الثانية، وما يطلق عليه المؤلف: "اختلاق الحرب الباردة" بين القطبين الكبيرين، وتنتهي فترة الدراسة عند سقوط الديمقراطيين وتولي الجمهوريين السلطة، حيث اختلفت السياسات العامة بينهما في هذا المجال.

والمؤلف هو مدرس التاريخ الأميركي والعلاقات الدولية بكلية الآداب جامعة دمنهور بمصر، والكتاب في الأصل هو بحث علمي، حصل به المؤلف على درجة الدكتوراه في قسم التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة الإسكندرية.

حدث تاريخي

وفي المقدمة يقول المؤلف إن صعود الولايات المتحدة إلى مرتبة القوة العظمى عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، كقائدة للمعسكر الرأسمالي الغربي خلفا لبريطانيا وفرنسا، كان حدثاً تاريخياً مهماً، لما له من أهمية كبرى في رسم المقدرات، وتشكيل مستقبل الدول والجماعات، وكانت أهم النتائج التي ترتبت على هذا الصعود العالمي ما عرف باسم "الحرب الباردة".

وهي الحرب التي تناوب فيها المعسكران: الغربي بزعامة الولايات المتحدة، والشرقي بزعامة الاتحاد السوفييتي، الصراع للسيطرة على مقدرات العالم وشعوبه، بصورة جديدة جداً في التاريخ، تجنب كلا الفريقين فيها "الحرب الساخنة"، وتم استبدالها بـ "الحرب الباردة"، لكنها كانت أكبر من كونها صراعًا عسكريًا مباشرًا، لأنها امتدت في نطاقها الجغرافي لتشمل الكرة الأرضية بأسرها.

والكتاب مكون من خمسة فصول، يناقش الأول الموقف الأميركي بعد كارثة الكساد الاقتصادي الكبير، ومرحلة إعادة تشكيل الفكر القومي، ثم وضع الولايات المتحدة في مفترق طرق، بعد موت الرئيس روزفلت عام 1945م.

ويشير إلى أن كارثة الكساد الاقتصادي، في نهاية عشرينيات القرن الماضي، أثرت سلباً بصورة كبيرة على الشخصية الأميركية، حيث لم تقتصر على الجوانب الاقتصادية فحسب، بل كشفت كذلك عن هشاشة عميقة في مختلف جوانب المجتمع الأميركي، ولذلك كانت النتائج أشد تأثيرًا، وتفاقمت الصدمة النفسية لكثير من العائلات بسبب فقدان العمل.

ورغم هذه الآثار السلبية إلا أنها أعطت للأميركان فرصة إعادة تدبر أحوالهم، والتطلع إلى الخروج من هذه الأزمة، وهنا لمع نجم مرشح الحزب الديمقراطي فرانكلين روزفلت، الذي نجح في تقديم برنامج سياسي واقتصادي أقنع به الشعب حتى فاز في الانتخابات، واستطاع خلال فترة حكمه (33: 1945) نقل المجتمع الأميركي خارج دائرة الأزمة إلى حد ما، بل والتطلع بعد ذلك إلى خارج الحدود.

وعند وفاة روزفلت المفاجئة، قبيل أشهر من انتهاء الحرب العالمية الثانية، كان الجيش الأميركي منتشراً في آلاف الميادين حول العالم، وهناك عشرات الخطط والرؤى والمشروعات لعالم ما بعد الحرب، وكم هائل من القوانين والمشروعات الداخلية المرتبطة بشخص الرئيس وتنتظر التنفيذ، وأصبحت الولايات المتحدة بعده عند مفترق طرق، عشية الانفتاح على عالم "الحرب الباردة".

مرحلة التحول

ويتناول الفصل الثاني مرحلة التحول، سواء عند الإدارة الأميركية أو في المجتمع نفسه، بعد غياب روزفلت، خصوصاً وأن مراكز المصالح وجماعات الضغط تلعب دوراً أساسياً في التأثير على صانع القرار، والمعيار الأساسي في نجاح أي رئيس، يتمثل في مدى قدرة صانع القرار على أن يوازن بين متطلبات الدستور ومقاصده كما يراها، وبين متطلبات الضاغطين ومصالحهم.

ويقول المؤلف: إنه على الرغم من أن هاري ترومان، الذي خلف روزفلت في رئاسة الولايات المتحدة، أبدى نفوراً من توسع روزفلت في السلطات، إلا أنه ارتكن في بداية حكمه إلى قوانين سنها سلفه لتوطيد أقدامه في الحكم والسيطرة.

ومع نهاية الحرب العالمية الثانية (1945)، اتجهت الولايات المتحدة نحو دعم فكرة إنشاء هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المتخصصة، وكذلك نحو عقد المعاهدات والاتفاقيات الدولية، وعندها برزت الحاجة إلى تقليص حجم القوات المسلحة، وإعادة تنظيم مؤسسات الدفاع والسياسة الخارجية، واتخاذ قرارات خاصة حول مدى ملاءمة الهيكل التنظيمي للدولة، الذي نما بطريقة مرتجلة إلى حد كبير، خلال سنوات الحرب.

طلاق ودي

وتحت عنوان: "الطلاق الودي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي" يناقش الفصل الثالث أبعاد العلاقة بين واشنطن وموسكو في نهاية الحرب، حيث يشير المؤلف إلى أن مؤتمر "يالتا"، الذي عقد في شبه جزيرة القرم في فبراير/ شباط 1945، يعد واحدًا من أهم المؤتمرات في تاريخ البشرية المعاصر، لما نتج عنه من قرارات، لعبت دوراً كبيراً في إعادة تشكيل العالم، ولعل واحدة من أبرز نتائج هذا المؤتمر كانت ذلك التقارب الواضح بين الولايات المتحدة (روزفلت) والاتحاد السوفييتي (ستالين).

إلا أن أهم النتائج المباشرة، التي ترتبت على هذا المؤتمر، تكمن في ترسيخ الرؤية الأميركية للسلام العالمي، التي ارتبطت بأن يتحمل الكبار مسئولياتهم، باعتبارهم يقومون بدور شرطي العالم، وهنا حدثت تغيرات لدى كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي حول فلسفة فكرة إمكانية استمرار الصداقة والوئام بينهما، بعد أن كانت سياسة الولايات المتحدة ترفض أي قواعد عسكرية سوفيتية قريبة منها.

وتفاهمت الدولتان حول القضايا الرئيسة؛ مثل ضرورة إنهاء الحروب، والصراع من أجل القوة، ومعاقبة المعتدين، والسعي لإنشاء عالم تسوده فكرة العمل الجماعي من خلال المنظمات الدولية لحفظ السلام، وكان مفهوما، من الناحية العملية، أنه في "يالتا" تم تقسيم أوروبا عن طريق الخط المرسوم من البلطيق إلى الأدرياتيكي، عابراً منطقة النفوذ الشيوعي، وأنه بات واضحًا أن القوة في شرق أوروبا في يد السوفييت.

ومع رحيل روزفلت وقدوم ترومان وانتهاء الحرب العالمية الثانية، تغيرت أمور كثيرة في المعسكرين، وبدأت حالة من الخطابات العدائية والحدة بينهما، ربما تحت تأثير الانتخابات الداخلية، أو اختلاف المصالح، وهنا ظهر تعبير "الحرب الباردة" في دراسة أعدها الدبلوماسي الأميركي "جورج كينان"، والتي انتهى فيها إلى أن الولايات المتحدة لن تقبل في المستقبل التمتع بعلاقات سياسية حميمة مع النظام السوفييتي، وإنما لابد من أن تستمر في اعتباره زميلاً أو نظيراً، لكن ليس شريكاً في العملية السياسية.

ودعا كينان في دراسته بلاده إلى تطبيق سياسة "الاحتواء" لتحجيم الاتحاد السوفييتي، عند أي نقطة يمكن إظهار علامات أو إشارات تصادم ضد المصالح الأميركية، أو ضد السلام والاستقرار في العالم.

نظرية الاحتواء

ويناقش الفصل الرابع معالم الإستراتيجية الأميركية الجديدة في فترة الحرب الباردة، حيث يرى المؤلف أن الأحداث في تلك الفترة كانت سريعة ومتلاحقة، وترتب على ذلك ضرورة اتخاذ قرارات سريعة، لم تكن بالضرورة بناء على رؤية إستراتيجية واضحة المعالم، لكنها إجمالاً كانت في إطار نظرية "الاحتواء"، التي شكلت الخطوط العريضة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية طوال فترة الحرب الباردة.

ويمكن القول بأن مشروع "مارشال" لإنعاش الاقتصاد الأوروبي، كان يمثل صورة بارزة لطبيعة الإستراتيجية الأميركية في تلك المرحلة المبكرة من الحرب الباردة، والتي كانت تفتقر إلى الرؤية الواضحة، التي يتم اتخاذ القرارات على ضوئها.

وقد ظل مشروع مارشال مجالاً للنقد والمدح حتى يومنا هذا، فهناك من يرى أنه لم يكن مشروعاً على الإطلاق، أما المادحون فقد رأوا في المشروع فرصة لأوروبا، كي تستعيد اقتصادها، وتنعش تجارتها، وتنمي مصادرها وإنتاجها بنفسها.

ويعد إنشاء منظمة "حلف شمال الأطلنطي" مكملاً عسكريًا لمشروع مارشال الاقتصادي، وكما هي الإستراتيجية الأميركية في تلك المرحلة، فإن قيادة الولايات المتحدة للحلف لم تنبع من رؤية مسبقة، وكان واضحاً، من بيان الدول المشتركة في هذا الحلف، أن العامل العسكري كان هو المعيار الحاسم في عضويته، وليس العامل الإقليمي أو الجغرافي كما قد يوحي اسمه، فهو يضم دولاً تترامى في قارتين متباعدتين (أوروبا وأميركا).

أيضًا ظهرت فكرة "النقطة الرابعة" لجذب الشعوب الأقل نمواً، عن طريق تقديم الدعم المادي والتقني، من غير الدول الخاضعة لمشروع مارشال، بهدف عدم وقوعها في أيدي الشيوعيين أو بهدف التوسع الاقتصادي الأميركي، وهو أيضاً لم يكن وليد استراتيجية ممنهجة واضحة، إنما فكرة جاءت في خطاب الرئيس ترومان.

وفي الوقت الذي سعت فيه الولايات المتحدة إلى جذب الدول والشعوب للدوران في فلكها، بعيداً عن الاتحاد السوفييتي، فإنها لم تغفل يوماً عن التحرك في المسائل الدولية بما يتناسب مع مصالحها الخاصة، ويمكن القول بأن اتفاقية التجارة الدولية "الجات" تمثل هذا الأمر بوضوح.

الشرق الأوسط

وفي الفصل الخامس والأخير يتناول المؤلف الهيمنة الأميركية في الشرقين: الأقصى والأوسط، من خلال محورين؛ يتحدث الأول عن السياسة الأميركية تجاه كل من اليابان، وتوحيد الصين، ثم الحرب الكورية، بينما يتناول الثاني موقع الشرق الأوسط من السياسة الأميركية، وسياسة ترومان تجاه الصهيونية وفلسطين، ثم موقف الولايات المتحدة من النفوذ السوفييتي في إيران.

وسوف نتناول المحور الثاني لأنه يدور حول منطقتنا، حيث يؤكد المؤلف أن مصطلح "الشرق الأوسط" هو مصطلح سياسي ظهر في بداية القرن العشرين، وأنه أميركي بإمتياز، وأن الإستراتيجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، تمحورت حول إحلال الهيمنة الأميركية محل الاستعمار التقليدي (البريطاني والفرنسي..)، ومقاومة التغلغل الشيوعي، أو احتواء الاتحاد السوفييتي.

لقد كانت الصهيونية حركة أوروبية الأصل والنشأة، عاصرت عهود الاستعمار والاستغلال الحديثة، وتتخفى حول بعض الادعاءات الدينية والتاريخية، وكانت الولايات المتحدة أحد أهم الأطراف، التي لعبت عليها الصهاينة لكسب دعمها، أثناء وبعد الحرب العالمية الثانية، وخاصة بعدما بدأت بريطانيا تسحب نفسها من القضية تدريجياً.

دعم الصهيونية

ويؤكد المؤلف أنه لولا الدعم الأميركي العلني في عهد ترومان، لما كان من الممكن قيام الدولة الصهيونية في عام 1948، فالولايات المتحدة لم تكن، كما يدعي الصهاينة، راغبة في أن يوفر قيام "إسرائيل" قنطرة صداقة بين الشرق والغرب، وإنما كانت هناك أسباب أخرى: دينية واجتماعية وعسكرية وسياسية وإستراتيجية، بل وشخصية، عجلت من هذا الدعم في عهد حكومة ترومان لقيام دولة "إسرائيل".

ويمكن القول بأن قرار الولايات المتحدة بدعم الدولة الصهيونية استند إلى حسابات دقيقة، داخل إطار خيارها الاستراتيجي المبدئي لحماية مصالحها في المنطقة، وهذا قائم حتى اليوم.