قراءة في كتاب الإسلاميون
– عندما يستغل الدين لصالح السياسة –
محمد هيثم عياش
برلين / 07/07/13يطلق الغرب على المسلم الذي يعتنق فكرا سياسيا منبثقا عن القرآن الكريم والسنة النبوية ويسعى لتطبيق هذا الفكر بالدولة بـ / الاسلامي / وقد اخذ الكثير من الاعلام العربي هذا المصطلح من الغرب ، علما أن ابا الحسن الاشعري / 260- 324 هـ/ وضع كتاب أطلق عليه / مقالات الاسلاميين / جمع به أقوال المعتزلة وأهل السنة ليثبت بذلك مذهب اهل السلف . الا أن كلمة / الاصولية - fundamentalism / التي يطلقها الغرب على كل مسلم يتحلى بأفكار متعصبة ويرى تغيير نظام الحكم بالقوة ويأبى الاصلاح وغير ذلك فلم تكن معروفة في قاموس الأدب السياسي الاسلامي العربي بالرغم من هذا المصطلح اصبح متداولا لاقتباس الاعلام العربي هذه الكلمة من الغرب . وأول ظهور لهذا المصطلح يعود الى اعوام 1910 عندما حاولت مجموعة من الكنيسة الكاثوليكية اقناع بابا روما بيوس السادس / بين أعوام 1835- 1914/ الذي رفض اي اصلاح على تعاليم الكاثوليكية وتطويرها بما يناسب العصر ، فاطلقوا عليه بـ / البابا الاصولي/ .
وقد وصل عدد الكتب والكتيبات والدراسات حول ما يُطلق عليه الربيع العربي المتمثل بانتفاضات بعض الشعوب العربية التي بدأت أواخر عام 2010 في تونس لتشمل بعد ذلك مصر وليبيا واليمن وحاليا في سوريا ونجاح الاسلاميين في المغرب وغيرها الى حوالي 498 كتابا وكتيبا ودراسة الا انها كلها منحصرة بنجاح الاسلاميين والخطر المحدق بالعالم منهم وتتجنب اكثرها عن أسباب انتفاضة شعوب تلك الدول بالرغم من اجماع الكثيرين بان اسبابها استبداد حكام تلك الدول .
وتعتقد مديرة معهد قضايا الاسلام التابع لرابطة البروتسانت في النمسا وسويسر ا والمانيا الذي يتخذ من العاصمة القديمة لالمانيا مدينة بون مقرا له كريستينه شيرماخر في كتابها الذي وضعته مؤخرا حول / الاسلاميون – عندما يصبح الدين سياسة / من المقرر أن ينزل الى دور الكتب في وقت لاحق من شهر آب/اوجسطس المقبل ان أصحاب الفكر الاسلامي استغلوا الدين لوصولهم الى حكم بلادهم فالإمام محمد بن عبد الوهَّاب جعل من آراء الإمام ابن تيمية رحمهم الله تعالى غرضا للزعامة من خلال دعوته الاصلاحية باعادة الدين الى ينابيعه الصافية واستغل آل سعود دعوته لوصولهم الى حكم بلادهم وأخذ الراية من دولة بني عثمان كما استغل الاخوان المسلمون دعوة الامام حسن البنا رحمه الله واستغلوا ايضا انتفاضات شعوبهم لنيلهم المناصب العليا .
وتؤكد شيرماخر من خلال قراءتها الموجزة لكتابها يوم الاحد 7من تموز/يوليو 2013 الحالي دعت اليها أكاديمية الفنون البرلينية ان النظام العَلَماني سبيل وحيد لاخراج الشعوب العربية من محن التمزق والخلافات والقضاء على فقرهم والسبيل الوحيد لتنمية مجتمعهم واقتصادهم مشيرة انه بالرغم من نجاح حزب العدالة التنمية التركي ذو الوجهة الاسلامية بحكم تركيا وجعل من تركيا دولة دائنة بعد ان كانت مديونة حافظ على النظام العلماني هذا النظام الذي يعتبر اساس للتعايش السلمي معتبرة انقلاب العسكر على الرئيس المصري محمد مرسي الذي استلم مقاليد السلطة بانتخابات نزيهة جاء جراء استغلال الاسلاميون الاسلام سياسيا والاسلام بعيد كل البعد عن السياسة فهو يرى ضرورة فصل الدين عن الدولة مستدلة بآية في القرآن الكريم / فمن حج البيت فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج / الى آخر ذلك من ترهات لا تكفي صفحة او صفحتين للتعليق عليها .
وبالرغم من ان النظام العَلَماني يحكم دولا في اوروبا مثل فرنسا وألمانيا الا أنه فشل باستبعاد الدين ، فحكومة المستشار الالماني السابق جيرهارد شرودر ارادت استيراد الجينيات لزرعها في الانسان لتطوير الاقتصاد العلم ولما احتجت الكنيسة على ذلك قام شرودر بتكليف لجنة وطنية منبثقة من الكنيسة وعلماء من الدين الاسلامي إضافة الى علماء الاجتماع والطب للبث بهذه القضية كانت نتيجتها الغاء هذه الفكرة وقادت المستشارة انجيلا ميركيل زمن حكومتها الاولى مع الاشتراكيين / بين أعوام 2005 و 2009 / إضفاء الرمز الديني على الاتحاد الاوروبي من خلال قيام دستور للاتحاد الاوروبي ولاقت فكرتها رواجا من بعض زعماء الاتحاد الاوروبي الا ان الازمة المالية والاقتصادية اضافة الى احتجاج من فرنسا وغيرها تم وضع هذا الاقتراح في احد أدراج طاولات الاتحاد الاوروبي لاجل غير مسمى .
وأخطأت شيرماخر تأكيدها استغلال آل سعود لاراء ابن عبد الوهّاب فآل سعود كانوا يحكمون مناطقهم قبل مولد الامام محمد بن عبد الوهاب بمئين من السنين ولم يخرجوا عن طاعة بني عثمان الا ان الحرب التي وقعت بينهم كان سببها افتراءات بثها اولئك الذين يرون بتقديس الصالحين وغير ذلك اذ كان يتمتعون بتأثير ديني بدولة الخلافة العثمانية ووضعوا تحذير القرآن الكريم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد ، فقال الله تعالى مخبرا عن اولءك الذين عثروا على اهل الكهف / قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا / وقول رسول الله صلى الله عليه ألا لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى أنبيائهم .
ربما تكون شيرماخر على صواب حيث ذكرت شغف الاسلاميين باستلام حكم بلادهم بعيد الاطاحة بالانظمة السابقة / مصر وتونس وليبيا / فلو أنهم صبروا قليلا وزهدوا بها لأتتهم الزعامة طوعا وأرغموا على حكم بلادهم ، وقديما قال الشاعر ، وهو ابن الاعرابي :
لكل داء يستطب به الا الحماقة أعيت من يداويها
ولنا في التاريخ تجارب على ذلك ، فمما جاء في التاريخ انه بعد استشهاد سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه جاء المغيرة بن شعبة سيدنا عليا بن أبي طالب رضي الله عنهم ، وقال له يأ أبا الحسن اني لك ناصح أمين فان الناس يعيشون حاليا في فتنة ودوامة عنف جراء مقتل الخليفة وهم غير تاركوك فازهد بها وارفضها حاليا اذ انهم لم يجدوا بعد ذلك غيرك ووالله لو كنت مختبئا بجحر ثعلب لأخرجوك منه ، فرفض علي نصيحة المغيرة ، ولما اشتدت الفتنة والقتال بين الصحابة في الجمل وصفين وسقط جراء ذلك الكثير من الصحابة والتابعين من الفريقين قال علي لابنه الحسن ، وذلك في ليلة الهرير ، ليتني يا بني سمعت كلام المغيرة ليت اباك مات قبل عشرين عاما ، فقال الحسين لابيه لقد نصحتك يا أبناه بقبول راي المغيرة / الذي كان قد اعتزل مع بعض الصحابة تلك الفتن .
وقد غاب عن شيرماخر ان الاسلام يجيز للمسلمين الاقوياء السعي الى الزعامة اذا كانوا أهلا لها ، ففي القرآن الكريم في سورة الفرقان مخبرا عن عباد الرحمن / واجعلنا للمتقين إماما / اي للمتقين الضعفاء أئمة في القوة والعزيمة .