لماذا تأخر الربيع الجزائري؟
عثمان أيت مهدي
ناصر جابي
منشورات الشهاب 2012
تساءل الكثير من المحللين والصحافيين والمهتمين بالشأن العربي بشيء من الاستغراب والتعجب عمّا اصطلح عليه في السنوات الأخيرة بـ "الربيع العربي" وأسباب تأخره في الجزائر. وللإجابة عن هذا السؤال، حاول ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة الجزائر من خلال مجموعة من الدراسات أن يبحث في في هذا السؤال المحوري: لماذا يستعصي التغيير السياسي في الجزائر؟ وما الذي يجعل أيّ محاولة تغيير سياسي في الجزائر مكلفة ولا تحقق المطلوب منها في نهاية المطاف؟
تطرق ناصر جابي في هذا الكتاب الذي يقع في 232 صفحة، في القسم الأوّل منه إلى مسألة مأزق الانتقال السياسي في الجزائر من خلال طرح سيناريوهين ممكنين، الأول: هادئ وسلمي نسبيا في حال ابتعاد الجيل الحاكم عن مصدر القرار لصالح الجيل الثاني ابنه الروحي الذي جاء بعده مباشرة. والسيناريو الثاني يكون عنيفا وغير توافقي ويحصل خارج المؤسسات، بمعنى المواجهة بين الجيل السياسي الحاكم حاليا والجيل الثالث وهو جيل الشباب ما بعد الاستقلال.
في القسم الثاني يتناول الكاتب التعقيدات والخصوصيات التي تعرفها مسألة صناعة القرار في النظام السياسي الجزائري بسيطرة العسكري على المدني، شخصنة السلطة، ضعف دور المؤسسات كالبرلمان والحزب والحكومة..
كما خصص الكاتب قسما آخر من الكتاب للتعرف على التسيير الداخلي للحزب السياسي الجزائري من خلال عينة، نحو: حزب جبهة التحرير الوطني وحركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية.. وهذا لقياس مدى التسيير الديموقراطي داخل هذه الأحزاب. زيادة على ضمان حرية التعبير في الحزب وإتاحة الفرصة لنمو تيارات وأطياف داخله.
بيّنت الدراسة أنّ أغلبية الإجابات عن الأسئلة التي تدور حول الممارسة الديموقراطية داخل الأحزاب كانت سلبية، وكذلك في المجتمع الكلي وفي النظام السياسي.
وتساءل الكاتب في قسم آخر من هذا الكتاب عن الانتخابات السياسية، هل هي انتخابات ركود أم استقرار، أم هي انتخابات على الطريقة الجزائرية؟ أيْ، محاولة إقناع المواطن بنوع من المشاركة، إضفاء مسحة من الشرعية الوطنية، وإفراز نخب سياسية يمكن أن تشارك جزئيا في عملية تسيير المؤسسات.
الصعوبات التي تعرفها عملية بروز نخبة نسوية في الجزائر رغم الإنجازات الفعلية التي حققتها في ميدان التعليم، صعوبات أخرى مرتبطة بمستويات عديدة منها: الخصوصية التي لازالت تربط الجزائري بالفضاء العام وما يحيل إليه من علاقة مع المدينة. ضعف الحركات السياسية والاجتماعية العصرية، صعود لفكر وممارسات محافظة ودينية..
وفي القسم الأخير خصصه الكاتب إلى الحركات الاحتجاجية التي تحولت حسب الكاتب إلى نوع من الرياضة الوطنية دون أن تتمكن من الوصول إلى تحقيق أهداف سياسية نوعية لضعف تأطيرها السياسي والحزبي وغياب النخبة المنقسمة على نفسها..
دراسات وافية وعمل جاد قام به الكاتب من أجل إنارة القارئ وتزويده بكثير من المفاتيح لفهم النظام الجزائري في تسيير دواليب الحكم في ظل غياب مجتمع مدني قوي، وتهميش النخب الفكرية والسياسية القادرة على فعل التغيير، وفتح مجال الاحتجاجات، السلمية أحيانا قليلة والعنيفة في الكثير منها، لامتناهية وغير مؤطرة هي أشبه بصرخات من واد سحيق.