هكذا سقط العراق
بدر محمد بدر
الكتاب: هكذا سقط العراق
المؤلف: سيد حمدي
الناشر: دار الجمهورية للصحافة، القاهرة
عدد الصفحات: 176
الطبعة: الأولى 2013
يصدر هذا الكتاب في الذكرى العاشرة للحرب الأميركية على العراق، التي وقعت في مارس/آذار 2003، حيث يستعيد مؤلفه، وهو كاتب صحفي ومراسل تليفزيوني شارك في تغطية الحرب، الكثير من الوقائع والأحداث والمشاهد التي احتفظت بها ذاكرته، في محاولة لإعادة قراءة المشهد بعد هذه السنوات العشر.
ويأخذنا المؤلف عبر فصول الكتاب الأربعة في رحلة إعلامية محفوفة بالمخاطر، تسير خطاها على وقع الانفجارات والدماء النازفة، بدءًا من وصوله إلى الكويت وحصوله على الموافقات الأمنية اللازمة، ثم انتقاله إلى الأراضي العراقية في الثلث الأخير من مارس/آذار 2003.
مشاهد صادمة
ومن أوائل المشاهد الصادمة التي يذكرها المؤلف أن البريطانيين ارتكبوا جريمة إبادة جماعية لعدد من المقاومين من أبناء مدينة "أم قصر"، التي شهدت أطول وأشرس المعارك مع الجيش العراقي، بأن تركوهم ينزفون حتى الموت، ومنعوا الناس من الاقتراب منهم، وبلغت المأساة ذروتها عندما نهشت الكلاب أيادي بعضهم وهم أحياء! ووقف الأهالي عاجزين عن فعل أي شيء، وهم يشاهدون أبناءهم في هذا الوضع المأساوي!
ويشير المؤلف إلى واقعة قد تفسر ذلك الانهيار السريع وغير المتوقع للقوات المدافعة عن بغداد، ففي إحدى هذه الوحدات غادر قائد الوحدة موقعه والتحق بالحياة المدنية، وذهب هو وزملاؤه كل إلى حال سبيله ليختفي التشكيل تماما من خريطة الجيش العراقي في دقائق معدودة.
هذا المشهد لم يكن حالة نادرة، بل تكرر في وحدات عديدة من الجيش، مع التأكيد على أن هناك رسالة غامضة تم توجيهها إلى قادة الوحدات العسكرية، أحالتها إلى مواقع خالية من الضباط والجنود، وتلك النوعية من الرسائل ثار حولها لغط شديد، في إطار الحديث عن عمل استخباراتي، ومؤامرة معدة بعناية، تعرض لها الجيش العراقي في مواجهة القوات الأميركية.
سنوات الحظر
ويقول المؤلف إن الجنوب العراقي، والبصرة تحديدًا، عانى من البؤس، بسبب سنوات الخطر الأميركي على العراق منذ أوائل التسعينيات، إضافة إلى أن أبناء الجنوب يتهمون صدام حسين بتعمد إهمال منطقتهم، كعقاب للمعارضة المتمركزة فيها، وعلى المستوى السياسي ظل الجنوب بأغلبيته الشيعية، كما الشمال الكردي بأغلبيته السنية، أرضًا خصبة للمعارضة السياسية والطائفية والعرقية، ومحاولة الخروج على النظام بقوة السلاح.
وفي الفصل الثاني يستعرض الكتاب النظام الأمني الصارم لحزب البعث العراقي الحاكم في تجنيد ومتابعة أعضائه، وهو ما يطلق عليه المؤلف "كهنوت التجنيد"، وبالرغم من تلك الصرامة، فإنها لم تمنع انهياره فيما بعد.
ثم ينتقل بنا المؤلف إلى العاصمة بغداد التي أصيبت بانهيار أمني كامل، في الوقت الذي ظهرت فيه كيانات سياسية كانت تحت الأرض، وأصدرت صحفها علانية، بل وافتتحت مقرات في بغداد نفسها، ومنها حركة الوفاق الوطني، وحزب الاتحاد الوطني الكردستاني، والحزب الإسلامي العراقي، وحزب الدعوة الشيعي وغيرها.
ثم يزور المؤلف مدينة النجف التي تقع جنوب غرب بغداد، للقاء القائد الشيعي الشاب مقتدى الصدر، ويشير إلى الزحام الشديد في المدينة التي يتوافد عليها مئات الآلاف، مع اقتراب ذكرى مقتل الإمام علي بن أبي طالب، وبين الحين والحين تمر المواكب بأهازيج تعزي في مقتل الإمام علي، مصحوبة بلطم الصدور، والرايات التي تحمل أسماء مدن وعشائر أتى أهلها في هذه المناسبة، ورايات أخرى ملونة بين الأحمر والأصفر والأسود، حتى تنتهي هذه المواكب في ساحة المرقد، وسط تنظيم يقوم به المكلفون من أبناء العشائر.
مقتدى الصدر
وعن لقائه بمقتدى يقول المؤلف إن الرجل ينتصر لعروبة المرجعية الدينية في النجف، ويسير على خطى والده الرافض للمرجعية الصامتة، والمحرض على المرجعية الناطقة، وأنه فخور بالدور الذي قام به الصدريون بالتصدي للجنود الأميركان عند دخولهم النجف أول مرة بعد الاحتلال، وكانوا في طريقهم لاقتحام مرقد الإمام علي، أثناء تعقبهم لمقاتلين فارين، قالوا إنهم من رجال حزب البعث وقد لجأوا إلى داخل المسجد، وبعيدًا عن الحوار المتلفز كان مقتدى الصدر غاضبًا من الجنود الأميركيين.
وفي الفصل الثالث يتحدث المؤلف عن رؤيته للحدود الأردنية العراقية، في الفترة التي أعقبت سقوط نظام صدام حسين، حيث كانت حركة السيارات متزايدة، تملأ خزاناتها بالوقود العراقي الذي يباع بأسعار رخيصة، ليعاد بيعه بأسعار أغلى داخل الأردن، وهناك اتفاق غير مكتوب بين السيارات المتجهة من الحدود الأردنية العراقية وحتى بغداد، تحرص من خلاله على التحرك ضمن موكب، يصعب معه الوقوع فريسة في يد عصابات قطاع الطرق، التي تستهدف عادة السيارات المنفردة.
وبعدما آلت الأمور إلى الاحتلال أصبحت التجمعات القبلية، إلى جانب التظاهرات التقليدية، أحد ملامح الشارع العراقي، وأصبح التظاهر هو أحد الوسائل التي يلجأ إليها العراقيون لمعرفة قدرات هذا الوافد الأميركي الجديد، وقد اعتبرت القوى الخارجة من تحت الأرض والمستمرة فوق الأرض، التظاهرات والمنشورات شكلاً من أشكال المواجهة واستعراض القوة أحيانًا.
دور العشيرة
ويقول المؤلف إن العشيرة في العراق هي الوحدة الأساسية للبنية الاجتماعية، اعتمد عليها صدام حسين في حكمة، والأميركيون يعتمدون عليها في إدارة شئون البلاد بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، ومن يريد أن يحكم العراق عليه ضبط العلاقة مع العشائر، التي تستشار ويؤخذ رأيها في تسيير شئون مناطقها.
وينتقل بنا المؤلف إلى مدينة الفلوجة (حاضنة المقاومة) التي تبعد مسافة 45 كيلو متر غرب بغداد، وينتمي سكانها إلى ثلاث عشائر وهي: دليم والجبور وشمّر، وتبلغ مساحتها 25 كيلو متر مربع وتتبع محافظة الأنبار، ومعروف عن أهلها تمسكهم بالدين واحترام أعراف المجتمع، ومنذ الوهلة الأولى يبدو المشهد واضحًا من واقع "العسكرة" الذي فرضه الأميركيون على المدينة، فالدبابات منتشرة في مفترق الطرق الداخلية، وآثار القصف موجودة على جدران البيوت، وشعور بالخطر ينتاب الجميع بدرجات متفاوتة.
أما قرية "الضلوعية" التي تقطنها أغلبية من قبيلة الجبور، وتقع في محافظة صلاح الدين، فهي تستحق لقب "البلدة المناوئة"، التي قامت بعمليات مقاومة مؤلمة للاحتلال، ومحافظة صلاح الدين هي من معاقل العرب السنة، الذين يحملون على عاتقهم مهمة المقاومة، كما تعد حاضنة لأنصار صدام حسين، والمقاومة في هذه المحافظة تأخذ أشكالاً عديدة، ولا تعني فقط استخدام السلاح.
ومشهور عند العراقيين أن أهل مدينة الموصل يحبون الانخراط في صفوف الجيش، ونسبة العسكريين من أبناء المدينة تعد من أعلى النسب، مقارنة مع بقية المدن العراقية، وتصنف جامعة الموصل من بين أعرق جامعات العراق، أما أكثر ما يلفت الانتباه في الموصل فهو مشهد مئات العسكريين الذين تقاعدوا بعد الاحتلال، وهم يصطفون أمام مقر الإدارة المدنية، مطالبين بصرف إعانات مالية تعينهم على تكاليف المعيشة اليومية، وحالة غضب تعتريهم بسبب هذا الوضع، حيث وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها "خارج نطاق الخدمة"!
المنطقة الكردية
وفي الفصل الرابع والأخير يتحدث المؤلف عن مدينة كركوك، إحدى المدن الكردية العائمة على بحيرة من النفط، حيث رائحة النفط تنبعث من الأرض عند الحفر لإنشاء مبان جديدة في بعض مواقع المدينة، وحرصت القوات الأميركية منذ البداية على وضع آبار النفط في هذه المنطقة تحت السيطرة، مثلما أوكلوا المهمة ذاتها للبريطانيين في محافظة البصرة.
ويشير المؤلف إلى أن المنطقة الكردية وأبناءها تتصف بصفات مختلفة عن بقية أنحاء العراق، ومن يدخلها لا يشعر أن ثمة حرب وقعت في العراق، والحالة الأمنية بها مستقرة، سواء في المنطقة التابعة لنفوذ مسعود البرزاني، وفي القلب منها مدينة أربيل، أو المنطقة التابعة لنفوذ طالباني، وفي القلب منها مدينة السليمانية.
شوارع أربيل نظيفة وأهلها طيبون، بعدت المسافة بينهم وبين اللغة العربية، وهو انطباع يتولد لدى من يدخلها، بأن الخط الرسمي لكردستان العراق يسابق عقارب الساعة لتفريغ المنطقة من اللغة العربية، وما قد يتعلق بها في الحياة العامة للناس، وقد وفرت سنوات الحظر الجوي على العراق حكما ذاتيًا لأكراد العراق، وأيضًا في صمت إقصاء اللغة العربية من المشهد اليومي، بدءًا من التعليم في المدارس، ووصولاً إلى التعاملات الحكومية، والأجيال الجديدة لا تكاد تنطق بها.
والأكراد شعب متدين، وأربيل شاهد على ذلك منذ أن فتحها عتبة بن فرقد عام32هـ، والمكتبات الإسلامية تنتشر في أحياء المدينة، وهي صورة من تلك المكتبات المنتشرة في بقية العالم العربي، ولكن باللغة الكردية، والداعية عمرو خالد معروف بشدة لدى الأكراد، والأسطوانات المدمجة تحمل صورته وترجمة صوتية لمحاضراته.
والسليمانية تعني نفوذ جلال الدين الطالباني، وحزبه الاتحاد الوطني الكردستاني، والمروج الخضراء، وزراعات القمح، وأماكن الاصطياف لكافة العراقيين، وكذلك العاصمة الثقافية لإقليم كردستان العراق، والرأي العام يكاد يختزل السليمانية في مذبحة "حلبجة"، جراء قصفها بالسلاح الكيماوي في عهد صدام حسين، ويظل هذا الحدث رقم واحد في المحافظة، حتى ولو جاء أشهر ساستها جلال الدين الطالباني رئيسًا لجمهورية العراق.
الاتفاقية الأمنية
وفي نهاية الكتاب ينشر المؤلف نص الوثيقة أو الاتفاقية الأمنية العراقية- الأميركية، والمكونة من ثلاثين مادة، والتي اعتبرت سارية المفعول لمدة ثلاث سنوات، ودخلت حيز التنفيذ في الأول من يناير/كانون الثاني 2009.
وفي الختام هل يمكن القول بأن السبب الذي أدى إلى سقوط العراق في مواجهة الحرب الأميركية الغربية، وخضوعه للاحتلال كان مزيجا من الظلم والفساد والاستبداد في الداخل, وشهوة امتلاك النفط والسيطرة على أراضيه، وفتح مناطق النفوذ وتمزيق المنطقة أسباب من الخارج؟.