الواقع الصحي للمخيمات الفلسطينية في سورية
قراءة في كتاب
"الواقع الصحي للمخيمات الفلسطينية في سورية"
صدر عن قسم الدراسات والأبحاث في تجمع العودة الفلسطيني (واجب)، كتاب حمل عنوان "الواقع الصحي للاجئين الفلسطينيين في سورية"، تناول فيه الكاتب الأوضاع الصحية للاجئين الفلسطينيين في سورية، عبر مقدمة وثلاثة فصول، حرص من خلالها على تصوير ذلك الواقع ومنح القارئ صورة حقيقية لأوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سورية عموماً، والجانب الصحي خصوصاً.
تضع المقدمة القارئ في أجواء معاناة اللاجئين الفلسطينيين التي نتجت من أكبر عملية تهجير قسري تعرض له الجنس البشري في القرن المنصرم على أيدي عصابات الكيان الصهيوني المدعومة من القوى الاستعمارية الكبرى في العالم التي تربطها معها المصالح المشتركة في السيطرة على الوطن العربي من خلال زرع هذا الكيان الغريب بين جناحيه.
أما الفصل الأول، فتناول فيه الكاتب الوجود الفلسطيني في سورية، وما ينظمه من قوانين بعد الإشارة إلى الروابط التي تجمع الشعبين العربيين في سورية وفلسطين من حدود مشتركة وروابط دينية واجتماعية متبادلة، موضحاً الإجراءات السريعة التي بادرت إليها الحكومة السورية في مدّ يد العون والمساعدة للاجئين الفلسطينيين وتهيئة الظروف الكفيلة بتمكينهم من العيش بكرامة وشرف مع مواطنيها جنباً إلى جنب والأخذ بالعمل على احتواء أزمة اللاجئين وتنظيم وجودهم على الأراضي السورية، فقد توزع اللاجئون في سورية على عشرة مخيمات (النيرب، سبينة، خان الشيح، خان دنون، العائدين في حمص، قبر الست (السيدة زينب)، العائدين في حماة، ومخيمي درعا ودرعا الطوارئ، بالإضافة إلى جرمانا)، تقدم لها الأونروا الخدمات المتنوعة، بالإضافة إلى الخدمات التي تقدمها الحكومة السورية، فضلاً عن العديد من التجمعات التي لا تعترف بها الأونروا، رغم وجود أعداد كبيرة من اللاجئين فيها، مثل (اليرموك، الحسينية، عين التل (حندرات)، الرمدان، والرمل في اللاذقية وغيرها)، تقدم لها الأونروا الحد الأدنى من الخدمات، رغم ما تعانيه هذه التجمعات من المشاكل ذاتها التي يعانيها أبناء المخيمات.
وفي معرض الحديث عن المؤسسات التي تقدم الخدمات الصحية للاجئين الفلسطينيين، بيّن الكاتب الآليات التي تمكّن اللاجئ من الحصول على الخدمة الصحية من خلال المؤسسات القائمة، سواء الحكومية كمستوصفات ومشافي وزارة الصحة والتعليم في سورية، أو مستوصفات الأونروا وجيش التحرير الفلسطيني والجمعيات الأهلية غير الحكومية والقطاع الخاص والفصائل الفلسطينية.
ويلفت الكتاب الانتباه إلى المؤشرات الصحية لمجتمعات اللاجئين، من خلال الإشارة إلى الصحة الإنجابية وما يتعلق بها من نسب الخصوبة لدى المرأة الفلسطينية والعوامل التي أدت إلى اختلافها، وكذلك الرضاعة الطبيعية ووسائل تنظيم الأسرة وسنّ الزواج والرعاية الطبية للحامل، وزواج الأقارب وما ينتج منه من أمراض وراثية.
وفي الاتجاه ذاته، يسلط الكاتب الضوء على الصحة النفسية للاجئين، قائلاً إن هناك مؤشرات تدل على وجود انحرافات في الصحة النفسية، فظاهرة إدمان المخدرات والمسكرات، على سبيل المثال، متفشية رغم الجهود الحثيثة في ملاحقتها...، مبيناً أن الظروف المعيشية للاجئين والمستوى التعليمي تؤديان دوراً مهماً في التأثير على الصحة النفسية للاجئ، حيث يعاني أكثر من ضعفي الأفراد في فئة التعليم الأدنى من 5–7 عوارض من القلق النفسي، مقارنة بذوي التعليم الأعلى.
وعن علاقة الصحة بالتنمية، يبين
الارتباط الوثيق بين اعتلال الصحة والفقر والركود الاقتصادي، فالإصابة بالأمراض
الخطيرة والمزمنة وتدهور الحالة الصحية، يؤديان إلى انسحاب الرجال من سوق العمل،
وبالتالي إن الحفاظ على صحة جيدة للاجئين هو بمثابة إنقاذ لهؤلاء من الوقوع في هوة
الفقر.
ويؤكد الكتاب أهمية وضرورة توافر برامج التوعية الصحية في أي مجتمع، لما لها من دور
كبير في الحفاظ على الصحة، فكثير من الأمراض يمكن تجاوز التطورات الخطيرة لها
باتباع برامج صحية وقائية تمنع من الوصول إليها، كالقصور الكلوي والقدم السكرية
وأمراض القلب والشرايين.
وفي الفصل الثاني من الكتاب، يتعمد الكاتب الدخول في بعض التفاصيل الخاصة بكل مخيم على حدة، والوقوف على ظروفه العامة بشيء من الموضوعية والحيادية، وإلى إدراج الأرقام والبيانات وإن كانت تقريبية بينها. فهناك تفاوت واضح بين هذه المخيمات من نواحي متعددة تتعلق بالوضع الاجتماعي ونوعية السكن وتوافر الخدمات، فعلى سبيل المثال، يشير الباحث إلى معاناة سكان مخيم الحسينية، قائلاً: «يعاني سكان مخيم الحسنية من عدم توافر الخدمات الطبية الإسعافية الليلية فيه بسبب بعده عن مركز المدينة، ويلجأ السكان ليلاً لإسعاف مرضاهم إما إلى الصيدليات التي يدير معظمها فنيو صيدلة، وإما إلى المشافي الخاصة في منطقة السيدة زينب، ويُعَدّ هذا الخيار صعباً ومكلفاً لأهالي المخيم». ويلفت الانتباه إلى أن بعض المخيمات لا تزال تعاني أعباء انتشار بعض الأمراض الوراثية والمزمنة الناتجة من عدة أسباب، أشهرها زواج الأقارب، بالإضافة إلى الأمراض الاجتماعية و النفسية، بالرغم من وجود برامج التوعية والمؤسسات الصحية القائمة على مكافحتها والحد من استمرارها.
وفي الفصل الثالث يعرض الكاتب ما توصل إليه من نتائج وتوصيات استُخلصت من حيثيات البحث وجزئياته، دعت في معظمها إلى ضرورة إيجاد حالة من التوازن في تقديم الرعاية الطبية للاجئين في المخيمات والتجمعات، بالإضافة إلى العمل على تقديم الرعاية الطبية الثانوية التي غالباً ما يقف اللاجئ أمامها عاجزاً، وخصوصاً في ظل التغيرات التي طرأت على برامج الأونروا.
ويوجه أيضاً الدعوة إلى مدّ جسور التعاون وتعميق أواصر العلاقات التضامنية مع أي منظمة دولية ليست لها أي مشاريع مشبوهة وتعترف بحق الشعب الفلسطيني اعترافاً غير مشروط، ويدعو إلى وجوب أخذ زمام المبادرة لتفعيل العمل الطوعي في المخيمات التي تفتقر إلى العناية الطبية المطلوبة وإقامة مؤسسات طبية تطوعية جامعة تضم فرقاً لتقديم المساعدة الطبية، وخاصة لمرضى الرعاية الثانوية.
بالإضافة إلى ما سبق، يضم الفصل الثالث ملحق جداول ضمّ (جدولاً يعرض واقع خدمات الوكالة الصحية بحسب المؤشرات الواردة في التقرير الصادر عنها لتقويم عملها في مناطق نشاطها، وجدولاً يبين عدد النساء اللواتي راجعن عيادة تنظيم الأسرة، وجدولاً يبين عدد النساء اللواتي خضعن لرعاية طبية أثناء الحمل، وجدولاً يبين حالة مرافق الصرف الصحي، وجدولاً يبين التوزيع النسبي للسكان، 15 سنة فما فوق، حسب فئات العمر والإصابة بمرض مزمن والعلاقة بقوة العمل، وجدولاً يبين عدد الأمهات المعتنيات بالأطفال اللواتي يعرفن العلامات الدالة على التهاب رئوي، وجدولاً يبين عدد الطواقم الطبية من أبناء اللاجئين في المحافظات السورية الرئيسية، وجدول إحصاء نهائي للذين خضعوا للفحص أثناء حملة الحد من انتشار مرض فقر الدم المنجلي والتلاسيميا وغيرهما...).
وإلى أهمية هذا الكتاب، يشير الكاتب إلى أن المعلومات التي وردت فيه كانت نتاج الدراسة المسحية الميدانية التي أجراها تجمع العودة الفلسطيني (واجب) خلال الفترة التي تزامنت وإجراء البحث، ما يمنح المهتمين تصوراً لوضع الآليات المناسبة لتقديم المساعدات الصحية، أو حتى إقامة المشاريع التنموية التي تكفل النهوض بحال هذه المخيمات والتجمعات.
ويجدر بالذكر أن الكتاب الذي يقع في 128 صفحة من القطع المتوسط، هو من تأليف الباحث إبراهيم العلي وإصدار دار واجب وتنفيذ وتوزيع دار صفحات للدراسات والنشر في دمشق.