هَـبَّة الطفولة
أ. د. عبد الله بن أحمد الفَيْفي
فـَيْفاء
( شِعر )
صَدَر، هذا الأسبوع- من شهر مايو 2012، عن (الدار العربيّة للعلوم- ناشرون) بالشراكة مع (نادي جازان الأدبي) ديوان شِعريّ بعنوان: «فَيْفاء.. هَبَّة الطفولة»، للشاعر أ.د/ عبدالله بن أحمد الفَيفي، (عضو مجلس الشورى السعودي- الأستاذ بجامعة الملك سعود، بالرياض).
........................................
I
من أجواء الديوان بعنوان «فارق التوقيت»:
فارق التوقيت
بَيْنَ عِذْقِ النَّخْلَةِ الأُوْلَى ومَوْجَاتِ الإذاعَةْ |
ونُخَيْلاتٍ تَهَاوَى.. فارِقُ التَّوْقِيْتِ سَاعَةْ |
مِثْلَما أَنْكَرَ- رُغْمِيْ- سَيْـفِيَ الهِنْدِيْ الْتـِماعَـهْ |
أَنْكَرَ النَّخْلُ صَباحًا في ثَرَى العَيْنِ ارتِفاعَهْ |
شَطُّـهُ الأَقْصَى تَعَرَّى شَطْـرُهُ الأَدْنَى مَجاعَـةْ |
أَيُّ صُبْحٍ دَجَّنَ النَّخْلَ زُرافاتٍ ورَاعَهْ |
مَنْ تُراهُ- يا رفيقي- باعَ نَخْلَ العُمْرِ، باعَهْ؟ |
صَفْقَـةٌ ما بَعْدَها للنَّاسِ في السُّوقِ بِضاعَةْ |
يا خَرِيْفَ العُمْرِ، لا بُوْرِكْتَ نَخْلًا مِن وَضاعَةْ |
لَيْتَني ما عِشْتُ يَوْمِيْ.. لا، ولم أُدْرِكْ سَماعَهْ! |
صَفْحَةٌ سَوداءُ حَسْبِيْ مِن سَوادٍ في نَصَاعَةْ |
سَطْرُها الأَوَّلُ كِذْبٌ سَطْرُها الثاني لَـكَاعَةْ |
- هل لهذي الحَالِ حَلٌّ؟ قُلْ لنا، يا ذا البَراعَةْ! |
- حينما تُنْـتَزَعُ الذَّاتُ مِنَ الذَّاتِ انْتِزاعَةْ |
قُلْ على الدُّنيا سَلامٌ! كُلُّ مَعْنًى كالفُقاعَةْ! |
كُلُّ حَرْفٍ ثـَارَ شَمْشُوْنًا، فمَنْ يَلْوِي ذِراعَهْ؟ |
يَرْتَدِيْ التَّلْمُوْدَ «بِشْتًا» ويُصَلِّي بالجَماعَةْ! |
! ! !
........................................
II
ومن قصيدة «زفراتٌ أخرى من سِفر أيّوب»:
...
ويُبْسَطُ صَوْتٌ مِنَ الذَّارياتِ
مِنَ الحامِلاتِ
مِنَ الجارياتِ بما تُوْعَدُون
يُعانِقُ صَمْتًا
تَوَكَّأَ ظَهْرَ النَّهارِ العَجُوزِ- الوَلَدْ:
أَ عِنْدَكَ فَهْمٌ
أَ عِنْدَكَ رَدْ؟:
على أَيِّ شَيءٍ تَقِرُّ القَواعِدُ؟
أينَ الطَّريقُ إلى حيثُ يَسكُنُ هذا الضِّياءُ
عُيُونَ الظِّباءِ
ويَغْمُرُ بـ«الله أَكْبَرُ» غَيْظَ المساجِدِ؟
وا غَبَشًا مِن طُيُورِ الأَذانْ
تَفَجَّرَ «خَيْرًا مِنَ النَّوْمِ»
«خَيْرًا مِنَ اليَوْمِ»
يَوْمًا تُصَلِّي وُجُوهُ عَرُوْبَةَ فيهِ بِوَجْهِ الأَحَدْ
فتَبْكي لِأَيـُّوبَ
في أَرْضِ عُوْصَ
شُؤُونُ المَدائنِ
ناحَتْ تُغَنِّي
ومِلْءُ غَمامةِ فِيْها بِمِلْءِ غَمامةِ فـِيْ
على النَّصْبِ لَـحْنًا شَبِيْهًا بِلَحْني:
أَ عِنْدَكَ فَهْمٌ
أَ عِنْدَكَ رَدْ؟:
بِصَدْرِكَ
أَعناقُ نارِ الحِرارِ القَديمةِ
دارتْ
تُعانقُ في صَفَحاتِ صَباحِكَ
حِبْرَ الجَديدِ
وشَمْسَ الأَجَدْ
تَخَطَّفُ في عَبْسَ دارًا فَدارا
وما إنْ لها (خالدُ بنُ سِنَانْ)
فَـيَخْضَرُّ وَشْمُ التَّخالُفِ
وَشْمُ التَّحالُفِ
عارًا فَعارا
بِكُلِّ غُمُوضِ الجِراحِ البَـيَانْ
بِسِنْخِ الأَدِيْمِ
بِجَمْرِ الوَرِيْدِ
بِصَرْخَةِ دَمْعِ الوَلِـيْـدِ
تَصَلَّتْ خُطَاهُ بِرَمْضَايَ نارا
وأَرْكُضُ.. أَرْكُضُ
لا ماءَ في الأرضِ عِنْدِي
وما ليْ يَدانْ
فمَنْ ليْ هنالِكَ؟
مَنْ ليْ..
بِدَمْعَةِ ماءٍ؟
ومَنْ ليْ بِيَدْ؟
ومَنْ ليْ
بِأُخْدُوْدِ هذا الزَّمانْ
بِبَرْدِ الخَلِيْلِ الوَقُوْدِ الأَشَدْ؟
وتُعْشِبُ أَصْدَاؤُهُ
في عُرُوقِ المكانْ
تُـمَـوْقِـعُنـِيْ في دُخانِ التَّمَنِّي:
أَ عِنْدَكَ فَهْمٌ
أَ عِنْدَكَ وَهْمٌ
أَ عِنْدَكَ رَدْ؟:
أَ ثَمَّةَ يَبْقَى بِثَوْبِ الحَريقِ قَمِيْصٌ وَقَدْ؟
يُواري بِعَيْنِكَ سَوْءَةَ هذي الأَثافيْ/
القَوافيْ/
الـمَنافيْ؟
أَ يَبْقَى على الأُفْقِ ثَمَّةَ أُفْقٌ وَمَدْ؟
وأَنَّى..
وهذا المَدَارُ رِتَاجٌ وحارِسْ
تَطِيْرُ النَّوارسْ
ويُوْرِقُ بَيْرَقْ؟!
........................................
III
وجاء من فاتحة الديوان:
...أختلف مع مَن يرون حَجْر اللغة الشِّعريَّة على ما أَلِف الناس، ويُبادرون إلى نَعْت مَن نَدَّ عن ذلك، ولو قليلًا، بالحُوشيَّة، والإغراب، أو بالتوعُّر، والغموض. ذلك أن معارف الشعراء باللغة مختلفة، وإلمام الناس بسماواتها متباينٌ جِدًّا؛ ولو أُخِذَ في الشِّعر بمبدإ تطريب القارئ العامّ، وإرضاء الجمهور العريض، واستدرار التصفيق الساذج، إذن لانتفت وظيفةُ الشِّعر اللغويَّة، وطموحاته الخياليّة، في استحياء مندثرٍ، أو تجديد قديمٍ، أو استشراف شُموس أخرى.
إن لكلِّ مقامٍ مقالًا، ولكلِّ سياقٍ لغة. وتعليب الآفاق التعبيريّة في قوالب- تنفي القديم أو الحديث- هو إجدابٌ لطاقات اللغة، بتحجيرها في القديم، رفضًا للجديد-- بحُجَّة العاميَّة أو العُجمة-- أو الانسلاخ عن القديم منها، وإماتته، بحُجَّة التحديث والعصرنة. وتلك، في حقيقة الأمر، إشكاليَّةٌ تتجاوز اللغةَ إلى تفكيرٍ مغلوطٍ حول علاقة التراث بالحداثة. وأحسب أن مِن مهمَّة الشِّعر الأساس كَسْر هذه الساعة الفِكريّة الجامدة؛ بريشةٍ شِعريّةٍ تصبو إلى استحياء ماضٍ من جهةٍ، وتطوير حاضرٍ من جهةٍ أخرى. كما أنِّي، في الوقت نفسه، وإنْ كنتُ لا أرى تدخُّل الشاعر بشرح شِعره، لَأَجِد مِن حقِّ القارئ (النِّسبيّ) تقريب النصِّ إليه في بعض الحالات، بما لا يتنافى مع حُرِّيَّة النصِّ في إنتاج قراءاته المتعدِّدة.