قراءة في كتاب الثورة العربية
قراءة في كتاب الثورة العربية
محمد هيثم عياش
برلين /19/02/12 وصل عدد الكتب التي تتحدث عن انتفاضة بعض الشعوب العربية ومنذ ثورة الياسمين التونسية التي بدأت أوائل شهر كانون أول /ديسمبر من عام 2010 تلك الثورة التي أطلق عليا فيما بعد جراء توسعتها لتشمل مصر وليبيا واليمن وسوريا وغيرها من الدول العربية بـ / ربيع العرب / وحتى أواخر شهر كانون أول/ ديسمبر من عام 2011 المنصرم الى حوالي ثمان واربعون كتابا كما وصل عدد الذين شاركوا في كتابة هذه الكتب الى حوالي واحد وسبعين كاتبا اذ انه يوجد ببعض الكتب مشاركة باكثر من كاتب ففي بعضها مجموعة من المقالات .
والواقع ان انتفاضة بعض شعوب العربية فاجأت العالم بأسره وخاصة اوروبا فهي كانت تعتقد الى وقت قريب بأن الشعوب العربية المنتفضة ضد حكامها سيبقون مثل سامعون مطيعون لحكامهم لا يعرفون ان هناك حرية للراي فهم اذا زاروا اوروبا يوما ما يظنون انهم في غير االارض التي يعرفونها بالرغم من الحريات العامة في اوروبا جوفاء فالمظاهرات التي تخرج بين الحين والآخر ببعض الدول الاوروبية رافضة للتقضف بسبب الازمة المالية او في المانيا من اجل المطارات وعدم استقبال مخلفات نووية لم تؤدي الى شيء اذ ان الحكومات تقوم بتنفيذ ما تريده غير مكترثة لاراء شعوبها ، أما شعوب الدول العربية التي انتفضت ضد حكامها كانوا قدوة برفض شعر دريد بن الصمة الذي قال:
وما انا إلا من غزية ان غوت غويت وان ترشد غزية أرشد
واخذوا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقوم لا يكون أحدكم إمعة يقول اذا أحسن الناس احسنت واذا أساؤا أسأت ولكن قوَّموا أنفسكم ، أماما لهم .
ويعتبر خبراء الشرق منطقة الشرق الاوسط المنحدرين من المدن التي كانت تابعة لما يُطلق عليه بـ / المانيا الشرقية – جمهورية المانيا الديموقراطية / ذات النظام الشيوعي / اكثر تعاطفا مع قضايا الشعوب العربية نظرا لمعاناتهم من النظام الشيوعي الذي كان يمارس كبت الحريات وغيرها .
ويصف خبيرا منطقة الشرق الاوسط فرانك نوردهاوزِن وتوماس شميدت في كتابهما / الثورة العربية / مع مجموعة مقالات لعدد من الصحافيين ثورة شعوب بعض الدول العربية بيقظة العرب الحديثة مقارنين بذلك الانتفاضة باليقظة العربية التي كانت أبان انهيار دولة الخلافة العثمانية تلك اليقظة التي ساهمت الى حد بعيد بالقضاء على الدولة العثمانية جراء تعاون بعض العرب مع الانجليز وغيرهم ضدها . ويعلن الكاتبان ان يقظة عرب بداية القرن العشرين تختلف عن يقظة الشعوب العربية في العشر الثاني من القرن الواحد والعشرين فيقظة بداية القرن العشرين كانت وراء تقطيع اوصال شعوب بلاده العرب فقد نجم عنها وقوع مناطق الشرق الاوسط تحت الانتدابين الفرنسي والانجليزي واعطاء ارض فلسطين لليهود وأصبحت بلاد الشام منقسمة الى اربعة دول اضافة الى لعب العنصرية دورها الاساسي في النزاعات القائمة حاليا فالقومية العربية كانت وراء تشجيع الاقليات العرقية بالمطالبة بحكم ذاتي بالمناطق الآهلة بهم فالاكراد كانوا في عهود دول الخلافة الاسلامية جزء لا يتجزأ من الامة الاسلامية العربية وها هم الآن يطالبون بحكم ذاتي لهم فالعراق لم يكن يعرف التفريق بين الاكراد والعرب ، فقد حكم الاكراد العراق ببعض مراحل تاريخه السياسي الحديث ما بعد خروج الدولة العثمانية منه مثل جعفر العسكري ونوري السعيد وغيرهما وها هم الاكراد يستغلون الانتفاضة السورية ويطالبون النظام السوري بحكم ذاتي بمناطقهم شرط وقف انتفاضتهم ضده . ويؤكد توماس شميدت ان تحريض الاقليات العرقية على اقامة كيانات لهم في منطقة الشرق الاوسط قديم يعود الى اتفاقيات سايكس بيكو وبالتحديد الى وعود بلفور ورسائل الدبلوماسي البريطاني هنري مكماهون / 1862- 1949 /مع شريف مكة الحسين بن علي اذ هدد الاول الاخير بقبول الوعد الذي وعده بلفور لليهود بفلسطين والا فان مناطق العرب التابعة للدولة العثمانية ستصبح منقسمة الى دويلات .
ويعزو الكاتبان الثورة العربية بانها يقظة العرب الثانية الى قيام الشباب بالمظاهرات الصاخبة والسلمية والمحفوفة بالمخاطر ضد حكم الاستبداد والحكم الغشوم قاهرين بذلك الخوف الذي كان مسيطرا على الجميع لاكثر من اربعين عاما وثورتهم كانت درسا للغرب الذي لم يكن في يوم من الايم صادقا مع هذه الشعوب وصادقا ايضا مع حكامهم وانه منذ ان احرق الشاب التونسي محمد بن عزيزي نفسه أمام العامة اشعل خلال ايام واسابيع قليلة العالم باسره حتى وصلت نيران الكرامة هذه الى الصين والغرب الافريقي ومناطق تقع في اقصى ايران مؤكديْن ان الربيع العربي فاق الكثير عن انتفاضة شعوب شرق اوروبا ضد الانظمة الشيوعية في عام 1989 والفرق بين انتفاضة الاوروبيين وانتفاضة العرب بأن انتفاضة الاوروبيين لم يسل منها محجة دم جراء مساندة الدول الاوروبية الغربية للشرقيين بينما لم يساند انتفاضة الشباب العربي احد .
ويعرب الكاتبان عن فخرهما لنباهة الشباب العربي الذين انتفضوا ضد حكوماتهم السابقين اذ ان الوعي السياسي والشعور بالمسئولية لانقاذ بلادهم من التبعية الاجنبية وبالتالي من عنف حكم الفرد اضافة الى استقاء احداث العالم من شبكات المعلومات الدولية وتبادل الآراء عبر هذه الشبكات / الانترنت / كان وراء اقتباس الشباب الشجاعة وقهرهم للخوف كان وراء انتفاضتهم اذ استطاعوا كسر القيود التي كانت تمنعهم من الحرية وان انتفاضة شعوب مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن شملت الطبقتين الفقيرة والوسطى اكثر من الطبقة الغنية بالرغم من مشاركة الكبقة الاخيرة بشكل خجول في هذه الانتفاضة .
ويرى الكاتبان ان الفقر وحكم الفرد اضافة الى الكبت السياسي وكم الافواه هي وراء الانتفاضة فالشعب اليمني شعب فقير متسول والتوانسة والمصريين فقدوا كرامتهم جراء بحثهم عن العمل خارج بلادهم ولو كان العمل اهانة لمرؤتهم وبالرغم من ان ليبيا غنية بالنفط وتعتبر اغنى دول شمال افريقيا الا انها تخلو من البنية التحتية للدولة فالقذافي جعل كل شيء بيده والمغرب والاردن ذات نظام ملكي بنيتهما الاقتصادية والسياسية في غاية الرداءة والشعب السوري كغيره من التوانسة والليبيين والمصريين يعيشون بقبضة العسكر الذي صادر الحريات واستحل حرمات شعوبهم وامتهان كرامتهم أما في السعودية فبالرغم من ان السعودية اكثر بلاد العالم الاسلامي استقرارا وازدهارا الا ان السعوديين يعيشون تحت ظل حكم ديني متزمت وبالرغم من الاصلاحات وعدم وجود احتجاجات تذكر الا ان السعوديين يتطلعون الى قسط من الحرية . ويؤكد الكاتبان ان حكام مصر وتونس وليبيا السابقين اضافة الى حكام اليمن وسوريا الحاليين كانو يعتبرون الطابور الخامس للولايات المتحدة الامريكية في حماية مصالحهم في منطقة الشرق الاوسط وعضدا رئيسيا لمحاربة ما يُطلق عليه بالارهاب الدولي .
وينفي الكاتبان دور الاخوان المسلمين وغيرهم من الجماعات الاسلامية وراء انتفاضة شعوب شمال افريقيا وسوريا واليمن فانتفاضة شعوب تلك الدول عفوية خالية من التنظيم مشيران ان من يعتقد بان الاسلاميين كانوا هذه الانتفاضات لا يعلم طبيعة شعوب تلك المنطقة فهم متدينون على الفطرة محافظون على دينهم ويرون ان الغرب كان قد اوصل بلادهم الى الحضيض سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فهو قد بذل جميع جهوده لابعاد شعوب تلك المنطقة عن الاسلام وبذل جميع ما يملكه من دعم مادي وعسكري ومعنوي لحكامهم السابقين من اجل القضاء على الحركات الاسلامية في تلك الدول وهو يسعى بين الحين والاخر لزرع فتن في الدول الاسلامية التي تسعى للحفاظ على حصونها من الداخل من بذرة الفساد مثل المملكة العربية السعودية بحجة ان المملكة تسمح بالحريات بشكل محدود شرط ان لا تسم هذه الحريات بالعقيدة وبالحكومة ، فالملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود واخوته متدينون ويؤكدون حكم الشريعة الاسلامية لبلادهم والغرب ينظر الى المملكة نظرة ريبة لانها تقوم بدعم المسلمين في كل مكان ، والجماعات الاسلامية التي وصلت الى برلمان مصر وتونس ومن المحتمل وصولها في ليبيا ايضا عندما تجري الانتخابات فيها وسوريا عندما يستطيع شعب تلك الدولة القضاء على نظامهم انما جاء لفطرة تلك الشعوب على الاسلام والغرب فشل في تحقيق بغيته بابعاد الدين عن السياسة .
وعزا المؤلفان عدم وقوف الاسلاميين وراء انتفاضة تلك الشعوب الى انه عندما اعلنت واشنطن مقتل اسامة بن لادن في أيار/مايو عام 2011 المنصرم لم يكترث احد لهذا البلد أي لم ينتطح من اجل مقتل زعيم القاهدة عنزان اذ هز المسلمون في تلك الدول اكتافهم لمقتله .
ويحذر المؤلفان الغرب بالتدخل في شئون تلك الدول الداخلية من خلال محاولتهم دعم الجيش في مصر او الايعاز الى جيش تونس الذي اعلن اثناء انتفاضة ذلك الشعب وقوفه الى جانب الشعب بالانقضاض على الاسلاميين بالبرلمان والحيلولة دون استلمهم حكم مصر واستمرارهم في حكم تونس او غيرها فقد ارتكب الغرب خطئا فادحا عندما طلب من الجيش الجزائري القضاء على الاسلاميين الذين نجحوا في انتخابات الجزائر بداية التسعينات فقد نجم عن ذلك مقتل الالاف من الجزائرين وازدادت ظاهرة الكراهية للغرب وان على اوروبا ان تبذل قصارى جهودها للتعايش مع دماء جيرانهم العرب المسلمين الجديدة فالتعايش السلمي وراء تعايش الشعوب ووراء احلال السلام في العالم .
وطالب المؤلفان اوروبا باستمرار تقديم مساعداتهم التنموية والاقتصادية لتلك الشعوب لمساعدتهم على استقرار الحريات العامة في بلادهم وتحقيق طموحاتهم بعيش كريم مستقر في بلادهم بدل اللجوء الى اوروبا وغيرها .
ويرى خبير الشرق الاوسط هينر فورتيغ احد الذين يعملون كباحثين في معهد الشرق الحديث الذي يتخذ من العاصمة برلين مقرا له ان اسباب الاضطرابات التي شهدتها المملكة العربية السعودية في وقت سابق من عام 2011 وخاصة بالمناطق الشرقية منها يعود الى حرمان الشيعة من حقوقهم وكانهم غير مواطنين الا أنه أشار الى ان الاضطرابات كان مصدرها الشيعة في اليمن الذين يؤيدون بشكل غير صريح انفصال الجنوب عن الشمال ويسعون ايضا لاقامة دويلة لهم بين السعودية واليمن مضيفا ان من اسباب الاحتجاجات التي وقعت في السعودية ايضا حكم آل سعود المتيز عن بقية حكام الدول العربية فهم مسلمون محافظون لا يسمحون للحريات الى بشكل محدود كما ان النظام الملكي فيها غير دستوري فالملك هو الحاكم المطلق .
ويعتقد فورتينغ الذي اقتبس مقالته عن السعودية من صحف شعبية متعددة اضافة الى بعض المجلات السياسية مثل / شبيغل/ وتحاليل يضعها بين الحين والآخر المبرةالالمانية للعلوم والسياسة البرليني ان الاصلاحات التي انتهجها خادم الحرمين الشريفين الاخيرة التي منها سماح النساء بخوض الانتخابات ودخولهن مجلس الشورى في الاعوام القليلة المقبلة جاءت كرد فعل للاحتجاجات التي جرت في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن وغيرها ومحاولة صبورة للحيلولة دون وقوع مثل تلك الاحتجاجا بالمملكة .
ولا يختلف واضعو المقالات في هذا الكتاب عن غيرهم ممن كتبوا عن الانتفاضة العربية فهم يسردون وقائع الاحدث منذ ان احرق التونسي محمد بوعزيزي من بلدة سيدي بو زيد نفسه امام العامة في كانون أول/ديسمبر من عام 2010 جراء الاهانة التي تلقاها من بلدية تلك المدينة الذين أرادوا حرمانه من رزقه ثم الى مصر وساحة التحرير القاهرية التي دخليت هذه الساحة التاريخ الحديث وادت الاحتجاجات في تلك الساحة الى استقالة حسني مبارك من منصبه وانتفاضة بنغازي في 17 شباط/فبراير من عام 2011 ضد معمر القذافي اذ اتخذ الليبيون من تلك المدينة منطلقا لهم لتحرير كافة ليبيا من حكم القذافي بدعم عسكري من حلف شمال الاطلسي / الناتو / وغيرهما .
أما في سوريا فتستبعد خبيرة الشرق الاوسط مارتينا دورينغ التي درست العربية في جامعة لايبتسيغ / شرق / وعضوة ف رئاسة تحرير صحيفة / يونغيه فيلت – شباب العالم/ المحسوبة على الماركسية اي تدخل عسكري شبيه بليبيا فالنظام السوري يستمد دعمه من الغرب والشرق على حد سواء لموقع سوريا الاستراتيجي بمنطقة على كف عفريت اذ يخشى الغرب وصول الاسلاميين الى حكم تلك الدولة تؤدي الى تحرير فلسطين لا محالة .
ولا تعتبر انتفاضة بعض الشعوب العربية التي ذكرها المؤلفان نوردهاوزن وشميد في مقدمتهما شبيهة باليقضة العربية ، فالقوميون العرب كانوا وراء هذه التسمية اذ اتهموا دولة الخلافة العثمانية بالدولة المحتلة ، ومن الصعب ان يسرد المرء تاريخ الشعوب العربية الحديث ودور الاجداد والآباء في تدمير المنطقة العربية الاسلامية باسرها اذ ان اولاد واحفاد هؤلاء لا يزال الكثير منهم على قيد الحياة ، فالشريف حسين بن علي كان طامعا بالخلافة ولما خذله الانجليز وابتعد عنه الكثير من الائمة المسلمين لمساهمته بالقضاء على الخلافة الاسلامية لقي ربه وحيدا مريضا شريدا ، واذا قال قائل ان آل سعود ساهموا ايضا بالثورة العربية على الترك فهو لا يعرف شيئا عن تاريخ آل سعود الحديث والقديم فقد رفض الامام عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمه الله مؤسس الدول السعودية الحديثة حمل اي قطعة سلاح لمواجهة العثمانيين في وهو ما يؤكده خير الدين الزركلي في كتابيه الهامين / الاعلام / و / ما رأيت وما سمعت / فآل سعود لم يخرجوا على الدولة العثمانية في عهد الامام محمد بن الوهّاب / بل ارادوا العودة الى اصول الاسلام الصافية الخالية من تلك البدع التي اساءت للدين الاسلامي ، كما أن الشيعة في السعودية يتمتعون بأكثر الحقوق . وانتفاضة شعوب مصر وتونس وليبيا وسوريا هي من اجل الكرامة والحرية كما انها يقظة بالفعل وليست يقظة مثل يقظة القرنين التاسع عشر والعشرين فالقومية وراء ما يعاني العراق منه وسوريا الان.