قراءة في كتاب وداعا من منطقة الف ليلة وليلة
قراءة في كتاب
وداعا من منطقة الف ليلة وليلة
امنيتي ان أفهم العرب
محمد هيثم عياش
برلين / 09/02/12 / يعتبر الصحافي الالماني اولريخ / تقرأ بالخاء الخفيفة / كينتْسْلِ 76 عاما أحد خبراء منطقة الشرق الاوسط فقد كان مراسلا للمحطتين الاولى والثانية من التلفزيون الالماني بمنطقة الشرق الاوسط بدأت أوائل السبعينات واستمرت الى نهاية التسعينات .
ومن خلال كتابه / الوداع من منطقة الف ليلة وليلة / الذي وضعه مؤخرا ونزل الى دور الكتب وعرضه أمام الصحافة بتقديم من رئيس الحزب الديموقراطي الاشتراكي سيجمار جابرييل يوم 19 كانون ثان/يناير 2012 الحالي قام الصحافي المذكور بعرض الاسباب الخلفية والمباشرة التي أدت الى انتفاضة شعوب بعض الدول العربية كما عرض من خلاله مقابلاته التي اجراها مع بعض زعماء تلك المنطقة مثل الرؤساء الذين قتلوا مثل العراقي صدام حسين والليبي معمر القذافي ورئيس سوريا الراحل حافظ أسد والمسجون حاليا حسنس مبارك . ولم يتطرق كينتسيل في كتابه الى دول المغرب العربي باستثناء ليبيا ودول منطقة الخليج العربي لانه كان مراسلا من سوريا والعراق ولبنان وليبيا .
ويؤكد كينتسيل في كتابه ان اسباب انتفاضة بعض الشعوب العربية مثل مصر وسوريا وتونس وغيرها الظلم وتفرد حكام تلك الدول السابقين والحالي بشار اسد باتخاذ القرارات دون العودة الى مشاورة اعضاء حكومته فهم اسوأ من فرعون مصر ، فقد كان فرعون موسى يشاور جلساءه كما جعل اولئك الحكام بلادهم فقيرة بعد ان كانت غنية واذلوا شعوبهم بعد ان كانوا يعيشون في ظل الملكية والحكم الديموقراطي كراما .
ويتطرق المؤلف في بداية كتابه الى زعيم ليبيا الراحل معمر القذافي اذ وصل اليها ابان بدء حرب تشرين اول / اكتوبر من عام 1973 لينتقل منها الى مصر وتغطية احداث الحرب مباشرة فيصف القذافي بانه مصاب بمرض الخيلاء اذ استطاع الاطاحة بالملكية ولا يزال في ريعان الشباب ويحاول تقليد الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر . ويجزم كنيتسل انه لمس من خلال مقابلته القذافي ان الرجل معتوه ومصاب بمرض الجنون فهو لا يملك اي ثقافة سياسية أهلته لحكم بلاده ووصف الرئيس الامريكي رونالد ريغان القذافي بانه كلب الشرق الاوسط المجنون صائبا فقد حاول القذافي اقناع كينتسل بسياسة الجماهيرية من خلال وضعه لكتابه الاخضر وان جميع الانظمة الحالية اقتصاديا وسياسيا مصيرها الى الزوال وتبقى زعامة الجماهير . وواصف كينتسل / الكتاب الاخضر / بالركاكة وعدم النضوج السياسي كتبه رجل لا يعي ما يقول مضيفا ان القذافي الذي حكم بلاده لمدة تصل الى اربعين عاما لم يأبه لشعور شعبه فأهدر خيرات ليبيا في دعم منظمات محسوبة على الارهاب في اوروبا وغيرها ولم يكن في يوم من الايام صادقا مع القضايا العربية فهو كان يريد وضع منظمة التحرير الفلسطينية تحت إمرته وجعل من ليبيا دول مستهتر بها في العالم لا يكترث لسياسته وآراءها .
ويعرج كينتسل الى سوريا فهو يصف الرئيس الراحل حافظ اسد بثعلب الشرق الاوسط فذلك الرئيس الذي حكم سوريا بالحديد والنار والمراوغة لمدة تصل الى حوالي ثلاثين عاما استطاع ان يمسك بعصا بعلاقاته مع الشرق والغرب بالرغم من ان ميوله للشرق الشيوعي اكثر من الغرب وخاصة ان علاقاته مع الغرب تأصرت عندما انحاز للغرب بحرب الخليج الثانية التي تكمن باخراج العراقيين من الكويت مشيرا ان حافظ اسد لم يساهم بشكل كبير باصلاحات اقتصادية واجتماعية في بلاده بل استطاع ان يكم افواه المعارضة بالحديد والنار وجعل من الشعب السوري شعبا غير محبوبا بمنطقة الخليج العربي وببعض الدول العربية الاخرى وخاصة في لبنان الذي عانى من الحرب الاهلية بسبب دسائس ذلك الثعلب مشيرا ان سياسة حافظ اسد التعسفية هي من نتائج انتفاضة الشعب السوري الذي يطالب بالحريات العامة التي فقدها ، فقد كانت سوريا قبيل وحدة عام 1958 بين مصر وسوريا احسن حالا من غيرها من الدول العربية فالحريات العامة كانت سائدة واوضاع شعبها الاقتصادي والاجتماعي افضل وضعا من بعض شعوب العالم العربي . ويؤكد كينتسل ان حافظ اسد بالرغم من موازنته بين الشرق والغرب الا انه لا يملك نظرة سياسية بعيدة كما لا يتمتع بوافر من العلم السياسي والمعرفة فهو كان قد اكد خلال زيارة قام بها الى المانيا عام 1975 بانه يريد شراء اسلحة من المانيا لمحاربة الكيان الصهيوني وهو يعلم بأن المانيا احدى الدول التي تحمي الكيان المذكور نظرا لوخز الضمير الذي تعاني منه الى الان واعلانه ذلك جعل الالمان وغيرهم من بعض الدول الاوربية يبتعدون عنه ولم يستطيع العودة الى احضان اوروبا بشكل جلي الا بعد مؤتمر مدريد للشرق الاوسط عام 1991 الذي دعا اليه الرئيس الامريكي السابق جورج بوش / الاب / والمعروف بالنظام العالمي الجديد الذي يكمن بالمصالحة بين الصهاينة والعرب وذلك مباحثات اوسلو السرية التي لعبت دمشق دورا رئيسيا فيها على / حد زعم كينتسيل / .
ويرى كينستتيل في لبنان الذي عاش فيه طيلة عمله مراسلا للمحطة الاولى من التلفزيون الالماني في منطقة الشرق الاوسط بأنه بلد عصابات المافيا فلبنان الذي يعتبر سويسرا الشرق الاوسط اذ كانت الحريات غير محدودة فيه واوجهه المتعددة اذ تستطيع ان ترى في بيروت كل شيء مباح اما ان تعثر على التدين قبيل الحرب الاهلية فيجب عليك ان تجهد نفسك ، فذلك البلد كان مزدحما بالمنظمات الاوروبية المعادية لاوروبا وخاصة عناصر منظمة الجيش الاحمر الالماني / بادر ماينهوف / والالوية الحمراء الايطالية وفدائيو ايرلندا وغيرهم فقد كان بلدا مرتعا خصبا لهذه العناصر دون قيد الى جانب منظمات فلسطينية تناصب منظمة التحرير الفلسطينية وخاصة فتح العداء والزعامة ، وتحكم هذا البلد عائلات المافيا للبنانية من الدروز والمسيحيين والمسلمين وان جميع الدول العربية اتخذت من لبنان مسرحا لمحاربة بعضها البعض بسبب عدم وجود عقلية سياسية ناضجة لشعب تلك الدولة الذي مزقته الحرب الاهلية ونتجت عنه ظهور مافيا جديدة بوجوه جديدة وقديمة لا تستند الى الاخلاق والبعد السياسي .
ويصف المؤلف الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بلص بغداد فهو قد استولى مع حفنة من الناس على السلطة في العراق بضربة معلم وأصبح الرجل القوي عندما كان رئيسا لوزراء بلاده أبان الرئيس احمد حسن البكر . ويؤكد كينسيل با صداما بالرغم من انه مثقفا ويحمل شهادة محاماة الا انه لا يكن بالسياسي الذي يملك نظرة سياسية بعيدة ، فقد حارب ايران لمدة صل الى حوالي ثمانية اعوام خرج منها منهوك القوى وجعل من بلاده التي كانت دولة دائنة الى دولة مديونة وارسل جيوشه الى الكويت بحجة انها تابعة للعراق وذلك بايعاز من الولايات المتحدة الامريكية رجل متهور ليس له اي اهداف سياسية سوى ابراز عضلاته أمام زعماء الدول العربية الا انه ومع ذلك فقد كان رجلا سلس الحديث دمث الاخلاق الا انه عصبي يقتل المقربين اليه من اجل البقاء متربعا على عرش القوة في العراق .
ويعتقد المؤلف ان انتفاضة بعض الشعوب العربية في مصر وتونس وليبيا وسوريا واليمن أذِنت للبشرية بنهاية منطقة الف ليلة وليلة تلك المنطقة التي تسودها الاحاديث الغير الواقعية في دهاليز السياسة وأذنت بمولد جديد لجيل لا يعرف للخوف معنى يريد أثبات العالم بأن منطقة الشرق الاوسط يعيش بها شعب واقعي بإمكانه رد الصاع الصاعين لكل من يريد المساس بكرامته على حد قوله .
وصدق المؤلف بتأكيده ان منطقة الشرق الاوسط لم تعد منطقة الف ليلة وليلة فالجيل الجبان قد ولى وظهر جيل قهر الخوف . وكل جيل يبلغ من العمر اربعين عاما ، فقد كتب الله التيه على بني اسرائيل اربعين عاما حتى يموت الجيل الجبان الذي رفض اوامر الله تعالى دخول الارض المبقدسة ليأتي جيل جديد يعرف للحرية معنى.