هشام بن الشّاوي يحتجّ على ساعي البريد
هشام بن الشاوي
عن وزارة الثقافة المغربية، صدرت للقاص والروائي المغربي هشام بن الشاوي أضمومته السردية الثالثة : " احتجاجًا على ساعي البريد"، في سبعين صفحة من القطع المتوسط، وتتشكل من إثنا عشرة قصة: غواية الظل، لا وقت للكلام، في بيتنا رجل، أسعدت حزنا أيها القلب، احتجاجا على ساعي البريد، أوراق مهربة، مشهد رتيب، نشيج الروح، أحلام بأربعة مكابح، خيط من الدخان، لا تصدقوا الكتاب، الطيور تهاجر لكي لا تموت (ما يشبه الديكوباج).
وجاءت القصص مذيلة بكلمة للروائي المصري محمد البساطي جاء فيها : "بلغة سردية ممتعة يعزف القاص هشام بن شاوي خلال مجموعته القصصية "احتجاجا على ساعي البريد " على وتر الحياة المؤلمة لأبطاله الموجوعين أحياناً والمشتتين أحياناً أخرى والذين أجهدتهم الحياة فتمردوا عليها. ذلك التمرد الذي يبدو واضحاً جلياً تارة وتارة أخرى خفياً في دهاء القاص الماهر والذي ينسج من أبطاله عوالم قصصية تكسب قصصه القصيرة ثراءاً شديداً وتناقضات تبدو للقارئ وكأنها ليست غريبة عنه فهو يكتب عن المواطن العربي من مشرق الوطن إلى مغربه وكأنه ذات واحدة.. لا فرق فيها بين شرق وغرب، حين تعبث الحياة بمن يعيشها ويتمرد عليها، ومن ثم يأتي هشام بن الشاوي بصياغة ممتعة لأبطاله في قالب هو من أشد أنواع القوالب الأدبية صعوبة ودهاء، ألا وهو عالم القصة القصيرة".
أما القاص والروائي الكويتي طالب الرفاعي فقد كتب : "عبر إثنا عشرة قصة، يقتنص هشام بن الشاوي مشاهد حياتية راعفة بحيويتها وصدق حضورها، مستخدما القصة القصيرة اللقطة، بتكاثف الزمن اللحظي للحدث الدائر، وعمق زمن التذكر، وبما يفسح مجالاً لاستحضار عوالم متداخلة، بإسقاطاتها على الحدث الراهن.
تبدو السخرية المرة واضحة في عوالم القصص، خاصة وأنها تغوص في تفاصيل الحياة اليومية للمواطن "العربي" بمعاناته ووجعه وتشتته، وتسير القصص بشكل سلس ومدروس وماكر، إلى نهاياتها، التي تبقى مستورة ومخبأة حتى الكلمة الأخيرة في القصة.
تتوسل القصص الحوار/ الدايالوج، والتقطيع المدروس، واللغة الدالة، في تقديم عوالمها، وبما يتيح مزيداً من الكشف لعوالم أبطالها بخيباتهم وهواجسهم المحبطة، وسط تناقضات الواقع الحادة.
هشام بن الشاوي، قاص يصرّ على النفاذ إلى ما تحت الحياة السطحية، مستعينًا بفن القصة القصيرة الآسر، بخلطتها السحرية بين الواقع والخيال، وذلك لفضح هشاشة وكذب الواقع المعاش، متأملاً لحظة مغايرة قادمة يكون فيها العالم أكثر جمالاً وعدلاً".
ومن أجواء قصة "لا تصدقوا الكتّاب" نقرأ :
تخيّلوا شخصًا افتقد سكينة الدواخل، مدججًا بحزن غامض استبد بروحه في صباح ربيعيّ صحو، وهو يحدق في أشجار الأوكاليبتوس عبر نافذة القطار.
غادر البيت مرفرفـًا.. الشارع خالٍ، عيناه تبحثان عن سيارة أجرة، قرويّ عجوز متوكئ على عصا، يرعى بقرة عجفاء ويهش على غنمه.
أشعة الشمس تلسع عينيه المحتقنتين.. لم ينم سوى أربع ساعات. تمطر سماء عينيه وهو يلمح امرأة مع بقراتها و حقولا صفراء تنتظر سنابلها الحصاد.. المرأة منهمكة في غزل الصوف لا تبالي بعبور القطار وصريره المزعج.. يندلع بين جوانحه حنين جارح إلى طفولة بعيدة، أشجار الأوكالبتوس تضاعف كآبته، تتدفق الدموع، يغطي وجهه بقبعته.. امرأة تربت على صغيرتها، بعد أن استلمتها من يدي أبيها، وتذوب الصغيرة في خدر النعاس اللذيذ.
يحس فراغـًا وجدانيّا موحشًا.. يفكر بشكل أعمق في معنى الفراق.. الوحدة.. الألم .. الخداع.. أقاربه الأصغر سنّا كانوا يسخرون من نشيجه عند انتهاء العطل المدرسية. كانوا يرون في القرية أشغالا شاقة لا تنتهي، ومساكن بلون التراب، حقولاً تتلون مع فصول السنة، وليالٍ موحشة سرمدية تفرض سطوتها مبكرًا.
- في المدينة نساء كثيرات وحلوات، وروائحهن تخدّر كل الحواس .
صاح الخال مبتهجًا.