سيف يهوذا
كتب .. كتب .. كتب :
ثلاث وستون – فاروق السامر :
د. حسين سرمك حسن
عن دار تموز للطباعة والنشر بدمشق صدرت رواية جديدة للروائي العراقي فاروق السامر عنوانها "سيف يهوذا" .
وسبق أن قدّمنا ، سابقاً ، قراءة لرواية فاروق السامر الأولى "عدن الخاوية" .
كّتبت الرواية بلغة شعرية عالية ومنضبطة ، وهي معادلة صعبة أحكم السيطرة على أطرافها السامر ، وتناول موضوعاً حارقاً محتدماً عن مصائر حيوات عراقية تسحقها لعنات الحرب والقهر السياسي والفساد الاجتماعي ، والتمزّق والضياع النفسيين . من مقدمة الرواية نقرأ :
(كانت ستارة البيت الأمامية قد انهارت كلياً ، وكان الضرر قد دخل الدار وأحاق أذىً متفاوتا في كل جانب من جوانبه ، بينما تبطّطت وتفطرت غالبية جدرانه الخارجية ، فارتاعت من تلك الفطور فجأة وهي تدقق فيها ، بينما عيناها تطرفان بلا انقطاع ، فداهمها إحساس قديم بالتلوث والاتساخ (فرأت الكلاب بشقوق مؤخراتها الهلالية وأفاعيها الصغيرة أمامها) ، لكنها لم تكن تمتلك الرغبة الكافية في مواجهة هذا الإحساس الدنيء الفاجر وهي على هذه الدرجة من التعب والإنهاك ، فبذلت قصارى جهدها لطرده من مخابئه الخفية ، لكنها فشلت في ذلك أيضا وظلّ يناكدها كثيرا (...) إذ كانت واحدة من القليلات اللواتي لن يؤثر بهن الرعب الذي أصيبت به غالبية النساء حتى فررن من بيوتهن خائفات .. كانت تخاف على دارها وأغراضها أكثر بكثير من خوفها على حياتها وتفاهة ما تبقى من هذه الحياة التي انزلقت من بين يديها ، وتعثرت بها أقدامها ، وداستها ببابوجها دون دراية منها) (ص 9 و10) .
(... رجعت باتجاه غرفة النوم ، مأخوذة بأفكارها المتضاربة وحيويتها الجياشة المفاجئة التي غزتها . كان النور مطفئا ، والستارة الزهرية مزاحة جانبا ، وبضربات قليلة نضت عنها ثوبها ، فتكشف جمالها على حقيقته صارخا ، مضيئا ، متحررا ، منتفضا (...) لكنها تدرك بأن الخلل الذي أصاب جسدها في الصميم ودنّسه كثيرا ، قد انتقل إلى روحها أيضا ... فعادت إليها أحاسيسها القديمة بالاتساخ (ونبحت الكلاب في وجهها من أعماق القشرة الفضية للمرآة نباحا متواصلا كأنها تؤكد ذلك) (ص 12 و13) .